تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: توضيح لباب مهم من كتاب التوحيد وهو موضوع التبرك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي توضيح لباب مهم من كتاب التوحيد وهو موضوع التبرك

    باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما..
    من كتاب كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالىللشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ


    (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما) يعني ما حكمه؟
    الجواب هو مشرك؛ يعني: باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
    وقوله (من تبرَّك), التبرك: تفعُّلٌ من البركة، وهو طلب البركة، والبركة مأخوذة من حيث الاشتقاق من مادة بُرُوك أو من كلمة بِرْكة.
    أما البروك فبروك البعير يدلّ على ملازمته وثبوته في ذلك المكان.
    والبِرْكة وهي مجمتع الماء يدل على كثرة الماء في هذا الموضع وعلى لزومه له وعلى ثباته في هذا الموضع.
    فيكون إذا معنى البركة كثرة الشيء الذي فيه الخير وثباته ولزومه.
    فالتبرك: هو طلب الخير الكثير وطلب ثباته وطلب لزومه, تبرَّك يعني طلب البركة، والنصوص في القرآن والسنة دلّت على أنَّ البركة من الله جل وعلا، وأن الخلق لا أحد يبارك أحدا وإنما هو جل وعلا يبارك قال سبحانه «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ»[الفرقان:1]؛ يعني عَظُم خير من نزل الفرقان على عبده وكثر ودام وثبت، «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»[الملك:1]، وقال سبحانه»وَبَارَك ْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ»[الصافات:113]، وقال «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا»[مريم:131]، فالذي يُبارك هو الله جل وعلا، فلا يجوز للمخلوق أن يقول باركتُ على الشيء أو أبارك فعلكم؛ لأن لفظ البركة ومعنى البركة، إنما من الله؛ لأن الخير كثرته وثباته ولزومه إنما هو من الذي بيده الأمر.
    والنصوص في الكتاب والسنة دلت على أن البركة التي أعطاها الله جل وعلا بالأشياء:
    * إمّا تكون الأشياء هذه أمكنة أو أزمنة.
    * وإمّا أن تكون تلك الأشياء من بني آدم؛ يعني مخلوقات آدمية.
    أمَّا الأمكنة والأزمنة: فظاهر أن الله جل وعلا حين بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام، وكما حول بيت المقدس «الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ»[الإسراء:1]، بالأرض المباركة ونحو ذلك, أنّ معنى أنها المباركة أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها، ليكون ذلك أشجع في أن يلازمها أهلُها الذين دُعوا إليها.
    وهذا لا يعني أن يُتمسح بأرضها، أو أن يُتمسح بحيطانها، فهذه بركة لازمة لا تنتقل بالذات؛ فبركة الأماكن أو بركة الأرض ونحو ذلك هي بركة لا تنتقل بالذات؛ يعني إذا لمست الأرض أو دفنت فيها أو تبركت بها فإن البركة لا تنتقل بالذات، وإنما الأرض المباركة من جهة المعنى.
    كذلك بيت الله الحرام هو مبارَك لا من جهة ذاته؛ يعني أن يُتمسح به فتنتقل البركة، وإنما هو مبارك من جهة ذاته من جهة المعنى؛ يعني اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في هذه البِنية من جهة تعلق القلوب بها وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها وأتاها وطاف بها وتعبَّد عندها.
    حتى الحجر الأسود هو حجر مبارَك، ولكن بركته لأجل العبادة؛ يعني أنه من استلمه تعبُّدا مطيعا للنبي ( في استلامه له وفي تقبيله فإنه يناله به بركة الإتباع، وقد قال عمر ( لمّا قبّل الحجر: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر -قوله (لا تنفع ولا تضر) يعني لا ينقل لأحد شيء من النفع ولا يدفع عن أحد شيء من الضر- ولو لا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك. هذا من جهة الأمكنة.
    وأمّا الأزمنة: فمعنى كون الزمـان مباركا مثل شهر رمضان أو بعض أيام الله الفاضلة؛ يعني أن من تعبد فيها ورَامَ الخير فيها، فإنه يناله من كثرة الثواب ما لا يناله في ذلك الزمان.
    والقسم الثاني البركة المنوطة ببني آدم: والبركة التي جعلها الله جل وعلا في الناس إنما هي بركة فيمن آمن؛ لأن البركة من الله جل وعلا، وجعل بركته للمؤمنين به، وسادة المؤمنين هم الأنبياء والرسل، والأنبياء والرسل بركتهم بركة ذاتية؛ يعني أن أجسامهم مباركة، فالله جل وعلا جعل جسد آدم مباركا، وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا، وجعل جسد نوح مباركا، وهكذا جسد عيسى وموسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، جعل أجسادهم مباركة؛ بمعنى أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم إما بالتمسح بها أو بأخذ عَرَقها أو بأخذ بعض الشعر فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة.
    وهكذا النبي ( محمد بن عبد الله جسده أيضا جسد مبارك، ولهذا جاءت الأدلة في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه, يتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وَضوئه، وهكذا في أشياء شتى.
    ذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية يمكن معها نقل أثر هذه البركة أو نقل البركة والفضل والخير من أجسادهم إلى غيرهم.
    وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أنّ ثَم من أصحاب الأنبياء من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر فقد جاء بالتواتر القطعي أنَّ الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بجنس تبركهم بالنبي ( بالتبرك بالشعر أو بالوضوء أو بالنُّخامة أو بالعَرَق أو بالملابس ونحو ذلك.
    فعلمنا من ذلك التواتر القطعي أنّ بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي( .
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( قال«إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم»، فدلّ على أن في كل مسلم بركة، وأيضا فيه يعني في البخاري قال أحد الصحابة: ما هذه بأَوّلِ برَكَتِكمْ يا آلَ أبي بكرٍ. هذه البركة التي أُضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان وإلى العلم والدعوة والعمل.
    فنقول: كل مسلم فيه بركة، هذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، بركة ما معه من الإسلام والإيمان وما في قلبه من والإيقان والتعظيم لله جل وعلا والإجلال له، والإتباع لرسوله (.
    هذه البركة بركة العلم أو بركة العمل أو بركة الصلاح لا تنتقل، وبالتالي يكون التبرك بأهل الصلاح هو الإقتداء بهم في صلاحهم؛ التبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة من علومهم، وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى يتمسح بهم أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أهل الخلق من هذه الأمة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وهذا أمـر مقطوع به.
    تبرّك المشركين أنهم كانوا يرجون كثرة الخير ودوام الخير ولزوم الخير وثبات الخير بالتوجه إلى الآلـهة.
    وهذه الآلـهة:
    * يكون منها الصنم الذي من الحجارة.
    * ويكون منها القبر من التراب.
    * ويكون منها الوثن.
    * ويكون منها الشجر.
    * ويكون منها البقاع المختلفة؛ غار أو عين ماء أو نحو ذلك.
    هذه تبركات مختلفة جميعها تبركات شركية، ولهذا جاء الشيخ رحمه الله قال (بابُ من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما)، (بابُ من تبرك بشجر أو حجر) الشجر جمع شجرة والشجر معروف والحجر معروف، ذلك أن المشركين كانوا يتبركون بالأشجار والأحجار، حتى في أول الدعوة في هذه البلاد كانت الأشجار كثيرة التي يتبرك بها الأحجار كثيرة.
    قال (ونحوهما) يعني نحو الشجر والحجر مثل البقاع المختلفة أو غار معين أو قبر معين أو عين ما أو نحو ذلك من الأشياء التي يَعتقد فيها أصل الجهالة.
    ما حكمه؟ الجواب: أنه مشرك كما صرّح به الشيخ عبد الرحمن بن حسن في شرحه فتح المجيد.
    باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
    الشراح في هذا الموضع لم يُفصحوا هل المتبرك بالشجر والحجر شرك أكبر؟ أو شرك أصغر؟
    وإنما أدار المعنى الشيخ سليمان رحمه الله في التيسير بعد أن ساق تفسير آية النجم «أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى»[النجم:19]، قال في آخره: مناسبة الآية للترجمة أنه إن كان إن كان التبرك شركا أكبر فظاهر، وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بالآيات التي نزلت في الأكبر على الأصغر.
    وتحقيق هذا المقام: أن التبرك بالشجر أو الحجر أو بالقبر أو ببقاع مختلفة قد يكون شركا أكبر وقد يكون شركا أصغر:
    ( يكون شركا أكبر: إذا طلب بركتها معتقدا أن هذا الشجر أو الحجر أو القبر إذا تمسح به أو تمرَّغ عليه أو التصق به يتوسط له عند الله، فإذا اعتقد فيه أنه وسيلة إلى الله، فهذا اتخاذ إلـه مع الله جل وعلا وشرك أكبر، وهذا هو الذي كان يزعمه أهل الجاهلية للأحجار والأشجار التي يعبدونها، وبالقبور التي يتبركون بها، يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها وتمسحوا بها وبالقبور أو تثروا التراب عليها فإن هذه البقعة أو صاحب هذه البقعة أو الرَّوحانية؛ الروح التي تخدم هذه البقعة أنه يتوسط له عند الله جل وعلا، فهذا راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله جل وعلا، قد قال سبحانه «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»[الزمر:3].
    ( ويكون التبرك شركا أصغر: إذا كان هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم بذلك، أو التبرك بعين ونحوها، إذا كان من جهة أنه جعله سببا لحصول البركة، بدون اعتقاد أنه يوصل إلى الله؛ يعني جعله سببا مثل ما يجعل لابس التميمة أو لابس الحلقة أو لابس الخيط، جعل تلك الأشياء سببا، فإذا أخذ تراب القبر ونثره عليه لاعتقاده أن هذا التراب مبارك وإذا لامس جسمه فإن جسمه يتبارك من جهة السببية فهذا شرك أصغر؛ لأنه ما صرف عبادة لغير الله جل وعلا، وإنما اعتقد ما ليس سببا مأذونا به شرعا سببا.
    وأما إذا تمسح بها -كما هي الحال الأولى- تمسح بها وتمرغ بها والتصق بها لتوصله إلى الله جل وعلا، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، ولهذا قال الشيخ سليمان -كما ذكرت لك-:
    * إن كان الشرك شركا أكبر فظاهر بالاستدلال بالآية.
    * وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على ما يريدون من الاستدلال في مسائل الشرك الأصغر.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: توضيح لباب مهم من كتاب التوحيد وهو موضوع التبرك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما..
    من كتاب كفاية المستزيد بشرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالىللشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ


    (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما) يعني ما حكمه؟
    الجواب هو مشرك؛ يعني: باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
    وقوله (من تبرَّك), التبرك: تفعُّلٌ من البركة، وهو طلب البركة، والبركة مأخوذة من حيث الاشتقاق من مادة بُرُوك أو من كلمة بِرْكة.
    أما البروك فبروك البعير يدلّ على ملازمته وثبوته في ذلك المكان.
    والبِرْكة وهي مجمتع الماء يدل على كثرة الماء في هذا الموضع وعلى لزومه له وعلى ثباته في هذا الموضع.
    فيكون إذا معنى البركة كثرة الشيء الذي فيه الخير وثباته ولزومه.
    فالتبرك: هو طلب الخير الكثير وطلب ثباته وطلب لزومه, تبرَّك يعني طلب البركة، والنصوص في القرآن والسنة دلّت على أنَّ البركة من الله جل وعلا، وأن الخلق لا أحد يبارك أحدا وإنما هو جل وعلا يبارك قال سبحانه «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ»[الفرقان:1]؛ يعني عَظُم خير من نزل الفرقان على عبده وكثر ودام وثبت، «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»[الملك:1]، وقال سبحانه»وَبَارَك ْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ»[الصافات:113]، وقال «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا»[مريم:131]، فالذي يُبارك هو الله جل وعلا، فلا يجوز للمخلوق أن يقول باركتُ على الشيء أو أبارك فعلكم؛ لأن لفظ البركة ومعنى البركة، إنما من الله؛ لأن الخير كثرته وثباته ولزومه إنما هو من الذي بيده الأمر.
    والنصوص في الكتاب والسنة دلت على أن البركة التي أعطاها الله جل وعلا بالأشياء:
    * إمّا تكون الأشياء هذه أمكنة أو أزمنة.
    * وإمّا أن تكون تلك الأشياء من بني آدم؛ يعني مخلوقات آدمية.
    أمَّا الأمكنة والأزمنة: فظاهر أن الله جل وعلا حين بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام، وكما حول بيت المقدس «الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ»[الإسراء:1]، بالأرض المباركة ونحو ذلك, أنّ معنى أنها المباركة أن يكون فيها الخير الكثير اللازم الدائم لها، ليكون ذلك أشجع في أن يلازمها أهلُها الذين دُعوا إليها.
    وهذا لا يعني أن يُتمسح بأرضها، أو أن يُتمسح بحيطانها، فهذه بركة لازمة لا تنتقل بالذات؛ فبركة الأماكن أو بركة الأرض ونحو ذلك هي بركة لا تنتقل بالذات؛ يعني إذا لمست الأرض أو دفنت فيها أو تبركت بها فإن البركة لا تنتقل بالذات، وإنما الأرض المباركة من جهة المعنى.
    كذلك بيت الله الحرام هو مبارَك لا من جهة ذاته؛ يعني أن يُتمسح به فتنتقل البركة، وإنما هو مبارك من جهة ذاته من جهة المعنى؛ يعني اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في هذه البِنية من جهة تعلق القلوب بها وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها وأتاها وطاف بها وتعبَّد عندها.
    حتى الحجر الأسود هو حجر مبارَك، ولكن بركته لأجل العبادة؛ يعني أنه من استلمه تعبُّدا مطيعا للنبي ( في استلامه له وفي تقبيله فإنه يناله به بركة الإتباع، وقد قال عمر ( لمّا قبّل الحجر: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر -قوله (لا تنفع ولا تضر) يعني لا ينقل لأحد شيء من النفع ولا يدفع عن أحد شيء من الضر- ولو لا أني رأيت رسول الله ( يقبلك ما قبلتك. هذا من جهة الأمكنة.
    وأمّا الأزمنة: فمعنى كون الزمـان مباركا مثل شهر رمضان أو بعض أيام الله الفاضلة؛ يعني أن من تعبد فيها ورَامَ الخير فيها، فإنه يناله من كثرة الثواب ما لا يناله في ذلك الزمان.
    والقسم الثاني البركة المنوطة ببني آدم: والبركة التي جعلها الله جل وعلا في الناس إنما هي بركة فيمن آمن؛ لأن البركة من الله جل وعلا، وجعل بركته للمؤمنين به، وسادة المؤمنين هم الأنبياء والرسل، والأنبياء والرسل بركتهم بركة ذاتية؛ يعني أن أجسامهم مباركة، فالله جل وعلا جعل جسد آدم مباركا، وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا، وجعل جسد نوح مباركا، وهكذا جسد عيسى وموسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، جعل أجسادهم مباركة؛ بمعنى أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم إما بالتمسح بها أو بأخذ عَرَقها أو بأخذ بعض الشعر فهذا جائز؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة.
    وهكذا النبي ( محمد بن عبد الله جسده أيضا جسد مبارك، ولهذا جاءت الأدلة في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه, يتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وَضوئه، وهكذا في أشياء شتى.
    ذلك لأن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية يمكن معها نقل أثر هذه البركة أو نقل البركة والفضل والخير من أجسادهم إلى غيرهم.
    وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أنّ ثَم من أصحاب الأنبياء من بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر فقد جاء بالتواتر القطعي أنَّ الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بجنس تبركهم بالنبي ( بالتبرك بالشعر أو بالوضوء أو بالنُّخامة أو بالعَرَق أو بالملابس ونحو ذلك.
    فعلمنا من ذلك التواتر القطعي أنّ بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي( .
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي ( قال«إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم»، فدلّ على أن في كل مسلم بركة، وأيضا فيه يعني في البخاري قال أحد الصحابة: ما هذه بأَوّلِ برَكَتِكمْ يا آلَ أبي بكرٍ. هذه البركة التي أُضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان وإلى العلم والدعوة والعمل.
    فنقول: كل مسلم فيه بركة، هذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، بركة ما معه من الإسلام والإيمان وما في قلبه من والإيقان والتعظيم لله جل وعلا والإجلال له، والإتباع لرسوله (.
    هذه البركة بركة العلم أو بركة العمل أو بركة الصلاح لا تنتقل، وبالتالي يكون التبرك بأهل الصلاح هو الإقتداء بهم في صلاحهم؛ التبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة من علومهم، وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى يتمسح بهم أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أهل الخلق من هذه الأمة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وهذا أمـر مقطوع به.
    تبرّك المشركين أنهم كانوا يرجون كثرة الخير ودوام الخير ولزوم الخير وثبات الخير بالتوجه إلى الآلـهة.
    وهذه الآلـهة:
    * يكون منها الصنم الذي من الحجارة.
    * ويكون منها القبر من التراب.
    * ويكون منها الوثن.
    * ويكون منها الشجر.
    * ويكون منها البقاع المختلفة؛ غار أو عين ماء أو نحو ذلك.
    هذه تبركات مختلفة جميعها تبركات شركية، ولهذا جاء الشيخ رحمه الله قال (بابُ من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما)، (بابُ من تبرك بشجر أو حجر) الشجر جمع شجرة والشجر معروف والحجر معروف، ذلك أن المشركين كانوا يتبركون بالأشجار والأحجار، حتى في أول الدعوة في هذه البلاد كانت الأشجار كثيرة التي يتبرك بها الأحجار كثيرة.
    قال (ونحوهما) يعني نحو الشجر والحجر مثل البقاع المختلفة أو غار معين أو قبر معين أو عين ما أو نحو ذلك من الأشياء التي يَعتقد فيها أصل الجهالة.
    ما حكمه؟ الجواب: أنه مشرك كما صرّح به الشيخ عبد الرحمن بن حسن في شرحه فتح المجيد.
    باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فهو مشرك.
    الشراح في هذا الموضع لم يُفصحوا هل المتبرك بالشجر والحجر شرك أكبر؟ أو شرك أصغر؟
    وإنما أدار المعنى الشيخ سليمان رحمه الله في التيسير بعد أن ساق تفسير آية النجم «أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى»[النجم:19]، قال في آخره: مناسبة الآية للترجمة أنه إن كان إن كان التبرك شركا أكبر فظاهر، وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بالآيات التي نزلت في الأكبر على الأصغر.
    وتحقيق هذا المقام: أن التبرك بالشجر أو الحجر أو بالقبر أو ببقاع مختلفة قد يكون شركا أكبر وقد يكون شركا أصغر:
    ( يكون شركا أكبر: إذا طلب بركتها معتقدا أن هذا الشجر أو الحجر أو القبر إذا تمسح به أو تمرَّغ عليه أو التصق به يتوسط له عند الله، فإذا اعتقد فيه أنه وسيلة إلى الله، فهذا اتخاذ إلـه مع الله جل وعلا وشرك أكبر، وهذا هو الذي كان يزعمه أهل الجاهلية للأحجار والأشجار التي يعبدونها، وبالقبور التي يتبركون بها، يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها وتمسحوا بها وبالقبور أو تثروا التراب عليها فإن هذه البقعة أو صاحب هذه البقعة أو الرَّوحانية؛ الروح التي تخدم هذه البقعة أنه يتوسط له عند الله جل وعلا، فهذا راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله جل وعلا، قد قال سبحانه «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»[الزمر:3].
    ( ويكون التبرك شركا أصغر: إذا كان هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم بذلك، أو التبرك بعين ونحوها، إذا كان من جهة أنه جعله سببا لحصول البركة، بدون اعتقاد أنه يوصل إلى الله؛ يعني جعله سببا مثل ما يجعل لابس التميمة أو لابس الحلقة أو لابس الخيط، جعل تلك الأشياء سببا، فإذا أخذ تراب القبر ونثره عليه لاعتقاده أن هذا التراب مبارك وإذا لامس جسمه فإن جسمه يتبارك من جهة السببية فهذا شرك أصغر؛ لأنه ما صرف عبادة لغير الله جل وعلا، وإنما اعتقد ما ليس سببا مأذونا به شرعا سببا.
    وأما إذا تمسح بها -كما هي الحال الأولى- تمسح بها وتمرغ بها والتصق بها لتوصله إلى الله جل وعلا، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، ولهذا قال الشيخ سليمان -كما ذكرت لك-:
    * إن كان الشرك شركا أكبر فظاهر بالاستدلال بالآية.
    * وإن كان شركا أصغر فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على ما يريدون من الاستدلال في مسائل الشرك الأصغر.
    اسئلة مهمة فى مسالة التبرك
    س/ فضيلة الشيخ:ما حكم التبرك بالصالحين وبماء زمزم والتعلق بأستار الكعبة؟ التبرك بالصالحين قسمان: · تبرك بذواتهم، بعرقهم، بسورهم؛ يعني بقية الشراب، بلعابهم الذي اختلط بالنوى مثلا أو ببعض الطعام، أو التبرك بشعرهم، أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز وهو من البدع المحدثة، وقد ذكرت لكم أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يعملون مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -وهم سادة أولياء هذه الأمة- شيئا من ذلك، وإنما فعله الخُلوف الذين يفعلون مالا يؤمرون ويتركون ما أُمِروا به. · والقسم الثاني بركة عمل: وهي الإقتداء بالصالحين في صلاحهم، والاستفادة من أهل العلم، التأثر بأهل الصلاح، وهذا أمر مطلوب، والتبرك بالصالحين بهذا المعنى مطلوب شرعا. أما التبرك بالذات كما كان يفعل مع النبي r فهذا ليس لأحد إلا للنبي عليه الصلاة والسلام. أما التبرك بماء زمزم فإن شُرب ماء زمزم بما جاء به الدليل ولما جاء به الدليل لا بأس به، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في ماء زمزم «إنها طعام طعم وشفاء سقم» فمن شربها طعاما أو شفاء سقم شرب بما دل عليه الدليل, كذلك شربها لغرض من الأغراض التي يريد أن يحققها لنفسه فهذا أيضا جائز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «ماء زمزم لما شرب له». فإذن: أن يجعل ماء زمزم سببا لأشياء يريدها، فهذا راجع إلى أنه أُذن به شرعا، ولو شرب ماء آخر مثلا، ماء صحة وأراد بشرب هذا الماء أن يحفظ القرآن, فيكون هذا اعتقادا خاطئا؛ لأن ما جاء فيه الدليل هو الذي يجعل ذلك السبب مؤثرا أو جائزا أن يُعتقد أنه مؤثر. أما التعلق بأستار الكعبة رجاء البركة هذا من وسائل الشرك ومن الشرك الأصغر كما ذكرت لكم بالأمس إذا اعتقد أن ذلك التبرك سبب. أما إذا اعتقد أن الكعبة ترفع أمره إلى الله أو أنه إذا فعل ذلك عَظُم قدره عند الله وأن الكعبة يكون بها شفاعة عند الله أو نحو تلك الاعتقادات التي فيها اتخاذ الوسائل إلى الله جل وعلا فهذا يكون التبرك على ذاك النحو شرك أكبر. ولهذا يقول كثير من أهل العلم: إن أنواع هذا التبرك بحيطان المسجد المحرم أو بالكعبة ونحو ذلك، أو بمقام إبراهيم التمسح بذلك رجاء البركة من وسائل الشرك؛ بل هو من الشرك، من وسائل الشرك الأكبر، بل هو من الشرك يعني الشرك الأصغر كما قرر ذلك الإمـام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.]([1]) [س/وهذا يقول ما رأيكم في امرأة طلبت من قريب لها ذاهب إلى مكة أن يشتري لها كفننا من هناك وأن يغسل الكفن بماء زمزم، يقول وهذا الأمر منتشر وجزاكم الله خيرا؟ ج/ هذا تبرك بما يباع في مكة واعتقاد فيه، وهذا باطل، ولا يجوز؛ لأنّ ما يباع في مكة ليس له خصوصية في البركة وليس له خصوصية في النفع؛ بل هو وما يباع في غيره سواء، هو وما يباع في غير الحرم سواء. وأما غسله بماء زمزم لرجاء أن يكون ذلك الكفن فيه بركة ماء زمزم فكذلك هذا غلط؛ لأن بركة ماء زمزم مقيدة بما ورد فيه الدليل، ليست بركة عامة إنما هي بركة خاصة بما جاء فيه الدليل، ولهذا الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يستعملون ماء زمزم إلا فيما جاءت به الأدلة من مثل «ماء زمزم لما شرب له» ومن مثل قوله عليه الصلاة والسلام في زمزم «إنما طعام طعم وشفاء سقم»، أما التبرك بها في غير ذلك فهذا ليس له أصل شرعي. س/وهذا يقول ما حكم الاغتسال بماء زمزم والماء المقروء فيه بالقرآن في بيوت الخلاء؟ ج/ لا بأس في ذلك؛ لأنه ليس فيه قرآنا مكتوبا وليس فيه المصحف مكتوبا، وإنما فيه الريح النفس الهواء الذي خالطه المصحف أو خالطته القراءة، ومن المعلوم أن أهل مكة في أزمنتهم الأولى كانوا يستعملون ماء زمزم ولم يكن عندهم غير ماء زمزم. فالصواب أن لا كراهة في ذلك وأنه جائز والماء ليس فيه قرآن إنما فيه نفس بالقرآن وفرق بين المقامين.] ([2])

    ([1]) مأخوذ من الوجه الأول من الشريط الخامس.
    ([2])مأخوذ من الوجه الثاني للشريط السابع من باب الشفاعة.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •