المستقبل للإسلام
قال الله عز وجل ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)( 1) .
تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته و ظهوره و حكمه على الأديان كلها و قد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم و عهد الخلفاء الراشدين و الملوك الصالحين و ليس كذلك , فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
1_ ( لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات و العزى , فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أن ذلك تاما قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ) الحديث ( 2).
و قد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام و مدى انتشاره بحيث لا يدع مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله و توفيقه .
و ها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببا لشحذ همم العاملين للإسلام , و حجة على اليائسين المتواكلين:
2- ( إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها و مغاربها و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ) الحديث(3 ) .
(زوى) أي: جمع وضم.
و أوضح منه و أعم الحديث التالي :
3_ ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام و ذلا يذل به الكفر)(4 ) .
و مما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم و مادياتهم و سلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر و الطغيان و هذا ما يبشرنا به الحديث :
4_( عن أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي و سئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال : فأخرج منه كتابا(5 ) قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية)( 6)
.
و ( رومية ) هي روما كما في " معجم البلدان " و هي عاصمة إيطاليا اليوم.
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي بالفتح وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولا بد ولتعلمن نبأه بعد حين.
ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة وهذا يبشرنا به بقوله في الحديث:
5_ (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)( 7).
ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز ، لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة و لم تكن بعد ملكين : ملك عاض و ملك جبرية والله أعلم . وللحديث شاهد بنحوه من حديث ابن عباس سيأتي (3270) .
هذا وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين واستثمارهم الأرض استثمارا يساعدهم على تحقيق الغرض و تنبىء عن أن لهم مستقبلا باهرا حتى من الناحية الاقتصادية و الزراعية قوله صلى الله عليه وسلم :
6_ (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا و أنهارا)( 8).
و قد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض الله عليها من خيرات و بركات و آلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض الصحراء و هناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلية فلعلها تخرج إلى حيز الوجود ، و إن غدا لناظره قريب .
هذا و مما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يأتي عليكم زمان إلا و الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " . رواه البخاري في " الفتن " من حديث أنس مرفوعا.
فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة و غيرها مثل أحاديث المهدي و نزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه
بل هو من العام المخصوص ، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )( 9) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقا ( 10).
___________________
( 1) التوبة : (33)
( 2) رواه مسلم و غيره , و قد خرجته في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " (ص 122 ) . واخرجه الحافظ الداني في " الفتن " (ق58_59).
( 3) رواه مسلم ( 8 / 171 ) و أبو داود ( 4252 ) و الترمذي ( 2 / 27 ) و صححه . و ابن ماجه ( رقم 2952 ) و أحمد ( 5 / 278 و 284 ) من حديث ثوبان و أحمد أيضا ( 4 / 123 ) من حديث شداد بن أوس إن كان محفوظا .
( 4) رواه جماعة ذكرتهم في " تحذير الساجد"( ص 121 ) . و رواه ابن حبان في" صحيحه " ( 1631 و1632 ) و أبو عروبة في " المنتقى من الطبقات " ( 2 / 10 / 1 ) . وله شاهد من حديث ابي ثعلبة الخُشني مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (3/155) وصححه ورده الذهبي.
( 5) قول عبد الله هذا رواه أبو زرعة أيضا في " تاريخ دمشق" (96/1) وفيه دليل على أن الحديث كتب في عهده خلافا لما يظنه بعض الخراصين !
( 6) رواه أحمد ( 2 / 176 ) و الدارمي ( 1 / 126 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 47 / 153 / 2 ) و أبو عمرو الداني في" السنن الواردة في الفتن " ( 116 / 2 ) و الحاكم ( 3 / 422 و 4 / 508 ) و عبد الغني المقدسي في " كتاب العلم " ( 2 / 30 / 1 ) ، و قال : " حديث حسن الإسناد " .
و صححه الحاكم و وافقه الذهبي و هو كما قالا .
( 7) رواه أحمد ( 4 / 273 ) حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا داود* بن إبراهيم الواسطي حدثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال :كنا قعودا في المسجد ، و كان بشير رجلا يكف حديثه ، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال :يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء ؟
فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته فجلس أبو ثعلبة ، فقال حذيفة : فذكر مرفوعا .
قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز و كان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له : إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر- بعد الملك العاض و الجبرية ، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به و أعجبه" .
و من طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب" ( 17 / 2 ) و قال:" هذا حديث صحيح و إبراهيم بن داود* الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي و ابن حبان و باقي رجاله محتج بهم في الصحيح ". يعني " صحيح مسلم " ، لكن حبيبا هذا قال البخاري : فيه نظر .
و قال ابن عدي : ليس في متون أحاديثه حديث منكر ، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه إلا أن أبا حاتم و أبا داود و ابن حبان وثقوه فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى و قد قال فيه الحافظ : " لا بأس به " . والحديث في"مسند الطيالسي "( رقم 438 ) : حدثنا داود الواسطي - و كان ثقة - قال : سمعت حبيب بن سالم به ، لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من " مسند أحمد " .
و قال الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 189 ):" رواه أحمد و البزار أتم منه و الطبراني ببعضه في ( الأوسط ) ، و رجاله ثقات " .
*قال الشيخ الألباني : "هذا مقلوب والصواب: ( داود بن ابراهيم ) ولست ادري هل هو مني ام من العراقي؟ فأن كتابه ليس في متناول يدي الآن.
( 8) رواه مسلم ( 3 / 84 ) و أحمد ( 2 / 703 و 417 ) و الحاكم ( 4 / 477 ) من حديث أبي هريرة .
( 9) يوسف :87
(10 ) انظر الصحيحة المجلد الأول القسم الأول (ص31_36).