أنتظر اّراءكم وجزاكم الله خيرا .
أنتظر اّراءكم وجزاكم الله خيرا .
بل كل العلوم كذلك، لا اختصاص للفقه ولا للغة بذلك.
وإذا تأملت كتب اللغة والنحو وجدتهم كثيرا ما يحكمون على بعض الخلافات بأنها لا قيمة لها.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أستاذي الفاضل .
وهل هناك معيار للخلاف السائغ من غيره؟
حفظكم الله من كل سوء .
قد يختلف أهل العلم في هذا المعيار، كما يختلفون في كثير من المسائل.
غير أن المعيار الذي أراه صالحا وسالما من الاعتراضات -إن شاء الله- هو ما عليه جملة أهل الفن المعروفين بالضبط والإتقان فيه.
فما كان من الأقوال خارجا عن المعروف من أقوال الأئمة فهو قول شاذ، وآيته أن لا تجد لصاحبه موافقا قبله ولا بعده.
والله أعلم.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
شكرا لكم ... بارك الله فيكم ...
أقول وبالله تعالى التوفيق :
الخلاف في اللغة كغيره من العلوم إن كان عليه دليل معتبر عند قائله فهو خلاف سائغ وإلا فلا عبرة له ، ومن يتأمل في الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين لابن الأنباري يتضح له الأمر جليا
وفقك الله وسدد خطاك
لا شك أن الخلاف الذي لا دليل عليه لا عبرة به، ولكن المشكلة العويصة هي : ( كيف نعرف أنه لا دليل عليه ) ؟
لأن كل قائل يدعي أن لديه دليلا على ما يقول، ويدعي أن كلامه هو الصحيح وأن دليله هو الحق، وأن كلام مخالفه هو الباطل،
فلا يصلح أن نجعل هذا الأمر مقياسا نحكم به على الخلاف بأنه سائغ أو غير سائغ.
وهناك فرق بين قولنا: ( هذا القول ضعيف ) وقولنا ( هذا القول لا عبرة به )؛ فالأول معناه أننا نرجح خلافه لضعف أدلته أو لعدم وجود أدلة معتبرة له، أما الثاني فمعناه أن هذا القول لا يلتفت إليه أصلا لمخالفته الأصول المتفق عليها مثلا أو مخالفته الإجماع السابق أو اللاحق أو نحو ذلك.
وليس كلُّ خلافٍ جاءَ مُعتبَرًا . . . . إلا خلافٌ له حظ من النَّـظرِ
يقول ابن جني في سياق حديثه عن حجية الإجماع في العربية:
اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص، والمقيس على المنصوص، فأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه. وذلك أنه لم يَرِدْ ممن يطاع أمره في قرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ، كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «أمتي لا تجتمع على ضلالة»، وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة، فكل من فُرِقَ له عن علة صحيحة، وطريق نَهْجَةٍ كان خليل نفسه، وأبا عمرو فكره.
إلا أننا - مع هذا الذي رأيناه وسوغنا مرتكبه - لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعةِ التي قد طال بحثها، وتقدم نظرها، وتتالت أواخرَ على أوائل، وأعجازاً على كلاكل، والقومِ الذين لا نشك في أن الله - سبحانه وتقدست أسماؤه - قد هداهم لهذا العلم الكريم، وأراهم وجه الحكمة في الترجيب له والتعظيم، وجعله ببركاتهم، وعلى أيدي طاعاتهم، خادماً للكتاب المنزل، وكلام نبيه المرسل، وعوناً على فهمهما، ومعرفة ما أُمِر به، أو نُهِيَ عنه الثقلان منهما، إلا بعد أن يناهضه إتقانًا، ويثابته عرفانًا، ولا يخلد إلى سانح خاطره، ولا إلى نزوة من نزوات تفكره. فإذا هو حذا على هذا المثال، وباشر بإنعام تصفحه أحناء الحال، أمضى الرأي فيما يريه الله منه، غير معازٍّ به، ولا غاضٍّ من السلف - رحمهم الله - في شيء منه، فإنه إذا فعل ذلك سُدِّدَ رأيُه، وشيع خاطره، وكان بالصواب مئنة، ومن التوفيق مظنة، وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: ما على الناس شيء أضرُّ من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئاً، وقال أبو عثمان المازني: وإذا قال العالم قولاً متقدمًا فللمتعلم الاقتداء به والانتصار له، والاحتجاج لخلافه إن وجد إلى ذلك سبيلاً ، وقال الطائي الكبير:
يقول من تطرق أسماعه ... كم ترك الأول للآخر!
اهـ.
كلام ابن جني هنا قد فُهِم خطأ من كثير من الدارسين المعاصرين، ومن بعض القدماء أيضا.
فظنوا أن ابن جني ينكر حجية الإجماع.
