قال شيخنا عبد القادر المحمدي قي كتاب أسماء الرواة ص136:"
عمار بن أبي عمار، مولى بني هاشم، ويقال: مولى بني الحارث بن نوفل، أبو عمرو ،ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله([1]).
قال النسائي في "التمييز": ليس به بأس([2]).
وقال أحمد:ثقة ثقة.
وقال أبو داود: ثقة.
وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة لا بأس به.
وقال البخاري :كان شعبة يتكلم فيه.
وقال ابن حبان:كان يخطئ.
وقال أيضاً في مشاهير علماء الأمصار :كان يهم في الشيء بعد الشيء.
وقال الذهبي:وثقوه.
وقال ابن حجر:صدوق ربما أخطأ.
مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق.
قلت: ويبدو أن جميع من تكلم فيه إنما تكلم فيه لقول شعبة ،وقد أجاب عليه الإمام أحمد فقال:"عمار بن أبي عمار ثقة ثبت الحديث ،حكوا عن شعبة قال:أفادني حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار فسألته فجعل يشك يعني في الأحاديث.قال أبي :قد سمع منه شعبة حديثاً واحداً ".
ومنه أيضاً: ما قاله أبو داود :قلت لأحمد: "روى شعبة عنه حديث الحيض؟ قال: لم يسمع غيره .قلت: تركه عمدا ؟ قال لا لم يَسْمَع".
فالرجل وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو داود والذهبي وغيرهم ،ولم أقف على ما يُخَطّأ به،إلا ما نقل عن شعبة بن الحجاج،لذا فلم يذكره العقيلي ولا ابن عدي ولا الذهبي في الميزان،ولعل النسائي لم يطلق التوثيق لهذا الاختلاف ،وقد أخرج له في سننه من حديث حماد بن سلمة عنه ،وكذا مسلم في صحيحه،فالرجل صدوق حسن الحديث في أقل أحواله ،والله أعلم.
أما عن قول الحافظ :"ربما أخطأ" فلعله أخذه من كلام ابن حبان لمّا قال :يخطئ.ويؤيده إن المزي لما ترجم للرجل فإنه لم يذكر كلام شعبة،وقال :ذكره ابن حبان في الثقات فقط،واستدرك عليه مغلطاي وابن حجر فقالا: "وقال يخطئ".فلعل المزي تركه عمداً.
قال الأخ الدكتور ماهر في كشف الإيهام([3]):"هو صدوق وإضافة لفظة :ربما اخطأ مهمة لابد منها فقد أخطأ في بعض حديثه :منه ما أخرجه - ونقل الشيخ تخريجه ثم قال- من طريق عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم قال :سمعت ابن عباس يقول :"توفي رسول الله r وهو ابن خمس وستين"([4]).
فهذا الحديث عدَّ من أغلاط المترجم – يريد عماراً-فالمتقدمون من أصحاب ابن عباس رووا عنه أنّ النبي r توفي وهو ابن ثلاث وستين ،منهم :عكرمة بن عمار وعمرو بن دينار وعروة بن الزبير وغيرهما وقد ساق البخاري في تاريخه الصغير رواياتهم ليدلل على خطأ المترجم .ثم ساق رواية عمار بن أبي عمار وقال :"ولا يتابع عليه وكان شعبة يتكلم في عمار ...... - ثم ختم كلامه بقوله-:وانظر لزاماً كلام ابن عبد البر في التمهيد والحافظ ابن حجر في الفتح ".أ.هـ كلامه باختصار.
قلت :وهذا الكلام عجيب من الدكتور وفيه نظر من وجوه:
الأول :أشار الدكتور أنّ للمترجم (عمار بن أبي عمار ) أخطاءً غير هذا الحديث،فقال:"أخط أ في بعض حديثه ،ومنه:..".وهذا كلام محض وهمٍ ! فهلا ذكر لنا الدكتور مثالاً آخرعلى وهمه؟ الرجل لم يُذكر له –مما يُعل-إلا هذا الحديث ،والحمل فيه ليس عليه - كما سيأتي- ولذا وثقه الأئمة ولم يجرحوه إلا قول الإمام شعبة رحمه الله تعالى آنفاً ،وكذا لم يذكره العقيلي ولا ابن عدي ولا الذهبي في ميزانه!
