تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام من المسعى المفترى في البلد الحرام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    المشاركات
    7,011

    افتراضي براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام من المسعى المفترى في البلد الحرام

    براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام
    من المسعى المفترى في البلد الحرام
    للشيخ مراد شكري سويدان

    .............................. .................... .............................. .............
    براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام من المسعى المفترى في البلد الحرام

    الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الرسل محمد بن عبد الله وصحبه أجمعين وبعد ،فهذا مختصر من القول في بدعة حدثت في حد المسعى في زمننا هذا ، عجبت كيف حدثت ، وذلك لظهور المسعى وتواتره في الكتب ، واتفاق أمة محمد عليه ، من جميع الطوائف حتى الخوارج والروافض ، إذ المسعى هو معنى قوله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) ( البقرة : 158) فالصفا والمروة المذكوران في الكتاب العزيز علمان لموضعين معروفين محدودين بينين لم يقع خلاف في موضعهما ولا وصفهما ولا مقدارهما من عهد النبي صلى الله عليه وسلم بل قبل عهده إذ هما متوارثان عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم حتى مشركو العرب من خزاعة وقريش يعرفون حد الصفا والمروة كما هو على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره إلى يومنا هذا ، لأنه أمر حسي كالكعبة نفسها وكسائر المشاعر التي يرتبط الاسم فيها بالمعنى فلا يخرج إلى غيره ولا يدخل فيه غيره وهذه بدهيات ولا حول ولا قوة إلا بالله فإننا إذا قلنا السماء لم يفهم أحد من كلمتنا الأرض وإذا قلنا الحجاز لم يفهم أحد العراق وهكذا فالصفا حجر معروف الحد من عهد إبراهيم النبي إلى زمننا هذا والمروة كذلك ، إذا الصفا حجر ناتئ في أسفل جبل أبي قبيس والمروة حجر ناتئ في أسفل قعيقعان ، ذكر ذلك الأزرقي والفاكهي والتقي الفاسي وأمة كثيرون من فقهاء ومؤرخين ، في كتب المناسك وفي وصف البلد الحرام وقد بين الأئمة مجمعين عرض المسعى الذي هو فرع عن عرض الصفا والمروة بيانا منقولا متواترا أسوقه باختصار ، وذلك أن عرض الصفا والمروة من جهة المسجد ، هو جدار المسجد نفسه الذي بناه الخليفة العباسي المهدي ، في عمارته التي ابتدأت سنة مئة وواحد وستين للهجرة ، كما أفاد الأزرقي وغيره ، وقبل المهدي كان بين المسجد والمسعى ، بيوت ومنازل يسكنها الناس وكانت هذه البيوت على طول حد المسعى أبوابها تفتح عليه من الجهتين لا تزيد ولا تنقص بالحس والنظر وإقرار النبي محمد وسائر البشر ، فيطوف الطائف ثم يخرج من الأزقة التي بين الدور والمنازل ليصل إلى الصفا ، فاشترى المهدي هذه الدور والمنازل واحضر المهندسين وأدخلها جميعها في المسجد ، فصار جدار المسجد من جهة الكعبة هو حد المسعى وهذا واضح تعاقب على ذكر المؤرخون والمصنفون في هذا الباب ، كالأزرقي وغيره وهو إلى هذا اليوم لم يتغير ( أعني من جهة المسجد ) وأما الحد المقابل له فهو من جهة دار العباس رضي الله عنه والدور والدكاكين بحذائها على طول المسعى ولكنها الأشهر أي دار العباس ، وقد بقية هذه الدار التي ورثها العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم عن أجداده إلى أيام الملك عبد العزيز بن سعود ( 1376 هـ) حيث أزيلت وبقي باب العباس إلى اليوم وعرض ما بينها خمسة وثلاثون ذراعا ونصف الذراع ، وهو المسعى المعروف الذي يسعى الناس فيه ، قبل البدعة الشنيعة التي وقعت سنة ( 1430 هـ ) في توسعت المسعى من جهة دار العباس رضي الله عنه بناء على كلام ابتدأ من ثلة ليس فيهم من هو معروف بعلم ، ولا مشهور بتقوى وفهم .
    والأئمة الأربعة وأتباعهم في كتب المذاهب المشهور أحيانا ينصون كالشافعية مثلا على عرض المسعى وأنه خمسة وثلاثون ذراعا ونصف كما في شرح الجلال المحلي على منهاج حاشية قليوبي وعميرة عليه وأحيانا يقولون من جار المسجد إلى دار العباس لظهور الأمر ووضوحه كما فعل صاحب الإقناع الحجاوي وغيرهم ، قال الحجاوي في الإقناع : ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يحاذي العلم وهو الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره بنحو ستة أذرع فيسعى ماشيا سعيا شديدا ندبا ، بشرط ألا يؤذي ولا يؤذي حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين وهما العلم الآخر ، إحداهما بركن المسجد والآخر بالموضع المعروف بدار العباس أ.هـ
    وفي شرحه كشاف القناع تصريح بأنه يبدأ السعي قبل ستة أذرع من العلم المذكور ومثل ذلك في منتهى الإرادات أيضا ويأتي شرح ذلك.
    وما ظن أحدا ولا خطر بباله ، أن يأتي من يشكك في المحسوس فإن تبديل المسعى كتبديل الكعبة نفسها إذ الطريق الذي ثبت فيه البيت هو الطريق نفسه الذي ثبت فيه المسعى ولا فرق بين من يسعى خارج المسعى بذراع أو بجدة أو النجف ولا فرق بين من يطوف في الشبيكة أو في كربلاء ، وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أنه ذرع عرض المسعى من جدار المسدد إلى باب دار العباس ـ رضي الله عنه ـ فكان خمسة وثلاثين ذراعا ونصفا حوالي (17 متر) بقياس اليوم ، ومثل الأزرقي الفاكهي والتقي الفاسي ، صاحب شفاء الغرام وعدة مصنفات مطولة ومختصرة في وصف البلد الحرام فليراجع ويطالع ، بل إن الأزرقي وغيره قد ذرعوا ما بين الحجر الأسود إلى حد الصفا فقال إن ذرع ما بينهما مئتان واثنان وستون ذراعا وثمانية عشر إصبعا ، وذرعه التقي الفاسي في شفاء الغرام أيضا وهو بالمتر المعروف اليوم يقارب مئة وواحد وثلاثين مترا ، فلا يمكن ضياع حدود المسعى أبدا ولو زال كل ما حول البيت ، لأننا إذا قسنا من البيت إلى طرف الصفا المسافة المتقدمة ثم اتجهنا عرضا ، خمسا وثلاثين ذراعا ونصف تحدد المسعى بين الصفا والمروة بما لا يقبل تغيرا ولا تبدلا ولا شكا وقد وقعت حادثة ذكرها ابن فهد في إتحاف الورى سنة ( 875)هـ ، وغيره كالسخاوي في الضوء اللامع ، وهي من تعاجيب قدر الله سبحانه ، وخلاصة هذه القصة أن رجلا اسمه ابن الزمن استأجر مبيضأه وعدة دكاكين على حرف المسعى ملاصق لدارالعباس ـ رضي الله عنه ـ وشرع في بناءها وعمارتها ولكنه تجاوز إلى داخل إلى المسعى بغرض التوسعة لما بنى ، فأنكر عليه قاضي الشافعية المشهور برهان الدين بن ظهيره واقتضى الأمر اجتماع الأئمة المذاهب الأربعة ومنهم القاضي علاء الدين المرداوي مصحح المذهب الحنبلي صاحب كتاب الإنصاف ومع الشيخ قاسم ابن قطلوبغا الحنفي وشرف الدين موسى بن عيد المالكي ، وأجمعوا على الإنكار عليه والمقصود من الحادثة أنهم قالوا أثناءها إن عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعا كما قرر الأزرقي وغيره فقاموا وذرعوا المسعى من جدار المسجد إلى بناء ابن الزمن فوجد سبعة وعشرين ذراعا بمعنى أن ابن الزمن قد تجاوز إلى المسعى ثمانية اذرع والقصة مشهورة هناك والمقصود فيها اتفاق الناس على عرض المسعى وظهور ذلك بلا نزاع ولا خلاف إذ القضاة الأربعة الذين حضروا القصة هم أعيان في مذاهبهم مشهورة تراجمهم ، والمقصود اتفاق الناس على عرض المسعى بلا نزاع ولا خلاف حتى ابن الزمن لم يخالف في عرض المسعى ، وإنما حمله الهوى على البناء داخل المسعى نفسه ، بقصد منفعة الحجاج وغيرهم وأما عرض المسعى فلا اعتراض عليه من قبل ولا من بعد .
    والخلاصة أن أئمة العلم بالبلد الحرام خصوصا كالأزرقي والفاكهي والتقي الفاسي وأئمة الفقة في كتب المناسك أجمعين مجمعون على ما ذكرته فيما تقدم.

    فصل :
    ولما ذكر الأزرقي ـ رحمه الله ـ توسعة المسجد الحرام في زمن المهدي صدرت منه عبارة تتعلق بتغيير المسعى والمقصود منها موضع ابتداء الهرولة والإسراع إذ قد نص الشافعي في الأم وتابعه كثيرون على أن ابتداء الهرولة والإسراع الذي هو السعي قبل العلم الذي هو في ركن المسجد بعد بناء المهدي وتوسعته بستة أذرع ، وهذا التغيير المذكور لا علاقة له في حد المسعى نفسه وعرض المعروف الواضح الذي تقدم ، قال في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل المالكي والإسراع بين العمودين الأخضرين أولاهما في ركن المسجد تحت منارة باب علي والثاني بعده في جدار المسجد قبالة رباط العباس وذكر الخطاب عن سند أن ابتداء الإسراع يكون قبل العمود الأول بنحو ستة أذرع لتأخير عن محله الأصلي في ذلك المقدار انتهى .
    أقول :
    وقد تقدم قول صاحب الإقناع الحجاوي وصاحب منتهى الإرادات في ستة الأذرع فاعلم.
    وقد ذكر التقي الفاسي في شفاء الغرام هذا التغيير وهل حصل أم لم يحصل وذكر كلام الأزرقي في ذلك فانظره هناك وكله يتعلق بابتداء الإسراع والهرولة ولا علاقة له أبدا بعرض المسعى نفسه الذي هو أوضح من الشمس ولو حصل له أي تغيير لظهر ولنقل ، وقد عد الأصوليون في كتبهم الخبر المعلوم قطعا كذبه فقالوا : إنه الخبر الذي لو وقع لنقل بتوفر الدواعي لنقله ، كالقول إن هناك بين مكة والمدينة بلدا أعظم منهما ، وهذا أعني نقل المسعى الذي فهمه من تولى كبر هذه البدعة الشنيعة العظيمة ، من جنس المعلوم كذبه إذ لو كان حقا حاصلا لنقل نقلا صريحا واضحا قاطعا.
    ولكن العبارات التي استندوا إليها من كلام الأزرقي تتعلق بالمسعى الذي هو مبتدأ السعي الذي هو الإسراع والهرولة وقد نقل الخلاف في ذلك ولا ضير فيها لأنه يتعلق بسنة من سنن السعي لا بالمسعى نفسه فليعلم.
    قال التقي الفاسي في شفاء الغرام ، وذكر الأزرقي ما يقتضي أن موضع السعي في ما بين الميل الذي بالمنارة والميل المقابل له لم يكن مسعى إلا في خلافة المهدي العباسي بتغيير موضع السعي قبله في هذه الجهة وإدخاله في المسجد الحرام في توسعة المهدي له ثانيا . انتهى .
    وشرح هذه العبارة التقي الفاسي وكلامه كله حول تغيير المسعى وابتدائه أي ، موضع الإسراع والهرولة لا سواه لأن لفظ المسعى يطلق ويراد به ما بين الصفا والمروة ، وأحيانا يراد به موضع الإسراع وهو ما بين الميلين المذكورين وهما موضع ابتداء الإسراع والهرولة وأما حمله على تغيير المسعى نفسه ، فمن باب المحال فلا يمكن وقوع الاشتباه في ذلك أبدا ، لظهور الصفا والمروة ظهور بينا لكل ناظر.

    فصل :
    وأما ما نقله المسعويون الجدد من حجج سوى ما تقدم فلا شيء فيها يستحق الذكر ومنها ما يدخل في باب الجنون كقولهم إن المسعى نقل من مكان إلى مكان ، وليس هذا من كلام العقلاء ، وأعجب ما فيها إحضارهم شهودا من أهل مكة من كبار السن ولا أدري ما الفرق بين الصغير والكبير في أمر ثابت منذ آلاف الأعوام من عهد إبراهيم ـ رضي الله عنه ـ إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا العام ، ومن المضحكات المبكيات أن بعض الشهود يقول إنه يعرف الصفا أما المروة فلا يعرفها وبعضهم إن لم يكن كلهم يظنون أبا قبيس هو الصفا ، وقعيقعان هو المروة ، ثم من المعلوم في الشريعة أن الشهادة بعد ثبوت البينة القاطعة دليل قاطع على فسق الشاهد أو اختلال عقله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وبعض مرتزقة المراكز من بلد مجاور يتخيل أن الناس لما سعوا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجته قد خرجوا عن حد المسعى بالضرورة لكثرتهم ولا يدري هذا المتخيل أن المسعى لم يزل محاطا بالبيوت والبناء من جانبيه على حده منذ الجاهلية وبعد ذلك
    وأما ما ذكر من إرسال كتب إلى قضاة الدول الإسلامية وأنهم أرسلوا الموافقة بذلك أو بعضهم فيقال إن حد المسعى وعرضه متفق عليه بين المذاهب الأربعة في كتبهم وغيرهم ، وأئمة العلم منهم يصرحون بموضع السعي ، طولا وعرضا بلا خلاف ينقل ويكفي قصة ابن الزمن التي تقدمت وينقلون بطلان سعي من خرج عنه بلا نزاع وبعد ذلك يقال ما حكم هؤلاء القضاء وإلى أي كتاب وسنة وقول عالم استندوا ؟!
    ألم يسجن شيخ الإسلام زورا وكذبا بفتوى قاضي القضاة الإخنائي في عصره ، ألم يكفر الشيخ محمد عبد الوهاب وتلامذته ويضللوا بقول علماء السلطان في ذلك الزمان ، ألم تغز الدرعية ونجد من إبراهيم باشا الألباني ومعه القضاة المفتون وحصل من الفظائع ما حصل ، وكل ذلك برضا من قضاة السلاطين ، وحضورهم وعبدة الوظائف ، وقد بلغني أن العزل من الوظيفة هو جزاء من يخالف هذا المسعى المفترى ولذلك تكاثر مناصروه والله المستعان.
    وقد كتبت هذه السطور متبرئا وعالما أن هذا المسعى مصيره الزوال كشأن أي باطل ، ثم أختم القول إنصافا وتحريا للعدل قدر المستطاع ، أن ملوك جزية العرب وهم حنابلة المذهب وأنصار المعتقد السلفي ، لهم في خدمة الحرمين خصوصا جهود عظيمة أعانهم عليها ما قد تيسر في هذا الزمان من الإمكان ولو لم يكن لهم إلا نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الحنبلي ـ رحمه الله ـ التي حقيقتها إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له والتي لم يطرق العالم في القرون المتأخرة دعوة أصلح ولا أهدى منها لكفاهم ، ولكن الحق أحق أن يتبع فأسأل الله العظيم أن يصرف عن صفحاتهم هذه النكتة السوداء والبدعة النكراء.


