دار بيني وبين أحد الزملاء حوار مطول حول مقال مرفوض للنشر كان قد تقدم به أحد الأصدقاء إلى مجلة محكمة ، ويبدو أن المقال رُفض لأن أحد أعضاء لجنة التحكيم أشار إلى مجموعة من التراكيب رآها غير سليمة ، غير أن صاحب المقال تمسك بمحتوى مقاله معتقدا أن الخطأ لم يصب منه حرفا ، وكان من جملة ما أشار إليه المصحح أن المقال تضمن تراكيب غير سليمة نحو : « وقد رفض مجمع اللغة القاهري هذا التركيب » ، وكذا : « وفي أحيان كثيرة » ، فاقترح المصحح : « وقد رفض مجمع اللغة بالقاهرة هذا التركيب » ، « وفي أحايين كثيرة » ، والغريب في الأمر أن هذا المصحح لم يشر إلى قاعدة تؤيد ما ذهب إليه ، والأغرب أن لجنة التحكيم أيدت ما ذهب إليه زميلهم المصحح على لسان رئيس التحرير ، واشترطوا على كاتب المقال أن يبدل تراكيبه بالتي اقترحوها ، لكن صاحب المقال فضل ألا يُنشر مقاله حفاظا على مستوى المجلة الرفيع كما قال ، وطعن في الرفض باعتراض بعث به إلى رئيس التحرير ، وكان مما تضمنه الاعتراض قوله في المسالتين المذكورتين : « أقول : القاهري ، لأنه الصواب الذي رفضتموه في مقالي ، لأن القاهري نسبة إلى القاهرة كما ينسب مغربي إلى المغرب ، وجزائري إلى الجزائر ، وعاصمي إلى العاصمة » ، وقال أيضا : « فضلتم كلمة أحايين على كلمة أحيان التي وردت في مقالي ، فهلا اقترحتم تصويبكم هذا على مجمع اللغة القاهري الذي أورد الكلمة في صفحة 52 من المعجم الوسيط عند قوله : البرنز : أشابة من النحاس والقصدير ، وقد تشتمل في بعض الأحيان على نسب قليلة من عناصر أخرى مثل الزنك والفسفور » . اعتقادي أن كاتب المقال أكثر حجة من لجنة التحكيم ، لأنها أيدت ما ذهب إليه المصحح مستدلة بالفراغ الذي لا يملأ سلة ولا يميت من جوع .
الحديث الذي دار بيني وبين زميلي حول هذا الموضوع أثبت لي مسألة خطيرة ، وهي أننا في أحيان كثيرة أو أحايين كثيرة نصوب من أجل التصويب فقط ، بدليل أن زميلي قال لي عندما عرضت عليه الحادثة : « مجمع اللغة بالقاهرة هو الصواب ، لكن يجوز قولنا : مجمع اللغة القاهري » ، ولكنه مع ذلك كان عدلا عندما قال : « أما أحيان وأحايين فيجوز الوجهان » .
أتوقف هنا لأقول : « متى نحكم القاعدة النحوية قبل أن نرتجل مسألة ما ؟ هل قولنا : مجمع اللغة القاهري خطأ مع أن القاعدة تقول : النسبة أن تلحق آخر الاسم ياء مشددة مكسورة ما قبلها ، للدلالة على نسبة شيء إلى آخر ، مثل : تميم تميمي ، عمر عمري ، مصر مصري ، لبنان لبناني . ويسمى الاسم المتصل بياء النسب منسوباً ، ويسمى قبل اتصاله بها منسوباً إليه ، وتسمى الياء المشددة ياء النسب . ما شدني في هذه الحادثة ليس موقف المصحح أو لجنة التحكيم ، لأن الكل يدعي وصل ليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ، لكن هو الارتجال الذي قد يقتل القاعدة النحوية يوما . » .