الثاني: الحمل في الحديث هذا ليس عليه،لأنه توبع تابعه سعيد بن جبير([5]) وعكرمة مولى ابن عباس([6]) ويوسف بن مهران([7]) .
قال ابن عبد البر بعد ذكر طريق ابن مهران : "وإنما ذكرنا هذا وإن كان الصحيح عندنا غيره ؛لقول البخاري أنه لم يتابع عليه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس"([8]).
فروي عن ابن عباسt على وجوه :
رواه عنه: عمار بن أبي عمار وعكرمة (مرة) وابن مهران بلفظ:(ابن خمس وستين) ([9]).
ورواه عنه: عكرمة وعمرو بن دينار وأبو جمرة الضبعي بلفظ:(ابن ثلاث وستين) ([10]).
فهذا ليس من خطأ الرجل وإنما روى الحديث على نحو ما سمعه .
الثالث- وهذا الاختلاف سببه اختلاف الصحابة y في سنّ النبي r وجاءت على أقوال هي باختصار:
1- قيل :توفي على رأس ستين سنة ،روي عن:
- أنس بن مالك t أخرجه الشيخان ([11]).
-ابن عباس وعائشة yأخرجه البخاري وغيره([12]).
-الحسن عن دغفل بن حنظلة.أخرجه الترمذي في الشمائل([13]).
-وهو قول عروة بن الزبير،والحسن البصري([14]).
2- وقيل: توفيr وهو ابن ثلاث وستين .
روي عن أنس، وابن عباس ،وأم المؤمنين عائشة،ومعاوية y وهو الراجح([15]).
3- وقيل:توفي وعمره خمس وستون سنة .
روي عن ابن عباسt أخرجه مسلم وغيره ([16]).
وروي عن انس t([17]).
وقال ابن حجر:"والحاصل أن كل من روي عنه من الصحابة ما يخالف المشهور - وهو ثلاث وستون - جاء عنه المشهور ، وهم ابن عباس وعائشة وأنس ، ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثا وستين ، وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد ، وقال أحمد : هو الثابت عندنا"([18]).
والذي يهمنا هنا هو أن الخلاف في حديث ابن عباس لم يقع من جهة عمار بن أبي عمار لأنه توبع كما مر سلفاً.
قال ابن البر:" فالاختلاف على ابن عباس في هذا قوي؛ لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم وسعيد بن جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد ويوسف بن مهران كلهم اتفقوا عن ابن عباس:" أن رسول الله r توفي وهو ابن خمس وستين سنة".وروى أبو سلمة وعكرمة ومحمد بن سيرين وأبو حمزة وأبو حصين ومقسم وأبو ظبيان وعمرو بن دينار كلهم عن ابن عباس أن رسول الله r توفي وهو ابن ثلاث وستين.....وإنما ذكرنا هذا وإن كان الصحيح عندنا غيره لقول البخاري أنه لم يتابع عليه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس"([19]).
فكيف جعله الدكتور ماهر من أخطاء عمار،حتى انزله عن التوثيق بهذا الحديث ؟ وإنّ عجبي لا يكاد ينتهي من أحالة الدكتور آخر كلامه إلى التمهيد والفتح،وفيها بيان شافٍ ،فلعله لم يتنبه إلى ما فيهما.ولاسيما أن الرواية صريحة أن هذا القول قول ابن عباس t فروي:"عن عمار مولى بني هاشم قال : سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله r يوم مات؟فقال:ما كنت أحسب مثلك من قومه يخفى عليه ذاك ،قال :قلت إني قد سألت الناس،فاختلفوا على فأحببت أن أعلم قولك فيه. قال:أتحسب؟ قال: قلت نعم. قال:أمسك أربعين بعث لها خمس عشرة بمكة يأمن ويخاف وعشر من مهاجره إلى المدينة".
فتأمل قول عمار :اختلفوا.
ومما يؤيد أن هذا ما جاء عن عمرو بن دينار قال: قلت لعروة
كم لبث النبيr بمكة ؟قال:عشراً .قال: قلت:فابن عباس يقول بضع عشرة قال فغفره وقال إنما أخذه من قول الشاعر".
يريد قول الشاعر الصحابي أبي قيس الأنصاري t:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقا مواتيا([20])
الرابع :أضف إلى كون الأئمة أحمد وابن معين وأبي حاتم وغيرهم ... حينما وثقوه لم يغفلوا عن هذا الحديث،فأحمد –مثلاً-اخرج هذا الحديث في علله([21])،وهو القائل فيه ثقة ثبت([22]).
أما عن قول الإمام شعبة فيه فقد بينه الإمامان أحمد –كما مر-وأبو داود، قال الآجري :سألت أبا داود عن عمار بن أبي عمار فقال : ثقة روى عنه شعبة حديثاً.قال شعبة : وكان لا يصحح لي"([23]).وقد تعجب الإمام أحمد من كلام شعبة فيه ،مع كونه لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً! وعلى فرض أنه لم يصحح له خطأه فهل يجرح به ؟وهو لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً؟لذا لم يجرحه أحد غير شعبة ،بل وثقوه.
خامساً:وهم الدكتور لما نفى توثيق أبي حاتم للرجل،وأنه لم يوثقه وإنما قال (ثقة ، لا بأس به)،مكتفياً بما في كتاب الجرح والتعديل ،وقال :"لم يطلقا توثيقه وذلك ينزله ".وشنع على المحررين ،ولو تأنى قليلاً لوجده في كتاب العلل، قال أبن أبي حاتم :وسألت أبي عن حديث ؛ رواه روح بن عبادة ، عن حماد عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي r، قال:"إذا سمع أحدكم النداء ، والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه".قلت لأبي : وروى روح أيضا عن حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة ، عن النبي r مثله ، وزاد فيه : وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر؟قال أبي : هذان الحديثان ليسا بصحيحين : أما حديث عمارة ، فعن أبي هريرة موقوف وعمار ثقة.والحديث الآخر ليس بصحيح "([24]).أ.هـ
وهنا خطأ أبو حاتم الحديث ووثق عماراً !
ثم إنّ عماراً لو اخطأ في هذا الحديث –جدلاً- هل ينزل الرجل عن التوثيق هكذا؟ قال سليمان بن احمد الدمشقي قلت لعبد الرحمن بن مهدي :أكتب عمن يغلط في عشرة ؟قال:نعم .قيل له :يغلط في عشرين ؟ قال :نعم .قلت:فثلاثين ؟قال :نعم .قلت:فخمسين ؟قال :نعم"([25]).
وقال الذهبي على كلام العقيلي في عبد العزيز القسملي (في حديثه بعض الوهم):"هذه الكلمة صادقة الوقوع على مثل مالك وشعبة، ثم ساق العقيلي له حديثا واحداً محفوظاً قد خالفه فيه من هو دونه في الحفظ"([26]). فتأمل ! وهكذا فالرجل صدوق حسن الحديث في أقل أحواله ،والله أعلم.
.............................. .............................. .......................
[1])) ينظر:علل احمد 2/44،و3/278،وتاريخ البخاري الكبير 7/26،والصغير 1/29،وسؤالآت الآجري ص347،والثقات 5/267،ومشاهير علماء الأمصار ص86،وثقات ابن شاهين ص156،وتهذيب الكمال 21/198،والكاشف 2/51،والتهذيب 7/353،والتقريب(4829).
[2])) إكمال مغلطاي 9/396.
([3])ص 492.
([4])سيأتي تخريجه.
([5])ذكره ابن عبد البر في التمهيد 2/13.
([6])أخرجه الترمذي (3622)وغيره.
([7])أخرجه احمد 1/215.
([8]) التمهيد 2/12.
([9]) أخرجه أحمد في مواضع منها 1/266،و1/290،ومسلم 7/87(6246و6247و6248و6249و625 0)،والترمذي(3650)وغ يرهم.
([10])أخرجه من طريق أبي جمرة الضبعي :أحمد 1/363، و مسلم 7/88(6243)وغيرهما.
وأخرجه من طريق عمرو بن دينار :أحمد 1/371، والبخاري (3903)،ومسلم7/88(6241و6242)،والترمذ ي( 3652) وغيرهم.
وأخرجه من طريق عكرمة: أحمد 1/110،و 1/249،و1/371، والبخاري(3851) و(3902)،والترمذي(362 1 )،وغيرهم.
([11]) أخرجه البخاري(5900)،ومسل م 7/87(2635و2636) ،وغيرهما.
([12]) أخرجه أحمد 1/296،والبخاري(4464 و4465)،وغيرهم.
ويجدر التنبيه هنا أن رواية عائشة رضي الله عنها ليس فيها (ستين)،وإنما روته:"أن النبيr لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القران وبالمدينة عشرا ".لذا فابن عبد البر نص في التمهيد 2/8 أنها لم يختلف عليها مثل حديث معاوية t ولكنّ ابن حجر في الفتح8/151 ذكر الخلاف عليها، وكأنه فهمه من الحديث؛إذ النبيr مكث قبل الوحي أربعين عاماً ، يضاف إليها عشرين فتكون ستين عاماً.
([13]) الشمائل برقم(383).
([14]) وللمزيد :ينظر التمهيد 2/11.
([15]) أخرجه من حديث ابن عباس: البخاري (3902و3903و3851)،ومسلم 7/88(6242).
ومن حديث أنس : أخرجه مسلم 7/87(6237).
ومن حديث عائشة : البخاري (4466)،ومسلم 7/87 (6238).
ومن حديث معاوية : مسلم 7/88(6244و6245)
([16])سبق تخريجه قريباً.
([17]) أخرجه الطبراني في الوسط 8/225(8472) .
([18]) فتح الباري 8/151.
([19])التمهيد 2/12-13.
([20])الإصابة ،ابن حجر5/348.
([21]) العلل 2/72(2078)
([22]) العلل 3/123 (236).
([23]) سؤالآت الآجري (905 ).
([24])العلل 1/256(759).
([25]) الجرح والتعديل 1/280. ومنه ما قاله ابن معين تاريخ الدوري 3/13:"لست أعجب ممن يحدث فيخطئ ،وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب" .وقال الإمام مسلم التمييز ص84.:" فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقياً وإتقاناً لما يحفظ، وينقل إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله ".وقال الترمذي العلل آخر الجامع 6/240:" لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم" .
([26]) ميزان الاعتدال 2/673 ،وستأتي ترجمته هنا . وقد فات الدكتور ماهر كلامه لما قال في كتابه اثر اختلاف الفقهاء ص 10 فما بعد :" الخطأ والوهم أمران حاصلان وواقعان في أحاديث الثقات فضلاً عن وقوعه في أحاديث الضعفاء.... وبالسبر والنظر إلى كتب السنة النبوية نجد عدداً كبيراً من الرواة الثقات قد أخطأوا (في الأصل أخطؤوا؟) في بعض ما رووا ، وَهُوَ أمر متفاوت بَيْنَ الرُّوَاة حسب مروياتهم، قلة وكثرة وربما كان حظ من أكثر من الروايَة أكبر خطأً من المقلين ؛ لذا نجد غلطات عُدَّتْ علَى الأئمة العلماء الحفاظ لكنها لم تؤثر عليهم في سعة ما رووه ... ولما كان الخطأ في الرواية أمرٌ بدهيٌّ ، وأنه لا يسلم إنسان منهُ نجد الأكابر قد وهمّوا الأكابر"!!.