    كتبه
    مراد شكري سويدان
    جمادى الأولى 1430هـ
    رقمي على الواتس أب
    00962799096268



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    المشاركات
    7,011

    افتراضي رد: براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام من المسعى المفترى في البلد الحرام

    منقول من الأخ المعلمي حفظه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قد يستأنس لهذا الفعل بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) فالبينية التي أخذت قيدا في النص الحديثي لها مقياس مكاني يزيد عن القبلة بمفاوز ..
    رقمي على الواتس أب
    00962799096268



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    المشاركات
    7,011

    افتراضي رد: براءة الحنابلة الكرام وسائر الأئمة الأعلام من المسعى المفترى في البلد الحرام

    بقلم المشرف على موقع الدرر السنية
    الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
    aasaggaf@dorar.net
    16/4/1429هـ


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    بادئ ذي بدء أود التنويه إلى أن هذه الوقفات ليست فتوى بصحة السعي في المسعى الجديد أو بطلانه، ولا هي بحث علمي يسرد الأدلة ويناقشها، ولكنها توصيف للحال وتكييف للمشكلة وتوضيح للموقف الذي ينبغي أن يتخذه المسلم إزاءها.


    الوقفة الأولى:


    أن هذه القضية معضلة وليست بالهينة، ونازلة من النوازل التي ما ينبغي أن يفتي فيها متوسطو طلبة العلم فضلاً عن صغارهم، وما ينبغي أن يُترك من هب ودب من الإعلاميين وغيرهم يخوضون فيها بجهل أوهوى أو لأطماع شخصية.

    الوقفة الثانية:


    أنها قضية تمس ركناً من أركان الإسلام، وعبادة من أشرف العبادات (الحج والعمرة)، فعلى المسلم ألاَّ يستخف بها ويبحث عن أيسر الفتاوى فيها، بل عليه أن يتحرى أصوبها وأحوطها ولا يغتر بكثرة المفتين والمؤيدين، لكن عليه أن ينظر في أقوال أكثرهم علماً وورعاً، وأحرصهم على اتباع السنة.

    الوقفة الثالثة:


    على طالب الحق ألا يغتر بما تتناقله وسائل الإعلام من مجلات وصحف وإنترنت وغيرها فهذه ليست مصادر لتلقي العلم إلا ما كان منها منقولاً عن الثقات الأثبات.

    الوقفة الرابعة:


    أصل الخلاف في المسألة قضيتان:

    الأولى: هل نحن مقيدون في السعي بين الصفا والمروة بعرضهما أم يجوز الخروج عنهما بما يقاربهما أو يحاذيهما؟

    والثانية: كم عرض الصفا والمروة وهل يتسعان فتشملهما التوسعة الجديدة أم لا؟

    لذلك انقسم المتكلمون في هذه المسألة إلى ثلاث فئات:


    الأولى:
    ترى جواز السعي خارج عرض جبلي الصفا والمروة.
    والثانية:
    ترى أنه لابد من السعي بين الجبلين عرضاً وطولاً ولكنهم يرون أن عرضهما يتسع ليشمل المسعى الجديد وزيادة ، وهاتان الفئتان تجوِّزان السعي في المسعى الجديد .
    والثالثة:
    ترى أنه لابد من السعي بين الجبلين عرضاً وطولاً وأن المسعى الجديد خارج عرض الجبلين من جهة الشرق المقابلة للكعبة من الجهة الأخرى، وبالتالي فهم لا يجيزون السعي في المسعى الجديد.

    الوقفة الخامسة:


    أن غالبية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية إضافة إلى علماء كبار ليسوا فيها، هم من الفئة الثالثة. وحجتهم أنه ثبت تاريخياً أن عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعاً تقريباً أي ما يعادل 20 متراً وهو عرض المسعى الحالي بعد آخر توسعة حصلت له عام 1375هـ، وأن الجدار القائم وضع بفتوى من سماحة مفتي المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم بعد أن كلف لجنة عاينت الموقع وحددت عرض الصفا وبناء على هذه الفتوى تمت التوسعة المذكورة آنفاً، وهذا أقوى دليل لدى المانعين.

    الوقفة السادسة:


    أنه صدرت خلال الأشهر الماضية فتاوى لبعض العلماء وبحوث علمية لبعض طلبة العلم ودراسات تاريخية وجغرافية وجيولوجية وتقارير هندسية لمنطقة المسعى وتم توثيق شهادة عدد من كبار السن من أهالي مكة لدى المحكمة بمكة يشهدون أن المسعى ممتد إلى التوسعة الجديدة، وهذا أقوى أدلة المجيزين، وقد قرأت هذه الفتاوى والبحوث، وتناقشت مع عدد ممن لديهم الصور والخرائط والتقارير الجغرافية والجيولوجية واطلعت على شهادة الشهود.

    الوقفة السابعة:


    أن وسائل الإعلام نقلت لنا تأييد عدد كبير من علماء ومفتي العالم الإسلامي لبناء التوسعة الجديدة وأغلبهم علق ذلك بالمصلحة والتوسعة على الحجاج والمعتمرين، وهذا فيه دلالة على أحد أمرين: إما أن يكون هذا المؤيِّد لم يحط علماً بالقضية ويظن –ثقة- أن المسعى الجديد لا يخرج عن عرض الصفا، أو أنه ممن لا يرون بأساً بالسعي خارج الصفا تيسيراً على الناس.

    الوقفة الثامنة:


    أن علماء الشيعة كبارهم وصغارهم مختلفون كذلك فمنهم المجيز ومنهم المانع، وإنما ذكرتهم –مع أنه لا يُعتد بفقههم- لما لهم من ثقل سياسي وحضور كثيف في الحج والعمرة وقد يكون له تأثير في مسار القضية.

    الوقفة التاسعة:


    إن أعمال التوسعة للمسعى حتى كتابة هذه السطور تسير على قدم وساق، ليل نهار، وما هي إلا أشهر ويصبح المسعيان الجديد والقديم -بعد إعادة بنائه- جاهزين للاستخدام وتتحول القضية من نقاش علمي نظري إلى تطبيق عملي وسيسأل الناس نحج أم لا نحج؟ نعتمر أم لا نعتمر؟ نسعى أم لا نسعى؟ وكيف نسعى؟

    الو
    قفة العاشرة:


    وهي بيت القصيد، ما موقف المسلم من كل ما يجري ؟ وما العمل الآن؟ وما المتوقع أن يحصل في الأشهر القليلة القادمة؟ وما الذي سيسفر عنه هذا الخلاف القائم اليوم؟ وهذه كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة:

    أولاً: من الناحية الشرعية فلن يعدو الأمر ثلاث احتمالات:


    1- أن يقتنع المانعون بأدلة المجيزين ويصدروا فتوى بالجواز (ولو بالأغلبية)

    2- أن يقتنع المجيزون بأدلة المانعين ويتراجعوا عن أقوالهم (ولو بالأغلبية) وأعني بهم العلماء وبعض طلبة العلم الذين كتبوا بحوثاً علمية في الموضوع أما أصحاب الإشادة والتهنئة والتبريك فليسوا من أهل هذه المسائل في قبيل ولا دبير.

    3- أن يبقى كلٌ على رأيه. وإن تراجع بعض هؤلاء وبعض هؤلاء بما لا يؤثر في رفع الخلاف.

    ثانياً: من الناحية العملية فلن يعدو الأمر ثلاثة احتمالات أيضاً وهي تبع للناحية الشرعية:


    1- في حال اقتناع المانعين بأدلة المجيزين فالأمر واضح، وسيمضي المشروع كما خُطط له وسيسعى الناس في المسعى الجديد (إلا قليل منهم ولا حكم لهم)

    2- في حال اقتناع المجيزين بأدلة المانعين فالأمر أيضاً واضح وسيكون السعي في المسعى القديم بعد أن يكون قد تم تجديده آنذاك، أما مبنى المسعى الجديد فستكون له وظيفة أخرى يحددها المسئولون عن إدارة المسجد الحرام.

    3- الحالة الثالثة وهي بقاء كلٍّ من الفريقين –أو أغلبهم- على رأيه، فها هنا لا يخلو الأمر من حالين:

    الحال الأول:
    أن يمضي الأمر بما يوافق رأي المانعين فيؤول الأمر إلى ما ذُكر قبل قليل وهو: حال اقتناع المجيزين بأدلة المانعين

    الحال الثانية:
    أن يمضي الأمر بما يوافق رأي المجيزين وهنا لا يخلو من حالين أيضاً:

    الأول:
    أن يكون المسعى الجديد في اتجاه واحد من الصفا إلى المروة والقديم في اتجاه واحد أيضاً من المروة إلى الصفا –وهذا هو ما صُمم له حسب اطلاعي على المخططات- وهنا لا بد أن يكون للعلماء المانعين وقفة مع الحدث وفتوى تتناسب مع هذه النازلة ومع الوضع القائم.

    الثاني:
    أن يكون كلٌّ من المسعيين القديم والجديد باتجاهين، فيكون السعي في مبنى المسعى الجديد من باب الاختيار لا الإجبار، وهنا سيقلد الساعون من يثقون في فتواه وسيتبع بعضهم الأيسر له دون النظر في الحكم كما هو الحال في السعي في الطابق العلوي.

    وعليه فالخوض في هذا الآن ليس مجدياً وفيه تضييع للأوقات، كما أنه ليس من الحكمة التسرع في إطلاق الأحكام واتخاذ موقف قد يندم عليه المرء مستقبلاً.

    الوقفة الحادية عشرة:


    ما العمل الآن وقد تم هدم المسعى القديم ولا يوجد إلا المسعى الجديد ومن العلماء من يفتي بجواز وإجزاء السعي فيه ومنهم من يفتي ببطلانه؟

    والجواب أنه مادام الأمر كذلك فلا يخلو الأمر من حالات ثلاث:


    1-أن يكون المرء مقتنعاً بقول المانعين فلا يسعه خلافه ولا يجزئه السعي.

    2- أن يكون المرء مقتنعاً شرعاً لا هوىً بقول المجيزين فيقلدهم وكلٌّ يتحمل مسئولية فتواه.
    3-أن يكون متردداً ولم يظهر له رجحان أحد القولين فهذا الأولى في حقه الأخذ بالأحوط وبما عليه الأكثر علماً واتباعاً للسنة.

    بقي أمرٌ آخر، وهو: هل هذا الاختلاف من الأمور الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ولا إنكار في مسائل الاجتهاد أم هو من المسائل التوقيفية المنصوص عليها؟

    وهذا محله الوقفة الأخيرة.

    الوقفة الأخيرة:


    هذه المسألة المعضلة، والنازلة المجلجلة، من حيث النظر إلى النصوص الشرعية فهي مسألة توقيفية وليست اجتهادية فالسعي بين الصفا والمروة طولاً وعرضاً يكاد يكون محل اتفاق بين العلماء ولو خالف البعض فيه، ومن حيث توصيف الحال وهل المسعى الجديد يقع ضمن الصفا والمروة أم خارجهما؟ فمحل نظر وبحث واجتهاد وعليه يدور الخلاف.

    وبالنظر إلى أدلة الفريقين تبين أن أقوى دليل لدى المانعين كما سبق ذكره شهود العيان عند بدء أول توسعة للمسعى بين عامي 1374هـ و 1378هـ وأقوى دليل لدى المجيزين شهود كبار السن الموجودين الآن، وهذه المسألة تحتاج إلى بسط ليس هذا محله، ولكن لا بأس في الاختصار لتتضح الصورة:

    (1) أما شهود العيان فكان ذلك عام 1374هـ حيث شُكلت لجنة لمعاينة موضع المسعى ورفعت تقريرها لسماحة مفتي المملكة آن ذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والذي بناء عليه أصدر فتواه قائلاً: (
    تأملت قرار الهيئة المنتدبة من لدن سمو وزير الداخلية، وهم فضيلة الأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم وفضيلة الشيخ عبدالله بن دهيش وفضيلة الشيخ علوي المالكي حول حدود موضع السعي مما يلي الصفا المتضمن أنه لا بأس بالسعي في بعض دار آل الشيبي والأغوات المهدومتين هذه الأيام توسعة، وذلك البعض الذي يسوغ السعي فيه هو ما دفعه الميل الموجود في دار آل الشيبي إلى المسعى فقط وهو الأقل، دون ما دفعه هذا الميل إلى جهة بطن الوادي مما يلي باب الصفا وهو الأكثر؛ فإنه لا يسوغ السعي فيه، فبعد الوقوف على هذا الموضع في عدة رجال من الثقات رأيت هذا القرار صحيحًا، وأفتيت بمقتضاه
    ) (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 5/132)

    والجدير بالذكر هنا أن اللجنة كما في تقريرها اصطحبت معها مهندساً وفنياً وقالت في نهاية التقرير: (
    هذا ما تقرر متفقاً عليه بعد بذلنا الوسع، سائلين من الله تعالى السداد والتوفيق) ثم وقع الجميع، وهذا يعني أن قرارهم هذا كان إجماعاً منهم كما أنهم بذلوا فيه وسعهم وطاقتهم.
    وفي يوم الثلاثاء الموافق 10/2/1378هـ شُكلت لجنة أخرى من عدد من المشايخ وأعيان أهالي مكة وهم: الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن جاسر، والشيخ عبدالله بن دهيش، والسيد علوي المالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، وبحضور صالح قزاز وعبدالله ابن سعيد مندوبي محمد بن لادن لمعاينة مساحة الصفا والمروة، واستبدال الدرج بمزلقان، ونهاية أرض المسعى ومما جاء في تقرير اللجنة: (وبالنظر لكون الصفا شرعًا هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس، ولكون الصخرات المذكورة لا تزال موجودة للآن وبادية للعيان، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضًا. فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعًا من توسيع المصعد المذكور بقدر عرض الصفا. وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة...
    ) (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 5/141)

    وجاء في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (5/138) :

    (
    من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:

    فبناء على أمركم الكريم المبلغ إلينا من الشيخ يوسف ياسين في العام الماضي حول تنبيه الابن عبدالعزيز على وضع الصفا و، وحيث قد وعدت جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك، وتقرر لدي ولدى المشايخ: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ علوي عباس المالكي، والأخ الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن دهيش، والشيخ عبدالله بن جاسر، والشيخ عبدالعزيز ابن رشيد: على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا، ماعدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا فإننا لم نتحقق أنها من الصفا، أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا، ومن وقف عليه فقد وقف على الصفا كما هو مشاهد، ونرى أن ما كان مسامتاً للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الأسمنت التي قد وضع فيها أصياخ الحديد هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا. أما إذا نزل الساعي من الصفا فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة فإنه يشمله اسم المسعى، لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة. هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد باللينبغي حضور كلاً من المشائخ: الأخ الشيخ عبدالملك، والشيخ علوي المالكي، والشيخ عبدالله بن جاسر والشيخ عبدالله بن دهيش، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا، وبالله التوفيق
    )

    وعندما أرادت الدولة السعودية عام 1393هـ توسعة المسعى أصدرت هيئة كبار العلماء وقتها فتوى بجواز السعي فوق سقف المسعى نظراً لأن المسعى قد استوعب مابين الصفا والمروة طولاً وعرضاً وجاء في الفتوى: (
    وبعد تداول الرأي والمناقشة انتهى المجلس بالأكثرية إلى الإفتاء بجواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة، بشرط استيعاب ما بين الصفا والمروة، وأن لا يخرج عن مسامتة المسعى عرضاً
    )

    وكل هذا يعني أن حدود نهاية الصفا قد تم تحديدها منذ ذلك الوقت وبناء عليه تم بناء الجدار الواصل من الصفا إلى المروة لذلك كان يفتي العلماء بعد ذلك ببطلان من سعى خارج هذا الجدار.

    (2) وأما شهود الحال فقد وُثقت شهادة سبعة من كبار السن من أهالي مكة بالمحكمة العامة بمكة المكرمة وصدر بها صك شرعي بتاريخ 24/12/1427هـ جاءت شهاداتهم على النحو التالي:

    1- فوزان بن سلطان بن راجح العبدلي الشريف من مواليد عام 1349هـ،
    قرر قائلاً: إنني أذكر أن جبل المروة يمتد شمالاً متصلاً بجبل قعيقعان وأما من الجهة الشرقية فلا أتذكر وأما موضوع الصفا فإنني أتوقف.

    2- عويد بن عياد بن عايد الكحيلي المطرفي، من مواليد عام 1353هـ،
    قرر قائلاً: إن جبل المروة كان يمتد شرقاً من موقعه الحالي بما لا يقل عن ثمانية وثلاثين متراً، وأما الصفا فإنه يمتد شرقاً بأكثر من ذلك بكثير.

    3- عبد العزيز بن عبدالله بن عبدالقادر شيبي، من مواليد عام 1349هـ،
    قرر قائلاً : إن جبل المروة يمتد شرقاً وغرباً وشمالاً ولا أتذكر تحديد ذلك بالمتر، وأما الصفا فإنه يمتد شرقاً بمسافة طويلة حتى يقرب من القشاشية بما لا يزيد عن خمسين متراً.

    4- حسني بن صالح بن محمد سابق، من مواليد عام 1357هـ،
    قرر قائلاً : إن جبل المروة يمتد غرباً ويمتد شرقاً بما لا يقل عن اثنين وثلاثين متراً. وكنا نشاهد البيوت على الجبل ولما أزيلت البيوت ظهر الجبل وتم تكسيره في المشروع، وأما جبل الصفا فإنه يمتد من جهة الشرق بأكثر من خمسة وثلاثين أو أربعين متراً.

    5- محمد بن عمر ابن عبدالله زبير، من مواليد عام 1351هـ،
    قرر قائلاً: إن المروة لا علم لي بها وأما الصفا فالذي كنت أشاهده أن الذي يسعى كان ينزل من الصفا ويدخل في برحة عن يمينه، وهذه البرحة يعتبرونها من شارع القشاشية ثم يعود إلى امتداد المسعى بما يدل على أن المسعى في تلك الأماكن أوسع.

    6
    - درويش بن صديق بن درويش جستنيه، من مواليد عام 1357هـ،
    قرر قائلاً: إن بيتنا سابقاً كان في الجهة الشرقية من نهاية السعي في المروة وكان يقع على الصخور المرتفعة التي هي جزء من جبل المروة، وقد أزيل جزء كبير من هذا الجبل بما في ذلك المنطقة التي كان عليها بيتنا وذلك أثناء التوسعة التي تمت في عام 1375هـ، وهذا يعني امتداد جبل المروة شرقاً في حدود من خمسة وثلاثين إلى أربعين متراً شرق المسعى الحالي ، وأما الصفا فإنها كانت منطقة جبلية امتداداً متصلاً بجبل أبي قبيس ويعتبر جزءاً منه وكنت أصعد من منطقة السعي في الصفا إلى منطقة أجياد خلف الجبل.

    7- محمد بن حسين بن محمد سعيد جستنيه، من مواليد عام 1361هـ،
    قرر قائلاً إن جبل المروة كان يمتد من الجهة الشرقية والظاهر أنه يمتد إلى المدعى وأما جبل الصفا فإنه يمتد شرقاً أيضاً أكثر من امتداد جبل المروة.

    والملاحظ على هذه الشهادات أنها غير متطابقة فمنهم من لا يذكر الامتداد، ومنهم من أثبت الامتداد ولا يذكر المسافة، والذين أثبتوها على خلاف كم هي؟ ولم يتفق اثنان على قول واحد، وإن كان الغالبية يرون –حسب ذاكرتهم- أن هناك زيادة على الموجود حالياً.

    وخلاصة الأمر أن دليل المانعين القوي هو شهود العيان قبل البدء في أول توسعة عام 1375هـ ودليل المجيزين القوي هو شهادة الشهود بعد ذلك بـ 54 عاماً، ولكلٍ منهما أدلة أخرى لا ترفع الخلاف، من ذلك نقل المانعين لأقوال عدد من العلماء وخاصة علماء الشافعية والتي منها ما ذكره النووي في (المجموع) (8/76): (
    قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي فلو مر ورواء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف، قال أبو علي البندنيجي في كتابه (الجامع): موضع السعي بطن الوادي، قال الشافعي في القديم: فإن التوى شيئاً يسيراً أجزأه وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجزئه
    ) انتهى.

    ومن ذلك أيضاً قول الرملي الشافعي كما في (نهاية المحتاج شرح المنهاج) (3/383): ( إن
    الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه
    ).

    فقول الشافعي: (
    إن التوى شيئاً يسيراً أجزأه
    ) مفهومه: لو التوى كثيراً لم يجزئه فكيف بالعشرين متراً وهي زيادة المسعى الجديد؟!

    وغيرها من الأقوال الموجودة في مظانها من كتب الفقه وذكرها عدٌد ممن كتب في هذا الموضوع بتوسع وليس هنا محل التفصيل فيها.

    لذلك ختمت اللجنة -التي تمت الإشارة إليها وفيها عددٌ من علماء وأعيان الحجاز ونجد- تقريرها بقولها: (
    وحيث أن الحال ما ذكر بعاليه، ونظراً إلى أنه في أوقات الزحمة عندما ينصرف بعض الجهال من أهل البوادي ونحوهم من الصفا قاصداً المروة يلتوي كثيراً حتى يسقط في الشارع العام فيخرج من حد الطول من ناحية باب الصفا والعرض معاً ويخالف المقصود من البينية بين الصفا والمروة. وحيث أن الأصل في السعي عدم وجود بناء وأن البناء حادث قديما وحديثا. وأن مكان السعي تعبدي، وأن الالتواء اليسير لا يضر، لأن التحديد المذكور بعاليه العرض تقريبي، بخلاف الالتواء الكثير كما تقدمت الإشارة إليه في كلامهم فإننا نقرر ما يلي:.........
    )

    كما استشهد المانعون بذرع عددٍ من المؤرخين عرض المسعى كالأزرقي والفاكهي وغيرهما وقد نصوا أنه خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ذراع، أي ما لا يزيد عن عشرين متراً وهو عرض المسعى القديم.

    أما المجيزون فمن أدلتهم الأخرى أن الصفا والمروة كانا أكبر مما هما عليه الآن، وأن الفقهاء لم يحددوا عرض المسعى، وأن المؤرخين اختلفوا فيه وأن لديهم دراسة جيولوجية وخريطة تم إعدادها قبل عشرين عاماً توضح امتداد جبل الصفا إلى جبل أبي قبيس، الخ. ولكن يبقى كما سبق ذكره أن أقوى أدلة لدى الطرفين: شهود العيان عام 1375هـ وشهود الحال الآن.

    وبعد:

    فعلى المسلم أن يتحرى الصواب ولا يتعصب لرأي أو شخص، فالمسألة لها ما بعدها سنين عديدة وعليه أن يحذر من أن يأخذه الحماس والعاطفة والتعصب لرأي دون آخر، وليتذكر الوقوف بين يدي الله تعالى وألا يجعل ما يتوهم أنه مصلحة أو تيسير على الناس هو الفيصل في القضية، كما لا يضيق على الناس ما يسَّره الله وأباحه لهم.

    وأختم بكلام للشيخ محمد بن إبراهيم يتناسب مع هذا المقام حيث قال كما في مجموع فتاويه (5/146): (
    إنه يتعين ترك الصفا والمروة على ما هما عليه أولاً، ويسعنا ما وسع من قبلنا في ذلك، ولو فتحت أبواب الاقتراحات في المشاعر لأدى ذلك إلى أن تكون في المستقبل مسرحاً للآراء، وميداناً للاجتهادات، ونافذة يولج منها لتغيير المشاعر وأحكام الحج، فيحصل بذلك فساد كبير. ... ولا ينبغي أن يلتفت إلى أماني بعض المستصعبين لبعض أعمال الحج واقتراحاتهم، بل ينبغي أن يعمل حول ذلك البيانات الشرعية بالدلائل القطعية المشتملة على مزيد البحث والترغيب في الطاعة والتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في المعتقدات والأعمال، وتعظيم شعائر الله ومزيد احترامها
    )

    و ما أحوج طلاب العلم اليوم لكلام قاله الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله لطلابه يوصيهم قائلاً: (
    أوصيكم بالثبات في جميع أموركم فإنه من أعظم ما انتفعت به، فإني أخذت على نفسي أن لا أغير رأياً رأيته في أمر علمي أو عملي حتى يثبت لي خطؤه كما ثبت لي صوابه فانتفعت بذلك كثيراً
    )


    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •