وهذا ما حدث للأسف


( أعطي له النصيحة فلا يتأمل ما فيها .. لأنه اكتفى بدائرته وما بخارجها ليس أهلا لعرض النصيحة )..
( ترك الاستفادة من النصيحة وتكلم في استئذان إلقاء النصيحة )
( وهل أصبح للمسجد رئيسٌ يسيطر على كل شيء في المسجد حتى التذكرة والنصيحة العابرة ؟ )


قال أخونا قراءة عليّ وأنا أستمع جيدا له : ( بعدما قمت بتوزيع نصيحة (للمدخنين)، (وللحث على قيام الليل) على المارة في الطريق .. رجالا أو نساء ـ تسهيلا لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتفعيلها بين جميع المسلمين ، ومن إعطاء الطريق لحقه ـ الكل يأخذ ويشكرني .. حتى مكثت ساعة وبعد ذلك توجهت إلى المسجد فدخلت فتوضأت وصليت ركعتين ثم وجدت بعض الشباب في المسجد فقلت : أوزع عليه وريقة قيام الليل.. فذهبت فوزعتها عليهم ـ لا يتجاوز عددهم سبعة ـ وليس في الحسبان أصلا الدخول إلى المسجد والتوزيع ... فبعد أن وزعتها ناداني أحدهم
وقال لي: لا بد أن تستأذن من المسئولين في المسجد قبل أن توزع أي شيء.. للمسجد نظام ، وأنت تخطيت النظام .
فقلت له : نعم مخالفة النظام كإلقاء درس علم في ميعاد درس علم راتب في المسجد أو توزيع أي شيء في موعد خاص ، والأمر بسيط جدا إنما وزعت على بضعة أفراد ..
فقال لي: ولو حتى فردا واحدا ... وأخذ يتعدى عليّ بكلام أزعجني ..
وقال : في المسجد مشايخ وعلماء ودعاة منذ خمسين عاما ولن تأتي أنت بجديد ..
وقال أيضا: فعلك هذا سيقتدي بك الناس ويفعلون فعلك ويصبح الأمر فوضى ..
فقلت له : أنا لم أدخل وصليت بالناس صلاة العشاء وتخطيت الإمام الراتب ... فقط على بضعة أفراد ...
فقال : ولو فردا واحدا .... لا بد من النظام ،
فقلت له: إذا أردت أن أنصح شخصا في المسجد ،
فقال: لا بد من الاستئذان ،
فقلت له: لا تحجر واسعا ، وإذا قام إنسان بتحفيظ شخص في المسجد ؟
فقال: لا ، وكيف نعرف أنه أهل للتحفيظ .... ولا يجلس في المسجد أحد يحفظ أحدا إلا باستئذان ...
فقلت له : المسجد لله ، ولا تمنعني من القيام بنصح بعض الأفراد ... فما هي إلا نصيحة لقيام الليل ..
فقال : لا ... وما يدريني أن ما تفعله اليوم تمهيدا لنشرك أفكارا خاطئة ومنحرفة... فإن البعض يبدأ بذلك ثم ينشر أشياء أخرى ..
قلت : راقبه ، واحمد فعله الصحيح ، وخذ على يديه في الفعل الخاطيء ... وكيف دخلت في نيته وحكمت عليها بالسوء ؟
فما كان منه إلا أن رمى هذه الكلمات وانصرف ، وبدلا من أن تكون موعظة ، أصبحت جدلا ..).


ولنقف مع ما حدث وقفات :
1 ـ ما يضر القيام بالتحفيظ والنصيحة والموعظة العابرة من أي مسلم يعلم ما يقوله ، فإن ذلك من تطبيق عملي للمحاضرات والندوات والخطب .. وإن أخطأ فلينصح وليوجّه ..ولن يبدأ إنسان بعمل جديد عليه ويفعله بصواب 100 % ..
2 ـ قوله: (ولو فردا واحدا)...لا حول ولا قوة إلا بالله حجر واسعا ، وهل يا ترى ماذا يفعل عندما يمر على مقهى أو مكانا لبيع المحرم هل سيدخل ليستأذن لينصحه أم سيتركه ولا يبال به ؟!
3 ـ قوله : (في المسجد مشايخ وعلماء ودعاة منذ خمسين عاما ولن تأتي أنت بجديد).. أساليب الدعوة لم تنتهي ولم يغلق باب الابداع في حسن الدعوة إلى الله ، ولا أظن أن الدعاة سيعترضون على ذلك .
4 ـ قوله: (فعلك هذا سيقتدي بك الناس ويفعلون فعلك ويصبح الأمر فوضى).. هذا ما أريده ، تحرك الشباب وتفعيل دور النصيحة والموعظة والتذكرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة وموعظة حسنة .. والمخطيء يقوّم وينصَح ويشتد أزره بإخوانه ...
5 ـ وأما قوله: (وما يدريني أن ما تفعله اليوم تمهيدا لنشرك أفكارا خاطئة ومنحرفة).. الأصل في المسلم أنه سنّي من أهل السنة والجماعة ، والأصل فيه حسن الظن به ... أما ذلك فينبيء عن الاكتفاء بما عند الشخص من العلم ، وأحادية النصيحة من عنده فقط ، وعلوّ الرئاسة عنده ...


ولنقف مع القرآن الكريم المنير والسنة الصافية الحكيمة ...وقفات :
1 ـ قال تعالى : ( قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًۭا ﴿66﴾ )..
فانظر رحمك الله تعالى ماذا قال موسى عليه السلام لذلك الرجل العالم وهو الخضر؟ فإن الله خصّه الله بعلم لم يطلع عليه موسى . ..
2 ـ قال الاعمش: إذا رايت مجاهدا كانه خربندج ـ أي حمّال ـ ، فإذا نطق خرج من فيه الؤلؤ ..
فلا تعلي نفسك على إنسان في بيت الله تعالى ، فربما كان أفضل منك وأتقى لله تعالى منك ، ويحاول أن يفعل شيئا محمودا .. وربما كان عالما أو طالب علم وأنت لا تستوعب ما تفعله .. فلا بد من التروي .. وعدم إقحام نظرية الاستئذان في الأمر وتدبر ما يعطى إليك ... فإننا إذا فعلنا ذلك نكون ((أذلة على المؤمنين))
3 ـ عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ « مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ». قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ « أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ ». قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِى « يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ »....
فانظر رحمك الله مكانة النبي عليه السلام بين أصحابه لم تمنعه من تقبل كلام جبريل له ومجاراته فيه .. ولم يتدخل الصحابة في الأمر ، ولم يقولوا له : كيف تفعل ذلك استأذن أولا هذا نبي الله . ولكن ما زادوا على الصمت والتعجب فقط ... وهذا هو الفرق بين العالم وطالب العلم وبين قليل العلم ، فإن العالم متفتح الأفق ، وقليل العلم ضيّق الأفق لا يرى العلم إلا الذي عنده ...
4 ـ قال تعالى : ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)).. فلا يتعالى أحد على الآخر ويسيء الظن به ، فلا بد من السؤال قبل الحكم ، فقد يستفيد المرء من أي إنسان ، بل استفاد أبو هريرة من الشيطان (صـدقـك وهـو كذوب)..
5 ـ عن ‏ ‏رفاعة بن رافع ‏ ‏أنه قال: كنا يوما نصلي وراء رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلما رفع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رأسه من الركعة وقال: سمع الله لمن حمده قال: رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: من المتكلم آنفا فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏: (لقد ‏ ‏رأيت ‏ ‏بضعة ‏ ‏وثلاثين ملكا ‏ ‏يبتدرونها ‏ ‏أيهم يكتبهن أول ).
فأقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله ، وتروى الصحابة الكرام في عمل أي شيء يسيء إلى الرجل من أنه فعل فعلا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل ...
6 ـ ‏ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم..
.. ما أفهم وأعقل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ((فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا)).. فلم يعترضوا على بعضهم ويوبخوا بعضهم بعضا ...
فكذلك لا بد من التروي لرؤية الشيء الجديد فقد تكون فكرة رائعة أو إحياء لسنة طيبة أو نشرا لهدي مفقود بين المسلمين ...
7 ـ عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )..
فالكل مدعو للنصيحة ، ولا بد من حسن الظن في الأخ الناصح ، والفعل الطيب معه ، والنصيحة معناها الحرص على الشخص والاهتمام به ...
8 ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قال : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ " .
ـ ما أرحم النبي صلى الله عليه وسلم بنا ... وهل رنات المحمول وإزعاجه للمصلين كالبول في المسجد .. فلنأخذ الناس وننصحهم برحمة ولين ورأفة بهم ...
ـ وكذلك الأخ الناصح في المسجد لم يبل في المسجد حتى يعتدي عليه المسئول عن المسجد ..
9 ـ عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ..
فهل فعل هذا الأخ مع الأخ الناصح هدي النبوة من الشكر والدعاء له ، أم اعتدى عليه ...


جعلني الله وإياكم من الناشرين للمعروف والخير والمساهمين في إنكار المنكر بحكمة وموعظة حسنة .
د/ أبو مسلم خالد مصطفى الوكيل.