صدر عن مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن كتاب "التحولات والـثــورات الــشعبية في العالم العربي: الدلالات الواقعية والآفاق المستقبلية" ضمن سلسلة شهرية الشرق الأوسط رقم (15) 2011، وهو نتاج ندوة عقدها المركز في العاصمة الأردنية عمّان يوم 5/3/2011م، وشارك فيها نخبة من الأكاديميين والباحثين السياسيين. وقام بتحريره حامد قويسي.
يتميز الكتاب برصد ظاهرة الثورات الشعبية العربية، من حيث تداعياتها ودلالاتها المختلفة ، كما يتناول رؤية مستقبلية حول تطورات الثورات مع التركيز على عام 2011.
ومن خلال توصيف واقع الثورات العربية يمكن أن نخرج بالدلالات الأساسية الآتية:
1- سلمية الثورات الشعبية العربية في مقابل دموية وعنف الأنظمة والنخب الحاكمة.
2- سقوط شرعية فلسفة الاستقرار والحفاظ على الوضع القائم في مقابل بروز شرعية التغيير ودور الشعوب والرأي العام.
3- هشاشة الأنظمة الحاكمة القائمة على حماية الأجهزة الأمنية في مواجهة حركة الشارع.
4- الخروج من عقلية الوهن والضعف، والحالة الغثائية إلى حالة الفعل التغييري والحضاري.
يحاول الكتاب إدراك طبيعة هذه الحراك ودلالاته، وانعكاساته على مستقبل الأمة وشعوبها ودولها، حيث يتضمن فصلين، أولهما: ظاهرة الثورات الشعبية العربية: الدلالات والتداعيات، وثانيهما: الأنظمة العربية ومجتمعاتها: رؤية مستقبلية.
يحتوي الفصل الأول على أربعة مباحث، يعالج المبحث الأول للأستاذ صبري سنيرة، دور القوى السياسية العربية المحلية في الثورات الشعبية وآليات تعاملها معه بين الواقع المعاش والمستقبل المأمول، محاولا تقديم وصف تحليلي لها وتقييم لدورها ورؤاها في الثورات العربية؛ في حين يناقش المبحث الثاني للدكتور أحمد سعيد نوفل دور القوى السياسية الخارجية في الثورات الشعبية وآليات تعاملها معه، محددا القوى الخارجية(أمريكا وإسرائيل) ومنطلقا من أن الثورات الشعبية العربية سنة 2011 انتفضت ضد الأنظمة الديكتاتورية العربية التي هي أمريكية بالوكالة، كما تناول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الثورات العربية وتحديدا الثورة المصرية وهو موقف عكس ارتباكا واضحا في بداياته وتطور مع تطورات الثورة المصرية، ليتنقل إلى تناول موقف إسرائيل منها مؤكدا أن حدوث تغيير جوهري في النظام المصري يمكن أن يؤدي إلى انقلاب في نظرية الأمن الإسرائيلي.
فقد بيّن هذا المبحث بدايةً أن الثورة حدثت ضد الأنظمة المستبدة، ولذلك فإن أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل وجدت نفسها أكبر الخاسرين من هذا الحراك، خاصة أنها كانت عاجزة عن التنبؤ به، أما مواقف الدول الخارجية فقد كانت متفاوتة في التأييد أو مواجهته ولو بشكل غير مباشر، وفيما يخص دور القوى الداخلية في الحراك فثمة اضطراب في مواقف وتوجهات بعض القوى السياسية الداخلية، وذلك وفق تقديرها لموقع مصالحها.
وقد أكد الدكتور نوفل أن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها إذا وجدت أن مصلحتها مواكبة التحركات الشعبية في محاولة منها للالتفاف عليها للمحافظة على ما تبقى من مصالحها، فقد أخطأت الولايات المتحدة الأمريكية في فهم الواقع الشعبي العربي، واعتقدت أن الأنظمة الأتوقراطية هي التي ستسود في النهاية، وأن من الأفضل لها تأييد أنظمة مستبدة، خوفا من اختطاف الإسلاميين للسلطة، وفرض أنظمة أسوأ من أنظمة الحكم التي كانت قائمة، في حين أن الثورات العربية ستؤثر على الاستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي، والتي تتلخص في ثلاث أبعاد: الأول هو استمرار سيطرتها على النفط العربي، والثاني منع قيام وحدة عربية، أما البعد الثالث فهو حماية أمن إسرائيل.
