تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وقفات مختصرة في رد الإحتفال بالمولد

  1. #1

    افتراضي وقفات مختصرة في رد الإحتفال بالمولد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وقفات في رد المولد
    فهذه وقفات يسيرة في رد الإحتفال بالمولد ألقيتها في بعض الإذاعات المحلية وهي في الحقيقة جمع ما ذكره الإخوة في بحوثهم النفيسة واشتملت الوقفات على ستة وقفة
    - الاولى في كمالية الشريعة
    - الثانية في وجواب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وتركاً
    - الثالثة في أقوال العلماء المجيزين منهم والمانعين في بدعية الإحتفال .
    - الربعة فيما جاء في رد البدع من السنة وأقوال الصحابة
    - الخامسة في بيان على أنه ليس في الدين بدعة حسنة.
    - السادسة في رد بعض شبهات المحتفلين
    وقد آن الشروع في المقصود.
    الوقفه ألأولى:كمالية الشريعة
    إنما مما لا يشك فيه المؤمن أن الله تعالى أكمل الدينه وأتمه بحيث لم يبق منه شيء مما يحتاج في أمر الدين والدنيا وكذلك لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد بيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا لهذل فإن الشريعة المحمدية لا تقبل الزيادة والنقصان والتبيديل .
    قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الإسلام ديننا
    وهذه الآية التدل على كمال الشريعة
    قال ابن كثيرفي"تفسيره(3/26): هذه أكبر نعم الله ، عز وجل، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه..اهــ

    أخرج البخاري (7268):عن طارق بن شهاب قال قال رجل من اليهود لعمر يا أمير المؤمنين لو أن علينا نزلت هذه الآية [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا] لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية نزلت يوم عرفة في يوم جمعة

    ورى الطبراني في " الكبير " (2/211)عن أبي ذر ، قال : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء ، إلا وهو يذكرنا منه علما ، قال : فقال : صلى الله عليه وسلم : ما بقي شيء يقرب من الجنة ، ويباعد من النار ، إلا وقد بين لكم.
    قال الإمام مالك-رحمه الله -:"من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة،فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛لأن الله يقول:(اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)[المائدة :3]،فما لم يكن يومئذ دينا؛ فلا يكون اليوم دينا".الاعتصام للشاطبي(1/64)
    وقال الإمام ابن حزم في "الإحكام"(1/13): فأيقنا أن الدين قد كمل وتناهى وكل ما كمل فليس لأحد أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه ولا أن يبدله
    فصح بهذه الآية يقينا أن الدين كله لا يؤخذ إلا عن الله عز و جل ثم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو الذي يبلغ إلينا أمر ربنا عز و جل ونهيه وإباحته لا مبلغ إلينا شيئا عن الله تعالى أحد غيره ... ما لم يكن من عند الله تعالى فليس من دين الله أصلا وما لم يبينه رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس من الدين أصلا وما لم يبلغه إلينا أولو الأمر منا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس من الدين أصلا اهــ

    قال الشاطبي في الإعتصام (1/64): وثبت ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يمت حتى اتى ببيان جميع ما يحتاج اليه في امر الدين والدنيا وهذا لا مخالف عليه من اهل السنة
    فاذا كان كذلك فالمبتدع انما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله ان الشريعة لم تتم وانه بقي منها اشياء يجب أو يستحب استدراكها لانه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها وقائل هذا ضال على الصراط المستقيم
    وقال الإمام اسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام في "ذم الكلام(17) وأرده الذهبي في السير(18/509) سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول ( كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضل وزيادة وبدعة )

    قال الإمام الشوكاني-رحمه الله-".القول المفيد في أدلة الاجتهاد و التقليد(ص38) :"فإذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه؟ إن كان من الدين في اعتقادهم؛فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم ! وهذا فيه رد للقرآن وإن لم يكن من الدين؛ فأي فائدة في الاشتغال بما ليس من الدين؟!.
    وهذه حجة قاهرة،ودليل عظيم،لا يمكن لصاحب الرأي أن يدفعه بدافع أبدا،فاجعل هذه الآية الشريفة أول ما تصك به وجوه أهل الرأي،وترغم به آنافهم،وتدحض به حججهم

    الوقفة الثانية :وجوب اتباع النبي في الأمور كلها فعلا أو تركاً

    قال تعلى : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾
    وقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
    (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)
    قال ابن كثير:هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".اهــ
    ما جاء في اتباع ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم
    رواى البخاري
    1- عن أبي وائل قال جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال هممت أن لا أدع فيها صفراء ، ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك قال هما المرآن يقتدى بهما.
    قال الحافظ : قال بن بطال أراد عمر قسمة المال في مصالح المسلمين فلما ذكره شيبة أن النبي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر بعده لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما ورأى ان الاقتداء بهما واجب قلت وتمامه ان تقرير النبي صلى الله عليه و سلم منزل منزلة حكمه باستمرار ما ترك تغييره فيجب الاقتداء به في ذلك لعموم قوله تعالى واتبعوه.
    2-عن أبي الشعثاء أنه قال ، ومن يتقي شيئا من البيت ، وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس ، رضي الله عنهما إنه لا يستلم هذان الركنان فقال ليس شيء من البيت مهجورا ، وكان ابن الزبير ، رضي الله عنهما يستلمهن كلهن.
    قال الحافظ: وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا

    3- روى مسلم عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال صحبت ابن عمر فى طريق مكة - قال - فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون. قال لو كنت مسبحا لأتممت صلاتى يا ابن أخى إنى صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال الله (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ).
    4- روى البخاري عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، يقول جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ، ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
    5- روى الترمذي عن نافع : أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال الحمد لله والسلام على رسول الله قال ابن عمر وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال .
    6- روى أبو داود عن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فثوب رجل فى الظهر أو العصر قال اخرج بنا فإن هذه بدعة.

    والوقفة الثالثة : أقوال العلماء بدعية المولد
    قول من أنكره:
    - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الاحتفال بالمولدالنبوي في "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/619):(لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
    2- قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني- رحمه الله - في "المورد في عمل المولد"(ص20-21):(لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة).
    3- قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) ( فصل في المولد : ومن جملة ما أحدثوه من البدع ، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات ، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد ، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة ..
    قال: فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان،
    وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة
    في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيماً له ولسنته - صلى الله عليه وسلم -، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ).
    4- الإمام أبوعبد الله محمد الحفار المتوفر(811)
    قال: إن ليلة المولد لم يكن السلف الصالح ـ وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والتابعون لهم بإحسان ـ يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يُعَظَّم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله - عز وجل - بما شرع...اهــ

    5- الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله: قال: (لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب - هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول) [الحاوي للسيوطي (1/ 190))].
    6- 6- الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله: فقد عد أنواع البدع ومنها (اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وذمه المولد) [الاعتصام (ص: 34)].
    قول من أجازه
    1- قال السيوطي - رحمه الله - في "حسن المقصد"ضمن "الحاوي للفتاوى" (1/189):
    (أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد- صاحب إربل الملك المظفر).
    2- قال أبو شامة - رحمه الله - في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص95):
    (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ).
    3- قال الإمام السخاوي - رحمه الله - نقلاً من "المورد الروي في المولد النبوي" لملا علي قارى (ص12):(أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها ).
    قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص19):(فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم -، فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية،والقواع د الكلية).
    قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص153):(إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري)

    الوقفة الرابعة: فيما جاء في ذم البدعة
    1-عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ
    2- روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول « صبحكم ومساكم ». ويقول « بعثت أنا والساعة كهاتين ». ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول « أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ». ثم يقول « أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى ».
    3- عن أبى هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « سيكون فى آخر أمتى أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم »أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه"
    أقول العلماء في رد البدع
    وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتَّبِع ولانَبْتدِع، ولن نضِلَّ ما تَمسّكْنا بالأثر أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1: 86، رقم 105ـ106؛
    وأخرج الدارمي(في المقدمة 1: 69) ، عن أبي عبد الرحمن قال: قال عبد الله: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيتُم".
    وروى البخاري(7277 ) قال عبد الله إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها [وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين]

    عن ابن العباس - رضي الله عنهما - أنه قال : ((ما أتى على الناس عام ، إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا فيه سنَّة، حتى تحيا البدع وتموت السنن )) قال الهيثمي في مجمع الزوائد مجمع الزوائد (1/188): رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون )).
    رواه أبو داود في سننه(5/17)، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : (( إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل والمرأة والصغير والكبير ، والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره . فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق ))
    قال أيوب السختياني-رحمه الله-:"ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا ".حلية الأولياء لأبي نعيم(3/9)

    تفسير الحديث ( كل بدعة ضلالة)
    قال ابن رجب: فقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( كلُّ بدعة ضلالة )) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيءٌ ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدِّين ، وهو شبيهٌ بقوله : (( مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ )) ، فكلُّ من أحدث شيئاً ، ونسبه إلى الدِّين ، ولم يكن له أصلٌ من الدِّين يرجع إليه ، فهو ضلالةٌ ، والدِّينُ بريءٌ منه ، وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادات ، أو الأعمال ، أو الأقوال الظاهرة والباطنة .اهـ
    وقال الحافظ في الفتح (13/254): واما قوله في حديث العرباض فان كل بدعة ضلالة بعد قوله وإياكم ومحدثات الأمور فإنه يدل على ان المحدث يسمى بدعة وقوله كل بدعة ضلالة قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها أما منطوقها فكأن يقال حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى فان ثبت ان الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وانتجتا المطلوب.اهــ
    4- عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد.
    وفي رواية مسلم : عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
    وقال ابن رجب:في (( مَنْ أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو ردّ )) .
    وهذا الحديث أصلٌ عظيم من أُصول الإسلام ، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنّ حديث : (( الأعمال بالنيَّات )) ميزان للأعمال في باطِنها ، فكما أنَّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى ، فليس لعامله فيه ثواب ، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله ، فهو مردودٌ على عامله ، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فليس مِنَ الدين في شيء .اهـ
    وقال الفتح(5/302) وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه قال النووي هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به

    الوقفة الخامسة: ليس في الدين بدعة حسنة.
    وبعد كل ما ذكر من الأحاديث والأقوال للعلماء يُعلم أنه ليس في الدين بدعة حسنة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم«كل بدعة ضلالة»
    وكل ما وقع لأهل العلم والسلف من هذا القبيل فإنما يراد البدعة اللغوية لا الشرعية.
    قال الإمام ابن كثيرفي"تفسير" قوله تعالى((بديع السماوات والأرض)): والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه.اهــ
    وقال ابن رجب الحنبلي"جامع العلوم والحكم "(128): وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع ، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية ، لا الشرعية ، فمِنْ ذلك قولُ عمر - رضي الله عنه اهــ
    قال الحافظ في "الفتح"(13/253والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فان كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما اهــ
    وقال الإمام ابن حجر الهيتمي"في فتاوى الحديثية" (655):وقول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت العة هي؛ أراد البدعة اللغوية وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى {قل ما كنت بدعا من الرسل} وليست بدعة شرعا فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم .
    قال : ومن العلماء من قسمها إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية ومن قال " كل بدعة ضلالة " فمعناه البدعة الشرعية ألا ترى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا فيضة غير الصلولت الخمس كالعيدين وإن لم يكن فيه نهي ، وكرهوا استلام الركنين الشاميين والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة قياسا على الطواف وكذا ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضى فيكون فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة اهــ


    الوقفة السادسة: رد بعض شبهات المحتفلين
    1- الشبهة :صيام يوم عاشوراء
    (النص : عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.)
    الجواب من وجهين:
    الأول: أنه – صلى الله عليه وسلم- كان يصوم قبل ذلك روى البخاري (2002) ومسلم(1125) عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه و سلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه.
    الثاني : أن البي صلى الله عليه وسلم صام بخلاف هؤلاء المحتفلين فإنهم خالوا أمره واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير
    2- الشبهة :صيام يوم السبت
    النص(( أخرج مسلم:(( 1162 ) عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم الاثنين ؟ فقال : فيه ولدت وفيه أنزل علي))
    الجواب : صام النبي صلى الله عليه وسلم فيجب اتباعه بهذا الصيام
    وقد قال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } ]الحجرات:1[

    ثانياً : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: { ذلك يوم ولدت فيه- وأنزل علي فيه } رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
    فالمحقق من ولادته صلى الله عليه وسلم هو يوم الأثنين الدي في كل أسبوع فقياس صياميه بما يفعلونه من الإحتفال قياس مع الفارق .
    3- الشبهة: :{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)
    الجواب: أولاً أن ( الفضل ) القرآن ( والرحمة) الإسلام نقله ابن جرير.
    ثانيا: النبي رحمة ، قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } لكن علي اي طريقة نفرح به بطريق الصحابة والتابعين أم ماذا؟
    4- الشبهة : عتاق ثويبة
    قال الحافظ ابن حجر (9/145): وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن قال الله تعالى ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ))
    وأجيب أولا بان الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به
    وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به. اهــ
    وقد اشار الحافظ أن القصة ليست صحيحة ايضاً من حيث التريخ فقال : قوله وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه و سلم ظاهره أن عتقه لها كان قبل ارضاعها والذي في السير يخالفه وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الارضاع بدهر طويل اهــ