وقد بين الشاطبي في المقاصد الشافية هذا الأمر بيانا شافيا، ولعلي أنشط لنقل كلامه، والله المستعان.
لعلك توافينا بكلام الشاطبي قريبا
أما كلام ابن جني فظاهر في أنَّ مخالفة الإجماع في العربية ليست بالأمر الهين ولكنها ممكنة بشروط، وهذا يعني أن الإجماع نظريا على الأقل ليس بحجة مبطلة لقول المخالف، وإن كان أمارة على صحة المجمع عليه، والله تعالى أعلم.
لا يا شيخنا الفاضل، ليس هذا مراد ابن جني .
وإنما المراد أن مخالفة الإجماع ممكنة في التخريج والتأويل لا في التقعيد والتأصيل .
يعني مثلا لو اتفق أهل اللغة على أن كذا وكذا مرفوع فلا يصح مخالفة ذلك مطلقا أيا كانت الأسباب .
أما لو اتفقوا على أن سبب الرفع هو كذا، أو علة النصب كذا فيمكن أن تخالفهم في هذا السبب وتقول: السبب شيء آخر والعلة أمر مختلف.
هذا خلاصة الكلام في الموضوع ، وهو ما أشار إليه الشاطبي رحمه الله.
وأنا منذ زمن طويل أود أن أكتب بحثا مطولا عن هذه المسألة لكثرة ما رأيت من خطأ عند المعاصرين في فهم كلام ابن جني .
مع أن ابن جني في هذه المسألة أبعد النجعة أصلا في الفهم وخطأه العلماء في هذه المسألة، ولكن الكلام في تحرير مذهب ابن جني لا في بيان الراجح .
بارك الله فيكم شيخنا أبا مالك
ولكن ما معنى قول ابن جني: إن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص، والمقيس على المنصوص.
ما المقصود بالمنصوص هنا ؟ أهو المنصوص عن العرب أم عن النحاة؟ وإذا كان الأول فما وجه اشتراط عدم مخالفته في حجية الإجماع؟
وكيف يقبل من مشتغل بعلم العربية ومادته كلام العرب أن يخالف المنصوص عنهم والمقيس عليه معًا فبأي شيء يأخذ ومن أين يستمد علمه؟
ذكر شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك أن هنا استدلالات في اللغة عند البعض مخالفة للعقيدة
قلت أي ليست غير سائغة في اللغة فقط بل في الدين
و لعل من ذلك إنكار أن الله علم آدم الأسماء كلها ، تأثراً بمعتقد المعتزلة في صفات الله و الزعم أن اللغات كلها إصطلاحية
وفقك الله وسدد خطاك
هذا الكلام الذي تفضلتم بذكره هو أحد القرائن الدالة على مراد ابن جني؛ وأنه لم يقصد مخالفة الإجماع المعروف.
فهو يستند إلى أن إجماع النحاة ليس هناك دليل على عصمته كإجماع الفقهاء، ويفهم من هذا أنه يشير إلى ما لا تعلق له بالشرع من مسائل النحو؛ لأن القدح مثلا في أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب قدح في الشرع ولا بد.
فماذا يا ترى هذه المسائل النحوية التي لا تعلق لها بالشرع؟
أجاب ابن جني نفسه عن ذلك بعد هذا بقوله (فكل من فُرِقَ له عن علة صحيحة، وطريق نَهْجَةٍ كان خليل نفسه، وأبا عمرو فكره).
فالكلام هنا في العلل النحوية والتخريجات المستنبطة، فمثلا لو قال قائل: أقسام الكلام أربعة بدلا من ثلاثة، وزاد مثلا (اسم الفعل)، وجعله قسما برأسه، فإن الخلاف معه يكون خلافا نظريا؛ لأنه لا ينازع في شيء عملي من كلام العرب.
وإذا نظرنا إلى المسألة التي جعلت ابن جني يتطرق إلى كلامه هذا اتضح لنا الأمر أكثر؛ فهي مسألة (هذا جحر ضب خرب) فلماذا جرت كلمة (خرب)؟ ابن جني لا ينازع هنا أنها مجرورة، وإنما ينازع في (لماذا جرت) فقط؟
وهذه العبارة من كلام ابن جني مأخوذة من كلام الخليل بن أحمد نفسه عندما سئل عن العلل التي يذكرها في النحو أهي شيء سمعته من العرب؟ فقال: إنما أنا كرجل حكيم دخل بيتا فرأى فيه من أصناف الزينة كذا وكذا فقال: إنما وضع هذا هنا لهذه العلة وإنما فعل كذا لهذه العلة، فمن أتى بعلة أفضل مما قلته أخذنا به.