وقد تناول المبحث الثالث الباحث الاستراتيجي موسى الحديد بالدراسة والتحليل الدوافع والآليات للثورات الشعبية العربية، حيث تم رصد ثلاثة أنواع من محددات الثورات، المحددات الدولية الأساسية والمحددات الإقليمية للثورات والمحددات الداخلية للثورات، كما أشار إلى أنه لا يمكن تحديد هذه العوامل في بُعد واحد أو في مستوًى واحد؛ فعلى المستوى الموضوعي، تظهر الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن بينها الفساد والقمع وسوء توزيع الثروة والإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، أما على المستوى الجغرافي، فهناك عوامل خارجية تتنوع بين داخلي كما تقدم، ومنها ما هو إقليمي، مثل تحقيق عدد من القوى الإقليمية، مثل تركيا، لنجاحات سياسية وتنموية، على الرغم من تواضع قدراتها الاقتصادية مقارنة مع البلدان العربية.
أما دوليا، فإن العامل الأبرز الذي يمكن التأكيد عليه هو تغير موقف القوى الدولية من دعم الحكومات إلى مواقف أخرى أقرب إلى الشعوب، مع ظهور وانتشار العديد من المؤسسات الإقليمية والدولية التي زكَّت ثقافة الاحتجاج، وكشفت الكثير من الحقائق حول ما يجري داخل المجتمعات العربية وخارجها.، كما عرض المبحث الرابع الآمال والتطلعات المعقودة على الثورات العربية، جوهرها إطلاق نهضة عربية شمولية تفجر طاقات الأمة وإبداعاتها وتجعلها تستعيد دورها الحضاري الإنساني.
وهكذا فقد أكد الفصل الأول من الكتاب على أن النظام العربي اليوم برمته أمام اختبار صعب يوفر له فرصة تحقيق الشرعية الشعبية، والتحلل من فساد الماضي وظلمه واستبداده، والتحرر من الإملاءات الغربية المشينة لكثير من حكومات العرب في مفاصل تاريخية مهمة سابقة، وهي فرصة كذلك لإعطاء الفرصة للقوى السياسية والحركات الشبابية حتى تشارك في صناعة المستقبل، وأن يشعر الشعب بأنه من يرسم مستقبل الأجيال من أبنائه.
وقد تناول الفصل الثاني الرؤية المستقبلية لعام 2011 من واقع استشراف مآلات الشعوب العربية (المحكومة)، والأنظمة العربية (الحاكمة)- وماذا سيكون عليه المشهد في الأنظمة السابقة أو الحالية أو الجديدة؟ وكيف سيكون حال الشعوب العربية؟ وبالتالي كيف سيكون حال الأمة مجتمعة في ظل هذا التحول الكبير؟؟ حيث ناقش الكتاب أهم الدروس المستفادة من الثورات الشعبية، وأهمها أن التغيير نتاج جهد جماعي يقبل منطق التضحية ودفع الأثمان، وأن هنالك فرق بين مفهوم الاستقرار «الطبيعي» القائم على العدل وبين الاستقرار«المصط نع»، القائم على الخوف والظلم، إضافة إلى ضرورة توحيد الشعار والهدف واعتباره منطلق النجاح وإحداث التغيير.
ففي المبحث الأول من هذا الفصل، المعنون ب:"الثورات الشعبية في المنطقة ودروسها المستفادة: مدخل لاستشراف المستقبل" توقف الأستاذ عدنان أبو عودة على خمس دروس أساسية، الأولى وهو أن الاستقرار لا يمكن أن يكون جادا وحقيقيا إذا بني على الظلم؛ أما الدرس الثاني يؤكد على أن التغيير في مجتمع الظلم والاستبداد والفساد والبطالة أمر ممكن بعمل جمعي قابل للتضحية، والثالث حضور الشعار الجامع في الحركات الاحتجاجية الثورية والرابع بداية مرحلة تصفية الاستعمار الجديد أما الدرس الأخير بروز ظاهرة النضال من أجل الحرية والاستقلال.
وفي موضوع مستقبل العلاقة بين الأنظمة العربية وشعوبها، أكد الأستاذ عدنان أبو عودة بأن الأقطار العربية تدخل في عملية تغيير مع تفاوت في درجة التصادم أو التوافق، مشيرا إلى أنه لا إصلاح إلا بالاعتماد على الجماهير العريضة، أما "إبراهيم علوش" في تحليله لظاهرة الثورات العربية من خلال قوانين التغيير الثوري ومآلاته المستقبلية يشرح فكرة "الكتلة الحرجة للتغيير"، ومعرجا على طريقة انهيار حاجز الخوف عند الشعوب العربية بعد اكتشافها لقوتها وقدرتها على التغيير والتحرر، لينطلق بعد ذلك للحديث عن تغيير ميزان القوى المجتمعي في العلاقة بين الأجيال معتبرا إياه من دروس الثورة ونتائجها وكيف لعبت ثقافة الصورة إعلاميا وفكريا دورا على ثقافة الكلمة.
وفي المبحث الرابع، جاءت دراسة وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك، لتتطرق للخصائص العامة للثورات العربية المعاصرة، في كونها طغت عليها الشعارات الداخلية المحلية على الشعارات الخاصة بالقضايا الخارجية، وأشار إلى مدى صعوبة تحديد قيادة واضحة للثورة مع التداعي السريع للثورة وانتقالها من منطقة لأخرى، في ظل تباين مستويات العنف من حالة لأخرى مؤكدا على أن هذه هذا سمات مربكة للباحث والمراقب، مقابل سمات أخرى ترصدها الدراسة وتعتبرها تتوفر على أبعاد شمولية، كاتساع قاعدة المشاركة الشعبية عددا ومساحة، والدور اللاحق للمؤسسة العسكرية على العمل الثوري، شمولها لمختلف أنماط النظم السياسية العربية. وفي المستوى الثاني ناقشت الدراسة التصورات الصهيونية للثورات، محللا نظرة الأدبيات السياسية الصهيونية للحركات السياسية العربية القائمة على نوع من التعالي وطغيان فكرة القصور المجتمعي العربي عن الفعل الايجابي، حيث كان الفكر الصهيوني من خلال ما كتبه أغلب الباحثين الإسرائيليين في مراكز أبحاثهم أو التحليلات الصحفية أو التلفزيونية مستبعدا لحدوث الثورات ومستبعدا لانتشارها.
ومن خلال استقراء واقع الثورات العربية الحالية من زاوية العلاقة بين الأنظمة العربية والشعب العربي فقد تحدث الكتاب عن كيفية انهيار حاجز الخوف في إطار علم وفقه الثورات، إذ لم يعد الخطاب السياسي يحترم كثيرًا الخطوط الحمراء التي وضعتها الأجيال السابقة، بعد أن خلقت الثورات لغة خطاب سياسي جديدة، وشعارات جديد، وهو الأمر الذي سيلقي بتأثيره أيضًا على المستقبل.
وفي مناقشتة للأبعاد المستقبلية للثورات الشعبية بشكل عام وبالذات على صعيد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، يرى الكتاب أنه سيكون هنالك عدة توجهات محتملة أمريكية وإسرائيلية قد تلعب دوراً مهماً في مستقبل الثورات العربية الحالية، فالولايات المتحدة ترى أن عقد الانتخابات البرلمانية بشكل مبكر سيفتح المجال أمام قوى الثورة للفوز، بينما القوى التي تراهن عليها لم تتبلور، لذا فإن تأخير الانتخابات إلى حين تبلور تيارات علمانية وليبرالية قادرة على تضييق حجم التمثيل للحركات الإسلامية والقومية هو الأنسب، أما على الصعيد الإسرائيلي فإن إسرائيل ستعمل للتأكيد على أولوية الاستقرار على الديمقراطية في المنطقة العربية، إذ إن الشعوب العربية أفسدت على إسرائيل حجة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
هذا وقد قدم الكتاب عدداً من الرؤى المستقبلية لواقع الأنظمة العربية وعلاقتها مع شعوبها، وكان من أبرزها أن منطق قوة الأمر الواقع سيكون هو الفيصل في علاقة أي نظام مع شعبه وأن شرعيته ستكون بمقدار الرضا الشعبي عنه، وليس بمبدأ الموالاة، إضافة إلى أن هنالك ملامح جديدة بدأت ترتسم للعالم العربي، وعلى رأسها وضوح العلاقة بين أنظمة الحكم غير الشرعية وبين الشعوب العربية، وأن الأجهزة الأمنية العربية التي كانت سبباً في الفساد واستشرائه سياسيا واقتصاديا وحضاريا ستشهد فشلا ذريعا.
كما حذر الكتاب من تعرض الثورات الشعبية للانحراف في بعض الأحيان، ومن التنفيس في الشارع العربي، كما حذر من مخاطر التدخل الأجنبي والدولي بأي شكل، ودعا إلى الابتعاد عن نظرية عدم الثقة بالنفس، لما يشكل ذلك من هزيمة معنوية تصيب الأمم والشعوب وتعيقها عن تحقيق مطالبها.
وقد أجمع جل المتدخلين بأن الثورة العربية هي ثورة شعبية قوية تستمد غرسها من التصميم والإصرار، الذي فاجأ الجميع، وركز كذلك على انعكاسات الحراك الشعبي واتجاهاته، من حيث خلق عصر جديد بعد عصر من الانحطاط وانهيار ثقافة الخوف، وبروز دور جديد للشباب، وما جعل الحراك يتمتع بشرعية شعبية وإنسانية، وأدى ذلك كله إلى الحديث عن انتهاء دور الحاكم المطلق، والبدء بالمطالبة الجادة بالانتقال من مفهوم السلطة إلى مفهوم الدولة.
اقراءة/ مركز نماء للبحوث والدراسات

4/2/2013