من عرف نفسه عرف ربه



قال العلامة ابن القيم_رحمه الله_ شارحا للأثر:"من عرف نفسه عرف ربه". وليس هذا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو أثر إسرائيلي بغير هذا اللفظ أيضا:"يا إنسان اعرف نفسك تعرف ربك".
وفيه ثلاث تأويلات:


أحدهما: أن من عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة ومن عرفها بالعجز عرف ربه بالقدرة ومن عرفها بالذل عرف ربه بالعز ومن عرفها بالجهل عرف ربه بالعلم فإن الله سبحانه استأثر بالكمال المطلق والحمد والثناء والمجد والغنى والعبد فقير ناقص محتاج وكلما ازدادت معرفة العبد بنقصه وعيبه وفقره وذله وضعفه: ازدادت معرفته لربه بأوصاف كماله.


التأويل الثاني: أن من نظر إلى نفسه وما فيها من الصفات الممدوحة من القوة والإرادة والكلام والمشيئة والحياة عرف أن من أعطاه ذلك وخلقه فيه أولى به فمعطي الكمال أحق بالكمال فكيف يكون العبد حيا متكلما سميعا بصيرا مريدا عالما يفعل باختياره ومن خلقه وأوجده لا يكون أولى بذلك منه فهذا من أعظم المحال بل من جعل العبد متكلما أولى أن يكون هو متكلما ومن جعله حيا عليما سميعا بصيرا فاعلا قادرا أولى أن يكون كذلك.


فالتأويل الأول من باب الضد وهذا من باب الأولوية.


والتأويل الثالث: أن هذا من باب النفي أي كما أنك لا تعرف نفسك التي هي أقرب الأشياء إليك فلا تعرف حقيقتها ولا ماهيتها ولا كيفيتها فكيف تعرف ربك وكيفية صفاته؟( 1).





____________
( 1) انظر المدارج : (ج1_ص734)ط_دار طيبة.