المؤمن والحلول المستعجلة
ابتلى الله بني إسرائيل بتسلط فرعون عليهم، فقتّل أبناءهم واستحيا نساءهم وسخرهم وأجبرهم على الأعمال الشاقة، وفي هذه المصيبة أرشد موسى قومه إلى ثلاثة أمور: الاستعانة بالله، الصبر، التقوى، قال الله تعالى: "قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" وفي سورة يونس أمر موسى قومه بالتوكل فقال: "فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"، والتوكل من التقوى، والاستعانة بالله من لوازم التوكل، وهذه دعوة المصلحين في كل زمان ومكان، ولكن قوم موسى طلبوا ذلك الطلبَ المعهود، القديمَ الجديدَ: "أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا" نريد حلا! الوضع لا يتحمل أكثر! أين أنت عن كذا وكذا! هم باختصار يريدون عصا سحرية، أو معجزة تنزل من السماء، تقضي على عدوهم وتحل كل مشاكلهم، لماذا ؟ لمجرد أنهم آمنوا، وكأن العمل الصالح عملية مقايضة دنيوية مع الله، نحن سنطيعك وأنت أعطنا في الدنيا، فاجعلنا أكثر الناس مالا وأوسعهم سلطانا وأطيبهم عيشا، فإن لم تفعل فدينك باطل، وسنبحث لنا عن حل آخر، أو على الأقل لن نصبر وسنحرف دينك وسنخترع أحكاما توافق أهواءنا حتى يكون دينك موافقا لما نريد.
وما علموا أن الأصل أن يريد الإنسان بعمله الله والدار الآخرة، أما التمكين الدنيوي فهو وإن كان المؤمن موعودا به، إلا أنه تبع وليس بأصل، ومن نظر في سير الصحابة رأى أن كثيرا منهم ابتلي وصبر ومات أو قتل والإسلام في شدة الضعف الدنيوي، "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" ما بدلوا شيئا من الدين، فما زادوا وما نقصوا، بل ثبتوا وسلموا وآمنوا، فآمنوا بنصوص حاكمية الشريعة ولم يلتفتوا إلى الحلول الديمقراطية استعجالا للتمكين الدنيوي من طرق منحرفة عن الصراط المستقيم، هي أبعد عن التمكين من الصراط المستقيم، وآمنوا بنصوص وجوب طاعة ولاة الأمر ولم يتهكموا بها تقليدا لمن لا خلاق له من مبتدعة عصرنا، وهكذا مع كل النصوص والأوامر التي كانت تشهد ضغطا مجتمعيا عليها، وهذا هو مقتضى العبودية، أن تطيع الله لأنه أمرك، لا لأن ما أمرك به هو الأصلح، فمع أن الله لا يأمر إلا بالأصلح والأحكم وهو أحكم الحاكمين، إلا أننا نطيعه لأنه الإله ونحن العبيد، فالمؤمن يتعامل مع النصوص الواردة في تحريم الربا، والنصوص الواردة في وجوب الزكاة، مع ما اشتملت عليه من الحكم والمصالح الظاهرة، كما يتعامل مع النصوص الواردة في الملائكة والجن، كلها من عند الله، ولا يرضخ لمطارق الجماهير، أو ضغط الجموع المستهزئة بحكم من الأحكام الثابتة، لأنهم عنده بشر، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
أبو عبد العزيز بن محمد.