الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ، فإن علم مبهمات القران أحد الفنون التي يحسن بطالب العلم أن يعرفه في علوم القران
وهو فن جليل القدر غزير النفع ألف فيه بعض العلماء كالإمام السهيلي و ابن عساكر وابن جماعة
وكذا السيوطي وغيرهم وكما ذكر هذا الأخير فان سلفنا الصالح قد اهتموا به كثيرا :فهذا ابن
عباس رضي الله عنه حرص على معرفة المرأتين اللتين قال الله عنهما في كتابه العزيز
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما حتى أخبره الفاروق رضي الله عنه أنهما حفصة وعائشة
وقال عكرمة طلبت الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى حرص سلفنا الصالح على فهم كل صغيرة وكبيرة
تخص القرأن حتى و إن كانت من فضول العلم ومكملاته.
و قد ذكر العلماء أن الإبهام في القرآن له أسباب عديدة كما ذكر السيوطي في كتابه الماتع
الإتقان في علوم القران منها:
01-أحدهما الإستغناء ببيانه في موضع آخر: بمعنى أن ما أجمل بيانه في موضع قد يرد تفصيله
في موضع أخر ، وهذا كثير في الذكر الحكيم : فالقران الكريم يفسر بعضه البعض إذ أن ما
أجمل في مكان قد يفصل في مكان أخر وما أطلق في مكان قد يقيد في مكان أخر... ومن
أحسن من ألف في تفسير القران بالقران الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه الفريد أضواء
البيان. ومن أمثلة هذا السبب :قوله عز وجل صراط الذين أنعمت عليهم فإن المنعم عليهم مبهم
في سورة الفاتحة مبين في سورة النساء في قوله تعالى مع الذين أنعمت عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين

02 - السبب الثاني : أن يبهم لأنه متعين باشتهاره :بمعنى أن يكون اللفظ الذي أبهم مشهورا
معروفا للعامة لا حاجة إلى ذكره باسمه وتعيينه و ذلك مثل قوله تعالى وقلنا يا آدم اسكن أنت
وزوجك الجنة ولم يقل حواء لأنه ليس له غيرها ولا يخفى اسمها على أحد ، ومن الأمثلة كذلك
قوله سبحانه وتعالى ألم تر إلى الذين حاج إبراهيم في ربه والمراد نمروذ لشهرة ذلك لأنه
المرسل إليه قيل
فائدة : قد يستغرب قائل سبب ذكر الله لفرعون في القرآن باسمه ولم يسم نمروذ فذكر العلماء لذلك
أسبابا من أقربها: ما ذكره السوطي و غيره أن فرعون
(2/382)
كان أذكى منه كما يؤخذ من أجوبته لموسى ونمروذ كان بليدا ولهذا قال أنا أحيي وأميت و لم يفهم
مقصود الخليل عليه السلام رغم وضوح كلامه
03 – السبب الثالث قصد الستر عليه ليكون أبلغ في إستعطافه : وهذه طريقة القرأن الكريم في
العديد من الأي ، و من تامل ذلك يجده ظاهرا جليا . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى ذكره ومن
الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا . . الآية هو الأخنس بن شريق وقد أسلم بعد وحسن
إسلامه وهذا على فرضية صحة ما ورد في سبب نزول الأية .
04- السبب الرابع ألا يكون في تعيينه كبير فائدة: بل تعيينه لا يسمن و لا يغني من جوع نحو
قوله سبحانه أو كالذي مر على قرية واسألهم عن القرية و كأسماء أصحاب الكهف واسم مؤمن
أل فرعون . ولهذا غالب ما صح من الإسرائيليات التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
تدور في هذا الفلك فتجدها تخوض مثلا في تعيين البعض من البقرة التي ضرب بها القتيل و تحديد
الشجرة التي أكل منها أدم ... و لو كان فيها أدنى فائدة لبينها لنا الله سبحانه أو رسوله صلى الله
عليه و سلم.

05- السبب الخامس : التنبيه على العموم وأنه غير خاص بخلاف ما لو عين نحو قول المولى
عز وجل : ومن يخرج من بيته مهاجرا فقد ورد أن الأية نزلت في أحد الصحابة الذين هاجروا
من مكة و أدركتهم الوفاة في الطريق دون بلوغهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم

06 - السبب السادس :قد يبهم الشخص كذلك قصد تعظيمه بالوصف الكامل دون الإسم ومثال
ذلك قوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل و قوله إذ يقول لصاحبه و قوله وسيجنبها الأتقى
والمراد الصديق رضي الله عنه في الكل فهو في الأية الأولى عزم على عدم الإنفاق على الصحابي
مسطح بعدما خاض في عرض ابنته عائشة رضي الله عنها

07 – السبب السابع تحقيره بالوصف الناقص نحو إن شانئك هو الأبتر

تنبيه
ومن الجدير التنويه على عدم البحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه كقوله وآخرين من دونهم لا
تعلمونهم الله يعلمهم كما نص على ذلك صاحب البرهان إذ الخوض في ذلك سوء أدب مع الله عز
وجل و مع رسوله إذ كيف يخفي الله علمه على صفوة خلقه صلى الله عليه وسلم وينشره لغيره .

قاعدة في علم المبهمات
مما يجدر على طالب العلم معرفته في هذا الباب أن علم المبهمات نقلي محض بمعنى أننا لا
يمكننا معرفته بالرأي والاجتهاد و إنما يعرف بالنقل والإسناد سواء من النبي صلى الله عليه وسلم
كما في تسميته صاحب موسى بالخضر وهذا ثابت في الصحيح أو من غيره من الصحابة
و التابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
أمثلة عن هذا العلم:
01 - قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة هو آدم و بنوه.
02- وإذ قتلتم نفسا قيل إسمه عاميل
03 - وابعث فيهم رسولا منهم هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم
04-والأسباط أولاد يعقوب إثنا عشر رجلا يوسف وروبيل وشمعون ولاوي ويهوذا ودان ونفتالي بفاء ومثناة وكاد ويأشير وإيشاجر وريالون وبنيامين
05-ومن الناس من يعجبك قوله قيل هو الأخنس بن شريق
06- ومن الناس من يشري نفسه قيل نزلت في صهيب الرومي رضي الله عنه.
07-إذ قالوا لنبي لهم قيل هو شمويل وقيل شمعون وقيل يوشع
08-ومنهم من كلم الله قال مجاهد موسى عليه السلام ورفع بعضهم درجات قال محمد صلى الله عليه وسلم واحد منهم
09 - الذي حاج إبراهيم في ربه نمروذ بن كنعان
10 - أو كالذي مر على قرية قيل عزير وقيل أرمياء وقيل حزقيل
11-امرأة عمران اسمها حنة بنت فاقوذ
12-امرأتي عاقر قيل اسمها أشياع أو أشيع بنت فاقود

كتبه طويلب العلم بحليل محمد