وأما المنصوص الذي ذكره ابن جني ففيه احتمال:
- فيمكن أن يكون قصده أن الإجماع لا بد أن يستند إلى دليل كما هو مذهب الجمهور.
- ويمكن أن يكون قصده أن النزاع بين الخصوم لا بد أن يخرج عن هذين النوعين (المنصوص والمقيس على المنصوص).
والمراد بالمنصوص ما كان كالنص في حكمه مثل (الفاعل مرفوع) (المفعول منصوب) فالعرب لم تقل لنا هذا، ولكنه عرف عنهم بيقين كالنص.
وقد يكون كلامه محتملا غير ذلك، ولكن آخر كلامه يبين مراده كما سبق ذكره.
والله تعالى أعلم.
هذا كلام الشاطبي رحمه الله ( 5 / 526 ) :
(( ... وأما ثانيا: فإن سلمناه فليست المخالفة للإجماع في حكم من الأحكام المتقررة التي يلزم عنها المخالفة في قياس أو سماع .... وأما لو كانت المخالفة فيما يوجب حكما ظاهرا لكانت المخالفة حينئذ محظورة، وعلى هذا النحو جاءت مخالفة ابن جني في نحو: هذا جحر ضب خرب، إنما خالفهم في تأويل لا في نفس حكم قياسي أو سماعي .... )).
في اللغة العربية، يُقصد بالـ"خلاف المعتبر" الاختلافات اللغوية أو النحوية التي تعتمد على أدلة معتبرة من القرآن الكريم، أو السنة النبوية، أو الشعر العربي الفصيح، أو كلام العرب الفصحاء، ويُعتبر هذا الخلاف مقبولًا لدى العلماء ولا يُنكر على من يتبناه
1. **اختلاف القراءات القرآنية**
مثل قراءة قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة: 4)
- بعض القراء قرأوها **"مَلِكِ"** (بفتح الميم وكسر اللام)، والبعض قرأها **"مَالِكِ"** (بمد الألف).
- كلا القراءتين صحيحتان، وتعتمد على الروايات المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2. **اختلاف الإعراب في القرآن**
مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ (البقرة: 124)
- **البصريون** يُعربون "إبراهيمَ" **نصبًا** على أنه مفعول به لفعل مُقدَّر (ابتلى الله إبراهيمَ).
- **الكوفيون** يُعربونه **رفعًا** على أنه فاعل لفعل مُقدَّر (ابتلى إبراهيمُ ربَّه).
- والخلاف معتمد على السياق وتوجيه المعنى.
3. **اختلاف التصريف في الأفعال**
- **الفعل "أَكَلَ"** في الماضي:
- بعض النحاة يقبلون **"أَكَلَ"** (بفتح الهمزة).
- والبعض يقبل **"أُكِلَ"** (بضم الهمزة) كلهجة قبيلة **هذيل**.
- كلا الشكلين صحيح لورودهما في كلام العرب.
4. **الخلاف في حذف الحروف أو زيادتها**
مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ (الليل: 3)
- قرأها بعضهم **"وَالذَّكَرَ"** (بواو العطف)، وقرأها آخرون **"وَ الذَّكَرَ"** (بقطع الواو).
- الاختلاف مبني على الروايات الصحيحة.
5. **الخلاف في إثبات الهاء أو حذفها**
- في قولهم: **"هذا كتابُ اللهِ"** أو **"هذا كتابَ اللهِ"**:
- **البصريون** يرفعون "كتابُ" على أنه خبر مرفوع.
- **الكوفيون** ينصبونه "كتابَ" على الإغراء (أي: اقرأ كتابَ الله).
- كلا الإعرابين مقبول لاستعمالهما في السياق.
6. **الخلاف في التذكير والتأنيث**
- مثل قول العرب: **"هذه نارٌ حاميةٌ"** أو **"حامٍ"**:
- جوَّزوا تأنيث "حامية" (لأن النار مؤنثة).
- وتذكيرها "حامٍ" (على سبيل المجاز).
- والخلاف معتمد على الاستعمال الشعري والنثري.
7. **الخلاف في إعمال المصدر أو إهماله**
- في قولك: **"أعجبني ضربُ زيدٍ عمرًا"**:
- بعض النحاة يُعمل المصدر "ضربُ" فيرفع فاعلًا (زيدٌ) وينصب مفعولًا (عمرًا).
- والبعض لا يُعمله فيجعل "زيد" مضافًا إليه.
- والخلاف مبني على القياس والسماع.
أهمية الخلاف المعتبر:
هذه الاختلافات تُظهر ثراء اللغة العربية ومرونتها، وتُعتبر جزءًا من التراث اللغوي الذي يُدرس في كتب النحو والمعاجم، مثل:
- **"المحتسب" لابن جني**.
- **"الكشف عن وجوه القراءات" لمكي بن أبي طالب**.
- **"الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري**.