تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أنواع الشفاعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    1,334

    افتراضي أنواع الشفاعة

    أسمع من يقول بأن الشفاعة ملك لله وحده لا تطلب إلا منه ، وآخرين يقولون إن الله أعطى الشفاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأوليائه الصالحين فيصح أن نطلبها منهم ، فما هو الصواب من ذلك مع ذكر ما تستند إليه من الأدلة الشرعية ؟.

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :فالشفاعة هي التوسط للغير في جلب المنفعة أو دفع المضرة.وهي قسمان :القسم الأول : الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـ .القسم الثاني : الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا .فأما الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان :النوع الأول: الشفاعة الخاصة، وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام :أولها: الشفاعة العظمى ـ وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه ، في قوله تعالى: " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا(79) " سورة الإسراء . وحقيقة هذه الشفاعة هي أن يشفع لجميع الخلق حين يؤخر الله الحساب فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقولون: من يشفع لنا إلى ربنا حتى يفصل بين العباد، يتمنون التحول من هذا المكان ، فيأتي الناس إلى الأنبياء فيقول كل واحد منهم : لست لها، حتى إذا أتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيشفع لهم في فصل القضاء ، فهذه الشفاعة العظمى، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. والأحاديث الدالة على هذه الشفاعة كثيرة في الصحيحين وغيرهما و منها ما رواه البخاري في صحيحه ( 1748 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود".ثانيها : الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم (333 ) .وفي رواية له( 332 )" أنا أول شفيع في الجنة ".ثالثها : شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه" رواه البخاري ( 1408 ) ومسلم(360 )رابعها : شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب :وهذا النوع ذكره بعض العلماء واستدل له بحديث أبي هريرة الطويل في الشفاعة وفيه : "ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ " رواه البخاري ( 4343 ) ومسلم ( 287 ) .النوع الثاني: الشفاعة العامة، وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين وهي أقسام:أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها . والأدلة على هذا القسم كثيرة جدا منها :ما جاء في صحيح مسلم( 269 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: " فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا... فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط" . ثانيها: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها، وهذه قد يستدل لـها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه) أخرجه مسلم ( 1577 ) فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.ثالثها: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة ،ومثال ذلك ما رواه مسلم رحمه الله (1528) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعــا لأبي سلمة فقال: " اللّهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه"".شروط هذه الشفاعة :دلت الأدلة على أن الشفاعة في الآخرة لا تقع إلا بشروط هي :1) رضا الله عن المشفوع له، لقول تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/ 28 . وهذا يستلزم أن يكون المشفوع له من أهل التوحيد لأن الله لا يرضى عن المشركين. وفي صحيح البخاري ( 97 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِه "ِ 2) إذن الله للشافع أن يشفع لقوله تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) البقرة/255 .3) رضا الله عن الشافع، لقوله تعالى: (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26.كما بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن اللعانين لا يكونون شفعاء يوم القيامة كما روى مسلم في صحيحه ( 4703 ) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَة "ِ.القسم الثاني: الشفاعة المتعلقة بالدنيا ، وهي على نوعين:الأول:ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به ؛ فهذه جائزة بشرطين :1) أن تكون في شيء مباح، فلا تصح الشفاعة في شيء يترتب عليه ضياع حقوق الخلق أو ظلمهم ، كما لا تصح الشفاعة في تحصيل أمر محرم. كمن يشفع لأناس قد وجب عليهم الحد أن لا يقام عليهم، قال تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائده/2 .وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها " أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّ ةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " رواه البخاري ( 3261 ) ومسلم ( 3196).وفي صحيح البخاري (5568) ومسلم (4761 ) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ" اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَب "َّ.2) أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده ،وأن يعلم أن هذا الشافع لا يعدو كونه سببا أَذِنَ الله به، وأن النفع والضر بيد الله وحده ، وهذا المعنى واضح جدا في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .فإذا تخلف أحد هذين الشرطين صارت الشفاعة ممنوعة منهيا عنها .الثاني : ما لا يكون في مقدور العبد ، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور ، أو من الحي الغائب معتقدا أن بمقدوره أن يسمع وأن يحقق له طلبه فهذه هي الشفاعة الشركية التي تواردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بنفيها وإبطالها لما فـي ذلك مـن وصفهم بصفات الخالق عز وجل ، لأن من صفاته عز وجل أنه هو الحي الذي لا يموت .وشبهة هؤلاء أنهم يقولون: إن الأولياء وإن السادة يشفعون لأقاربهم، ولمن دعاهم، ولمن والاهم، ولمن أحبهم، ولأجل ذلك يطلبون منهم الشفاعة، وهذا بعينه هو ما حكاه الله عن المشركين الأولين حين قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس/18 ، يعنون معبوداتهم من الملائكة، ومن الصالحين، وغيرهم ، وأنها تشفع لهم عند الله . وكذلك المشركون المعاصرون الآن ؛ يقولون: إن الأولياء يشفعون لنا، وإننا لا نجرؤ أن نطلب من الله بل نطلب منهم وهم يطلبون من الله، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين أعطاهم الله الشفاعة، ونحن ندعوهم ونقول: اشفعوا لنا كما أعطاكم الله الشفاعة. ويضربون مثلاً بملوك الدنيا فيقولون: إن ملوك الدنيا لا يوصل إليهم إلا بالشفاعة إذا أردت حاجة فإنك تتوسل بأوليائهم ومقربيهم من وزير وبواب وخادم وولد ونحوهم يشفعون لك حتى يقضي ذلك الملك حاجتك، فهكذا نحن مع الله تعالى نتوسل ونستشفع بأوليائه و بالسادة المقربين عنده، فوقعوا بهذا في شرك السابقين ، وقاسوا الخالق بالمخلوق.والله تعالى ذكر عن الرجل المؤمن في سورة يس قوله: (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً)(يس:23)، وذكر الله تعالى أن الكفار اعترفوا على أنفسهم بقولهم: (قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر/43-48 .والنبي صلى الله عليه وسلم وإن أعطي الشفاعة يوم القيامة ، إلا أنه لن يتمكن منها إلا بعد إذن الله تعالى ، ورضاه عن المشفوع له.ولهذا لم يدع صلى عليه وسلم أمته لطلب الشفاعة منه في الدنيا ، ولا نقل ذلك عنه أحد من أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا ، لبلَّغه لأمته ، ودعاهم إليه ، ولسارع إلى تطبيقه أصحابه الحريصون على الخير ، فعُلم أن طلب الشفاعة منه الآن منكر عظيم ؛ لما فيه من دعاء غير الله ، والإتيان بسبب يمنع الشفاعة ، فإن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخلص التوحيد لله .وأهل الموقف إنما يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم في فصل القضاء ، لحضوره معهم ، واستطاعته أن يتوجه إلى ربه بالسؤال ، فهو من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر فيما يقدر عليه.ولهذا لم يرد أن أحدا من أهل الموقف سيطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يشفع له في مغفرة ذنبه .وهؤلاء الذين يطلبون منه الشفاعة الآن ، بناء على جواز طلبها في الآخرة ، لو ساغ لهم ما يدّعون ، للزمهم الاقتصار على قولهم : يا رسول الله اشفع لنا في فصل القضاء !! ولكن اقع هؤلاء غير ذلك ، فهم لا يقتصرون على طلب الشفاعة ، وإنما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم -وغيره - تفريج الكربات ، وإنزال الرحمات ، ويفزعون إليه في الملمات ، ويطلبونه في البر والبحر ، والشدة والرخاء ، معرضين عن قول الله ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله ) النمل/62 .ومن خلال ما سبق يتضح لكل منصف أن الشفاعة المثبتة هي الشفاعة المتعلقة بإذن الله ورضاه ،لأن الشفاعة كلها ملك له . و يدخل في ذلك ما أذن الله به من طلب الشفاعة في أمور الدنيا من المخلوق الحي القادر على ذلك ، و ينتبه هنا إلى أن هذا النوع إنما جاز لأن الله أذن به ، وذلك لأنه ليس فيه تعلقٌ قلبيٌ بالمخلوق وإنما غاية الأمر أنه سبب كسائر الأسباب التي أذن الشرع باستخدامها . وأن الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، لأن غير الله لا يملك الشفاعة و لا يستطيعها حتى يأذن الله له بها ، ويرضى . فمن طلبها من غيره فقد تعدى على مقام الله ، وظلم نفسه ، وعرضها للحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، نسأل الله العافية والسلامة ، ونسأله أن يُشفِّع فينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم .. آمين .للاستزادة ينظر كتاب ( الشفاعة عند أهل السنة والجماعة للشيخ / ناصر الجديع .) ، والقول المفيد للشيخ محمد ابن عثيمين ( 1 / 423 ) ، أعلام السنة المنشورة ( 144 ).

    وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: أنواع الشفاعة

    ـ الشفاعة و أنواعها :الشفاعة : لغًة : مأخوذة من الشفع وهو ضد الوتر وهي انضمام الشيء إلى الشيء .اصطلاحًا : المراد بها السؤال لفصل القضاء والتجاوز عن الذنوب وتخفيف العذاب وزيادة الثواب لمستحقه . ـ اعلم أن من رحمة الله تعالى وفضله وجوده على عباده المسلمين أن جعل لهم الشفاعة يوم القيامة، فهي ليست شفاعة واحدة بل هي شفاعات من رب السموات، وهذه الشفاعة من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وعندما يقرأها المؤمن يزداد حبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم .ـ واعلم أن من أهل البدع والضلال من نفى بعض الشفاعات يوم القيامة متعلقين ببعض الشبهات، منها أن أحاديث الشفاعة أخبار آحاد؛ وأخبار الآحاد لا يُأخذ بها في العقائد، وقد تولى الرد عليهم العلماء عليهم رحمة الله تعالى، فقد أحسن الرد عليهم الشافعي في كتابه الرسالة، وكذا البخاري حيث عقد كتابًا في صحيحه سماه ( كتاب أخبار الآحاد )، وابن حزم الأندلسي في كتابه (الأحكام)، وابن القيم في (الصواعق المرسلة)، الألباني قي كتاب ( الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ) .ولو لم يكن إلا قوله تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر :7وعموم قوله تعالى ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور : 63ومن المعلوم لمن كان عنده أدنى إنصاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل رسله يُعَلِّمون الناس العقائد والعبادات وما يحتاجون إليه وكان في كثير من الأحيان يرسل الواحد والاثنان كما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وكما بعث مصعب بن عمير إلى المدينة وغيرهم كثير ..ـ وبعض أهل البدع تعلق بآيات من القرآن فيها نفي الشفاعة مثل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة و الكافرون هم الظالمون ) البقرة : 254وقوله تعالى ( وذكر به أن تبسل نفس ما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبلسوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) الأنعام : 70وغيرها من الآيات التي تنفي الشفاعة والشفيع .فنقول لهم وماذا نقول في الآيات التي تثبت الشفاعة والشفيع مثل قوله تعالى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) البقرة : 254وقوله تعالى ( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) يونس : 3والجواب أن الآيات التي تنفي الشفاعة والشفيع، تنفي شفاعة معينة وهي التي تطلب من غير الله، وأما الشفاعة والشفيع المثبت في الآيات فهي بشروط :1 ـ قدرة الشافع على الشفاعة كما قال تعالى في حف الشافع الذي يُطلب منه وهو غير قادر على الشفاعة ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ) يونس : 18وقال تعالى ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) الزخرف : 86فعلم من هذا أن طلب الشفاعة من الأموات طلب ممن لا يملكها فانتبه .2 ـ إسلام المشفوع له : قال تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) غافر : 18والمراد بالظالمين هنا الكافرون، قال البيهقي في شعب الإيمان (1/205) فالظالمون ها هنا الكافرون ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين .3 ـ الإذن للشافع كما قال تعالى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا من بعد إذنه ) البقرة : 2544 ـ الرضا عن المشفوع له كما قال تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) الأنبياء : 28وقوله تعالى ( وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعته شيئًا إلا من بعد إن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) النجم : 26ـ واعلم أن أهل السنة والجماعة وسط بين فريقين ضلوا في باب الشفاعة : الفريق الأول : انكروا الشفاعة بالكلية مثل الخوارج والمعتزلة فهم ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر وقد شابهوا اليهود والنصارى .الفريق الثاني : غالوا في إثبات الشفاعة حتى طلبوا الشفاعة من الأموات والأولياء والصالحين حتى أثبتوها للجمادات .أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا الشفاعة واعتمدوا على ما جاء به الكتاب والسنة كما هو حالهم دائمًا وأبدًا ولله الحمد والمنة .ـ أنواع الشفاعة :أولًا : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم :للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من شفاعة، منها خاصة به صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد، وهي :1 ـ الشفاعة العظمى :المقصود بها الشفاعة لبدأ الحساب ففي حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود ) .( )، كما في حديث الباب الذي معنا .2 ـ الشفاعة في أهل الجنة لدخول الجنة : فعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا أول الناس شفع في الجنة و أنا أكثر الأنبياء تبعًا) .( ) وعنه أيضًا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ) .( )3 ـ شفاعته لعمه أبي طالب :ففي الصحيحين من حديث العباس أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه هل نفعت أبا طالب شيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال نعم هو في ضِحْضَاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) .( ) وهناك شفاعة عامة للنبي صلى الله عليه وسلم ويشترك معه سائر المؤمنين، وهي :1 ـ الشفاعة في أهل المعاصي والذنوب ليخرجوا من النار :ففي حديث أنس بن مالك الطويل في الشفاعة وفيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله فيقال يا محمد ارفع رأسك قل تسمع سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يُعلمنيه ربي، ثم أشفع فيحد لي حدًا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال ارفع رأسك يا محمد قل تسمع سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدًا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ( قال فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال ) فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود ( قال ابن عبيد في روايته قال قتادة أي وجب عليه الخلود ) .( )2 ـ الشفاعة في أهل الكبائر :وهم من يموتون مصريًا على بعض الكبائر وعقيدتنا أنهم تحت المشيئة، إن شاء الله عذابهم وإن شاء غفر لهم، يعني قد يدخلون النار ثم يخرجون بالشفاعة، وقد بشفع لهم قبل دخول النار ابتداًء، ففي الصحيح من حديث أنس أن النبي قال ( لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي لأمتي يوم القيامة ) .( ) وعن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم-قال : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ).( )3 ـ الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة :لقوله تعالى ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهينة ) الطور : 21وفي حديث أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال (إن الروح إذا قبض تبعه البصر )فضج ناس من أهله فقال (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما يقولون) ثم قال (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه ) .( )4 ـ الشفاعة لأهل الأعراف :وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فيقفون بين الجنة والنار يرون أهل الجنة فيقولون ( سلم عليكم لم يدخلونها وهم يطمعون ) ويرون أهل النار فيقولون ( قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) فيأذن الله بالشفاعة فيهم فيشفع فيهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ومما يدل على الشفاعة فيهم عموم الشفاعة في قوله صلى الله عليه وسلم (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) .ـ اعلم أن الشفاعة ليست كلها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي سعيد الخدري في حديث الرؤية الطويل، وفيه (فيقول الله عز و جل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حُمَمًا فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل.....) .( )( )

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •