بيئة الإنسان ما يحيط به من عوامل حياتية من شأنها استطاعة العيش ويسره ، و هي لا تقتصر على الإحاطة المادية فحسب ، كتمهيد الأرض ، وتثبيتها بالجبال ، وتسخير البر و البحر ، ونقاء الهواء ، وصفاء الماء ، وصحية المأكل و المشرب و نحوه ، أو ما يسمى بالبيئة الجغرافية ؛ بل هناك إحاطات حياتية بيئية لا تقل أهمية عن الإحاطة المادية إن لم تكن لها قدم السبق في ذلك كالبيئة الفكرية و الأخلاقية ، والتي هي ظرف لعوامل حياة النفس ، كما أن البيئة المادية محتوى مؤثرات حياة الجسد .
وعليه فإن التلوث البيئي لا ينحصر في التلوث المادي أو يقتصر عليه فحسب ، بل هناك تلوث بيئي من نوع مغاير للنوع المادي ، وهو ما يتعلق بالبيئة الفكرية و الأخلاقية ، تلوث يهدد هوية المرء ، ويعمل على صهر شخصيته وذوبانها ، تلوث من شأنه قلب المفاهيم ، و إقصاء القيم ، ونبذ الفطرة و استبدالها ، تلوث من مظاهرة الاختلال العقدي والتبلد الفكري ، والطعن في المثالية بحجة سفاسف الواقعية ، و انحطاط الهمم ، و الانفصام الأخلاقي ، واستشراف الحياة بأسس مادية ليس إلا . ألا إن من الضرورة بمكان أن يسهم الإنسان في المساهمة في إيجاد بيئة نظيفة صالحة لأن ينمو في ظلها البدن ، و تسمو في كنفها الروح ، إسهام نابع عن علم و بصيرة ، علم مبن على حقائق ، وبصيرة مفضية إلى آلية صحيحة للوصول للمبتغى ، ولا أنجع لذلك ولا أنفع من الاستهداء بالكتاب والاسترشاد بالسيرة العطرة ودروسها ، تربية وتنشئة ، وتقييم وتقويم ، ففي ذلك مهيع رحبا لغايةٍ الكل ينشدها و يؤملها .
لذا يتوجب على كل ذي لب التصدي لكل ما قد يشوب بيئته مادية كانت أم فكرية ، من تلوث قد يؤثر على انتظام الحياة وفق الهدف منها ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ، وفق الله الجميع لبيئة حياتية تصون نماء الجسد وتحفظ للنفس سموها .