عقائد التجانيين تحت المجهر (الحلقة 1)
من عقائد التجانيين : أنّ الأولياء يرون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقظة
النص التالي بكامله منقول عن كتاب: رماح حزب الرّحيم على نحور حزب الرجيم
الجزء الأوّل على هامش كتاب جواهر المعاني ص 219-230 تأليف عمر بن سعيد الفوتي الطوري الكدوي – دار الكتاب العربي بيروت – لبنان الطبعة الثانية 1973م (التي بين يدي). وأهمية الكتاب أنه من أهم مراجع الطريقة التجانية بعد كتابهم المقدس: جواهر المعاني الذي يحتوي هو الآخر ما شرعه لهم شيخهم أحمد التجاني.
الفصـل الحادي والثلاثون: في إعلامهم أنّ الأولياء يرون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقظة ، وأنّه صلّى الله عليه وسلّم يحضر كلّ مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ، وأنّه يتصرّف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدّل منه شيء ، وأنّه مغيّب عن الأبصار كما غيّبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم ، فإذا أراد الله أن يراه عبد رفع عنه الحجاب فيراه على هيئته التي كان هو عليها .
فأقول (الكلام للمؤلف الفوتي) وبالله تعالى التوفيق وهو الهادي بمنّه إلى سواء الطريق ، قال الشعراني في لواقح الأنوار القدسيّة في العهود المحمّديّة : فإن أكثرت من الصلاة والتسليم عليه صلّى الله عليه وسلّم فربّما تصل إلى مقام مشاهدته صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، هي طريق الشيخ نور الدين الشوني والشيخ أحمد الزواوي والشيخ محمّد بن داود المنزلاوي وجماعة من مشايخ العصر . فلا يزال أحدهم يصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبكثرة منها ويتطهّر من كلّ الذنوب حتّى يجتمع به يقظة في أيّ وقت شاء ، ومن لم يحصل له هذا الاجتماع فهو إلى الآن لم يكثر من الصلاة على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الإكثار المطلوب ليحصل له هذا المقام . قال : وأخبرني الشيخ أحمد الزواوي أنّه لمّا لم يحصل الاجتماع بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقظة واظب على الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سنة كاملة ، أصلّي عليه كلّ يوم خمسين ألف مرّة . وكذلك أخبرني الشيخ نور الدين الشوني أنّه واظب على الصلاة على النبيّ كذا وكذا يصلّي كلّ يوم ثلاثين ألف صلاة . قال : سمعت سيّدي عليّ الخوّاص رحمه الله تعالى يقول : لا يكمل عبد في مقام العرفان حتّى يصير يجتمع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقظة ومشافهة . وممّن يراه يقظة من السلف الشيخ أبو مدين المغربي شيخ الجماعة ، والشيخ عبد الرحيم القناوي ، والشيخ موسى الزواوي ، والشيخ أبو الحسن الشاذلي ، والشيخ أبو العبّاس المرسي ، والشيخ والسيّد أبو السعود بن أبي العشائر ، وسيّدي إبراهيم المتبولي ، والشيخ جلال الدين السيوطي ، وكان يقول : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، واجتمعت به يقظة نيّفا وسبعين مرّة . أمّا سيّدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجماعه لأنّه يجتمع به في أحواله كلّها ، ويقول : ليس لي شيخ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . وكان أبو العبّاس المرسي يقول : لو احتجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة ما عددت نفسي من المسلمين . وقال في موضع آخر : وكان ورد الشيخ أحمد الزواوي أربعين ألف صلاة ، وقال مرّة : طريقنا أن نكثر من الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يصير يجالسنا يقظة ونصحبه مثل الصحابة ، ونسأله عن أمور ديننا وعن الحديث ، وعن الأحاديث ضعّفها الحفّاظ عندنا ، ونعمل بقوله صلّى الله عليه وسلّم فيها . ومتى لم يقع لنا ذلك فلسنا من المكثرين للصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم . وقال في خطبة الكتاب : فهو - أيّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الشيخ الحقيقي لنا بواسطة أشياخ الطريق أو بلا واسطة مثل من صار من الأولياء يجتمع به صلّى الله عليه وسلّم في اليقظة ، وقد أدركنا بحمد الله جماعة من أهل هذا المقام ، كسيّدي عليّ الخوّاص والشيخ محمّد العدل والشيخ جلال الدين السيوطي وأضرابهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين . إنتهى .
وذكر الشيخ أحمد بن المبارك ، صاحب الإبريز ، أنّه رأى رجلا يرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في اليقظة ويشم منه رائحة مدينة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مدينة فاس ، ثمّ قال : وسمعت هذا الرجل يقول : ذهبت إلى الحجّ ، فلمّا زرت قبر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أخذتني حالة وقلت : يا رسول الله ما ظننت أنّي أصل إلى مدينتكم ثمّ أرجع إل فاس ، فسمعت صوتا من قِبَل القبر الشريف وهو يقول : إن كنت مخزونا في هذا القبر فمن جاء منكم فليبق ههنا ، وإن كنت مع أمتي حيث ما كانت فارجعوا إلى بلادكم ، قال : فرجعت إلى بلدي . اهـ . وذكر أنّ شيخه القطب عبد العزيز الدبّاغ رضي الله تعالى عنه قال : إنّ من يرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أولياء الله تعالى في اليقظة فإنّه لا يراه حتّى يرى هذا العالم كلّه ولكن لا ينظر واحد . قال وسمعته رضي الله تعالى عنه يقول : لكلّ شيء علامة ، وعلامة إدراك العبد مشاهدة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في اليقظة أن يشتغل الفكر بهذا النبيّ الشريف اشتغالا دائما بحيث لا يغيب عن الفكر ولا تصرفه عنه الصوارف ولا الشواغل ، فتراه يأكل وفكره مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ويشرب وهو كذلك ، ويخاصم وهو كذلك ، وينام وهو كذلك ، فقلت : وهل يكون هذا بحيلة وكسب ؟ فقال : لو كان بحيلة وكسب من العبد لوقعت له الغفلة عنه إذا جاءه صارف أو عرض شاغل ، ولكنّه أمر من الله يحمل العبد إليه ويستعمله فيه ولا يحسن العبد من نفسه اختيارا فيه حتّى لو كلّف العبد دفعه ما استطاع ، ولهذا كانت لا تدفعه الشواغل والصوارف ، فباطن العبد مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وظاهره يتكلّم معهم بلا قصد ويأكل بلا قصد ويأتي لجميع ما يشاهده في ظاهره بلا قصد ، لأنّ العبرة بالقلب وهو مع غيرهم . فإذا دام العبد على هذا مدّة رزقه الله تعالى مشاهدة نبيّه الكريم ورسوله العظيم في اليقظة . ومدّة الفكر تختلف ، فمنهم من تكون له شهرا ، ومنهم من تكون له أقلّ ، ومنهم من تكون له أكثر . قال رضي الله تعالى عنه : ومشاهدة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمرها جسيم وخطبها عظيم ، فلولا أنّ الله يقوّي العبد ما طاقها . لو فرضنا رجلا قويّا عظيما إجتمع فيه قوّة أربعين رجلا ، كلّ واحد منهم يأخذ بأذُن أسدٍ من الشجاعة والبسالة ، ثمّ فرضنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج على هذا الرجل ، لانفلقتْ كبده وذابت ذاته وخرجت روحه ، وذلك من عظمة سطوته صلّى الله عليه وسلّم . ومع هذه السطوة العظيمة ففي تلك المشاهدة الشريفة من اللذة ما لا يكيّف ولا يحصى حتّى أنّها عند أهلها أفضل من دخول الجنّة ، وذلك لأنّ من دخل الجنّة لا يرزق جميع ما فيها من النعم ، بل كلّ واحد له نعيم خاصّ به ، بخلاف مشاهدة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه إذا حصلت له المشاهدة المذكورة سقيت ذاته بجميع نِعَم أهل الجنّة ويجد لذّة كلّ لون وحلاوة كلّ نوع كما يجد أهل الجنّة في الجنّة ، وذلك قليل في حقّ من خلقت الجنّة من نوره صلّى الله عليه وسلّم وشرّف ومجّد وعظّم وعلى آله وصحبه . اهـ .
قلتُ : ولا ينكر رؤية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقظة إلاّ من لا شعور له بمقامات العارفين ، ولا اطّلاع على ديوان الصالحين . فها أنا ألَخِّصُ لك شيئا من ذلك ذكره صاحب الإبريز ، ناقلا عن الشيخ عبد العزيز بن مسعود الدبّاغ أنّه قال : الديوان بِغَار حراء الذي كان يحتنث فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة ، فيجلس الغوث خارج الغار ومكّة خلف كتفه الأيمن والمدينة أمام ركبته اليسرى ، والأربع أقطاب عن يمينه ، وهم مالكيّة على مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه ، وثلاث أقطاب عن يساره ، واحد من كلّ مذهب من المذاهب الثلاثة ، والوكيل أمامه ، ويسمّى قاضي الديوان وهو في الوقت مالكيّ أيضا من بني خالد القاطنين بناحية البصرة ، واسمه سيّدي محمّد عبد الكريم البصراوي . ومع الوكيل يتكلّم الغوث ، ولذلك سُمِّي وكيلا لأنّه ينوب في الكلام عن جميع من في الديوان . والتصرّف للأقطاب السبعة على أمر الغوث ، وكلّ واحد من الأقطاب السبعة تحته عدد مخصوص يتصرّفون تحته ، وصفوف ستّة من وراء الوكيل ، وتكون دائرتها من القطب الرابع إلى الذي على اليسار من الأقطاب الثلاثة ، فالأقطاب السبعة هم أطراف الدائرة ، وهذا هو الصفّ الأوّل ، وخلفه الثاني على صفته وعلى دائرته ، وهكذا الثالث إلى أن يكون السادس آخرها .
ويحضره النساء ، وعددهن قليل وصفوفهم ثلاثة وذلك من جهة الأقطاب الثلاثة التي على اليسار فوق دائرة الصفّ لأوّل في فسح هناك بين الغوث والأقطاب الثلاثة . ويحضره بعض الكمّل من الأموات ، ويكونون في الصفوف مع الأحياء ويتميّزون بثلاث أمور ، أحدها أنّ زيّهم لا يتبدّل بخلاف زيّ الحيّ وهيئته ، فمرّة يحلق شعره ومرّة يجدّد ثوبه وهكذا ، وأمّا الموتى فلا تتبدّل حالتهم . فإذا رأيت في الديوان رجلا على زيّ لا يتبدّل فاعلم أنّه من الموتى ، كأنْ تراه محلوق الشعر ولا ينبت له شعر فاعلم أنّه على تلك الحالة ، وإن رأيت الشعر على رأسه على حال لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق فاعلم أيضا أنّه ميّت ومات على تلك الحال . ثانيها أنّه لا تقع معه مشاور في أمور الأحياء لأنّه لا تصرّف لهم فيها وقد انتقلوا إلى عالم آخر في غاية المباينة لعالم الأحياء ، وإنّما تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات . ثالثها أنّ ذات الميّت لا ظلّ لها ، فإذا وقف الميّت بينك وبين الشمس فإنّك لا ترى له ظلاّ ، وسرّه أنّه يحضر بذات روحه لا بذاته الفانية الترابيّة ، وذات الروح خفيفة لا ثقيلة وشفّافة لا كثيفة . قال لي رضي الله عنه : وكم مرّة أذهب إلى الديوان أو إلى مجمع من مجامع الأولياء وقد طلعت الشمس فإذا رأوني من بعيد إستقبلوني فأراهم بعين رأسي متميّزون ، هذا بظلّ وهذا لا ظلّ له . والأموات الحاضرون في الديوان ينزلون إليها من البزخ يطيرون طيرا بطيران الروح ، فإذا قربوا من موضع الديوان بنحو مسافة نزلوا إلى الأرض ومشوا على أرجلهم إلى أن يصلوا إلى الديوان تأدّبا مع الأحياء وخوفا منهم . قال : وكذا رجال الغيب إذا زار بعضهم بعضا فإنّه يجيء بسير روحه فإذا قرب من موضعه تأدّب ومشى مشي ذاته الثقيلة تأدّبا وخوفا . وتحضره الملائكة وهم من وراء الصفوف . ويحضره أيضا الجنّ الكمّل وهم الروحانيون ، وهم من وراء الجميع ، وهم لا يبلغون صفّا كاملا . وفائدة حضور الملائكة والجنّ أنّ الأولياء يتصرّفون في أمور تطيق ذواتهم الوصول إليها وفي أمور أخرى لا تطيق ذواتهم الوصول إليها ، ويستعينون بالملاكة والجنّ في الأمور التي لا تطيق ذواتهم الوصول إليها . قال : قال وفي بعض الأحيان يحضره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم . فإذا حضره صلّى الله عليه وسلّم جلس في موضع الغوث وجلس الغوث في موضع الوكيل وتأخّر الوكيل للصفّ . وإذا جاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاءت معه الأنوار التي تطاق وإنّما هي أنوار محرقة مفزعة قاتلة لحينها ، وهي أنوار المهابة والجلالة والعظمة حتّى أنّا لو فرضنا أربعين رجلا بلغوا في الشجاعة مبلغا لا مزيد عليه ثمّ فوجئوا بهذه الأنوار فإنّهم يصعقون لحينهم ، إلاّ أنّ الله تعالى يرزق أولياءه القوّة على تلقّيها ، ومع ذلك فالقليل منهم هو الذي يضبط الأمور التي صدرت في ساعة حضوره صلّى الله عليه وسلّم . وكلامه صلّى الله عليه وسلّم مع الغوث . إلى أن قال : قال رضي الله عنه : وإذا حضر النبيّ صلّى الله عليه سلّم في الديوان وجاءت معه الأنوار التي لا تطاق بادرت الملائكة الذين مع أهل الديوان ودخلوا في نوره صلّى الله عليه وسلّم ، فما دام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الديوان لا يظهر منهم ملك ، فإذا خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الديوان رجع الملائكة إلى مراكزهم . إلى أن قال : وسألته رضي الله عنه هل يحضر الديوان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل سيّدنا إبراهيم وسيّدنا موسى وغيرهما من الرسل على نبيّنا وعليهم أفضل الصلاة والسلام ؟ فقال رضي الله عنه : يحضرونه في ليلة واحدة في العام ، قال : قلت : فما هي ؟ قال : ليلة القدر ، فيحضروه في تلك الليلة الأنبياء والمرسلون ويحضروه الملأ الأعلى من الملائكة المقرّبين وغيرهم ، ويحضره سيّد الوجود صلّى الله عليه وسلّم ، ويحضر مع أوزاجه الطاهرات وأكابر صحابته الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين . وقال ، بعد كلام ، أنّه سمعه - أعني الشيخ عبد العزيز الدبّاغ رضي الله تعالى عنه - يقول : قد يغيب الغوث عن الديوان فلا يحضره ، إلى أن قال : قال رضي الله عنه : وقد يحضر سيّد الوجود صلّى لله عليه وسلّم في غيبة الغوث ويحصل لأهل الديوان من الخوف والجزع من حيث أنّهم يجهلون العاقبة في حضوره صلّى الله عليه وسلّم ما يخرجهم عن حواسّهم حتّى أنّهم لو طال ذلك أيّاما كثيرة لانهدمت العوالم . قال : قال رضي الله عنه : وإذا حضر سيّد الوجود صلّى الله عليه وسلّم مع غيبة الغوث فإنّه يحضر معه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن والحسين وأمّهما فاطمة ، تارة كلّهم وتارة بعضهم رضي الله عنهم أجمعين . قال : قال : وتجلس مولاتنا فاطمة مع جماعة النسوة اللاّتي يحضرن الديوان في جهة اليسار كما تقدّم وتكون مولاتنا فاطمة أمامهن رضي الله عنها وعنهنّ . قال : قال رضي الله عنه : وسمعتها رضي الله عنها تصلّي على أبيها صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الليالي وهي تقول : " اللهمّ صلّ على من روحه محراب الأرواح والملائكة والكون . اللهمّ صلّ على من هو إمام الأنبياء والمرسلين ، اللهمّ صلّ على من هو إمام أهل الجنّة عباد الله المؤمنين " ، وكانت تصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم لكن لا بهذا اللفظ وإنّما أنا استخرجت معناه . اهـ . ملخّصا مختصرا .
وفي الإبريز أيضا : وسمعته رضي الله تعالى عنه يقول : إنّي رأيت سيّدنا إبراهيم خليل الرحمن على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام يطلب الدعاء الصالح من سيّدي منصور رضي الله تعالى عنه . وفيه قال - يعني شيخه عبد العزيز بن مسود الدبّاغ رضي الله تعالى عنه : وأمّا من رأى سيّد الوجود صلّى لله عليه وسلم في المنام فإنّ رؤياه تنقسم إلى قسمين ، أحدهما ما لا تغيّر فيه ، وذلك بأن يراه على الحالة التي كان صلّى الله عليه وسلّم عليها في دار الدنيا التي كان الصحابة رضي الله عنهم يشاهدونه صلّى الله عليه وسلّم عليها ، ثمّ إن كان الرائي من أهل الفتح والعرفان والشهود والعيان فإنّ الذي رآى هو ذاته الشريفة ، وإن لم يكن من أهل الفتح فتارة تكون رؤياه كذلك ، وهو النادر ، وتارة ، وهو الكثير ، يرى صورة ذاته الشريفة لا عين ذاته ، وذلك لأنّ لذاته الطاهرة صورا بّها يرى صلّى الله عليه وسلّم في أماكن كثيرة في المنام وفي اليقظة وذلك لأنّ لذاته صلّى الله عليه وسلّم نورا منفصلا عنها قد امتلأ به العالم كلّه ، فما من موضع منه إلاّ وفيه النور الشريف ، ثمّ هذا النور تظهر فيه ذاته عليه السلام كما تظهر صورة الوجه في المرآة ، فإنّ النور بمثابة مرآة واحدة ملأت العالم كلّه والمرتسم فيها وهو الذات الكريمة ، فمن هنا كان يراه عليه السلام رجل بالمشرق وآخر بالمغرب وآخر بالجنوب وآخر بالشمال وأقوام لا يحصون في أماكن مختلفة في آن واحد ، وكلّ يراه عنده ، وذلك أنّ النور الكريم الذي ترسم فيه الذات مع كلّ واحد منهم . والمفتوح عليه هو الذي إذا رآى الصورة التي عندهم تبعها ببصيرته ثمّ يغرق بنورها إلى محلّ الذات الكريمة ، وقد يقع هذا لغير المفتوح عليه بأن يمنّ عليه تعالى برؤية الذات الكريمة وذلك بأن يجيئه عليه السلام إلى موضعه كما إذا علم منه عليه السلام كمال المحبّة والصدق فيها ، فأمر المسألة موكول إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فمن شاء أراه ذاته ومن شاء أراه صورتها . وله صلّى الله عليه وسلّم ظهور في صور أخر وهي صور عدد الأنبياء المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، وصور عدد الأولياء من أمّته من لدن زمانه عليه السلام إلى يوم القيامة . والعدد المذكور الصحيح فيه أنّه غير معلوم ، وقيل أنّه مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، فله عليه السلام من الصور التي يظهر فيها مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، ومثل هذا العدد في أولياء أمّته عليه السلام ، فله عليه السلام الظهور في مئتي ألف وثمانية وأربعين ألفا لأنّ الجميع مستمدّ من نوره عليه السلام ، ومن هنا يقع كثيرا للمريدين رؤيته عليه السلام في ذوات أشياخهم . اهـ .