"والإجماعُ منعقدٌ على أن الناسي لا إثم عليه.
من كذب في حديثٍ واحدٍ عمداً ؛ فسق وردت رواياته كلها ، وإن تاب . وبه قال أحمد بن حنبل وغيره.
وقال النووي : المختار القطع بصحة توبته [أي : الكذاب] من ذلك ، وقبول روايته بعد صحة التوبة بشروطها ، وقد أجمعوا على قبول رواية من كان كافراً ثم أسلم ، وأجمعوا على قبول شهاتده ، ولا فرق بين الرواية والشهادة. ولا فرق في تحريم الكذب عليه _صلى الله عليه وسلم_ بين ما كان في الاحكام وغيره ، ولا عبرة باالكرامية في تجويزهم الوضع في الترغيب والترهيب ، وتشبثهم برواية :"من كذب على متعمداً ليُضل به".
قال ابن المقلن : وهو من الأعاجيب ؛ فهذه زيادةٌ باطلةٌ باتفاق الحفاظ ، أو أنها للتكثير لقوله تعالى : "فمن أظلم ممن افتى على الله كذباً ليُضل الناس" . أو أن الام في "ليُضل" ، ليست للتعليل بل للصيروة والعاقبة ، والمعنى على هذا : يصير كذبه إلى الإضلال ، والكذب له ، لما بما لم يخبر به كذب عليه .
ومن روى حديثاً علم أو ظن أنه موضوع ؛ فهو داخلٌ في هذا الوعيد ، إذا لم يبين حال رواته وضعفهم ، ويدل عليه أيضاً قوله _صلى الله عليه وسلم_ : "من حدث عني بحديث يرى انه كذب ؛ فهو أحد الكاذبين ، ومن روى حديثاً ضعيفاً ، لا يذكره بصيغة الجزم بخلاف الصحيح والحسن.
قال : والصوابُ : عمومه في كل خبر تعمد به الكذب عليه في الدين والدنيا ، ولا يخص بالدين.
كذا فيما يظن دخولهه في النهي : اللحن وشبهة . ولهذا قال العلماء : ينبغي للراوي أن يعرف من النحو واللغة والاسماء ما يسلم به من قول ما لم يقل.
لو صح في الرواية ما هو خطأ ؛ فالجمهور على روايته على الصواب ، ولا يغيره في الكتاب ، بل يكتب في الحاشية : كذا وقع ، وصوابه كذا ، وهو الصواب . وقيل : يغيره ويصلحه ، روى ذلك عن الأزواعي وابن المبارك وغيرهما ، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كان أبي إذا مر به لحنٌ فاحشٌ غيره ،وإن كان سهلاً تركه"(3/ 547 إلى 552).