قال العلامة ابن القيم في اعلام الموقعين :(وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ ولم يراع المقاصد والمعاني إلا كمثل رجل قيل له لا تسلم على صاحب بدعة فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه أو قيل له اذهب فاملأ هذه الجرة فذهب فملأها ثم تركها على الحوض وقال لم تقل ايتني بها وكمن قال لوكيله بع هذه السلعة فباعها بدرهم وهي تساوي مائة ويلزم من وقف مع الظواهر أن يصحح هذا البيع ويلزم به الموكل وإن نظر إلى المقاصد تناقض حيث ألقاها في غير موضع وكمن أعطاه رجل ثوبا فقال والله لا ألبسه لما له فيه من المئة فباعه وأعطاه ثمنه فقبله وكمن قال والله لا أشرب هذا الشراب فجعله عقيدا أو ثرد فيه خبزا وأكله ويلزم من وقف مع الظواهر والألفاظ أن لا يحد من فعل ذلك بالخمر وقد أشار النبي إلى أن من الأمة من يتناول المحرم ويسميه بغير اسمه فقال: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير" رواه أحمد وأبو داود وفي مسند الإمام أحمد مرفوعا يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها وفيه عن عبادة بن الصامت عن النبي : "يشرب ناس من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه" وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي امامة يرفعه: "لا تذهب الليالي والأيام حتى بشرب طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" قال شيخنا رضي الله عنه وقد جاء حديث آخر يوافق هذا مرفوعا وموقوفا من حديث ابن عباس يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه والسحت بالهدية والقتل بالرهبة والزنا بالنكاح والربا بالبيع وهذا حق فان استحلال الربا باسم البيع ظاهر كالحيل الربوية التي صورتها صورة البيع وحقيقتها حقيقة الربا ومعلوم ان الربا إنما حرم لحقيقته ومفسدته لا لصورته واسمه فهب ان المرابي لم يسمه ربا وسماه بيعا فذلك لا يخرج حقيقته وماهيته عن نفسها وأما استحلال الخمر باسم آخر فكما استحل المسكر من غير عصير العنب وقال لا أسميه خمرا وإنما هو نبيذ وكما يستحلها طائفة من المجان إذا مزجت ويقولون خرجت عن اسم الخمر كما يخرج الماء بمخالطة غيره له عن اسم الماء المطلق وكما يستحلها من يستحلها إذا اتخذت عقيدا ويقول هذه عقيد لا خمر ومعلوم ان التحريم تابع للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة فإن إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل الأسماء والصور عن ذلك وهل هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله ورسوله وأما استحلال السحت باسم الهدية وهو أظهر من ان يذكر كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما فإن المرتشي ملعون هو والراشي لما في ذلك من المفسدة ومعلوم قطعا انهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية وقد علمنا وعلم الله وملائكته ومن له إطلاع على الحيل أنها رشوة وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه ولاة الجور سياسة وهيبة وناموسا وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر وأما استحلال الزنا باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غرض له أن يقم معها ولا أن تكون زوجته وإنما غرضه أن يقضي منها وطره أو بأخذ جعلا على الفساد بها ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته وقد علم الله ورسوله والملائكة والزوج والمرأة انه محلل لا ناكح وانه ليس بزوج وإنما هو تيس مستعار للضراب بمنزلة حمار العشريين. )