(ألقيت بتاريخ 6/3/1434 هـ الموافق 18/1/2013).


أما بعد...

ففي الفضاء الفسيح، وفوق الغلاف الجوي لكوكب الأرض آلات وتقنيات، وموجات وذبذبات، استطاع البشر في إيجادها بعد تيسير سبلها لبني الإنسان، حيث بلغت التحديات وتوصلت التجارب والعمل الدؤوب إلى إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء وذلك عام ألف وثلاثمائة وستة وسبعين من الهجرة تقريباً، وقد انحصر استخدامها في بادئ الأمر على الأغراض العسكرية فقط، حتى تطورت وتنوعت و أصبحت تمثل جزءاً ضرورياً من حياتنا اليومية، وتعددت استخداماتها لتشمل مجالات عدة مثل الاستعانة بها للتنبؤ بالأحوال الجوية والاستقبال التلفزيوني الفضائي فضلاً عن الاتصالات الهاتفية التي تتم بين الملايين من الناس بمختلف دول العالم.


عباد الله..
ومع تيسر هذه الخدمة وشيوع تلك التقنية أبدع الإنسان في اختراع الأجهزة الذكية والوسائل المتطورة للاستفادة من الخدمات المتوفرة حتى وصلتنا أجهزة بأحجام محمولة مضمنة تقنية الاتصال والتواصل مع الآخرين سواء عن طريق الاتصال والاتصال المرئي أو بأسلوب المحادثة فضلا عن اشتمالها على تقنية التصوير ذات الدقة العالية وغيرها من الخدمات ، حتى شاعت هذه الأجهزة وبيعت بأرخص الأثمان مما سهل اقتناءها للصغير والكبير والغني والفقير والابن والبنت وذلك يستدعي على أولياء الأمور والمربين والموجهين توجيه تلك التقنية وترشيد استخدامها فيما ينفع وينمي الخير ويبعد الضرر ويقلل الشر لننال خيرها ونسخرها فيما يعود علينا وعلى أبناءنا بالخير والنماء.

أيها المسلمون..
قرَّبت وسائل الاتصال الحديثة بين الأشخاص المتباعدين جغرافياً، وجعلت العالم يبدو بحق كقرية صغيرة من حيث سهولة التواصل وتبادل المعلومات والخبرات، وإن كانت هذه القرية الصغيرة اتصالاً، لاتزال عالمًا متنائياً متنافراً أفكاراً وقيماً.
ولكن المفارقة المدهشة في ثورة الاتصالات أنها قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين، فالمرء يتواصل بانسيابية واستمتاع مع أشخاص من أقاصي الأرض، ويخصص لذلك أوقاتًا غالية، ولكنه يستثقل أن يمر على أمه للاطمئنان عليها، أو أن يمنح أبناءه ساعة من نهار يتعارفون خلالها، أو أن يفارق مقعده ليتنزه مع أصدقائه الحقيقيين.

والمرأة قد يكون لديها عشرات الصديقات من دول مختلفة، فهذه صديقة من الهند، وتلك أخرى من السند، وثالثة من القطب الشمالي، ورابعة من جبال الأنديز، تبني جسور تواصل وتفاهم مع أشخاص مختلفين، ولكنها تضيق ذرعًا ببناء جسر مع جارة قريبة لها ولو بإلقاء السلام، أو تهنئة بالعيد، فجسر التواصل محبب وسهل في العالم الافتراضي، ومع الأشخاص الإلكترونيين، ولكنه يدعو للفرقة والانعزال في العالم الحقيقي.

هذه النظرة السلبية لوسائل الاتصال الحديثة، والتي تتهمها بإفساد الإحساس الاجتماعي هي واقع يجب أن يتحول إلى إيجابية وتحرر من الانغلاق أمام شاشات الهواتف الذكية واطراح العالم الحقيقي خلفنا ظهريا.
إن الرسائل الجميلة مهما كانت فهي لا تعدل زيارة يملؤها الود والصفاء.
وإن حقائق النفوس لا تظهر غالباً في هذا العالم الافتراضي، وإنما تظهر على الواقع في الحياة، فإمكانية الزخرفة في القول ليست بمتعسرة في مثل هذه المواقع، وهنا ترى التباين، فتجد صاحب كتابات حكيمة إنما هو في واقعه حشاش أو كشاش ولكنه وجد فرصة لتلميع ذاته عند من لا يعرف واقعه.

أيها المسلمون..
والخطر الأعظم والداهية الأطم هي امتلاء هذه المواقع بنفوس خبيثة تستدرج بنات المسلمين وأبنائهم من ذئاب بشرية تقبع خلف شاشات الأجهزة الذكية والغبية ..!
فكم خُرِّبت بذلك من بيوت.. وكم فسد بذلك من شباب.. وكم من بنت وقعت في الشراك المنصوب وندمت حين لا ينفع الندم.
وكم انغرَّت بنت بحساب باسم فتاة ففتحت لها قلبها وأرسلت لها صورها ثم بعد ذلك تنصدم بأن هذا الحساب لرجل وضع اسم فتاة.. ثم ماذا ؟؟!
أصبحت فضيحة.. ووقع الفأس في الرأس.. ويداكِ أوكتا وفوكِ نفخ..!
وكم من شابٍ بدأ بالحديث مع فتاة وفتح لها قلبه وأسراره وكلمها كلام الرجل لزوجته، ثم تبين له أن من يدير هذا الحساب رجل ففضحه ونشر خزاياه في العالمين.
وقضية التساهل في الصور الشخصية والعائلية تصويراً وحفظاً وإرسالاً قضية خطيرة جداً، فلا أحد يسلم من اختراق جهازه أو ضياعه أو سرقته، وقل مثل ذلك في جهاز من تُرسل إليه الصور.
فالسلامة السلامة بالحذر كل الحذر من ذلك.

أيها المسلمون..
إن الواجب على الآباء والمربين أن يبينوا للشباب أن هذه الوسائل إنما هي سلاح ذو حدين، وأن يصارحوهم بأخطارها، وأن يكونوا فطنين في استخدامها.
وأن يسخروها لما يعود عليهم وعلى مجتمعهم وأمتهم بالخير والفلاح والنماء.
مع غرس مراقبة الله تعالى في نفوسهم واستحضار قوله سبحانه: (ألم يعلم بأن الله يرى) والتواصل معهم بين الفينة والأخرى ومتابعتهم فيها، فالنفس أمارة بالسوء وشياطين الإنس لن يألوا جهدا في ضلالهم وإضلالهم، والنفوس مجبولة على روح المغامرة والاطلاع على كل ما هو جديد فضلا عن كل ما هو ممنوع، إلا إذا وُجهت تلك الرغبة ووجد البديل الصالح النافع.
حفظنا الله وإياكم من كل مكروه وجنبنا كل سوء.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.