    وقال الحافظ ابن عبد البر الاستيعاب (1/12) في ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره إرضاع ثويبة للرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأعتقها أبو لهب بعد ما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ) ا.هـ
    وقال ابن الجوزي "الوفا بأحوال المصطفى" (1/178، 179) : ( وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة فيكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة ، وهي يومئذٍ أمة ، ثم أعتقها أبو لهب )ا.هـ

    5- الشبهة إحتفلت النصارى لنبيهم ونبينا أولى منه قال السخاوي رحمه الله :في "التبر المسبوك" (ص14):(إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر).

    قال الملا علي القارئ في "المورد الروي في المولد النبوي" (ص16) في رد قول السخاوي : (قلت لكن يرد عليه أنا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب).

    والجواب : أن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن التأسي بهم عن أبي سعيد ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن.
    عن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم "
    6- عق عن نفسه بعد النبوة
    والجواب من وجهين:
    الأول : أن الحديث الوارد في ضعيف قال النووي في: المجموع شرح المهذب(8/431) :وأما الحديث الذي ذكره في عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فرواه البيهقي باسناده عن عبد الله ابن محرر بالحاء المهملة والراء المكررة عن قتادة عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم (عق عن نفسه بعد النبوة) وهذا حديث باطل قال البيهقي هو حديث منكر الحديث من وجه آخر عن قتادة ومن وجه آخر عن أنس وليس بشئ فهو حديث باطل وعبد الله ابن محرر ضعيف متفق على ضعفه قال الحفاظ هو متروك والله اهــ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: وقفات مختصرة في رد الإحتفال بالمولد

    أول من اخترع بدعة المولد النبوي هو الكوكبوري
    قال العلامة ابن خلكان ت سنة إحدى وثمانين وستمائة
    في وفيات الأعيان : مظفر الدين صاحب إربل أبو سعيد كوكبوري بن أبي الحسن علي بن بكتكين بن محمد ، الملقب الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل.....
    أما سيرته الذاتية فلقد كان له في فعل الخيرات غرائب لم يسمع أن أحدا فعل في ذلك ما فعله، لم يكن في الدنيا شيء أحب إليه من الصدقة، كان له كل يوم قناطير مقنطرة من الخبز يفرقها على المحاويج في عدة مواضع من البلد يجتمع في كل موضع خلق كثير يفرق عليهم في أول النهار، وكان إذا نزل من الركوب يكون قد اجتمع عند الدار خلق كثير فيدخلهم إليه ويدفع لكل واحد كسوة على قدر الفصل من الشتاء والصيف أو غير ذلك، ومع الكسوة شيء من الذهب من الدينار والاثنين والثلاثة وأقل وأكثر، وكان قد بنى أربع خانقاهات للزمنى والعميان وملأها من هذين الصنفين، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم، وكان يأتيهم بنفسه في كل عصرية اثنين وخميس ويدخل عليهم، ويدخل إلى كل واحد في بيته، ويسأله عن حاله ويتفقده بشيء من النفقة، وينتقل إلى الآخر، وهكذا حتى يدور على جميعهم، وهو يباسطهم ويمزح معهم ويجبر قلوبهم، وبنى دارا للنساء الأرامل، ودارا للصغار الأيتام ، ودارا للملاقيط رتب بهم جماعة من المراضع، وكل مولود يلتقط يحمل إليهن فيرضعنه، وأجرى على أهل كل دار ما يحتاجون إليه في كل يوم، وكان يدخل إليها في كل وقت ويتفقد أحوالهم ويعطيهم النفقات زيادة على المقرر لهم، وكان يدخل إلى البيمارستان ( قلت ـ أبو مالك ـ أي :المستشفيات )ويقف على مريض مريض ويسأله عن مبيته وكيفية حاله وما يشتهيه وكان له دار مضيف يدخل إليها كل قادم على البلد من فقيه أو فقير أو غيرهما، وعلى الجملة فما كان يمنع منها كل من قصد الدخول إليها، ولهم الراتب الدار في الغداء والعشاء، وإذا عزم الإنسان على السفر أعطوه نفقة على ما يليق بمثله، وبنى مدرسة رتب فيها فقهاء الفريقين من الشافعية والحنفية، وكان كل وقت يأتيها بنفسه، ويعمل السماط بها ويبيت بها ويعمل السماع، فإذا طاب وخلع شيئا من ثيابه، سير للجماعة بكرة شيئا من الأنعام، ولم يكن له لذة سوى السماع، فإنه كان لا يتعاطى المنكر، ولا يمكن من إدخاله إلى البلد، وبنى للصوفية خانقاهين فيهما خلق كثير من المقيمين والواردين، ويجتمع في أيام المواسم فيهما من الخلق ما يعجب الإنسان من كثرتهم، ولهما أوقاف كثيرة تقوم بجميع ما يحتاج إليه ذلك الخلق، ولا بد عند سفر كل واحد من نفقة يأخذها، وكان ينزل بنفسه إليهم ويعمل عندهم السماعات في كثير من الأوقات. وكان يسير في كل سنة دفعتين جماعة من امنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من الناس يفتك بها أسرى المسلمين من أيدي الكفار، فإذا وصلوا إليه أعطى كل واحد شيئا، وإن لم يصلوا فالأمناء يعطونهم بوصية منه في ذلك. وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج، ويسير معه جميع ما تدعو حاجة المسافر إليه في الطريق، ويسير صحبته أمينا معه خمسة أو ستة آلاف دينار ينفقها بالحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب، وله بمكة حرسها الله تعالى، آثار جميلة وبعضها باق إلى الآن، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات ليلة الوقوف: وغرم عليه جملة كثيرة، وعمر بالجبل مصانع للماء، فإن الحجاج كانوا يتضررون من عدم الماء، وبنى له تربة أيضا هناك.

    وأما احتفاله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به، لكن نذكر طرفا منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل - مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحي - خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب كل قبة أربع أو خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة وأكثر، منها قبة له ، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد في كل قبة جوق من المغاني وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق في كل قبة حتى رتبوا فيها جوقا، وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم، وكانت القباب منصوبة من باب القلعة إلى باب الخانقاه المجاورة للميدان، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ويقف على قبة قبة إلى آخرها، ويسمع غناءهم، ويتفرج على خيالاتهم وما يفعلونه في القباب، ويبيت في الخانقاه ويعمل السماع ويركب عقيب صلاة الصبح يتصيد، ثم يرجع إلى القلعة قبل الظهر، هكذا يعمل كل يوم إلى ليلة المولد، وكان يعمله سنة في ثامن الشهر، وسنة في الثاني عشر ، لأجل الاختلاف الذي فيه، فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرا زائدا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغاني والملاهي حتى يأتي بها إلى الميدان، ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الألوان، المختلفة فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ثم ينزل وبين يديه من الشموع المشتعلة شيئ كثير، وفي جملتها شمعتان أو أربع - أشك في ذلك - من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة منها على بغل، ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل حتى ينتهي إلى الخانقاه، فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية، على يد كل شخص منهم بقجة، وهو متتابعون كل واحد وراء الآخر، فينزل من ذلك شيء كثير لا أتحقق عدده، ثم ينزل إلى الخانقاه وتجتمع الأعيان والرؤساء وطائفة كبيرة من بياض الناس، وينصب كرسي للوعاظ ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذي فيه الناس والكرسي، وشبابيك أخر للبرج أيضا إلى الميدان، وهو ميدان كبير في غاية الاتساع، ويجتمع فيه الجند ويعرضهم ذلك النهار، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ، ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم، فعند ذلك يقدم السماط (قلت ـ أبو مالك ـ وهو المائدة ، وهي لغة تستعمل في بعض دول الخليج إلى الآن ) في الميدان للصعاليك، ويكون سماطا عاما فيه من الطعام والخبز شيء كثير لا يحد ولا يوصف، ويمد سماطا ثانيا في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي، وفي مدة العرض ووعظ الوعاظ يطلب واحدا واحدا من الأعيان والرؤساء والوافدين لأجل هذا الموسم ممن قدمنا ذكره من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد ثم يعود إلى مكانه، فإذا تكامل ذلك كله، حضروا السماط وحملوا منه لمن يقع التعيين على الحمل إلى داره، ولا يزالون على ذلك إلى العصر أو بعدها، ثم يبيت تلك الليلة هناك، ويعمل السماعات إلى بكرة، هكذا يعمل في كل سنة، وقد لخصت صورة الحال فإن الاستقصاء يطول ....إلخ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •