تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: قول (قانون السببية مخلوق)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    Exclamation قول (قانون السببية مخلوق)

    أريد إفادة الإخوة الكرام
    هل هناك محذور شرعي في هذا القول؟ (قانون السببية مخلوق)

    يأتي هذا في نقاش الملاحدة ... والرد على طرحهم سؤال : من خلق الله!!

    فالإجابة تكون : أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل القوانين والبديهيات ومنها بديهة أن لكل صنعة صانع (قانون السببية)
    فالله سبحانه هو خالق هذه البديهة وواضعها في الكون لنعرفه.
    فلا يجوز القول بخضوعه سبحانه جل شأنه لقانون هو واضعه في الكون بل تخضع له مخلوقاته.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    الحمد لله وحده.
    أما بعد، فينبغي التفريق - أخي الكريم - بين المعاني اللغوية المجردة (ويدخل تحتها قواعد المنطق ومنها السببية) وبين ما تنطبق عليه تلك المعاني من الأشياء في الخارج (في الواقع). فأما المعاني اللغوية المجردة فليست شيئا واقعيا خارج الذهن حتى توصف بأنها مخلوقة، وأما مادة تلك المعاني وموضوعها فهي جميع الموجودات في الواقع وما يتعلق بها من صفات وعلاقات وأحوال، بما في ذلك الباري جل في علاه. وهذه المسألة مما يتعذر على بعض طلبة العلم تصوره، إذ المسلم يقطع بأن كل ما سوى الله تعالى فهو مخلوق ولا شك، فكيف يقال إن المعاني الذهنية المجردة ليست مخلوقة؟ وكثيرا ما يثار التساؤل على هذا النحو الذي تفضلت به: "الله هو خالق كل شيء، فكيف يقال بخضوعه لقانون المنطق؟" وهذه شبهة عقلية تحتاج إلى دقة نظر حتى يتبين وجه الخلل فيها. فهذا التساؤل الأخير يمكن نظمه في المقدمات التالية
    :
    - إذا كان المنطق قانونا،
    - وتقرر أنه لا يجوز أن يكون الباري خاضعا لأي قانون مخلوق،
    - النتيجة: إذن فليس هو خاضعا لقانون المنطق وإنما هو خالقه المتقدم عليه.
    ولبيان فساد هذه الشبهة، فإننا نطالب صاحبها ببيان مراده من لفظة "قانون" ولفظة "خاضع" في المقدمتين السالفتين، إذ القانون لفظ مجمل قد يطلق ويراد به النظام السببي الحادث (كقانون الجاذبية مثلا، وقانون حركة الأجرام في بحر السماء وغيرها)، وقد يطلق ويراد به التشريع الأخلاقي (الثواب والعقاب المترتب على أفعال مخصوصة) وقد يطلق ويراد به الأسس الذهنية البدهية للمنطق واللغة. فإذا كان المراد الوجه الأول أو الثاني، فنعم كل قانون من هذا الصنف فهو حادث بعد أن لم يكن ولا شك، والله تعالى لا يخضع له لأنه هو الذي أحدثه وأخضع له الحوادث على نحو ما أراد جل وعلا.
    ولكن إن تكلمنا في المقابل عن قانون من قوانين المنطق كقانون السببية، الذي ينص على أن لكل مسبّب سببا متقدما عليه لا محالة، فهذا ليس قانونا حادثا بعد أن لم يكن، إذ ليس هو وصفا لعلاقة حادثة في الخارج، وإنما هو تقرير لعلاقات ذهنية ضرورية بين معاني لغوية مجردة لا يصح في العقل أن تتخلف. فلا يقال لصحة انطباق تلك المعاني على الأشياء الموجودة وتعلقها بصفات تلك الأشياء في الواقع إنه "خضوع" لقانون حادث، كما في المعنيين الأول والثاني للفظة "قانون". ولهذا لم يترتب على قولنا بصحة تلك القوانين واطرادها من الأزل = تعدد القدماء، إذ هي ليست إلا معاني مجردة في الأذهان يدرك العقل انطباقها الضروري على جميع الموجودات! والجهمية وأضرابهم من غلاة المتكلمين ما وقعوا في بدعة القول "بلزوم تعدد القدماء" من إثبات الصفات – بالمناسبة - إلا من خلطهم بين الصفات (التي هي معاني ذهنية مجردة) والذوات الواقعية الموجودة خارج الذهن، التي تنسب إليها تلك الصفات، فحكموا على الجميع بحكم واحد!
    فمن نفس هذه البابة نقول إن القول بصحة واطراد قوانين المنطق واللغة من الأزل (التي هي معاني وتراكيب مجردة في الأذهان تنطبق بالضرورة على سائر الموجودات الواجبة منها والممكنة) ليس إشراكا للباري في صفة الأزلية وليس تعددا للقدماء! بل لا يجوز أن تربط قوانين المنطق بامتداد زمني معين أصلا، فلا يقال إنها حادثة ولا يقال إنها أزلية، لأنها ليست أشياء واقعية تحتمل أحد الوصفين! وإنما هي معاني مجردة في الأذهان، فما دامت في الوجود ذات أزلية، لزم أن تكون تلك المعاني الذهنية البدهية صحيحة في حق تلك الذات من الأزل، لا أن تكون قد بدأت صحتها بعد أن لم تكن تصح!
    ولبيان فساد القول بأن الله خلق "قانون السببية" – مثلا - بعد أن لم يكن، تأمل معي في لازم هذا القول ومقتضاه. فنحن عندما نقول إن الله تعالى هو العلة الأولى، نرد بذلك على الملاحدة، فإنما نستند إلى بداهة وضرورية قانون السببية في العقل، بمعنى أننا نستصحب هذه القاعدة كأساس بدهي لا يحتاج إلى ذكر أو برهان. فإن جاز في العقل أن يقال إن هذا القانون "مخلوق"، فقد وقع الدور المنطقي، وخرج الباري بذلك من أن يكون منطبقا عليه معنى السببية والعلية، ولزم إذن أن تسقط دعوانا أنه سبحانه هو السبب الأول، وأنه "مسبب الأسباب" وأن تسقط كل دعوى فيها نسبة لفعل من الأفعال إليه على سبيل السببية والفاعلية (لأن الفاعل سبب تتعلل به أفعاله بالبداهة). وهذا كما ترى تعطيل للعقل نفسه، وقول بما حقيقته أن الله لا يعرف هل تصح في حقه الممتنعات أم لا، فلا ندري لعلها تصح بموجب قانون منطقي آخر كان قد خلقه ثم أفناه قبل قانوننا هذا! بل لا يُعرف هل وجوده نفسه واجب أصلا أم لا، إذ لا يلزم أن يكون وجوبه في منطقنا هذا الذي نعرفه، مطردا في منطق كائنات أخرى أو مخلوقات أخرى في عالم آخر (مثلا)! وهذه السفسطة قد تكلم بها الملاحدة كثيرا بالفعل، فلم يكن لدى العقلاء في جوابهم إلا القول ببطلان دعوى حدوث قوانين المنطق وإمكان أن يصح ما يخالف بدهيات العقل أو يناقضها في يوم من الأيام!
    أرجو أن يكون هذا الجواب قد أزال الإشكال من غير أن يفتح عليك إشكالات أخرى، والله الموفق للسداد والرشاد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    جزاك الله خيرا ورفع قدرك أفدتني كثيرا

    ودعني أحاول أن أُقرب الأمر إذاً وأسأل الله التوفيق

    الله سبحانه وتعالى هو الخالق وصفة الخلق من صفاته الأزلية غير مخلوقة

    وصفة الخلق يتضمن معناها ان الخالق هو سبب وجود المخلوقات

    أي أن السببية ترتبط بصفة الخلق الأزلية

    فالسببيةُ إذا أزليةٌ أزليةَ
    صفة الخلق

    وبما أن السببية أزلية فلا يمكن القول بأنها مخلوقة

    والله أعلى وأعلم
    وأستغفر الله وأتوب إليه

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    وبسم الله أكمل
    في التعليق السابق ..وقفت أن السببية أزلية لإرتباطها بصفة الخلق.

    ولكن لنتأمل الآتي

    النار تحرق ... لكن رب العزة منعها من حرق إبراهيم عليه السلام.
    المرأة تحتاج لرجل لتنجب ... لكن رب العزة خلق سيدنا المسيح بغير رجل.
    فهذه الأمثلة وغيرها تعطلت العلاقة السببية التي يعرفها كل البشر مؤمنين وملحدين وإن بقيت السببية التي يقر بها المؤمنون فقط ولايقبلها الملاحدة وهو مشيئة رب العالمين .. سبحانه يقول للشيء (كن فيكون).


    يقول الإمام إبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 390/8:

    (... وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة . بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله - سبحانه وتعالى - الفعل بهذه القدرة كما خلق النبات بالماء وكما خلق الغيث بالسحاب . وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق) إنتهى

    والقدرة هى معنى ً ذهني وهي صفة من صفات الله تعالى ولكن هناك قدرة أخرى هي قدرة العبد المخلوقة كما قال إبن تيمية رحمه الله

    ويقول إبن القيم في مدارج السالكين /444:

    (إن الله سبحانه اقتضت حكمته ربط المسببات بأسبابها ، وجعل التوكل والدعاء من أقرب الأسباب التي تحصل المقصود) إنتهى
    إذا فالله سبحانه هو من ربط المسببات بالأسباب (السببية) وأحيانا يتعطل هذا الربط بأمره!

    وعليه فهناك (سببيتان) والله أعلم

    السببية المتعلقة بصفة الخلق وهي أزلية (وهي تقتضي أن الله سبب لكل مخلوق)

    وسببية خلقها الله في هذا الكون

    فهذه البديهة (السببية المخلوقة) خلقها الله لنتنبه للسببية المرتبطة بصفة الخلق ونعرف أن لنا خالقا

    وإن كانت ليست تماثلها ... فكما بيننا فهناك صفة القدرة لله تعالى...وهناك القدرة المخلوقة للعبد..وليست هذه كتلك.

    وعليه فعندما يقال أن الله سبحانه لايخضع لبديهية أن (لكل صنعة صانع) فالمقصود السببية المخلوقة وليست الأزلية

    والله اعلى وأعلم
    وأستغفر الله وأتوب إليه






  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    الخلاصة:
    أن السببية قانون أو سنة لله وضعها في كونه ... وهذه السببية (العلاقة بين الأسباب والمسببات) قد تتعطل
    بأمر الله كما في المعجزات ... ولو شاء الله لكان كل شيء في الكون بدون أسباب مادية ..فنستيقظ فنجد
    سيارة أو طائرة ..موجودة... أو نجد النار تبلل مرة وتحرق مرة ولاتفعل شيئا مرة ..لكن حكمته سبحانه إقتضت
    أن تكون المسببات مرتبطه بالأسباب .. وهذا الإرتباط هو قانون السببية المخلوق في الكون.
    وهذا القانون لفت انتباهنا أن خلف هذا الكون سببا.
    يقول تعالى:
    ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) الطور 35

    وقلنا أن الله لايخضع لهذا القانون نعم ... لأنه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وهو خالقه

    وإذا قيل أن الملاحدة سيعترضون بأنه إذا كان الخالق سبحانه لايخضع لهذا القانون ... فالقانون كله لا يعمل

    ومنه وجود (الصانع).


    قلنا كذبتم!

    فالله لا يخضع لقانون المخلوقات ولكن له (صفه) وهي أنه سبحانه وتعالى خالق فعندما شاء سبحانه خلق الكون فكان السبب لكنه

    لا يمكن ان يكون مُسَبَبا لأنه لايخضع للقانون وليس من صفته أنه مخلوق بل خالق وهو (الواجد الماجد).

    ونحن نتكلم هنا عن دين الإسلام بالطبع أما الديانات الأخرى فلا يصلح معها هذا النقاش...وحجتهم ضاحدة

    لماذا؟!

    لأنهم يعبدون مخلوقات تخضع لنواميس الكون وقوانينه وأسبابه فليس لهم زعم الفرار من قانون السببية

    فعند النصارى أن إلههم حواه الكون وضرب وعلق على الصليب
    وعند اليهود أن إلههم حواه الكون وصارع بزعمهم رجلا (يعقوب عليه السلام)
    وهاهي الآلهة الوثنية منذ قديم الأزل تنحت من الحجارة او غيرها من المخلوقات
    وهاهو فرعون وغيره من البشر أو البقر أو السماء أو الظلمة أو النور كلها تخضع لنواميس الكون وأسبابه.

    فلا إله إلا الله ... الأحد الصمد بديع السماوات والأرض (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)

    فإن كنت مصيبا فمن الله وإن كنت مخطئا فمني ومن الشيطان وأسأل الله أن يهديني للحق أؤمن به سبحانه وبما وصف به نفسه وعلى مراده من غير تعطيل ولا تأويل.

    والله أعلى وأعلم
    وأستغفر الله واتوب إليه

  6. #6

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    شبهة السائل (خلق قانون السببية) هي من الحجج التي استخدمها مصطفى محمود للرد على الملحدين في كتابه "حوار مع صديقي الملحد". وهذا من خلال بحث سريع في جوجل.
    أتوقع أن أقل مما سيترتب على كلام مصطفى محمود نفي الحكمة وخلق أسماء الله الحسنى. والله اعلم فلست مطلعا.
    الحقيقة تعليقي اشتراك للاستفادة فهو موضوع هام بالنسبة لي .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    جزاك الله خيرا,
    لست هنا أنتصر لرأي أو أثبت سبقا .. بل الخير كله في الإتباع... الهدف هو الوصول للحق والإذعان له.
    نعم أعلم أن مصطفى محمود قال بهذا وأزيدك نقلا من كتابه نحو تفسير موضوعي
    لسور القرآن الكريم ص34:
    (إن الله يحكم قانون السببية ولايحكمه قانون السببية) إنتهى
    وأرجو أن لاينتقل الحوار لنقاش عقيدة أو فكر مصطفى محمود فليس هذا هو موضوع النقاش وكل يؤخذ من كلامه ويرد, وفي الحديث الصحيح قول النبي عليه الصلاة والسلام (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) أورده البخاري في باب الحج.
    أما نفي الحكمة وخلق أسماء الله تعالى فلا أدري ما دليلك على ذلك؟ وأين قيل هذا فيما كتب؟!

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    أخي الفاضل، لا أخفيك أني الآن ما عدت أدري مرادك من الموضوع. هل تريد تقرير عقيدة المسلمين في السببية، أم تريد دفع شبهة الملاحدة في نفيهم السبب الأول وفتحهم باب التسلسل أم ماذا؟
    على أي حال، السببية - كما يبدو أنك توافقني - قاعدة عقلية لا تتخلف أبدا، لأنه لا يُعقل أن يحدث حادث (أيا ما كان ذلك الحادث) في الوجود من غير سبب. لذا نقول: ليست حقيقة أن لكل حادث محدث = شيئا قد خلقه الله تعالى، وإنما هو أمر محال في العقل أن يتخلف، وهذه أظهر حججنا معاشر المسلمين في إثبات وجوب الصانع بالأساس.
    تقول بارك الله فيك:
    الله سبحانه وتعالى هو الخالق و
    صفة الخلق
    من صفاته الأزلية
    غير مخلوقة
    و
    صفة الخلق
    يتضمن معناها ان الخالق هو
    سبب
    وجود المخلوقات

    أي أن
    السببية
    ترتبط بصفة الخلق
    الأزلية
    فالسببيةُ إذا أزليةٌ أزليةَ
    صفة الخلق

    وبما أن السببية أزلية
    فلا يمكن القول بأنها مخلوقة
    والله أعلى وأعلم
    وأستغفر الله وأتوب إليه
    قلت: تقدم أننا لا نستحسن أن يقال إن "السببية أزلية" لأنها ليست شيئا وجوديا خارج الذهن. صحيح إنه ما من حدث يقع في الوجود إلا كان له محدث، وصحيح إن المحدث الأول والسبب الأول أزلي لا ابتداء له، ولكن الأزلية (أو القدم) والحدوث هذه صفات لأشياء وجودية: الحادث شيء وجودي يوصف بأنه "حدث" في الخارج بعد أن لم يكن، والباري تبارك وتعالى شيء وجودي في الخارج أيضا، يوصف بأنه أزلي قديم وبأنه محدث الحوادث كلها. هذه الأوصاف معاني ذهنية توصف بها الأشياء الوجودية في الخارج، فلا توصف هي نفسها بأن منها ما هو "حادث" وما هو "أزلي"، فانتبه.
    وتقول:
    إذا فالله سبحانه هو من ربط المسببات بالأسباب (السببية) وأحيانا يتعطل هذا الربط بأمره!
    ونقول: السببية (بهذا الإطلاق) ليست هي "ربط الأسباب بالمسببات"، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    أن السببية قانون أو سنة لله وضعها في كونه ... وهذه السببية (العلاقة بين الأسباب والمسببات) قد تتعطل
    بأمر الله كما في المعجزات ... ولو شاء الله لكان كل شيء في الكون بدون أسباب مادية ..فنستيقظ فنجد
    سيارة أو طائرة ..موجودة... أو نجد النار تبلل مرة وتحرق مرة ولاتفعل شيئا مرة ..لكن حكمته سبحانه إقتضت
    أن تكون المسببات مرتبطه بالأسباب .. وهذا الإرتباط هو قانون السببية المخلوق في الكون.
    قلت: لا يصح أن نطلق القول بأن السببية (هكذا) قد تتعطل بأمر الله، فكل أمر من أوامر الله هو في الحقيقة سبب لما يترتب عليه من حوادث أيا ما كانت، سواء وافقت تلك الحوادث عادتنا أو خرقتها. فإن كنت تقصد "بالسببية" قوانين الطبيعة (التي لا يزيد البشر على أن يستقرؤوها من الواقع المشاهد استقراءً، مستصحبين في ذلك اطرادها كنظام سببي ظاهر مسنون بموجب حكمة الخالق الحكيم) فنعم هذه قد تتخلف لأسباب أخرى باطنة لا نحيط بها، فالذي خلق الحوادث سبحانه وسن سننا في الكون تجعل بعضها سببا لبعض، قادر على أن يعطل تلك السنن ليجري تلك الحوادث على خلاف اعتيادنا بمشيئته وعلمه وعلى مقتضى كمال حكمته، فلا تكون تلك الحوادث - إذن - أسبابا وفق النظام أو السَنَن الكوني المعتاد، وإنما يجري مجموع الحوادث على ترتيب سببي آخر لا نعلمه فيقع بذلك ما يخالف عادتنا.
    ولكن "السببية" كاصطلاح لا تطلق عند المتكلمين والمناطقة (خلافا لبعض الفلاسفة) إلا لإرادة مطلق العلاقة بين السبب والمسبّب (أو النتيجة على اصطلاح بعض المعاصرين)، وهذا كما ترى معنى تجريدي لا يمكن أن يتخلف أبدا، خلافا لبعض الفلاسفة الذين زعموا إمكان ذلك وراحوا يتنطعون في ثبوت تلك القاعدة البدهية بكلام هدموا به العقل كله، وخلافا لبعض المتكلمين من أهل القبلة الذين قالوا إن العلاقة بين السبب والمسبب ليست تأثيرا مباشرا لازما، وإنما هي ارتباط ظرفي لا غير (يحدث السبب والمسبب في مكان واحد وبترتيب زمني ثابت، دون أن يكون الأول مؤثرا في الثاني: وهذا هدم لحقيقة السببية كما لا يخفى)، وخلافا لقول أصحاب التصوف الفلسفي بأن السببية لا حقيقة لها أصلا، وغير ذلك من انحرافات كلامية في هذه المسألة. فنحن نقول: ما جعله الله سببا، فهو سبحانه السبب في كونه سببا، وهو (أي هذا السبب) مفض إلى النتيجة بالتأثير المباشر لا محالة، وإلا ما جاز أن يقال إنه سبب. وأما ما جعله سبحانه سنة كونية ماضية في كون بعض الحوادث أسبابا لبعض، فمن الجائز عقلا أن يقضي الله تعالى بتعطله (لا بتعطل السببية، إذ ما من حادث إلا وله سبب) لحكمة عنده تقتضي ذلك.
    لذا لا ينبغي أن يقال إن السببية "سببيتان" كما تفضلت، بل السببية عَلَم على تلك العلاقة المنطقية الثابتة التي لا تتخلف بين الشيء الحادث وسببه أيا ما كان ذلك السبب. ولكن لك أن تقول إننا نفرق بين "السببية" كقاعدة منطقية بدهية، وبين "السنن الكونية" كنظم حادثة مخلوقة يجيز العقل أن تتعطل أو تنقلب بأمر خالقها وإرادته.
    فلا أستحسن لك - أخي الفاضل - أن تجاوز هذا القدر من تحرير التصور والمعتقد في هذه المسألة، حتى لا يؤول بك الأمر إلى التكلف والتنطع والوقوع فيما يرجع عليك بلوازم لا تنتبه إليها، والله يوفقنا وإياك للرشاد.
    أما قولك:
    وإذا قيل أن الملاحدة سيعترضون بأنه إذا كان الخالق سبحانه لايخضع لهذا القانون ... فالقانون كله لا يعمل ومنه وجود (الصانع).
    قلنا كذبتم!
    فالله لا يخضع لقانون المخلوقات ولكن له (
    صفه
    ) وهي أنه سبحانه وتعالى
    خالق
    فعندما شاء سبحانه خلق الكون فكان السبب لكنه لا يمكن ان يكون مُسَبَبا لأنه لايخضع للقانون
    وليس من صفته أنه مخلوق بل خالق وهو (الواجد الماجد).
    فهذا لا يصلح لمحاججة الملاحدة، بارك الله فيك، فتفضل بإعادة النظر فيه بعد تأمل الفرق بين مطلق معنى السببية، وبين السنة الكونية الحادثة.
    والأمثلة التي تفضلت بها:
    النار تحرق ... لكن رب العزة
    منعها
    من حرق إبراهيم عليه السلام.
    المرأة تحتاج لرجل لتنجب ... لكن رب العزة خلق سيدنا المسيح
    بغير رجل
    .
    فهذه الأمثلة وغيرها تعطلت العلاقة السببية
    التي يعرفها كل البشر
    مؤمنين وملحدين وإن بقيت السببية التي
    يقر بها المؤمنون فقط
    ولايقبلها الملاحدة وهو مشيئة رب العالمين .. سبحانه يقول للشيء (كن فيكون).
    هذه الأمثلة لا تدل على تخلف أو تعطل قانون السببية، وإنما تدل على أن أسبابا أخرى قد عملت في تلك الحالات على خلاف المعتاد، ولهذا سميت هذه الوقائع بخوارق العادات وليس بخوارق السببية. وأنت فيما يبدو لا تخالف في هذا المعنى. ولكن الذي يبدو لي من هذا الكلام المقتبس أنك أوردته مورد المحتج على الملحد، مع أن الملحد يجحد ثبوت هذه الوقائع كلها رأسا، فانتبه.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة
    قلت: لا يصح أن نطلق القول بأن السببية (هكذا) قد تتعطل بأمر الله، فكل أمر من أوامر الله هو في الحقيقة سبب لما يترتب عليه من حوادث أيا ما كانت، سواء وافقت تلك الحوادث عادتنا أو خرقتها. فإن كنت تقصد "بالسببية" قوانين الطبيعة (التي لا يزيد البشر على أن يستقرؤوها من الواقع المشاهد استقراءً، مستصحبين في ذلك اطرادها كنظام سببي ظاهر مسنون بموجب حكمة الخالق الحكيم) فنعم هذه قد تتخلف لأسباب أخرى باطنة لا نحيط بها، فالذي خلق الحوادث سبحانه وسن سننا في الكون تجعل بعضها سببا لبعض، قادر على أن يعطل تلك السنن ليجري تلك الحوادث على خلاف اعتيادنا بمشيئته وعلمه وعلى مقتضى كمال حكمته، فلا تكون تلك الحوادث - إذن - أسبابا وفق النظام أو السَنَن الكوني المعتاد،.
    جزاك الله خيرا هذا ما أقصده فعلا ... فنعم السببية موجودة دائما وإنما حاولت انا أن أوضح أن السنن الكونية
    الله واضعها لكن نعم حتى في ظل إنعدام كل الأسباب المادية يظل هناك سبب وهو الله سبحانه.

    ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!

    ولست من أهل المنطق أو الفلسفة أوعلم الكلام وأراها بلاء على المسلمين فهي جدل لانهائي وقد كفينا بالقرآن والسنة

    ولكن التعبير السابق طرحته كخاطرة - وليس من الباب الفلسفة أو غيره -و كنت أقصد منه

    تنزيه الباري عن مشابهة مخلوقاته وإقامة الحجة على الملاحدة... لكن قول (السببية المخلوقة) ما قصدت منه إلا السنن الكونية

    أوالعلاقة بين الأسباب المادية ومسبباتها وهي التي قد اعبرعنها ب(السببية المادية) -إن صح التعبير- لكن أقر طبعا بوجود (السببية المطلقة) دائما.

    وما افهمه انك ترى انه حتى لو كان المقصود هو ماقلته فلا يجب قول (السببية المادية) خروجا من إشكالات أخرى

    فالمسألة خطأ في الإصطلاح وليس في المعنى والمضمون أليس كذلك؟!

    وجزاك الله خيرا ورفع قدرك

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: قول (قانون السببية مخلوق)

    بارك الله فيك. بلى، هو خطأ في الاصطلاح. لكنه خطأ مؤثر قد يفضي إلى اختلاط في الحكم والتصور، لا سيما في مقام الرد على الملاحدة، فوجب التنبه إليه.
    فأنت قد بدأت موضوعك بقولك:
    يأتي هذا في نقاش الملاحدة ... والرد على طرحهم سؤال : من خلق الله!!
    وجعلت جواب الشبهة:
    أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل القوانين والبديهيات ومنها بديهة أن لكل صنعة صانع (قانون السببية)
    فالله سبحانه هو خالق هذه البديهة وواضعها في الكون لنعرفه. فلا يجوز القول بخضوعه سبحانه جل شأنه لقانون هو واضعه في الكون بل تخضع له مخلوقاته
    وهذا الجواب غلط كما أرجو أن يكون قد تبين لك الآن. فالصواب في مقام كهذا ألا يكون الكلام حول "السنن الكونية" (أو جنس الأسباب والمسببات المخلوقة) أصلا، ولكن حول مطلق معنى السببية، الذي لا يتحقق ولا تثبت له حقيقة في أذهان البشر إلا بإثبات الباري تبارك وتعالى سببا لجميع الحوادث ونهاية لسلسلة الأسباب، والله أعلى وأعلم.
    ملحوظة: التعبير "بالأسباب المادية" أيضا ليس بمستقيم، لأن المادية مصطلح له مفهومه لدى الفلاسفة، وهو قصر الأسباب فيما يمكن - من حيث المبدإ - للإنسان أن يرصده بحواسه (وهذا اختزال لمفهوم الوضعية المادية الذي اصطبغ به هذا الاصطلاح اليوم، ولكنه يقرب إليك التصور فيما أرجو)، وأنت تؤمن بأن لله تعالى أسبابا غيبية في السماوات والأرض لها نظامها الذي لا نعلم تفصيله، الذي منه إيماننا المجمل معاشر المسلمين بأعمال الملائكة الموكلة بالمطر والزرع (مثلا)، فهذه على الاصطلاح الصحيح ليست أسبابا "مادية" وإن كانت أسبابا مخلوقة محدثة منتظمة بنظامها المخصوص كالأسباب المادية سواء بسواء، فانتبه. وأضيف: ينبغي لطالب العلم قبل أن يتناول فلسفة من الفلسفات بالرد والتفنيد، أن يكون ملما باصطلاحاتها إلماما تاما، بارك الله فيك.
    كما ينبغي التنبه إلى الفرق بين قول القائل "مطلق السببية"، وقوله "السببية المطلقة"، فلعل الذي تعنيه ههنا التعبير الأول لا الثاني. وللتوضيح، فإن قول القائل: مطلق الحرية (مثلا)، يفهم منه أن مراده جميع صور ووجوه الحرية (باختلاف أعراف الناس ومفاهيمهم لها)، أما إن قال: "الحرية المطلقة" فمفهوم قوله تلك الحرية التي لا حد لها ولا قيد البتة! وقول القائل "مطلق الترك" يفهم منه أن المتكلم يقصد معنى الترك (عدم الفعل) أيا ما كانت صورته أو مقداره في الواقع، أما إن قيل "الترك المطلق" فالمفهوم هنا: صورة معينة للترك، ألا وهي الترك التام الذي لا قيد له ولا حد! ومثال هذا التفريق في مسائل الشريعة، أن نفرق بين الكلام حول مطلق ترك الصلاة، والكلام حول ترك الصلاة مطلقا، فأحوال ترك الصلاة ليست على صورة واحدة، فالتارك قد يلحق به هذا الوصف لتركه صلاة مكتوبة بعينها متعمدا حتى خرج وقتها، وقد يوصف به لكونه تاركا للصلاة تركا كليا (بمعنى أنه لا يصلي أبدا البتة).
    ولذا فلا مفهوم يقرب إلى ذهني لقولك: "السببية المطلقة"، إذ السببية (على الاصطلاح المنطقي الذي حررناه آنفا) تطلق ويراد بها معنى لا يتفاوت في مقدار أو قوة مطابقته لما يطلق عليه، ولا يتصور تقيده بقيد! الشيء إما أن يكون سببا في الخارج أو لا يكون سببا، بصرف النظر عن مدى تصديق العقل لسببيته (هل يعرف تلك العلاقة بيقين أم بظن أم بشك أم ماذا؟). فالصواب أن تقول: "أقر بمطلق السببية" وتزيد للإيضاح فتقول: "وأقر بتمام التعليل في السبب الأول" أو نحو ذلك.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •