تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 27

الموضوع: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران


    تقديم
    فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن
    عادل بن يوسف العزازي

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران: 102].

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [ الأحزاب: 70، 71].

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    وبعد:

    فقد كنتُ ذكرتُ في إحدى المجالس في ثَنايا شرحي لحديث: «ثَلاثَةٌ يُؤتَون أَجرُهم مرتين: الرَّجُلُ تكون له الأمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، ويَؤَدَّبُهَا فَيُحْسِنث أدَبَها، ثم يُعْتِقُها فَيتزَوَّجها، فله أجران، ومُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتابِ الذي كان مُؤمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بالنَّبي صلى الله عليه وسلم فله أجْرَان، والعَبْدُ الذي يُؤدِّي حَقَّ اللهِ ويَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ»

    من صحيح البخاري، فذكرتُ بعض من يؤتون أجرين غير هؤلاء الثلاثة، وألمحتُ: لو أن أحدًا تتبع هذا الجمع شيئًا كثيرًا، فنشط لذلك الأخ الفاضل/ محمد بن عبد المنعم، حيث جمع مادة هذه الترجمة، وذكر الصحيح والضعيف مع بيان لبعض الفوائد والتقسيمات النافعة.

    وهو بذل طيب وعمل مشكور، أرجو الله أن يكون بداية لأعمال أخرى ينفع بها الإسلام والمسلمين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    وصل الله وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    كتبه
    أبو عبد الرحمن
    عادل بن يوسف العزازي
    7 جمادى أول 1431 هجريًّا
    24/4/2010


    مقدمة المؤلف

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران: 102].

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [ الأحزاب: 70، 71].أما بعد:


    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار([1]).
    وبعد:


    فإن من فَضل الله ومَنِّه وكرمه علينا أنه جعل علىٰ العمل القليل الأجر الكثير، ولكن بشرط أن يكون لله خالصًا، وعلىٰ منهج سيد البشر محمد r، ومما يدل علىٰ ذلك أخي الكريم، أن الخوارج علىٰ ما هم عليه من اجتهاد في العبادة، إلا أن النبي r قال فيهم: «يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» لماذا؟ هل تأملت هذا السؤال؟! لأنهم عبدوا الله علىٰ غير منهج النبي r، تأمل أيضًا أن النبي r يخاطب من؟ إنه يخاطب الصحابة، وهم أفضل البشر بعد الأنبياء، وهو يقول في وصفهم (أي الخوارج): «يأتي من بعدكم أقوام تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ»([2])وفيهم (أي الصحابة) من صلىٰ الوتر بالقرآن كله، كما ثبت عن عثمان بن عفان t، وثبت عن عبد الله بن عمرو أنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا؛ فدل ذلك علىٰ أن الأعمال ليست بالكثرة، وإنما هي بالإخلاص والمتابعة.


    فإليك أخي الحبيب نموذجٌ يدل علىٰ ذلك وهو: أن الأعمال تتضاعف بالإخلاص والمتابعة، فهذه مجموعة من الأحاديث فيمن لهم أجران إذا قاموا بهذه الأعمال، وقد قسمتُ هذا البحث إلي قسمين:

    الأول: ما ثبت في القرآن والسنة الصحيحة مع بعض الشروح والفوائد.

    الثاني:
    ما جاء في أحاديث ضعيفة مع بيان علتها وذكر كلام أهل العلم فيها.


    وقدمت له بمقدمة عن تفضيل بعض الأشياء والأعمال بعضها علىٰ بعض بعنوان: (سبحانه يَخْلُق ما يشاءُ ويختار).


    وقد نشطتُ لهذا البحث عندما طلب شيخي الحبيب عادل بن يوسف العزازي في أحد دروسه في شرح كتابه ((بلوغ الأماني في تهذيب فتح الباري)) بمسجد عماد الإسلام بالعتبة أن يبحث أحد الحضور في الأحاديث الواردة فيمن يؤتون أجرهم مرتين.


    وقد سَميته ((تنبيه الهُمَام فيمن لهم أجران)) ليكون عونًا لأصحاب الهمم في نيل الدرجات العالية سائلًا الله U أن يجعله خالصًا، وأن ينفعني به يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتىٰ الله بقلب سليم([3]).


    انتهيت منه في يوم الجمعة

    بعد العشاء

    10من ربيع الآخر 1431هـجريًّا

    27/3/2010
    .
    كتبه
    أبو البراء محمد بن عبد المنعم آل عِلاوة
    0106599734- 0117428456
    أبو رجوان قبلي- بدرشين- جيزة



    ([1]) خطبة الحاجة، وقد وردت من طرق عن ثمانية من الصحابة y، وجمع هذه الطرق العلامة الألباني في رسالة مفيدة.



    ([2]) (متفق عليه) من حديث أبي سعيد الخدري: البخاري (5058)، ومسلم (1064).



    ([3]) قد اطلعت علىٰ رسالة للإمام السيوطي في هذا الموضوع تحت عنوان ((مطلع البدرين فيمن يؤتىٰ أجره مرتين)) ولكنها اشتملت علىٰ أحاديث ضعيفة، وفاته فيها كثيرٌ من الأحاديث، وكما: يقال كم ترك الأول للآخر، وليس هذا من باب التعالي علىٰ أهل العلم في شيء، فقد أعجبني ما قاله الشيخ أبو إسحاق الحويني – حفظه الله- في مقدمة كتابه ((النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة)) حيث قال: فلا يقعن في روع أحد أن ذلك هو من الحط عليهم، وعدم ذكرهم بالجميل، فضلًا عن أن يكون اغتيابا لهم، وكان يقال: اعف عن ذي قبر! فإنا نبرأ إلىٰ الله العظيم من ذلك، وكيف يكون تعقبنا لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا هو من الطعن عليهم... وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وبإقفاء واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، وما مثلنا إلا كما ذكر أبو عمرو بن العلاء قال: ما نحن فيمن مضىٰ إلا كبقلٍفي أصول نخل طوال... من مقدمة ((موضح الأوهام)) للخطيب 1/5. بل من أمعن النظر، وأعمل الفكر وجد أن بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا هو غاية الإحسان إليهم، فإن هؤلاء الأئمة يوم وضعوا الكتب أو تكلموا في العلم إنما كانوا يريدون بيان وجه الحق، فإذا أخطأ الواحد منهم كان هذا نقيض ما أحب وقصد، فالتنبيه علىٰ خطئه من أجل إعادة الأمر إلىٰ قصده ومحبوبهواجب علىٰ كل من له حق عليه؛ إذ لم يكن أحد من هؤلاء الأئمة معصومًا من الزلل، وآمنًا من مقارفة الخطل، وإن كان ما يتعقب به عليهم لا يساوي شيئًا في جنب ما أخروه من صواب، فشكر الله مسعاهم، وجعل الجنة مأواهم، وألحقنا بهم بواسع إحسانه ومَنِّهِ. وحسبنا أن نسوق علىٰ كل مسألة دليلها العملي، حتىٰ لا نُرمىٰ بسوء القصد، أو شهوة النقد. وإني علىٰ يقين من وقوع الخطأ في بعض ما أذكره. والسبب واضح لكون المرء غير معصوم، فإن كان السالفون مع علمهم وورعهم وقع منهم بعض الخطأ لهذه العلة، فنحن أحق بذلك منهم....

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    [ سبحانه يخلق ما يشاء ويختار ] :

    قال ابن القيِّم
    - رحمه الله -:


    وإذا تأمَّلتَ أحوال هذا الخلق، رأيتَ الاختيار والتَّخصيص فيه دالاًّ على ربوبيَّتِه تعالى ووحدانيَّته، وكمال حِكمته وعلمه وقدرته، وأنَّه الله الذي لا إله إلاَّ هو؛ فلا شريك له يَخْلق كخَلْقِه، ويختار كاختِيَاره، ويُدبِّر كتَدْبيره؛ فهذا الاختيار والتدبير والتخصيص المشهودُ أثَرُه في هذا العالَم مِن أعظم آيات ربوبيَّتِه، وأكبر شاهدٍ على وحدانيَّته، وصفات كماله، وصِدْق رسله، فنُشير منه إلى يسيرٍ يَكون مُنبِّهًا على ما وراءه، دالاًّ على ما سواه[1].

    فسُبحان الذي خلقَ كلَّ شيءٍ فأحسنَ خَلْقه، سبحانه يَخْلق ما يشاء ويختار، سبحانه خلقَ الإنسان في أحسن صورةٍ وكرَّمه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

    سبحانه خلق البشَر، وفضَّل بعضهم على بعض؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71].

    واصطفى من البشَر ومن الملائكة رُسلاً، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].


    وفضَّل النبيِّين بعضَهم على بعض،قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء: 55].

    واصطفى من الرُّسل أولي العَزْم، وهم: محمَّد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى - عليهم السَّلام - قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب: 7].

    واصطفى من أُولي العزم الخليلَيْن: محمَّد، وإبراهيم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

    وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عبدالله بن مسعود: ((ولو كنتُ متَّخِذًا خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكنَّه أخي وصاحبي، ولكن صاحبكم خليل الله))[2]، والخُلَّة: هي تمام المَحبَّة.

    وأفضل البشَر على الإطلاق محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((أنا سيِّد ولَدِ آدم يوم القيامة، وأوَّل مَن ينشقُّ عنه القبر، وأوَّل شافعٍ، وأوَّل مشفَّع))[3].

    واصطفى من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، كما في حديث استِفْتاح الصلاة من حديث عائشة، قالَتْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا قام من اللَّيل افتتَح صلاته فقال: ((اللَّهمَّ ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطِرَ السَّموات والأرض، عالِمَ الغيب والشَّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يَخْتلفون، اهدني لِما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تَهْدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ))[4].

    وخلقَ سبحانه السَّموات سبعًا، فاختارَ منها العُليا، فجعَلها مُستقَرَّ المقرَّبين من ملائكته، واختَصَّها بالقُرب من كُرسيِّه ومِن عرشه.

    واختَصَّ سبحانه الفردوسَ على سائر الجِنان، كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إنَّ في الجنَّة مائةَ درجةٍ، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السَّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنَّه أوسَطُ الجنَّة، وأعلى الجنَّة أراه))، قال: ((وفوقه عرش الرَّحمن، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنَّة))[5].

    وخلَق سبحانه الأمم واختصَّ منهم أمَّة النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].

    وكما في حديث بَهْز بن حكيمٍ عَنْ أَبيه عَنْ جَدِّه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنتم مُوفُون سبعين أمَّةً، أنتم خَيْرُها وأكرَمُها على الله))[6].

    وخلقَ سبحانه الأرض، واختَصَّ منها مكَّة والمدينة وشرَّفَهما، ففي شأن مكَّة، قال تعالى: ﴿ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ﴾ [التين: 3].

    وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عديِّ بن حمراء: ((والله إنَّكِ لخَير أرض الله وأحبُّ أرض الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منك ما خرَجت...))[7].

    وقال في شأن المدينة كما في حديث سَعْد بن أبي وقاص قالَ: قالَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أحرِّم ما بين لابَتَيِ المدينة أن يُقطَع عِضاهُها، أو يُقتَل صيدُها))، وقال: ((المدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يدَعُها أحدٌ رغبةً عنها إلاَّ أبدلَ الله فيها مَن هو خيرٌ منه، ولا يثبت أحدٌ على لأْوَائها وجهدها، إلاَّ كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة))[8].

    وكما في حديث أبي هريرة أَنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الإيمان ليَأْرِزُ إلى المدينة، كما تأرز الحيَّة إلى جُحرِها))[9].

    وفضَّل سبحانه مِن الأرض المساجد؛ قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [النور: 36].

    واختصَّ منها المسجد الحرام، والنبويَّ والأقصى؛ ‏ففي "الصَّحيحين" من حديث أبي هريرة قال: قالَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلاَّ المسجد الحرام))[10].

    وأمَّا المسجد الأقصى - ردَّه الله - عزَّ وجلَّ - إلينا، وقَيَّض له أمثال عمر بن الخطَّاب، وصلاحِ الدِّين الأيوبي، ورزَقَنا صلاةً فيه؛ اللهم آمين - فقَدْ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

    وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهما كما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة: ((لا تُشدُّ الرِّحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسجد الأقصى))[11].

    وأخرج سبحانه من الأرض الزرع، وفضَّل بعضها على بعض في الأكُل؛قال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].

    وخلقَ سبحانه الشهور، وفضَّل رمضان، والأشهُرَ الحرُم، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].

    وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].

    وهي: رجب، وذو الحجَّة، وذو القَعْدة، والمُحرَّم؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الزَّمان قد استدارَ كهيئته يوم خلق الله السَّموات والأرض، السَّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدة وذو الحجَّة والمُحرَّم، ورجَبُ مُضر الَّذي بين جُمادى وشعبان))[12].

    وخلقَ الأيام والليالي، وفضَّل يوم الجمعة على سائر أيَّام الأسبوع، ويوم عرَفة ويوم النَّحر على سائر أيام العام، وليلةَ القدر على سائر ليالي العام، وليلة الجمعة على سائر ليالي الأسبوع[13].

    أمَّا عن تَفْضِيل يوم الجمعة، ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير يومٍ طلعَتْ فيه الشَّمس يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها))[14].

    ويوم عرفة كما في حديث عائشة قالت: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يومٍ أكثر مِن أن يُعتِق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة، وإنَّه ليَدْنو ثُمَّ يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))[15].

    أمَّا عن ليلة القدر،فقال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].

    وأما عن يوم النحر، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عبدالله بن قرط: ((أعظم الأيَّام عند الله يوم النَّحْر، ثمَّ يوم النفر))[16][17].

    وفضَّل سبحانه بعض الأعمال على بعض؛ تارةً بفضل العامل ومكانته عند الله، كما هو الشأن في زوجات النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمهات المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]، وكما هو الشأن في أمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28][18].

    وكما في حديث عبدالله بن عمر قال: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجلٍ استأجر أُجَراء، فقال: مَن يعمل لي من غدوة إلى نصف النَّهار على قيراطٍ؟ فعمِلَت اليهود، ثمَّ قال: من يعمل لي من نصف النَّهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعملت النَّصارى، ثمَّ قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشَّمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنَّصارى، فقالوا: ما لنا أكثر عملاً، وأقلُّ عطاءً، قال: هل نقَصْتُكم من حقِّكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه مَن أشاء))[19].

    قال ابن حجر - رحمه الله -:

    وفي الحديث تفضيل هذه الأمة، وتوفير أجْرِها، مع قلَّة عمَلِها[20].

    وكما هو الشأن في أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين" مِن حديث أبي سعيد الخدري قالَ: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَسبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفقَ مِثلَ أحُدٍ ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه))[21].

    قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:

    أنتم أكثر صلاة وصيامًا من أصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم كانوا خيرًا منكم، قالوا: ولِم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدُّنيا، وأرغبَ في الآخرة[22].

    وتارةً تتَفاضل الأعمال بِفَضْل الإخلاص والمتابعة؛ قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

    قال ابن كثير- رحمه الله -:

    والله يُضاعف لمن يشاء؛ أيْ: بِحَسب إخلاصِه في عمله[23].

    وقال السعديُّ - رحمه الله -:

    وذلك مال المنفق من الإيمان والإخلاص التام، وفي ثمرات نفقته ونفعها[24].

    وكما قال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].

    قال ابن كثير - رحمه الله -:

    فيه دلالةٌ على أنَّ إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنَّه أبعد عن الرِّياء، إلاَّ أن يَترتَّب على الإظهار مصلحةٌ راجحة[25].

    وأمَّا المتابعة فهي الأصل الثاني لقبول العمل؛ قالَ رَسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين" من حديث عائشة: ((مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ))[26].

    وقال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].

    قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:

    أحسنُ عملاً: أخلَصُه وأصوَبُه؛ فإنه إذا كان العمل خالصًا، ولَم يكن صوابًا؛ لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولَم يكن خالصًا؛ لم يُقبل حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السُّنة[27].

    وما ينبغي الإشارة إليه أنَّ المتابعة للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نوعان:

    1- متابعةٌ واجبة:

    وهي في أصل مشروعيَّة العمل وتحقيق شروطه وأركانه وواجباته التي لا يصِحُّ إلاَّ بها، وهذا القِسْم مؤثِّر في قبول العمل، فإنْ تحقَّقَت فيه هذه المتابعة، وإلاَّ أدَّى إلى بُطْلان العمل؛ كما في حديث عائشة - رضي الله عنها -: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ)).

    2 - متابعة في كمال العمل:

    وهي متابعة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هَدْيِه الكامل في الأعمال، وهذا القسم به يَزْكو العمَل، ويزداد الأجر، فكلَّما كان العمَلُ على هديه، ازدادَ العامل أجرًا وثوابًا.




    [1] "زاد المعاد" 1/ 12- 20 بتصرُّف وزيادات.


    [2] مسلم (2383).


    [3] مسلم (2278).

    قد يقول قائل: كيف الجمع بين ما ذَكْرته من تفضيل بعض الأنبياء على بعض، وبين ما وردَ من النهي عن التفضيل بينهم، كما في قوله تعالى: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285].
    وكما في الحديث: ((لا تفضلوني))، وفي رواية: ((لا تُخيِّروا بين الأنبياء))، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال أنا خيرٌ من يونس بن متَّى، فقد كذب))؟

    (قلت): قد جمع العلماء بينهما من وجوه:

    1- قيل: إنَّ هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، وهذا لا يصحُّ، حتَّى تتحقق المُعارَضة، وحتَّى يُعلم التاريخ.

    2- قيل: إنَّ هذا على سبيل التواضع والأدب مع الأنبياء، وهذا فيه بُعد؛ لأنَّ السبب في النهي يقتضي خلافَ ذلك؛ فإنه كان رَدًّا وزَجْرًا للذي فضَّل بينهم؛ لذا غضبَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واحْمرَّ وجهه، وذلك يدلُّ على أن التفضيل يُحرَّم.

    3- قيل: إنَّ النهي لعدم الخوض في الجدل والمماراة؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى قلَّة الاحترام عند المماراة.

    4- قيل: إنَّ النهي لمنع تفضيلِ مُعيَّن من الأنبياء على مُعيَّن، وهذا ما رجَّحه القُرطبي في "المُفهم".

    5- قيل: لا تفضِّلوني عليه في العمل؛ فلعلَّه أكثر عمَلاً منِّي، ولا في البلوى والامتحان، فإنه أعظم منِّي مِحْنة، قاله ابن قُتَيبة.

    6- قيل: إنَّ النهي عن التفضيل المبنِيِّ على غير علم وعلى غير وحي.

    7- قيل: إنَّ النهي عن تفضيل ذات النبوَّة أو الرسالة؛ لأنَّهم فيها سواء.

    والراجح والله أعلم: أن النهي يُحمَل على التفضيل على وجه الحَمِيَّة والعصبية، أو ما كان مبنيًّا على غير علمٍ أو ما يؤدِّي إلى فتنة وانتقاصٍ لبعض الأنبياء.

    قال ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح" 6/ 141: قال العلماءُ في نَهْيه عن التفضيل بين الأنبياء: إنَّما نُهيَ عن ذلك مَن يقول برأيه، لا مَن يقول بدليل، أو مَن يقوله بحيث يؤدِّي إلى تنقيص المفضول، أو يؤدِّي إلى الخصومة والتَّنازع، أو المراد: لا تُفضِّلوا بجميع أنواع الفضائل؛ بحيث لا يُترَك للمفضول فضيلة، وهذا ما رجَّحه الشيخُ ابن عُثَيمين، وشيخنا العزازي؛ انظر: "المفهم" 19/ 140، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (117)، و"ماذا يعني انتمائي لأهل السُّنة والجماعة" لشيخنا العزازي (199).


    [4] مسلم (770).


    [5] البخاري (2790).


    [6] (حسن) أحمد 43/ 353، والترمذي (3001)، وابن ماجَهْ (4287)، وحسنه الألباني في "المشكاة" (8265).


    [7] (صحيح) الترمذي (3925)، وابن ماجه (3108)، وصححه الألباني في "المشكاة" (2724).


    [8] مسلم (1363).


    [9] (متفق عليه) البخاري (1876)، ومسلم (147).


    [10] (متفق عليه) البخاري (1190)، ومسلم (1394).


    [11] (متفق عليه) البخاري (1189)، ومسلم (1397).


    [12] (متفق عليه) البخاري (3197)، ومسلم (1679).


    [13] في المسألة نزاع، وهذا ما رجَّحه ابن القيم في "الزَّاد"، وحكى هذا القولَ الإمامُ الشوكاني عن الحافظ العراقي؛ "نيل الأوطار" 3/ 240.



    [14] مسلم (854).


    [15] مسلم (1348).


    [16] (صحيح) أبو داود (1767)، وأحمد 41/ 366، وصححه الألباني في "المشكاة" (2643).


    [17] المقصود بيوم النَّفْر: يوم النَّفر الأول وهو الثاني عشر من ذي الحجة، ويوم النَّفر الآخر هو الثالث عشر من ذي الحجة.


    [18] من كتاب "تجريد الإتباع في بيان أسباب تفاضل الأعمال"؛ للدكتور إبراهيم بن عامر الدحيلي بتصرف واختصار وزيادة، فليسامحني - جزاه الله الجنَّة.


    [19] البخاري (4359).


    [20] "الفتح" 4/ 449.


    [21] (متفق عليه) البخاري (3673)، ومسلم (2541).


    [22] "لطائف المعارف" لابن رجب (448).


    [23] "تفسير ابن كثير" 1/ 693.


    [24] "تفسير السَّعدي" 1/ 157.


    [25] "تفسير ابن كثير" 1/ 701.


    [26] (متفق عليه) البخاري (2697)، ومسلم (1718).


    [27] ذكره البغَويُّ في "تفسيره" 4/ 369.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    وتارةً تتَفاضل الأعمال بالمُداومة عليها، كما في حديث عائشة قالت: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أدوَمُها وإنْ قَلَّ))[28].

    وكما في "الصحيحين" من حديث عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعندي امرأةٌ، فقال: ((مَن هذه؟))، فقلتُ: امرأةٌ لا تنام تصلِّي، قال: ((عليكم من العمل ما تطيقون، فوالله لا يَمَلُّ الله حتَّى تَملُّوا))، وكان أحبَّ الدِّين إليه ما داومَ عليه صاحبُه[29][30].

    اعلم - رحمك الله - أنَّ المشقة ليست هي الغرَض المرجُوَّ من العبادة، قال ابن حجَر: في الحِكْمة من نَهْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن التشدُّد في العبادة إشارةٌ إلى كراهية ذلك، وخشية الفتور والملَل على فاعله؛ لئلاَّ ينقطِعَ عن عبادةٍ التزمَها؛ فتكون رجوعًا عمَّا بذل لربِّه من نفسه[31].

    قال القاضي عياض - رحمه الله - في معنى ((عليكم مِن العمل ما تُطيقون))؛ أيْ: ما لكم بالمداومة عليه طاقة[32].

    قال ابن رجب- رحمه الله -:
    المراد بهذا الحديث: الاقتصاد في العمل، والأخذُ منه بما يتمكَّن صاحبه من المداومة عليه[33].

    قال ابن حجر- رحمه الله -:
    اشتَغِلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومةَ عليه[34].

    وتارة تتفاضل الأعمال باعتبار الأوقات والأزمان، وقد تقدَّم طرفٌ منها؛فمثلاً فضْل الزمان: فضَّل الله - عزَّ وجلَّ - العمل في العشر من ذي الحجَّة، كما في حديث ابن عباس أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما العمَلُ في أيَّامٍ أفضلَ منها في هذه)) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلاَّ رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يَرْجع بشيء))[35].

    والعمل في ليلة القدر؛ قال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]. كما في حديث أبي هريرة قال: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدَّم من ذنبه))[36].

    وكذا العمل يوم عرفة، كما عند "مسلم" من حديث عائشة قالَتْ: قالَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرَفة، وإنَّه ليَدْنو ثُمَّ يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))[37].

    وكما في حديث أبي قَتادة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مِن كلِّ شهرٍ، ورمَضانُ إلى رمضان، فهذا صيام الدَّهر كلِّه، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنَة الَّتي قبله والسَّنة الَّتي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنة الَّتي قبله))[38].

    أمَّا عن فضْل المكان: فقد تقدَّم الكلام على فَضْل المساجد الثلاثة، وزيادة الأجر فيها، وكذلك مكة تتضاعف فيها الحسنات كما تتضاعف فيها السيِّئات، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].

    [28] (متفق عليه) البخاري (6464)، ومسلم (1866).
    [29] (متفق عليه) البخاري (43)، ومسلم (1870).
    [30] الملال: استِثْقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبَّتِه، وهو مُحالٌ على الله تعالى باتِّفاق، وفي إطلاق ذلك على الله أقوالٌ:


    أولاً: فسَّروا "حَتَّى" بمعناها اللَّفظي في انتهاء الغاية على أقوال:


    1- قال الإسماعيليُّ وجماعةٌ: إنَّما أُطلِق الملال على الله على سبيل المقابلة اللفظيَّة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40].


    2- قال القرطبي: هو من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ لأنَّ الله لَمَّا كان يقطع ثوابه عمَّن يقطع العمل، عبَّر عن ذلك بالملال.

    3- قال الهروي: معناه لا يَقْطع عنكم فضله حتَّى تملوا سؤاله، فتَزْهدوا في الرغبة إليه.


    ثانيًا: ذهب آخرون إلى تفسيرها كالآتِي:


    1- تقدير "حَتَّى" بمعنى: إذا، فيكون المعنى: لا يملُّ الله إذا مللتم.


    2- تقدير "حَتَّى" بمعنى: الواو، فيكون المعنى: لا يمل الله، وتَملُّون أنتم.


    3- تفسير "حَتَّى" بمعنى: حين، فيكون المعنى: لا يمل الله حين تملون.



    سُئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هل نَفْهم من حديث: ((إنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تملُّوا)) المتَّفَقِ عليه أنَّ الله يُوصف بالملل؟ فأجاب: مِن المعلوم أنَّ القاعدة عند أهل السنة والجماعة أنَّنا نَصِف الله - تبارك وتعالى - بِما وصف به نفْسَه من غير تمثيلٍ ولا تكييف، فإذا كان هذا الحديث يَدلُّ على أنَّ لله مَللاً، فإنَّ ملل الله ليس كمثل مللنا نحن، بل هو مللٌ ليس فيه شيء من النقص؛ "المجموع الثمين فتاوى العقيدة" 1/ 49 فتوى رقم (19) نقلاً من "بلوغ الأماني تَهْذيب فتح الباري" لشيخنا عادل بن يوسف العزازي 1/ 144.


    [31] "الفتح" 3/ 375.
    [32] "إكمال المُعْلم" 3/ 147.
    [33] "الفتح" 1/ 165.
    [34] "الفتح" 1/ 102.
    [35] البخاري (969).
    [36] (متفق عليه) البخاري (1901)، ومسلم (181).
    [37] مسلم (1348).
    [38] مسلم (2801).



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    أمَّا عن موضوعِ بحثنا، فهو طرَفٌ من تفاضلِ الأعمالِ بعضِها على بعض؛ فمِن الأعمالِ ما كان ثوابُها أجرًا واحدًا، ومنها ما كان أجرين - وهو موضوعُ بحثِنا إن شاءَ اللهُ تعالى - ومنها ما لا يَعلمُ أجرَه إلا اللهُ، وهذا الموضوع - تفاضل الأعمال - له أهميةٌ بالغة، تتمثَّلُ في:

    1- أنه كان محلَّ العنايةِ التامَّة عند السلف؛ حيث عظُمتْ رغبتُهم في التفقُّه فيه؛ فكثرتْ أسئلةُ الصَّحابة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أفضلِ الأعمال، وكذلك عنايةُ التَّابعين وتابعيهم، والأئمَّة - رحمةُ الله عليهم - حتى إنَّهم صنَّفوا في فضائلِ الأعمال كفضائلِ القرآن، وفضائل الصَّحابة وغيرها [1].
    2- أنَّ المسلم المتفقِّهَ في هذا الباب يقطعُ في الزَّمنِ اليسيرِ وبجهدٍ قليلٍ ما يقطعه غيرُه في زمنٍ كثيرٍ وجُهدٍ كبيرٍ، لا سيَّما عند تضايقِ الوقت؛ فينبغي على المسلمِ أنْ يختارَ العملَ الأنفعَ له من حيث الأجرُ.

    3- أنَّ الشيطانَ لبَّسَ على بعض العُباد؛ فزيَّنَ لهم الأعمالَ المرجوحةَ، وشغلَهم بها عمَّا هو أرجحُ. قال ابن الجوزيِّ - رحمه الله -: فأوَّلُ تلبيسِه عليهم إيثارُهم التَّعبُّدَ على العِلم، والعلمُ أفضلُ من النَّوافلِ[2]. وقال أيضًا - رحمه الله -:


    وقد لبَّسَ على جماعةٍ من المتعبِّدين؛ فأكثَروا من صلاةِ اللَّيل، ومنهم من يسهَرُه كلَّه، ويفرح بقيامِ اللَّيل؛ ثم يقعُ قُبيلَ الفجر؛ فتفوتُه الفريضةُ، أو يقومُ فيتهيَّأُ لها فتفوتُه الجماعةُ، أو يُصبِحُ كسلانَ، فلا يقدِرُ على الكسْبِ لعائلتِه[3].

    وقبل أن أبدأَ في سردِ مَن يُؤتَوْنَ أجرَهم مرَّتينِ، أَودُّ أن أوضِّحَ بعضَ الأمورِ، وهي:


    أولاً: هل يُشترط لكي يتحصَّلَ على الأجرينِ أنْ يقومَ بالعمل كلِّه؟

    نقول: مِن هذه الحَيْثيَّة تنقسم الأعمالُ إلى قسمين:

    1- هناك أعمالٌ لا بدَّ أن تتوافرَ فيها كلُّ الشُّروط؛ لكي يَنالَ الأجرين؛ كالكِتابيِّ: إذا آمنَ بنبيِّه ولَم يؤمِنْ بنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يقالُ: له أجرٌ واحد، بل ليس له أجرٌ أصلاً، ويبقى على كفره.
    2- هناك أعمالٌ إذا قام ببعض شروطِها، أخذ أجرًا واحدًا؛ كالمرأة إذا تصدَّقت على غير زوجِها، فلها أجرٌ واحدٌ، وهو أجرُ الصَّدقة ... إلخ.

    ثانيًا: يمكِنُ أن نقسِّمَ مَن يؤتَوْنَ أجرَهم مرَّتين إلى ثلاثة أقسام[4]:

    القسم الأول: أجورٌ وصفيَّة:


    أي: يأخذون الأجرين؛ لأنَّهم وُصِفوا بهذا الوصف، وليس لهم كسْبٌ في العملِ، وهم:

    1- أزواج النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
    2- عامر بن الأكوع.
    3- المؤذِّن.
    4- عثمان بن عفان.
    5- أمَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
    6- الغريق.

    القسم الثاني: أجورٌ مكتسبة:


    أي: يأخذون الأجرين بكَسْبِهم وقيامِهم بالعمل، وهم:

    1- الحاكم إذا اجتهد فأصاب.
    2- النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مرضِه.
    3- مَن صلَّى العصر.
    4- من فطَّر صائمًا.
    5- من علَّم عِلمًا.
    6- من قرأ القرآنَ وهو عليه شاقٌّ.
    7- عبدٌ أدَّى حقَّ اللهِ وحقَّ مواليه.
    8- المرأة إذا تصدَّقت على زوجِها.
    9- من أدَّب أمَتَه وعلَّمها، ثم أعتقها وتزوَّجَها.
    10- الجاعل في سبيل الله.
    11- الغازي في سبيل الله.
    12- من تبِعَ الجنازةَ وصلَّى عليها حتى تُدفن.
    13- من أسْلف في طعام.
    14- من قام بأعمال الحجِّ والعمرة.
    15- الصَّدقة على ذي الرَّحِم.
    16- من سَنَّ سُنَّةً حسنةً.
    17- من تيمَّم فصلَّى، ثم وجد الماء فتوضَّأَ وصلَّى.
    18- أهل السَّفينة.

    القسم الثالث: أجورٌ وصفية مكتسَبة:


    أي: تشمل النَّوعين، فنِصفه مكتسَبٌ بعملِه، والآخر لصفةٍ لازمت العمل، مثل: مؤمن أهل الكتاب.


    [1] هممتُ بجمع سؤالات الصحابة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسَّر الله إتمامَه.


    [2] "تلبيس إبليس" (190).


    [3] نفس المصدر(200).


    [4] وقد قسم بعض إخواننا تقسيمًا آخر، وهو: أعيان بأوصاف - فئات بأوصاف - أفراد بأوصاف - فئات بأوصاف وأعمال، وذلك في بحث: "الصحيح في من يؤتون الأجر مرتين" للدكتور/ محب الدين بن واعظ، الأستاذ المشارك بقسم الكتاب والسنة جامعة أم القرى - حفظه الله - وقد توصَّل إلى ستَّة عشر نوعًا، من بينهم محمود بن مسلمة، والحديث الوارد في شأنه ضعيفٌ.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    بارك الله فيك أبا البراء؛ ونفع بك وبعلمك، نحن نحبك في الله، ونتمنى لك دوام النجاح والتوفيق.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    آمين، وفيك بارك الله، أحبك الله الذي أحببتنا فيه .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    لكن هناك مسألة، وهي: هل تتضاعف السيِّئات في العدد كما تتضاعف الحسناتُ؟
    قلت: قال ابنُ باز - رحمه الله - في "الفتاوى":


    أمَّا السيئات، فالذي عليه المحقِّقون من أهل العلم أنَّها لا تتضاعف من جهة العددِ، ولكن تتضاعفُ من جهة الكيفيَّة؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160].
    والسيِّئات لا تتضاعف من جهة العدد، لا في رمضانَ، ولا في المحرَّم، ولا في غيره، بل السيِّئة بواحدة؛ وإنما هذا من فضلِه - سبحانه وتعالى - وإحسانه. ولكنَّ سيِّئة الحرَم، وسيِّئة رمضانَ، وسيِّئة العشْرِ من ذي الحجة - أعظمُ إثمًا من السيِّئة فيما سواهما، ومما يدل على شدة الوعيد في سيِّئات الحرم أنها عظيمةٌ وشديدةٌ قولُه - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
    فهذا حال مَنْ هَمَّ بالسيئة في الحرَم، فكيف بحالِ من فعل السيِّئة؟![1]

    وتارة تتفاضلُ الأعمال بتعدِّيها للخلق؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] قال: ((خيرُ النَّاس للنَّاس، تأتون بهم في السَّلاسل في أعناقهم؛ حتى يدخلوا في الإسلام))[2].
    وكما عند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثلُ أجور مَن تبِعه، لا ينقُص ذلك من أجورِهم شيئًا))[3].
    وكما في حديث عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخيرُ الجيران عند الله خيرُهم لجارِه))[4].

    وتارةً تتفاضل الأعمال على حسَب الأحوال المصاحِبة لها؛ كالعبادة في وقت فسادِ الناس وظهور الفِتَن؛ كما في حديث معقِل بن يَسار أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ))[5].

    قال النووي - رحمه الله -:


    فجعل للعاملِ في الهَرْجِ - وهي الفتن واختلاطُ أمور الناس - أجرَ المهاجر إليه[6].

    وتارة تتفاضل الأعمال في نفسِها؛ أي: في ذاتِها؛ نعني بهذا: وقتَ تزاحم الأعمال، وإلا فالأَوْلى أن تضرب بسهمِك في كل أعمال الخير، حيث تقدِّم الواجباتِ على النوافل؛ كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمْعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن نفس المؤمن، يكرهُ الموت، وأنا أكره مَساءَتَه))[7].

    سئل ابن تيمية - رحمه الله -: طلبُ القرآن أو طلب العلم أفضلُ؟


    فقال: أمَّا العلم الذي يجب على الإنسان عينًا، كعلم ما أمر الله به، وما نهى الله عنه، فهو مقدَّمٌ على حفظِ ما لا يجبُ من القرآن؛ فإنَّ طلب العلم الأوَّلِ واجبٌ، وطلب الثاني مستحبٌّ، والواجب مقدَّم على المستحبِّ[8].


    [1] من كتاب "فتاوى إسلامية" 2/693، تحقيق محمد بن عبدالعزيز المسند.

    [2] البخاري [4557].
    [3] مسلم [2674].
    [4] "صحيح" الترمذي [1944]، وصحَّحه الألباني في "الصحيحة" [1030].
    [5] مسلم [7588].
    [6] "شرح مسلم" 18/88.
    [7] البخاري [6502].
    [8] "مجموع الفتاوى" [23/54].




  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    أولاً: الآيات والأحاديث الصحيحة في من لهم أجران



    القسم الأول: أجور وصفيَّة:


    أي: يأخذون الأجرينِ؛ لأنهم وُصفوا بهذا الوصف، وليس لهم كسبٌ في العمل:

    1- أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:


    وذلك لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31].

    قال الشِّنقيطيُّ:

    "ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنَّ مَن قَنَتَ من نساءِ نبيِّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لله ولرسولِهِ وعمل عملًا صالحًا، أنَّ الله - جلَّ وعلا - يؤتيها أجرَها مرَّتين، والقُنوت: الطاعة، وما وعد اللهُ به - جل وعلا - مَن أطاع منهنَّ بإيتائها أجرَها مرَّتين في هذه الآية الكريمة، جاء الوعدُ بنظيرِه لغيرهنَّ في قوله - تعالى -: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [الأحزاب: 30]". وقيل: أي نضاعف لها أجر عملها الصالح؛ حتى يكونَ ضِعفَ عملِ امرأة أخرى من غير نساء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم [1].

    ولأمِّهات المؤمنين فضلٌ عظيم، فيجب علينا أن نعرف فضلَهم، ونتبرَّأ إلى اللهِ مما يقوله الرَّوافض من سبِّهم وتكفيرِهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-:


    ويتولَّون - أي: أهلُّ السنة والجماعة - أزواجَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمِّهاتِ المؤمنين، ويُؤمنون بأنهنَّ أزواجُه في الآخرة، وخصوصًا خديجة - رضي الله عنها - أم أكثرِ أولاده، وأوَّل من آمن به، وعضده على أمره، وكان لها منه المنزلةُ العالية.

    والصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق - رضي الله عنها - التي قال فيها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فَضْلُ عائشةَ على النِّساءِ كفَضْلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعَامِ))[2] [3].

    وزوجات النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- هن:


    1- خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-:


    تزوَّجها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في خمسٍ وعشرين من عمره، وهي في سنِّ الأربعين، وهي أوَّل مَن تزوَّج من النساء، ولم يتزوَّج عليها غيرَها طيلةَ حياتِها.

    2- سوْدةُ بنت زمعةَ -رضي الله عنها-:


    تزوَّجها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شوَّال سنة 10 من النبوة، بعد وفاة خديجةَ بأيَّام.

    3- عائشة بنت أبي بكرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنها-:

    تزوَّجها في شوال سنة 11 من النبوة بعد زواجه بسَوْدة بسنَة وقبل الهجرة بسنتين وخمسةِ أشهر، وتزوَّجها وهي بنت 6 سنين، وبنَى بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر، وهي بنتُ 9 سنين رغْمَ أنفِ جمال البنا، وكانت بكرًا، ولم يتزوَّجْ بكرًا غيرها، وكانت أحبَّ أزواجِه إليه، وأفضل نساء الأمة، وأعلمهنَّ على الإطلاق - رضي الله عنها - وعن أبيها.

    4- حفصةُ بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنها-:


    تزوَّجها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- سنة 3 هجريًّا بعد أن تأيَّمَتْ من زوجِها خُنيسِ بن حُذافةَ السَّهمي بين بدرٍ وأُحدٍ.

    5 - زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-:


    من بني هلالِ بن عامر بن صعصعة، وكانت تُسمَّى أمَّ المساكين لرحمتِها إيَّاهم، ورقَّتِها عليهم، وكانت تحت عبدِالله بن جَحش، واستُشهد في أُحدٍ، فتزوَّجَها النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- سنة 4 هجريًّا، وماتت بعد الزَّواج بشهرينِ أو ثلاثة أشهر.

    6- أم سلمة هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها-:


    وكانت تحت أبي سلمةَ، فمات عنها في جُمادى الآخر سنة 4 هجريًّا، فتزوَّجها الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شوَّال من نفس السَّنة.

    7- زينب بنت جحش بن رباب -رضي الله عنها-:


    من بني أسَد بن خزيمة، وهي بنت عمَّةِ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكانت تحت زيد بن حارثة، وتزوَّجها الرَّسول في ذي القعدة سنة 5 هجريًّا.

    8- أم حبيبةَ رملةُ بنت أبي سُفيان -رضي الله عنها-:


    كانت تحت عُبيدالله بن جَحشٍ، وهاجرت معه إلي الحبشة، فارتدَّ عبيدُالله وتنصَّر، وتُوفِّي هناك، وثبتت أمُّ حبيبة على دينها وهِجْرتها، فلما بَعث رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عمرَو بن أمَّية الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرَّم سنة 7 هجريًّا خطب عليه أمَّ حبيبة، فزوَّجها إياه، وبعث بها مع شُرَحبيل بن حسنة.

    9- جويرية بنت الحارث (سيد بني المُصطلق من خُزاعة) -رضي الله عنها-:


    كانت في مَن سُبِيَ من بني المصطلق في سهمِ ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كِتابتَها وتزوَّجها في شعبان 6 هجريًّا.

    10- صفية بنت حُيي بن أخطب -رضي الله عنها-:


    مِن بني إسرائيل، وكانت من سبايا خيبرَ، فأعتقها، وتزوَّجها بعد فتح خيبر سنة 7 هجريًّا

    11- ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-:


    أختُ أمِّ الفضل لُبابة بنت الحارث، وتزوَّجها في ذي القعدة في عُمرةِ القضية، بعد أن حَلَّ منها على الصَّحيح. أما الاثنتان اللتان لَم يبْنِ بهما، فواحدةٌ من بني كِلاب، وأُخرى من كِندةَ. أما السَّراري، فالمعروف أنه تسرَّى باثنتين، إحداهما: ماريةُ القبطيَّة؛ أهداها له المقوقِس، والثانية: ريحانة بنتُ زيد النَّضرية أو القرظية، كانت من سَبايا قُريظة.

    قال قتادة -رحمه الله-:


    تزوَّج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خمسَ عشْرةَ امرأةً، فدخل بثلاثَ عشْرة، وجمَع بين إحدى عشْرةَ، وتُوفي عن تسعٍ[4].

    قال ابن عبد البَرِّ -رحمه الله-:


    أزواجُه اللَّواتي لم يُختلف فيهنَّ، وهنَّ إحدى عشْرةَ امرأةً، منهنَّ ستٌّ من قريشٍ، وواحدةٌ من بني إسرائيل من ولَدِ هارونَ، وأربعٌ من سائر العربِ، وتوفِّي في حياته منهم اثنتانِ: خديجة بنت خويلد بن أسد بمكَّة، وزينبُ بنت خُزيمة بالمدينةِ، وتخلَّف منهنَّ تسعٌ بعده - صلَّى الله عليه وسلَّم. وأما اللَّواتي اختُلف فيهنَّ ممن ابتنى بها وفارَقَها، أو عقَدَ عليها ولَم يدخلْ بها، أو خطبَها ولَم يتمَّ له العقدُ منها، فقد اختُلف فيهنَّ، وفي أسباب فِراقهنَّ اختلافًا كثيرًا، يوجب التوقُّفَ عن القطع بالصِّحة في واحدةٍ منهنَّ[5].

    "قلتُ": التِّسع اللاتي قُبض عنهنَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: عائشةُ بنت أبي بكرٍ الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأمُّ سلمةَ هندُ بنت أبي أمية بن المغيرة المخزوميَّة، وزينبُ بنت جحش الأَسدية، وأم حبيبة رملةُ بنت أبي سُفيان بن حرب بن أميَّة، وميمونةُ بنت الحارث بن حزن الهِلالية، وجُويريَةُ بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، وصفيَّةُ بنت حُيي بن أخطب.

    وأمَّا السِّتُّ اللاتي من قريش: فخديجةُ بنت خويلد، وسَوْدة بنتُ زمعة، وأم سلمةَ هندُ بنت أبي أمية، وعائشةُ بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وحفصةُ بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبةَ رملةُ بنت أبي سفيان. وأما الأربعُ اللاتي من سائر العرب: فزينبُ بنت جحش، وميمونةُ بنت الحارث، وزينبُ بنت خُزيمة، وجُويريَةُ بنت الحارث

    أما الواحدة التي من بني إسرائيل: فهي صفيَّةُ بنت حييِّ بنِ أخطب.


    [1] "أيسر التفاسير" (1020).


    [2] البخاري (3769)، ومسلم (2431).


    [3] "العقيدة الواسطية" 1/23.


    [4] "تهذيب الأسماء واللغات" 1/27، نقلاً من كتاب: "وقفات تربوية مع السيرة النبوية" (31) للشيخ أحمد فريد.


    [5] انظر: "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/16.



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    2- أُمَّة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-:


    لحديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَالَ: ((إنَّما أجلُكم في أجَلِ مَنْ خَلا مِن الأُمم ما بيْن صَلاةِ العصرِ إلى مغرِبِ الشَّمْسِ، وإنَّما مَثَلُكم ومَثَلُ اليَهُودِ والنَّصارى، كرَجُلٍ استَعمَل عمَّالاً، فقال: مَن يعمل لي إلى نصفِ النَّهار على قيراطٍ قيراطٍ؟ فعملَتِ اليهودُ إلى نصف النَّهار على قيراطٍ قيراطٍ، ثمَّ قال: مَن يعملُ لي مِن نصفِ النَّهارِ إلى صلاةِ العصر على قيراطٍ قيراطٍ؟ فعملَتِ النَّصارى مِن نصف النَّهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ قيراطٍ، ثمَّ قال: مَن يعملُ لي مِن صلاةِ العصرِ إلى مغرِب الشمس على قيراطيْنِ قيراطيْنِ؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاةِ العصر إلى مغرِب الشمس على قيراطيْنِ قيراطيْنِ، ألا لكم الأجرُ مرَّتين، فغضبت اليهودُ والنَّصارى، فقالوا: نحن أكثرُ عملاً وأقل عطاءً؟! قال اللهُ: هل ظلمتُكم من حقِّكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فإنَّه فضْلي أُعطِيهِ من شئتُ))[6].


    قال ابن حجرٍ -رحمه الله-:

    هذا الحديثُ فيه مثَلٌ ضربَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهذه الأمَّةِ وللأُمَم السابقة، وفيه أنَّ نسبة زمن هذه الأمَّة إلى ما سبق كنسبةِ ما بعد العصر إلى غروب الشَّمس بالنِّسبة إلى أوَّل النهار، فإذا نسبْتَ ما بعد العصر إلى غروب الشمس إلى أوَّل النَّهار إلى العصر، تجدُ أن هذه الأمةَ سبقها أمَمٌ كثيرةٌ، وهي في آخر الناس، ونبيُّنا هو نبيُّ الساعة، فنسبةُ بقاء هذه الأمَّة في الدُّنيا إلى ما مضى كنِسبَةِ ما بعد العصر إلى غروب الشمسِ إذا نسبته إلى ما مضى من النهار، وبيَّنَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن هذه الأمَّةَ أقلُّ عملاً، وأعظمُ أجورًا، وهذا فضْل الله يؤتيه من يشاء[7].


    "قلت": هناك حقيقةٌ ينبغي الالتفاتُ إليها، وهي: أنَّ أيَّ أمة من الأمم السابقة لم تُوصَفْ بأنَّها الأمَّةُ الوسَط؛ لأنَّ الصِّفة إنما تتَّفق مع خيرية هذه الأمة التي جاءت وصفًا في قوله - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].


    وخيريَّةُ هذه الأمة من وجوهٍ:

    أ- أمرُها بالمعروف، ونهيُها عن المنكر، وإيمانها باللهِ؛ كما في الآية.

    ب- كونُها أكثرَ الأمم نفعًا للناس، كما فَسَّر أبو هريرةَ الآية الكريمة بقولِه: "خيرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تأتونَ بهم في السَّلاسلِ فِي أعناقِهم حتَّى يدخُلُوا في الإِسلامِ"[8].

    جـ- كونُها أكثر النَّاس استجابةً للأنبياء، كما في حديث أنسٍ قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((أنا أَوَّلُ شَفِيعٍ في الجنَّةِ، لَمْ يُصدَّقْ نَبِيٌّ من الأنبِيَاءِ ما صُدِّقْتُ، وإنَّ من الأنبِيَاءِ نبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ من أُمَّتِهِ إلا رَجُلٌ واحِدٌ))[9].

    د- كونُها لا تجتمع على ضلالةٍ.

    هـ- كونُ كِتابِها خيرَ الكتب السَّماوية، ونبيِّها أفضلَ الأنبياء، وتقديمها على الأمم يوم الحشر، كما في الحديث المتَّفقِ عليه: ((نحنُ الآخِرُونَ السَّابقُونَ يوم القيامَةِ)) [10].

    و- كونُها أكثرَ أهل الجنَّة، كما في الحديث: ((إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهلِ الجنَّةِ))[11] [12].

    "قلتُ": في الحديث دليلٌ على جواز ضربِ الأمثال للتَّوضيح والتعليم.
    [6] أخرجه البخاري، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (3459)، وباب: الإجارة إلى صلاة العصر، واللفظ له، وأطرافه (557)، (2268)، (2269)، (5021)، (7467)، (7533)، والترمذي، باب: ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله (2871)، و"الموطأ رواية محمد بن الحسن" باب: التفسير (1007)، وأحمد في "المسند" (4603)، وأبو يعلى في "المسند" (5705)، وابن حبان في "صحيحه" (6765)، وعبد بن حميد في "المسند" (775)، البيهقي في "السنن الكبرى" 6/118.


    [7] "فتح الباري" 2/47.


    [8] البخاري (4557).


    [9] مسلم (506).


    [10] (متفق عليه) من حديث أبي هريرة: البخاري (238)، ومسلم (2018).


    [11] (متفق عليه) من حديث عبدالله بن مسعود: البخاري (6528)، ومسلم (221).


    [12] "الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله" (24- 25) لعبدالله بن عبدالمحسن التركي.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    3 - الصَّحابي الجليل عامر بن الأكوع وجهادُه:

    عن يزيدَ بنِ أبي عُبيد عن سلمةَ بن الأكوع - رضي اللهُ عنه - قال: خرجْنا مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى خيبرَ، فسِرْنا ليلاً، فقال رجلٌ من القوم لعامرٍ: يا عامرُ، ألاَ تُسمعنا من هُنَيْهاتِكَ، وكان عامرٌ رجلاً شاعرًا، فنزل يحدو بالقومِ يقول:
    اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
    وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

    فَاغْفِرْ فَدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا
    وَثَبَّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

    وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
    إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
    وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
    فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من هذا السائق؟)) قالوا: عامرُ بن الأكوعِ، قال: ((يرحمُه اللهُ)) قال رجلٌ من القوم: وجبَتْ يا نبيَّ اللهِ، لولا أمتعتنا به. فأتينا خيبرَ، فحاصرناهم حتى أصابَتْنا مخمصةٌ شديدةٌ، ثمَّ إنَّ اللهَ - تعالى - فتَحها عليهم، فلمَّا أمسى النَّاسُ مساءَ اليوم الذي فُتحت عليهم، أوقدوا نيرانًا كثيرةً، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما هذه النِّيران؟ على أيِّ شيء توقدون؟)) قالوا: لحم حُمُرِ الإنسية، قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَهريقُوها واكسِروها))، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أو نُهريقُها ونغسِلها؟ قال: ((أو ذاك))، فلما تصَافَّ القوم، كان سيفُ عامرٍ قصيرًا، فتناول به ساقَ يهوديٍّ ليضربَه، ويرجعُ ذبابُ سيفِه، فأصابَ عينَ ركبة عامرٍ، فمات منه، قال: فلما قفَلوا، قال سلمةُ: رآني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيدي، قال: ((ما لك؟))، قلت له: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرًا حبِط عمله، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ((كذَبَ مَن قاله، إنَّ له لأجرينِ - وجمعَ بين إصبعيه - إنه لجاهدٌ مجاهدٌ، قلَّ عربيٌّ مشى بها مثلَهُ)) [1].
    "قلتُ": في الحديث منقبةٌ لعامر بن الأكوع واضحةٌ. قال النووي -رحمه الله-:"فله أجرٌ بكونه جاهدًا؛ أيْ مجتهدًا في طاعة اللهِ تعالى، شديدَ الاعتناءِ بها، وله أجرٌ آخرُ: بكونِه مجاهدًا في سبيلِ اللهِ، فلمَّا قامَ بوصفينِ كان له أجرانِ [2].
    "قلتُ": فيه دليل على نجاسة لحوم الحُمر الأهلية، وهو مذهب الجمهور، وفيه جوازُ الجرح والتَّعديل؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كَذَبَ مَنْ قَالَهُ))؛ أيْ: أخطأ، وفيه شدَّةُ معاناة الصَّحابة في الجهاد، وذلك من قولهم: "حتَّى أصابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَديدَةٌ"، وفيه أن بعد العُسْر يُسرًا؛ وذلك لقولهم: "ثُمَّ إِنَّ اللهَ - تعالى - فتحها عليهم".

    [1] (متفق عليه) من حديث سلمة بن الأكوع، أخرجه البخاري، باب: غزوة خيبر (4196)، أطرافه (2477، 5497، 6148، 6331، 6891)، ومسلم، باب: غزوة خيبر (1802)، وأبو داود، باب: الرجل يموت بسلاحه (2538)، وابن حبان (6935)، وأبو عوانة (6189)، والبيهقي (8/110)، وابن أبي شيبة (36874)، وأحمد (16586)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 14/406، و"المعجم الكبير" للطبراني (6103).

    [2] "شرح مسلم" 12/233.







  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    وفقكم الله أبا البراء
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    4 - الصحابي الجليل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:
    لحديث عبدِالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكرٍ الصِّدِّيق: أصبتُم اسمه، عُمَرُ قَرْنٌ من حديدٍ، عثمان ذو النُّورين، أصبتم اسمَه، قُتِل مظلومًا، أوتي كِفليْنِ من الأجرِ[1].
    "قلتُ": في الحديث منقبةٌ واضحة لذي النورين عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الرَّاشدين، ومن العشَرة المبشَّرين بالجنة، وأحد الصحابة الذين جَمعوا القرآنَ، وبشَّرَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالشَّهادة، وجهَّزَ جيش العُسْرة، وحفَر بئر رومة، وقال عنه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((والله إن الملائكة تَسْتَحِي منه))[2].
    5- المؤذِّن:عن أبي أمامة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((المؤذِّنُ يُغفر له مَدَّ صوتِه، وأجرُه مثل أجرِ مَن صلَّى معه))[3].
    قال ابنُ العربيِّ المالكي -رحمه الله-:والمؤذِّنون أفضلُ جماعةٍ دعتْ إلى الله عن أمرِ الله ورسوله، ولولا رِفقُ المصطفى - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بأمته لأذَّن، فإنه لو أَذَّن وتَخلَّف عن إجابته من سَمِعه إذا قال: "حيَّ على الصلاة" عصى، وكان بالمؤمنين رحيمًا[4].
    "قلتُ": أما فضْل المؤذِّنين، فقد ثبَت في غير ما حديثٍ، نذكر منها على سبيل المثال حديثَ طلحة بن يحيى، عن عمِّهِ قال: كنتُ عند معاويةَ بن أبي سفيان، فجاءه المؤذِّن يدعوه إلى الصَّلاة، فقال معاوية: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ: ((المؤذِّنونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقًا يومَ القيامةِ))[5].
    وحديث أبي هريرة في (الصَّحيحين) مرفوعًا: ((لو يعلمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ ثمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يستَهِمُوا عليه، لاستَهَمُوا، ولو يعلمونَ ما في التَّهْجِيرِ، لاستبقُوا إليه، ولو يعلمون ما فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ، لأتوْهُمَا ولو حَبْوًا))[6].

    6 - الغريق:
    لِحديث أمِّ حَرَامٍ أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَالَ: ((المائِدُ في البَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ القيءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، والغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ))[7].
    أمُّ حَرَام -بفتح الحاء والرَّاء المهمَلتين- هي خالةُ أنس بن مالك - رضي الله عنه - واعلم أنَّ أمَّ حرامٍ وأمَّ سُلَيم شقيقتان، قال الحافظُ: أمُّ حرامٍ بنت مِلحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية، خالةُ أنسٍ صحابيَّةٌ مشهورة، وقال: أمُّ سُليمٍ بنت ملحان بن خالد الأنصارية، والدةُ أنسِ بن مالك اشتهرت بكنيتِها، وكانت من الصَّحابيات الفاضلات، ثم اعلم أنَّه يقالُ لأمِّ سليمٍ: (الرُّميصاءُ) أو (الغُميصاءُ)، ويقال: اسمُها سَهلة، أو رُميلة، أو رُميثة، أو مُليكة، أو أُنيثة، وكلاهما ماتت في خلاقة عثمانَ بن عفان[8].
    والغرِقُ: قال في "النِّهاية": هو بكسر الرَّاء، الذي يموتُ بالغرَق، وقيل: هو الذي غلبَه الماءُ ولَم يغرقْ، فإذا غرِق فهو غريق، وردَّه في المشارق، وقال: الغرِقُ والغريق كلاهما واحدٌ، والله أعلم[9].
    وقال محمد فؤاد عبدالباقي -رحمه الله-:قوله: "والمَائِد": هو الذي يُدَارُ برَأْسِهِ مِن رِيح البحر واضْطِرَاب السَّفِينَة بِالأَموَاجِ[10].

    [1] (صحيح) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (137)، ابن أبي شيبة في "المصنف" 7/31، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/221، و"السنة" لابن أبي عاصم (957)، و"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (14538)، قال الهيثمي عقب الحديث: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عقبة بن أوس، وهو ثقة.
    وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1154) فقال عقب الحديث: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقبة، وهو صدوق كما في التقريب.(قلت) ويأخذ حكم الرفع للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأن فيه ثوابًا، ولا يقال من قبل الرأي، والله أعلم.
    [2] مسلم (2401).

    [3] (صحيح) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7942)، وقال الهيثمي: فيه جعفر بن الزبير ضعيف، وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (236): صحيح لغيره، وله شاهد عند أحمد 4/284، والنسائي 2/13 من حديث البراء، وصححه ابن السكن كما في "التلخيص" 1/398، وقال المنذري 1/109: إسناده جيد حسن، وكذلك السيوطي في "جامع الأحاديث" 8/212، وقال الحافظ ابن حجر في "النتائج" 1/320: هو مما تفرد به معاذ، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن فيه عنعنة قتادة، وشيخه.
    (قلت) معاذ: هو ابن هشام الدستوائي، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدوسي، وشيخه: هو أبو إسحاق السَّبيعي، والأخيران مشهورانِ بالتَّدليس، والعلم عند الله.
    [4] "فيض القدير" 6/249.

    [5] مسلم (387).

    [6] (متفق عليه) من حديث أبي هريرة؛ البخاري (615)، ومسلم (437).

    [7] (صحيح) أخرجه أبو داود، باب: فضل الغزو في البحر (2493)، والحميدي في "مسنده" (349)، وكذا ابن أبي عاصم في "الجهاد" 2/98، وابن عبدالبر في "التمهيد" 1/239.
    قال الألباني: جاء من طُرق عن مروان بن معاوية، أخبرنا هلال بن ميمون الرملي، عن يعلى بن شداد، عن أم حرام به....وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، غير أن أبا حاتم قد قال في هلالٍ هذا: ليس بقويٍّ يكتب حديثه، ووثَّقه ابن معين والنسائي وابن حبان، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق (1028)، "إرواء الغليل" 5/16، و"صحيح الجامع" (6642).
    [8] "تقريب التهذيب" (1378، 1381).

    [9] "عون المعبود" 5/382.

    [10] "التعليق على سنن ابن ماجه" 2/502.






  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    القسم الثاني: أجورٌ مكتَسبة:

    أي: يُضاعَف أجرُهم بكَسْبهم وقيامِهم للعمل:

    1- النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مرضِهِ:
    لِما ثبَت عن عبدالله بن مسعودٍ قال: دخلْتُ على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يُوعَكُ، فمسستُه بيدي، فقلت: يا رسولَ اللهِ، إنَّك لتُوعَكُ وعكًا شديدًا، قال: ((أجلْ، إني أُوعَكُ كما يُوعَك رجُلانِ منكم))، قال: قلت: لأنَّ لك أجرين؟ قال: ((نعَم، والذي نفسي بيده، ما على الأرض مسلمٌ يصيبه أذًى؛ مرضٌ فما سواه، إلا حطَّ الله به عنه من خطاياه كما تحطُّ الشَّجرةُ ورَقَها))[1].
    قال ابن حجر -رحمه الله-:الوَعْكُ: بفتح الواو وسكون العينِ المهمَلة: الحمَّى، وقد تُفتَح، وقيل: ألَمُ الحمَّى، وقيل: تعَبُها[2].

    "قلت": في الحديث دليلٌ على مضاعفة الأجرِ بشدَّة الحمَّى، وفيه أيضًا أن المرضَ يكفِّر السَّيئات؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما على الأرض مسلمٌ يصيبه أذًى، مرضٌ فما سواه، إلا حطَّ الله به عنه من خطاياه كما تحطُّ الشَّجرةُ ورَقَها)). وفيه جواز أن يتكلَّم المسلم بما يشتكي من غير تضجُّرٍ، وأن هذا لا ينفي الصبرَ؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إني أُوعَك كما يُوعَك رجُلان منكم)). وفيه أدب من آداب زيارة المريضِ، وهو وضعُ اليد على المريض؛ لقول ابن مسعودٍ: "فمسستُه بيدي"، وبه بوَّب البخاري قال: بابٌ: وضعُ اليد على المريض. قال ابن بطَّال -رحمه الله-:في وضع اليد على المريض تأنيسٌ له، وتعرُّف لشدَّة مرضِه؛ ليدعو له بالعافية على حسَب ما يبدو له منه، وربما رقَاه بيدِه، ومسحَ على ألَمِه بما ينتفع به العليلُ إذا كان العائدُ صالحًا. وقال ابن حجَرٍ - رحمه الله -:وقد يكون العائدُ عارفًا بالعلاج، فيعرفُ العلَّة، فيصف له ما يناسبه[3] [4].


    2- الحاكم إذا اجتهد فأصاب:
    وذلك لِما ثبَت في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة، وعمرِو بن العاص أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا اجتهد الحاكمُ فأصابَ، فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجرٌ))[5].
    نقول: قد يتبادر إلى الذهن سؤالٌ، وهو: هل لكلِّ حاكمٍ أن يجتهد؟الجواب:قال النَّوويُّ - رحمه الله -:قال العلماء: أجمع المسلمونَ على أنَّ هذا الحديثَ في حاكمٍ عالِمٍ، أهْلٍ للحُكم؛ فإن أصاب فله أجرانِ: أجرٌ باجتهادِه، وأجرٌ بإصابتِه، وإن أخطأَ فله أجرٌ باجتهاده، قالوا: فأمَّا مَن ليس بأهلٍ للحُكم، فلا يحِلُّ له الحُكمُ، فإنْ حكَم فلا أجرَ له، بل هو آثمٌ، ولا ينفُذُ حكْمُه، سواءٌ وافَق الحقَّ أم لا؛ لأنَّ إصابتَه اتِّفاقيةٌ، ليست صادرةً عن أصلٍ شرعيٍّ، فهو عاصٍ في جميع أحكامه، سواءٌ وافق الصوابَ أم لا، وهي مردودةٌ كلُّها، ولا يُعذَرُ في شيء من ذلك، وقد جاء في الحديثِ في السُّنن: ((القضاة ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنة، واثنان في النار، فأمَّا الذي في الجنَّة، فرجلٌ عرَف الحقَّ فقضى به، وقاضٍ عرَف الحقَّ فقضى بخلافه، فهو في النَّار، وقاضٍ قضى على جهلٍ، فهو في النار))[6] [7].
    "قلت": والحديثُ لَم يفرِّق إذا قضى على جهلٍ فأصاب أم لَم يُصِبْ، فشمل الأمرينِ، والله أعلم. وهناك سؤالٌ آخر، وهو: هل كل مجتهدٍ مصيب؟نقول: الحديث دليلٌ واضح على أنَّ المصيب واحد، كما قال الشَّافعي وأصحابه. وقال الشَّوكانيُّ -رحمه الله-:فقد دلَّ - أي: الحديثُ - دلالةً بيِّنةً أنَّ للمجتهد المصيب أجريْنِ، وللمجتهد المخطأ أجرًا، فسمَّاه مخطئًا، وجعل له أجرًا، فالمخالِف للحق بعد الاجتهادِ مخطئٌ مأجورٌ، وهو يردُّ على من قال: إنَّه مصيب، ويردُّ على من قال: إنه آثمٌ، ردًّا بيِّنًا، ويدفعه دفعًا ظاهرًا[8].
    وقال ابن حزم -رحمه الله-:ومن ادَّعى أن الأقوال كلَّها حقٌّ، وأن كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ، فقد قال قولاً لَم يأتِ به قرآنٌ ولا سنَّة ولا إجماعٌ ولا معقولٌ، وما كان هكذا، فهو باطلٌ، قال - تعالى -: ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32]، وقال: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]. "قلت": عليه؛ فلكلِّ مجتهدٍ نصيبٌ، وليس كلُّ مجتهدٍ مصيبًا، فانتبه رعاك اللهُ.

    [1] (متفق عليه) من حديث عبدالله بن مسعود، أخرجه البخاري، باب: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول (5648)، ومسلم، باب: ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها (2571)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7483)، و"مسند أحمد" (4291)، و"مسند الطاليسي" (364)، و"مشكل الآثار" (1835)، البغوي في "السنة" باب: شدة المرض 3/25، و"مصنف ابن أبي شيبة" (263)، والبيهقي في "شعب الإيمان" باب في أي الناس أشد بلاء (9772).

    [2] "الفتح" 10/130.

    [3] "الفتح" 10/142.

    [4] لشيخنا العزازي – حفظه الله- رسالة مفيدة في آداب المريض وزيارته ضمن سلسلة (المنة الربانية في الآداب الإسلامية).

    [5] (متفق عليه) من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة:
    حديث عمرو بن العاص، رواه البخاري، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352)، ومسلم، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (1716)، وابن ماجه، باب: ما جاء في الحاكم يصيب الحق (2314).وحديث أبي هريرة رواه البخاري، ومسلم في الشواهد في المواضع السابقة، والترمذي، باب: ما جاء في الحاكم يصيب ويخطئ (1326)، وأبو عوانة، باب: ما للحاكم من الأجر (5167)، وابن الجارود في "المنتقي" باب: ما جاء في الأحكام (996)، وأبو يعلى في "مسنده" (5903).
    [6] رواه الترمذي (1185)، أبو داود (3573)، وابن ماجه (2365)، وصححه الألباني لغيره في "الإرواء" (2614)، و"المشكاة" (3735).

    [7] "شرح مسلم" 12/20.

    [8] "السيل الجرار" 1/20.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    3- مَن حافَظ على صلاة العصر:عن أبي بصرة الغِفاريِّ قال: صلَّى بنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - العصر بالمُخَمَّصِ فقال: ((إنَّ هذه الصلاةَ عُرضت على مَن كان قبلكم فضيَّعوها، فمَنْ حافَظ عليها كان له أجرُهُ مرَّتين، ولا صلاةَ بعدها حتى يطلعَ الشَّاهد)) والشَّاهد: النَّجم[1].
    اشتمل الحديثُ على عدَّةِ فوائد، منها:استدلَّ به الجمهور، وطاوس وعطاء، ووهب بن منبِّه، على أنَّ أول وقت المغرب حين طلوع النَّجم، والرَّاجح أنَّ أوَّل وقتها إذا غابت الشمس، وآخرَ وقتها إلى مغيبِ الشَّفق الأحمر؛ وذلك لحديث عبدالله بن عمرو أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((وقت صلاةُ المغرب إذا غابت الشَّمسُ، ما لَم يَغِبِ الشَّفَقُ))[2] [3].
    وفيه: فضيلةٌ ظاهرة لِمن حافَظ على صلاة العصر، فهي الصَّلاة الوُسطى على الصَّحيح، خُصَّت بالمحافظة، فمَن حافظ عليها كان له أجرُهُ مرَّتين: إحداهما: للمحافظةِ عليها، خلافًا لمن قبلهم، وثانيتهما: أجرُ عملِه كسائر الصَّلوات؛ قاله الطيبي - رحمه الله. أو أجرٌ للمحافظة على العبادة، وأجرٌ لتركِ البيع والشِّراء بالزَّهادة، فإنَّ وقتَ العصر كان زمانَ سُوقِهم، وأوانَ شُغلهم. وقال ابن حجَرٍ -رحمه الله-:مرَّة لفضلها؛ لأنها الوُسطى، ومرَّة للمحافظة عليها، ومشاركة بقية الصلوات لها في هذا لا تؤثِّر في تخصيصها بمجموعِ الأمرين[4].
    وقال النَّووي -رحمه الله-:كما أنَّ المحافَظة على صلاة العصر سببٌ في دخول الجنَّة، كما في حديث أبي موسى الأشعريِّ قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من صلَّى البَرْدَيْنِ دخل الجنَّةَ))[5]، وفيه فضيلةُ صلاة العصر، وشدَّةُ الحثِّ عليها[6].
    قال الحافظ ابن حجَرٍ -رحمه الله-:والبَرْدانِ: صلاةُ الصُّبح والعصر سمِّيَتا برديْنِ؛ لأنَّهما تصلَّيان في بَرْدَيِ النَّهار، وهما طرَفاه حين يَطيبُ الهواء، وتذهب سَوْرةُ الحرِّ[7].
    "قلت": هذا الفضل جاء الوعيدُ بضدِّه لِمَن ضيَّعَ صلاة العصر بحُبوطِ عملِه، كما في حديث بُريدة أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن ترك صلاةَ العصرِ، فقد حبِط عملُه))[8]، وكما في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذي تفوتُه صلاةُ العصرِ كأنَّما وُتِرَ أهلَه ومالَه))[9].
    4- من فطَّر صائمًا:وذلك لحديث زيد بن خالد الجُهنيِّ أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غيرَ أنه لا ينقصُ من أجرِ الصَّائم شيئًا))[10].
    قال ابن الملك -رحمه الله-:التَّفطير: جعْلُ أحدٍ مُفطرًا؛ أيْ: مَن أطعم صائمًا، قال القاري: أي عند إفطارِه، كان له؛ أي: لمن فطَّر، مثلُ أجرِه؛ أي: الصَّائم[11].
    قال الطَّبري -رحمه الله-:وفيه من الفقه أنَّ كلَّ من أعان مؤمنًا على عملِ بِرٍّ فللمُعينُ عليه أجرٌ مثلُ العامل، وإذا أخبر الرَّسولُ أنَّ مَن جهَّز غازيًا فقد غزا، فكذلك مَن فطَّر صائمًا أو قوَّاه على صومِه، وكذلك من أعان حاجًّا أو معتمرًا بما يتقوَّى به على حَجِّه أو عُمرتِه حتى يأتي ذلك على تمامِه، فله مثلُ أجرِه، ومن أعان فإنما يجيء من حقوقِ الله بنفسِه أو بماله حتى يغلِبَه على الباطل بمعونةٍ فله مثلُ أجرِ القائمِ، ثمَّ كذلك سائرُ أعمال البِرِّ، وإذا كان ذلك بحُكمِ المعونةِ على أعمال البِرِّ، فمثلُهُ المعونةُ على معاصي اللهِ وما يكرهُه اللهُ للمُعينِ مِن الوِزْر والإثمِ مثلُ ما لعاملِها، وكذلك نهى الرَّسولُ عن بيعِ السُّيوف في الفتنة، ولعن عاصر الخمرِ ومُعتصِرها، وحاملها والمحمولة إليه، وكذلك سائرُ أعمال الفجورِ[12].
    وقالَ الطيبي -رحمه الله-:نظَمَ الصَّائمَ في سِلك الغازي؛ لانخراطهما في معنى المجاهدةِ مع أعداء اللهِ، وقدَّم الصَّائم؛ لأنَّ الصَّوم من الجهادِ الأكبر، جهاد النَّفس بكفِّها عن شهواتها[13].
    5- من علَّمَ علمًا:وذلك لحديث سهلِ بن معاذ بن أنس، عن أبيه أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن علَّمَ علمًا، فله أجرُ مَن عمِل به، لا ينقُصُ من أجرِ العامل شيءٌ))[14].
    في الحديث فضلُ مَن علَّم النَّاس الخير، ولهذا الشَّرف فضائلُ عديدة، منها: أنَّ تعليمَ النَّاس الخيرَ مِن عمل الأنبياء. وفضل تعليم النَّاس أمورَ دينِهم، حيثُ إنَّ مَن علَّم عِلمًا، أو دعا إلى هدًى فله مثلُ أجور العاملين به. وعِظَمُ أجرِ معلِّمِ النَّاس الخيرَ؛ حيث يُثني عليه اللهُ - تعالى - ويستغفرُ له أهلُ السَّمَوات والأرض؛ لِما يحصُل في الأرض مِن الخيرِ مِن نشْرِ العِلم، وفضل الدَّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. ونذكُر من الأدلَّة على ذلك: أنَّ الله - سبحانه وتعالى - أشهَدَهم على وَحْدانيَّته، فقال: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]. لَم يأمُرِ اللهُ - سبحانه وتعالى - نبيَّهُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الاستزادةِ من شيءٍ في الدنيا إلا ما كان مِنَ العِلْم؛ حيث قال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. أنَّ الله كتَب لهم الرِّفعة في الدُّنيا، قال - تعالى -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]. هم أخشى الخلقِ لله، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]. هم أبصرُ النَّاس بالحقائق وقت الفتن، قال - تعالى -: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 79، 80]. وقال - سبحانه - عن بني إسرائيل: ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُون َ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُون َ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 161، 162]. هم ورَثة الأنبياء؛ ففي حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سلَك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلَك اللهُ به طريقًا مِن طُرق الجنَّة، وإنَّ الملائكة لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العلم، وإنَّ العالم ليستغفِرُ له مَن في السَّموات ومَن في الأرض، والحيتانُ في جوف الماء، وإنَّ فضلَ العالِم على العابدِ كفضل القمر ليلةَ البدرِ على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لَم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلم، فمن أخَذَه أخَذ بحظٍّ وافرٍ))[15].
    هم الطَّائفة المنصورة؛ ففي حديث معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تزالُ طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمرِ الله، لا يضرُّهم مَن خذَلهم أو خالَفهم حتَّى يأتي أمرُ الله، وهم ظاهرون على الناس))[16].
    قال البخاريُّ:هم أهلُ العلم. وقال الإمامُ أحمدُ عن هذه الطَّائفة:إن لم يكونوا أهلَ الحديثِ، فلا أدري مَن هم. قال القاضي عياضٌ:أراد أحمدُ أهلَ السنَّة ومَن يعتقِدُ مذهبَ الحديث. إذا مات العالِمُ فعلمُه باقٍ يُنتفع به، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا مات الإنسانُ انقطعَ عنه عملُهُ إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له))[17].
    أهلُ العلمِ أمرَ الله بطاعتِهم، قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]. فَوُلاةُ الأمرِ تشملُ الأمراءَ والحكَّام، وتشمل العلماءَ وطلبة العلمِ، وذلك يكونُ في الطَّاعة؛ إنما الطَّاعة في المعروف. أنَّ الجهاد وما له من فضلٍ قد أوجب اللهُ على طائفةٍ التَّخلُّفَ عنه ليتفقهوا في الدِّين ويعلِّموا المجاهدين إذا رجعوا، كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]. 6- الذي يقرأ القُرآن وهو عليه شاقٌّ:وذلك لِما ثبت عن عائشةَ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الماهرُ بالقُرآن مع السَّفرة الكِرام البَرَرة، والذي يقرؤُه ويتتعتعُ فيه وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ))[18].
    وفي الرِّواية الأخرى: ((وهو يشتدُّ عليه، له أجرانِ))، السَّفرةُ: جمعُ سافرٍ ككاتبٍ وكتَبة، والسَّافرُ: الرَّسول، والسَّفَرة: الرُّسل؛ لأنَّهم يَسْفِرون إلى النَّاسِ برِسالات الله، وقيل: السَّفَرة: الكتَبة، والبَررةُ: المُطيعونَ مِنَ البِرِّ، وهو الطَّاعة، والماهرُ: الحاذقُ الكاملُ الحفظِ الَّذي لا يتوقَّف ولا يشقُّ عليه القراءة بجودة حفظِه وإتقانِه. قال القاضي -رحمه الله-:يحتمل أن يكونَ معنى كونِه مع الملائكةِ: أنَّ له في الآخرة منازلَ يكونُ فيها رفيقًا للملائكة السَّفرة؛ لاتِّصافِه بصفتِهم مِن حملِ كتابِ الله - تعالى. قال: ويُحتمل أنْ يُراد أنَّه عاملٌ بعملِهم، وسالكٌ مسلكَهم، وأمَّا الذي يتتعتعُ فيه، فهو الذي يتردَّد في تلاوته؛ لضعفِ حفظِه، فله أجرانِ: أجرٌ بالقراءةِ، وأجرٌ بتتَعْتُعِه في تلاوتِه ومشقَّتِه. قال القاضي -رحمه الله- وغيره من العلماء:وليس معناه الذي يتتعتع عليه: له من الأجرِ أكثرُ من الماهر به، بل الماهرُ أفضلُ وأكثر أجرًا؛ لأنَّه مع السَّفرة، وله أجورٌ كثيرة، ولَم يذكُر هذه المنزلةَ لغيره، وكيف يلحَقُ به مَن لَم يعتنِ بكتابِ الله - تعالى - وحفظِه، وإتقانِه، وكثرةِ تلاوتِه، وروايتِه كاعتنائه حتَّى مهر فيه؟ والله أعلمُ[19].
    قيل: هو يضاعَف له في الأجرِ على الماهر؛ لأنَّ الأجرَ بقدر التَّعب، وقيل: بل المضاعفة للماهرِ لا تُحصى؛ فإنَّ الحسنةَ قد تُضاعف إلى أربعمائةٍ[20].
    "قلت": بل الحسنةُ عمومًا تتضاعفُ إلى سبعمائة ضِعفٍ ويَزيدُ، كما في حديثِ ابن عبَّاسٍ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يروي عن ربه - عزَّ وجلَّ - قال: ((إنَّ اللهَ كتَب الحسناتِ والسَّيِّئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسَنةٍ فلم يعمَلْها، كتبَها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً، فإنْ هو همَّ بها فعمِلها، كتبَها اللهُ له عنده عشْرَ حسَناتٍ إلى سبعمائةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومَن همَّ بسيئةٍ فلم يعمَلْها، كتبَها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً، فإنْ هو همَّ بها فعمِلها، كتبَها الله له سيئةً واحدةً))[21].


    [1] (صحيح) أخرجه مسلم، باب: الأوقات المنهي عن الصلاة فيها (830)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (27986)، والنسائي (520)، 1/259، وابن حبان (1492)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (697)، وعبدالرزاق في "مصنفه" (2209)، والبيهقي في "سننه" (2198)، وأبو يعلى في "مسنده" (7049)، وأبو عوانة في "مسنده" (825)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (915).

    [2] رواه مسلم (612).

    [3] "تمام المنة" للعزازي 1/164.

    [4] "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 4/162.

    [5] البخاري (574)، ومسلم (1470).

    [6] "شرح مسلم" 6/163.

    [7] "الفتح" 1/64.

    [8] (متفق عليه) البخاري (553)، ومسلم (626).

    [9] (متفق عليه) البخاري (552)، ومسلم (1448).

    [10] (صحيح) أخرجه أحمد (17074)، والدارمي (1702)، والترمذي (807)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (17416)، وابن حبان (3429)، البيهقي في "شعب الإيمان" (4121)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1078).
    وللحديث ألفاظ أخري منها:((مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ - أَوْ كُتِبَ لَهُ - مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أو خلَفَه في أهلِه، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِه، إلا أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْغَازِي شَيْئًا)).أخرجه أحمد (17074)، وعبد بن حميد (276)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3952)، وفى "السنن الكبرى" (7926)، وابن حبان (4633)، والطبراني (5272)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1746).والحديث أصله في "سنن الترمذي" (807) ((مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ))، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (807).
    [11] "تحفة الأحوذي" 2/350.

    [12] "شرح البخاري" لابن بطال 5/52- 53.

    [13] "فيض القدير" 6/243.

    [14] (صحيح) أخرجه ابن ماجه، باب: ثواب من علَّم الناس الخير (240) من طريق أنس: قال حدَّثَنَا أحمَدُ بن عِيسَى المِصْرِيُّ، حدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بن وَهْبٍ، عن يَحْيى بن أيُّوبَ، عن سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ... الحديث، وحسنه لغيره الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (77)، و"صحيح الجامع" (6369)، و"صحيح ابن ماجه" (196)، وقال البوصيري في "الزوائد": المتن ثابتٌ معنًى، وإن تكلم في الزوائد على إسناده فقال: فيه سهل بن معاذ: ضعفه ابن معين، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات والضعفاء، ويحيى بن أيوب، قيل: إنه لم يُدرك سهل بن معاذ؛ ففيه انقطاع.

    [15] (حسن) أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223)، وحسنه الألباني في "المشكاة" (15).

    [16] البخاري (3116)، ومسلم (1924) واللفظ له.

    [17] مسلم (1631).

    [18] (متفق عليه) من حديث عائشة، البخاري، كتاب: التفسير، تفسير سورة عبس (4937)، ومسلم، باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798)، وأبو داود، باب في ثواب قراءة القرآن (1456)، وابن ماجه، باب: ثواب القرآن (3931)، وأحمد في "مسند عائشة" (24943، 24711)، وعبدالرزاق (4194)، والنسائي في "الكبرى" (11646)، والترمذي، باب: ما جاء في فضل قارئ القرآن (3151)، وقال: حسن صحيح، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1957)، وابن حبان، باب: قراءة القرآن (767)، والبغوي في "السنة"، باب: فضل تلاوة القرآن.

    [19] "شرح مسلم" للنووي 3/152.

    [20] "حاشية السندي على ابن ماجه" 7/171.

    [21] البخاري (6491)، مسلم (131).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    6- الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق:

    وذلك لما ثبت عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران))[1].وفي الرواية الأخرى: ((وهو يشتد عليه له أجران))، السفرة: جمع سافر ككاتب وكتَبة، والسافر: الرسول، والسفرة: الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة، والبررة: المطيعون: من البر، وهو الطاعة، والماهر: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف، ولا يشق عليه القراءة بجودة حِفظه وإتقانه.قال القاضي - رحمه الله -:

    يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة: أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمْل كتاب الله - تعالى - قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم، وأما الذي يتتعتع فيه، فهو الذي يتردد في تلاوته؛ لضعف حفظه، فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتتعتعه في تلاوته ومَشقته.قال القاضي - رحمه الله - وغيره من العلماء:

    وليس معناه الذي يتتعتع عليه: له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا؛ لأنه مع السفرة، وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يَعتن بكتاب الله - تعالى - وحفظه، وإتقانه، وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه؟ والله أعلم[2].قيل: هو يضاعف له في الأجر على الماهر؛ لأن الأجر بقدر التعب، وقيل: بل المضاعفة للماهر لا تحصى؛ فإن الحسنة قد تضاعف إلى أربعمائة[3]."قلت": بل الحسنة عمومًا تتضاعف إلى سبعمائة ضِعف ويزيد؛ كما في حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه - عز وجل - قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئةً واحدةً))[4].أما عن القرآن، فهو كلام الله تكلم به حقيقةً، وغير مخلوق، فهو صفة من صفات الله - تعالى - تكلَّم به ربنا - جل وعلا - وسمعه جبريل - عليه السلام - ونزل به على محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو منزَّل غير مخلوق، ودلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع:

    أما القرآن:

    قال - تعالى -:﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6].وقال - تعالى -: ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 1 - 2].وفي السنة:

    ما جاء في حديث جابر بن عبدالله قال: "كان النبي يعرض نفسه على الناس بالموقف، فيقول: ((هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أُبلِّغ كلام ربي))"[5].والإجماع:

    قال التابعي الجليل عمرو بن دينار: أدركت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن دونهم منذ سبعين سنةً يقولون: القرآن كلام الله، منه خرج وإليه يعود[6].وحكى أبو الحسن الأشعري إجماع أهل الحديث والسنة على أن القرآن غير مخلوق[7].فالقرآن كلام الله - تعالى - حقيقةً، حروفه ومعانيه، وإذا قرأ الإنسان كلام الله، فصوت القارئ مخلوق، ولكن المقروء هو كلام الله غير مخلوق.والمقصود بقولهم: "منه خرج"؛ أي: إنه المتكلم به - سبحانه وتعالى - وأما قولهم: "إليه يعود" يحتمل معنيين:

    1- أنه يرفع كما ورد في بعض الآثار أنه يسرى عليه في ليلة، فيصبح الناس ليس بين أيديهم قرآن، ولا في صدورهم، ولا في مصاحفهم، يرفعه الله - عز وجل.

    2- أنه يعود إليه وصفًا؛ أي: إنه لا يوصف به أحد سوى الله، فيكون المتكلم بالقرآن هو الله، وهو الموصوف به.قال ابن عثيمين - رحمه الله -:

    لا مانع من أن نقول: إن المعنيين كلاهما صحيح[8].أما عن فضل تلاوة القرآن:

    قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29- 30].وكما في حديث أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف - تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة))، قال معاوية - أحد رواة الحديث -: بلغني أن البطلة: السحرة[9].وكما في حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر))[10].ومن يجمع بين تعلُّم القرآن وتعليمه، فهو خير وأكثر كمالاً؛ لأنه ينفع نفسه وخيره متعدٍّ لغيره؛ كما في حديث عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه))[11].


    7- المرأة إذا تصدَّقت على زوجها وولدها:

    ففي الحديث أن زينب امرأة ابن مسعود، قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((تصدَّقن ولو من حليكنَّ))، وكانت زينب تنفق على عبدالله وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبدالله: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدت امرأةً من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم - أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل، فسأله، فقال: ((من هما))، قال: زينب، قال: ((أي الزيانب؟!)) قال: امرأة عبدالله، قال: ((نعم، لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة))[12].قال ابن حجر - رحمه الله -:

    استدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي، والثوري، وصاحبي أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك، وعن أحمد[13].قال العزازي - حفظه الله -:بل إن الصدقة على زوجها أفضل من صدقتها على غيره، وقال أيضًا: وهذا الحديث أوضح في صدقة الواجب؛ لقولها: أيجزي عني، ولقوله: ((وأجر الصدقة))؛ إذ الصدقة عند الإطلاق تتبادر إلى الواجبة[14]."قلت": وفي الحديث دليل على جواز أن تسأل المرأة على ما ينفعها من أمور دينها.

    8- الصدقة على ذي الرحم:

    وذلك لما ثبت في الحديث عن الرباب أم الرائح بنت صليع، عن عمها سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة))[15].وفي رواية: ((على ذي رحم صدقتان: صدقة، وصلة))[16]، وفي بعض الروايات عند ابن خزيمة على: ((القريب)) بدلاً من ((ذي رحم)).قال المناوي - رحمه الله -:

    صدقة ذي الرحم؛ أي: على ذي الرحم القرابة: صدقة وصلة، ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي، ففيها أجر واحد، وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين؛ لتحصيل مقصودهما به، فلعامله سائر ما ورد في ثوابيهما بفضل الله ومِنَّته[17].

    ولكن، ما المقصود بذي الرحم؟

    هي الرحم التي أمر بصلتها، هي كل ما يرتبط بقرابة؛ سواء كانت من الأصول "كالآباء والأمهات وإن نزلوا، والفروع وإن علوا، والحواشي من الإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات"؛ كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك ثم أبوك، ثم أدناك أدناك))[18].قد يتوارد على الأذهان سؤال وهو: هل تقتصر الصدقة على إعطاء المال فقط، أم أنها تشمل غيرها من أفعال الخير؟

    نقول: المعنى الجامع هو إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الضرر، وبذلك يكون على حسب الحاجة، فتكون بالنفقة لمن يحتاج، وتكون بالهدية وبالتودد، وبالعون، والإعانة على الحاجات، وبالنصيحة، وبدفع الضرر، وبالإنصاف معهم، وبطلاقة الوجه، وبالعدل، والقيام بالحقوق الواجبة، وبالدعاء، وبتفقُّد أحوالهم، والتغافل عن زَلاَّتهم، والزيارة، وبالشفاعة الحسنة.وهل الصدقة على ذي الرحم أفضل من الصدقة على المسكين مطلقًا؟

    قال ابن حجر - رحمه الله -:

    لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون المسكين محتاجًا، ونفعه بذلك متعديًا، والآخر بالعكس[19].وفي الحديث لطيفة للدعاة:

    وهي أن دعوة العشيرة الأقربين وتوجيههم إلى سعادتهم الأبدية أعظم وأولى من الصدقة بالمال، والناس في الغالب ينظرون إلى قرابة الداعية ومدى تطبيقهم لما يدعو إليه.قال ابن حجر - رحمه الله -:والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولاً أن الحجة إذا قامت عليهم تعدَّت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علةً للأبعدين في الامتناع[20].ولهذا قال سالم بن عبدالله بن عمر: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا صعد المنبر، فنهى الناس عن شيء، جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدًا منكم فعَله، إلا أضعفت عليه العقوبة[21].


    [1] (متفق عليه)من حديث عائشة؛ البخاري، كتاب: التفسير، تفسير سورة عبس (4937)، ومسلم، باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798)، وأبو داود، باب: في ثواب قراءة القرآن (1456)، وابن ماجه، باب: ثواب القرآن (3931)، وأحمد في "مسند عائشة" (24943، 24711)، وعبدالرزاق (4194)، و"النسائي فى الكبرى" (11646)، والترمذي، باب: ما جاء في فضل قارئ القرآن (3151)، وقال: حسن صحيح، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1957)، وابن حبان، باب: قراءة القرآن (767)، والبغوي في "السنة"، باب: فضل تلاوة القرآن.
    [2] "شرح مسلم"؛ للنووي 3/ 152.
    [3] "حاشية السندي على ابن ماجه" 7/ 171.
    [4] البخاري (6491)، مسلم (131).
    [5] الترمذي (2925)، والنسائي (7727)، وابن ماجه (201)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1947).
    [6] "الدارمي في الرد على الجهمية" 189.
    [7] "الإبانة" (16).
    [8] "ماذا يعني انتمائي لأهل السنة والجماعة؟"؛ للعزازي (42).
    [9] مسلم (804).
    [10] البخاري (5427)، ومسلم (1896).
    [11] البخاري (5027).
    [12] (متفق عليه) من حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود؛ أخرجه البخاري، باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر (1466)، ومسلم، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين (1000)، والنسائي في "السنن الكبرى" (1920)، وابن ماجه، باب: الصدقة على ذي القربة (1906)، وأحمد (16509)، والدارمي، باب: أي الصدقة أفضل (1707)، ابن خزيمة، باب: تضعيف الصدقة (2463)، ابن حبان، باب: النفقة (4248)، الحاكم في "المستدرك" (8784)، البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (2557)، وأبي عوانة، باب: وجوب الزكاة في حلي النساء (2120)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2274).
    [13] "الفتح" 3/ 329.
    [14] "تمام المنة" 2/ 278.
    [15] (حسن)؛ أخرجه الترمذي (658) وحسنه، وابن ماجه (1844)، والنسائي في "السنن الكبرى" (2363)، وأحمد في "المسند" (16671)، البيهقي في "السنن الكبرى" (7524)، وفي "شعب الإيمان" (3273)، وابن خزيمة (2193)، وابن حبان (3344)، والحاكم في "المستدرك" (1476)، وقال: صحيح الإسناد، والدارمي (1733)، والطبراني في "معجمه الكبير" (6087)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10541).
    [16] أخرجه ابن خزيمة (2193)، والطبراني في "الكبير" (6084)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3858)، وشعيب الأرنؤوط في "تعليقه على ابن حبان".
    [17] "فيض القدير" 4/ 255.
    [18] مسلم (2548).
    [19] "فتح الباري" 8/ 78.
    [20] "الفتح" 8/ 503.
    [21] "تاريخ الأمم والملوك"؛ للطبري 2/ 68، و"الكامل في التاريخ"؛ لابن الأثير 1/ 472.







    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/45142/#ixzz3Bx0yGzvt
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    9- من تبع الجنازة حتى تدفن:

    لحديث البراء بن عازب، يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تبع جنازةً حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد))[1].وفي رواية: ((من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط))[2].

    قال ابن حجر - رحمه الله -:

    وقد أثبتت هذه الرواية أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والدفن، وأن الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد، وهذا هو المعتمد خلافًا لمن تمسك بظاهر بعض الروايات، فزعم أنه يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط، وسنذكر بقية مباحثه وفوائده في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى [3].

    قال النووي - رحمه الله -:

    فيه الحث على الصلاة على الجنازة، واتباعها ومصاحبتها حتى تدفن، ثم قال: فيحصل بالصلاة قيراط، وبالاتباع مع حضور الدفن قيراط آخر؛ فيكون الجميع قيراطين، واستدل بلفظ: الاتباع في هذا الحديث وغيره من يقول: المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها، وهو قول علي بن أبي طالب، ومذهب الأوزاعي، وأبي حنيفة، وقال جمهور الصحابة والتابعين، ومالك، والشافعي، وجماهير العلماء: المشي أمامها أفضل، وقال الثوري وطائفة: هم سواء[4].

    "قلت": قال العزازي - حفظه الله -:

    إذا كان المتبع للجنازة ماشيًا، فإنه يجوز له أن يمشي أمامها وخلفها، وعن يمينها وعن شمالها، وأما إن كان راكبًا، فإنه يسير خلفها لما ثبت في الحديث عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي حيث شاء، خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريبًا منها، والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة))[5] [6].

    وقال النووي - رحمه الله -:

    القيراط: مقدار من الثواب، معلوم عند الله - تعالى - والحديث يدل على عظم مقداره في هذا الموضع."قلت": ويحصل الأجر لمن تبعها إيمانًا واحتسابًا لا مجاملةً لأحد، وكذلك يحصل الأجر في اتباع جنازة المسلم لا لغيره؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من اتبع جنازة مسلم)).

    [1] من حديث البراء بن عازب، وثوبان، وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة.حديث البراء: أخرجه أحمد (18619)، والنسائي (1940)، والطبراني في الأوسط (7997).حديث ثوبان: أخرجه الطيالسي (985)، وأحمد (22438)، ومسلم (946)، وابن ماجه (1540)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (6226).حديث ابن عمر: أخرجه الهيثمي كما في مجمع الزوائد 1/ 168، وقال الهيثمي: فيه عبيدالله بن تمام ضعَّفَه البخاري وجماعة.حديث أبي هريرة: أخرجه مسلم (945)، وفيه: وَمَا القيراطان؟ قال: مِثل الجبَلين العظيمين، وقال شُعيب الأرنؤوط عقب رواية أحمد: صحيحٌ على شرط الشيخين، وهي من طريق: قال حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا عبدالأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
    [2] البخاري (1247).
    [3] الفتح 1/138.
    [4] شرح مسلم 7/18، 19، 20 بتصرُّف.
    [5] تمام المنة 2/ 78.
    [6] أبو داود (3180)، والترمذي (1031)، قال: حسن صحيح، والنسائي 4/ 55، وابن ماجه (1418)، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان في صحيحه (769)، وصححه الألباني في المشكاة (1667)، وصحَّحه العزازي في تمام المنة 2/78."قلت": أعله الدارقطني في العلل بالوقف 7/ 134، وتعقبه الألباني في الإرواء 3/ 170، قال: قد رفعه جماعة من الثقات عن زياد بن جبير، والرفعُ زيادةٌ من ثقةٍ، فيجبُ قَبولُها، ولا مبَرِّرَ لردِّها، والله أعلم.



    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/46612/#ixzz3C2kwDa7A
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    10- من عمل أعمال الحج والعمرة:


    عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أهلت بعمرة، فقدِمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر: ((يسعك طوافك لحجك وعمرتك))، فأبت، فبعث بها مع عبدالرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج. وفي رواية: عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة، ولم أزد على الحج، فقال لها: ((اذهبي، وليردفك عبدالرحمن))، فأمر عبدالرحمن أن يعمرها من التنعيم، فانتظرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة حتى جاءت) .البخاري (2984)، ابن حزم في حجة الوداع (202).

    وفي بعض الروايات قالت عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله، أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التنعيم، قالت: فأردفني خلفه على جمل له، قالت: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي، فيضرب رجلي بعلة الراحلة، قلت له: وهل ترى من أحد؟
    قالت: فأهللت بعمرة، ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالحصبة .
    مسلم في الشواهد تحت حديث (1211)، قال: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا قرَّة، حدثنا عبدالحميد بن جبير بن شيبة، حدثتنا صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة به...، والفاكهي في أخبار مكة (2771)، قال: حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، قال: ثنا خالد بن الحارث به....
    وقرَّة: هو بن خالد السدوسي، أبو خالد، و يقال: أبو محمد البصري؛ تهذيب الكمال 23/ 577.

    توضيح بعض ألفاظ الحديث:


    التنعيم: موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة، أقرب أطراف الحل إلى البيت، سمي بالتنعيم؛ لأن على يمينه جبلَ نعيم، وعلى يساره جبلَ ناعم. خماري: الخمار: ثوب تغطي به المرأة رأسها. أحسره: بكسر السين وضمها، لغتان؛ أي: أكشفه وأزيله. فيضرب رجلي بعلة الراحلة: المعنى أنه يضرب رجل أخته بعود بيده عامدًا لها - في صورة من يضرب الراحلة - حين تكشف خمارها غيرةً عليها. "وهل ترى من أحد؟"؛ أي: نحن في خلاء، ليس هنا أجنبي أستتر منه. بالحصبة: أي بالمحصب، وهو موضع رمي الجمار بمنًى . مسلم 2/870؛ تعليق محمد فؤاد عبدالباقي، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.

    فوائد الحديث:


    استدل بالحديث على أن ميقات أهل مكة في العمرة هو أدنى الحل، خلاف الحج فميقاتهم مكة، ولا يجب عليه ترك مكة والإحرام من خارجها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حتى أهل مكة من مكة) . مسلم (1181).
    قال النووي - رحمه الله -:


    والحديث إنما هو في إحرامه بالحج، وأما ميقات المكي للعمرة، فأدنى الحل؛ لحديث عائشة الآتي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تخرج إلى التنعيم، وتحرم بالعمرة منه . شرح مسلم 8/ 120. وانظر للفائدة: رسالة (إرشاد الصحبة بمناسك الحج والعمرة)؛ للعزازي.

    وفيه: مدى حرص عائشة - رضي الله عنها - على الطاعة. وفيه: حسن معاشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته؛ حيث إنه لم يمنع عائشة من تأدية عمرتها لتحصيل الأجر. وفيه: دليل على مكانة عائشة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت عند مسلم: "وكان رسول الله رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء، تابعها عليه". قال النووي - رحمه الله -:


    معناه: إذا هوِيت شيئًا لا نقص فيه في الدين - مثل: طلبها الاعتمار وغيره - أجابها إليه .شرح مسلم؛ للنووي 8/ 222.

    "قلت" : لا كما يظن بعض الأزواج - إذا هويت المصايف والمسارح والمتنزهات، سارع إليه - ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وفيه: جواز إرداف المرأة خلف أخيها. وفيه أيضًا: مدى غيرة عبدالرحمن بن أبي بكر على أخته، فكان يضرب رجلها؛ كيلا تكشف وجهها على الرغم من عدم وجود أحد، فأين من يترك أخته وزوجته وابنته كاسيةً عاريةً في الطرقات بحجة العلم والعمل؟! فإلى الله المشتكى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    11 - عبد أدى حق الله وحق مواليه:

    لما ثبت في ((الصحيحين)) من حديث أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لهم أجران)) وذكر منهم: ((والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ...)) . البخاري (97)، ومسلم (154).


    ولحديث أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((للعبد المملوك المصلح أجران))، "والذي نفسي بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي - لأحببت أن أموت وأنا مملوك . أخرجه البخاري، باب: العبد إذا أحسن عبادة ربه، ونصح سيده (2548)، ومسلم، باب: ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله (1665) واللفظ له.
    "قلت": الصحيح أن لفظة: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ..." مدرجة من كلام أبي هريرة؛ لأن فيها أنه قال: وَبِرُّ أُمِّي... ومعلوم أن أمَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماتت قبل البعثة، وكذلك من طرق معرفة المدرج استحالةُ أن يقولَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكيف يتمنى أن يكون مملوكًا مع ما حثَّ عليه من عِتْق الرقاب؛ انظر: (59 - 60)، والله أعلم.


    قال أبو عمر بن عبدالبر:


    في معنى هذا الحديث - عندي والله أعلم - أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة سيده في المعروف، وطاعة ربه، فقام بهما جميعًا - كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته؛ لأنه قد أطاع الله فيما أمره به من طاعة سيده ونصحه، وأطاعه أيضًا فيما افترض عليه، ومن هذا المعنى عندهم أنه من اجتمع عليه فرضان، فأداهما جميعًا وقام بهما - كان أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه والله أعلم. التمهيد (14/237).


    قال ابن حجر - رحمه الله -:


    واسم الصلاح يشمل الشرطين، وهما: إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها. الفتح 8/14.
    وقال النووي - رحمه الله -:


    فيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح - وهو الناصح لسيده، والقائم بعبادة ربه المتوجبة عليه - وأن له أجرين؛ لقيامه بالحقين، ولانكساره بالرق. شرح مسلم 6/65.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    12- رجل عنده أمَة، فأدَّبها وعلَّمها، فأحسن ذلك، ثم أعتقها وتزوَّجها:

    وذلك لحديث أبي بردة أنه سمع أباه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لهم أجران ... ورجل كانت عنده أمة فأدبها، فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها؛ ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران)) . أخرجه البخاري، باب: تعليم الرجل أمته وأهله (5083، 3446، 3011، 2551، 2547، 2544، 97)، ومسلم (2811، 154)، والترمذي (1116)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (3344)، وابن ماجه (1956)، وأحمد (19651)، وعبدالرزاق (13112)، وابن حبان (227).

    قال ابن حجر - رحمه الله -:

    وفيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته، ثم تزوجها؛ سواء أعتقها ابتداءً لله أو لسبب، وقد بالغ قوم فكرهوه، فكأنهم لم يبلغهم الخبر. الفتح 14/320قال النووي - رحمه الله -:

    وفيه فضيلة من أعتق مملوكته وتزوَّجها، وليس هذا من الرجوع في الصدقة في شيء، بل هو إحسان إليها بعد إحسان . شرح مسلم 2/248.

    وفي الحديث دليل على حث الرجال على الاعتناء بتعليم الأهل فرائضَ الله وسننه؛ لأن تعليمهم آكد من تعليم الأمة.

    قال المهلب:

    فيه أجر التأديب والتعليم، وأجر التزويج لله - تعالى - وأن الله قد ضاعف له أجره بالنكاح والتعليم، وجعله كمثل أجر العتق، وفيه الحض على العتق، وعلى نكاح المعتق، وعلى التواضع، وترك الغلو في أمور الدنيا، وأخذ القصد والبلغة منها، وأن من تواضع لله في منكحه وهو يقدر على نكاح أهل الشرف والحسب والمال؛ فإن ذلك مما يرجى عليه جزيل الأجر، وجسيم الثواب. شرح البخاري؛ لابن بطال (13/62).


    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,358

    افتراضي رد: تنبيه الهُمام فيمن لهم أجران

    13- الجاعل في سبيل الله:

    وذلك لحديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((للغازي أجره، وللجاعل أجره، وأجر الغازي)) . للحديث عدة طرقٍ، مدارها على: الليث بن سعد، عن حيوة، عن شفي، عن أبيه، عن ابن عمرو به....(صحيح) أخرجه أبو داود، باب: الرخصة في أخذ الجعائل (2526)، والبيهقي، باب: ما جاء في تجهيز الغازي وأجْر الجاعل (18301)، وأحمد في المسند (6783)، وأبو عوانة في المسند (6078)، وابن الجارود في المنتقي (1039)، والطحاوي في مشكل الآثار (2755)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2153)، وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند، وقال صحيح: رجاله ثقات رجال الشيخين غير إسحاق بن عيسي فمن رجال مسلم، وصححه الشيخ أبو إسحاق الحويني في غوث المكدود في تخريج منتقي ابن الجارود وقال: إسناده صالح، والحديث صحيح.

    الجعائل لغًة: جمع جعل أو جعيلة أو جعالة بالفتح، والجعل بالضم الاسم، وبالفتح المصدر، يقال: جعلت لك جعلاً وجعلاً، وهو الأجرة على الشيء فعلاً أو قولاً. قاله بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح البخاري (21/ 493).
    اصطلاحًا: هو ما جعله القاعد لمن يخرج عنه مجاهدًا.قاله الحافظ في الفتح (1/98).قال المناوي - رحمه الله -:

    الجاعل: أي: المجهز الغازي تطوعًا لا استئجارًا؛ لعدم جوازه.

    أجره: أي ثواب ما بذل من المال.وأجر الغازي: أي: مثل أجره؛ لإعانته على القتال؛ كذا في السراج المنير.

    وقال ابن الملك - رحمه الله -:

    الجاعل: من يدفع جعلاً؛ أي: أجرةً إلى غاز ليغزو؛ فيكون للغازي أجر سعيه، وللجاعل أجران: أجر إعطاء المال في سبيل الله، وأجر كونه سببًا لغزو ذلك الغازي .عون المعبود 5/ 422.

    مسألة: حكم الجعائل في الغزو؟

    على خلاف بين أهل العلم:

    قال أبو حنيفة - رحمه الله -:


    أكره الجعائل إذا كان للمسلمين فيء، فإن لم يكن لهم فيء، فلا بأس أن يقوي بعضهم بعضًا . مشكل الآثار 8/ 89.ومنعه الشافعي وأوجب رده إن أخذه . عون المعبود 5/ 422.

    ورخص فيه مالك وأصحاب الرأي . فيض القدير 5/371.

    قال ابن بطال:
    إن أخرج الرجل من ماله شيئًا فتطوع به أو أعان الغازي على غزوه بفرس ونحوها - فلا نزاع فيه، وإنما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في الغزو، فكرِه ذلك مالك، وكره أن يأخذ جعلاً على أن يتقدم إلى الحصن، وكره أصحاب أبي حنيفة الجعائل إلا إن كان بالمسلمين ضَعف، وليس في بيت المال شيء، وقالوا: إن أعان بعضهم بعضًا، جاز لا على وجه البدل، وقال الشافعي: لا يجوز أن يغزو بجعلٍ يأخذه، وإنما يجوز من السلطان دون غيره؛ لأن الجهاد فرض كفاية، فمن فعله، وقع عن الفرض، ولا يجوز أن يستحقَّ على غيره عوضًا .الفتح (6/ 124).
    وكره الليث والثوري الجعل، وقال الأوزاعي: إذا كانت نية الغازي على الغزو، فلا بأس أن يعان، وقال الكوفيون: لا بأس لمن أحسَّ من نفسه حينًا أن يجهز الغازي، ويجعل له جعلاً لغزوه في سبيل الله .الاستذكار؛ لابن عبدالبر (5/ 43)."قلت": والظاهر - والله أعلم - أن أخذ الجعل في غزو الفرض لا يجوز، أما غزو التطوع، فالراجح جوازه؛ لعموم الحديث الذي معنا، وهذا ما رجحه ابن القيم في ((الزاد))؛ حيث قال: "وكانوا يستأجرون الأُجراء للغزو على نوعين، أحدهما: أن يخرج الرجل ويستأجر من يخدمه في سفره، والثاني: أن يستأجر من ماله من يخرج في الغزو، ويسمون ذلك الجعائل، وفيها قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((للغازي أجره، وللجاعل أجره، وأجر الغازي)) . زاد المعاد (3/90). ولكن هل يسهم للأجير سهمًا إذا حضر الواقعة وغنموا؟

    قيل: لا سهم له، قاتَل أو لم يقاتل؛ إنما له أجرة عمله، وهو قول الأوزاعي، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي، وقال مالك وأحمد: يسهم له، وإن لم يقاتل، إذا كان معهم عند القتال، وقيل: يخيَّر بين الأجرة والسهم. عون المعبود (7/ 146).


    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •