تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 29

الموضوع: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    الترجيح في قول الترمذي:( حسن صحيح)
    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
    ثم أما بعد:
    فهذا بحث فيه ترجيح بين أقوال العلماء –عليهم رحمة الله تبارك وتعالىٰ - في المسألة المشهورة عند المتأخرين من أهل العلم، وهي مسألة قول الترمذي –رحمه الله تعالىٰ - في حكمه علىٰ الحديث: ((حسن صحيح)).
    وهي مسألة –كما هو معلوم- تكلَّم فيها أكثر أئمة المحدثين من المتأخرين –عليهم رحمة الله- كلٌّ أدلىٰ بدلوه فيها؛ فبعضهم اجتهد وأعمل عقله وفهمه وفكره، وقال فيها بقول من قِبَلِ نفسه، علىٰ حسب ما أداه إليه اجتهاده، وبعضهم اكتفىٰ بترجيح قول من أقوال سابقيه من أهل العلم حيث رآه صوابًا.
    والناظر في أقوال هؤلاء الأئمة، والدارس لأجوبتهم لن يُعدم فائدة، بل فوائد، فهم الأئمة الأعلام، والعلماء الأفهام، الذين أنار الله لنا بهم طريق العلم والمعرفة، فيستفاد من طريقة فَهْم أحدهم وإعمال عقله وفكره في المسألة، حتىٰ ولو جانبه الصواب فيها.
    ولكنَّ المقام هنا مقام ترجيح، فلا شك أن أقوال العلماء في هذه المسألة كثيرة، ولا شك –أيضًا- أن الصواب ليس مع جميعهم؛ لاختلاف أجوبتهم، إنما الصواب مع بعضهم، فكان لابد من الترجيح بين هذه الأقوال علىٰ ضوء تعريف الترمذي نفسه للحديث ((الحسن)) عنده، وتعريف العلماء للحديث ((الصحيح))، وهما اللفظان أو المصطلحان اللذان يجمعهما الترمذي في حكمه علىٰ حديث واحد؛ مما أَشْكَلَ علىٰ العلماء، حتىٰ قال ابن الصلاح رحمه الله تعالىٰ : "في قول الترمذي وغيره: ((هذا حديث حسن صحيح)) إشكال؛ لأنَّ الحسن قاصر عن الصحيح، كما سبق إيضاحه، ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته".
    ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أنني لست بمبتدع، ولا بمنشئ قولًا من قِبَل نفسي، إنما هو الترجيح فقط بين أقوال أهل العلم.
    فَقُمت بعرض أجوبةِ أهل العلم في المسألة، كُلٌّ بحسب تقدمه –غير ما رأيناه راجحًا فأرجأناه آخر البحث- ثم أردفتُ كلَّ جواب بما ورد عليه، وما رأيناه راجحًا ذكرنا أوجه ترجيحه.
    فأسأل الله سبحانه وتعالىٰ التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي يوم القيامة، وفي ميزان حسنات أهلي جميعًا، فهو وليُّ ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. فنذكر أولا قول ابن الصلاح رحمه الله.
    وهو أول الأقوال وأشهرها، وله في المسألة جوابان:
    الجواب الأول: قال رحمه الله_ في "علوم الحديث" :
    "وجوابه: أن ذلك راجع إلىٰ الإسناد؛ فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين: أحدهما إسناد ((حسن)) والآخر إسناد ((صحيح)) استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح؛ أي إنه ((حسن)) بالنسبة إلىٰ إسناد، ((صحيح)) بالنسبة إلىٰ إسناد آخر".
    قلت:
    ويرد علىٰ هذا الجواب: أن الترمذي –رحمه الله- يحكم علىٰ متون لا علىٰ أسانيد، ويظهر هذا من تعريفه –رحمه الله للحديث الحسن عنده، حيث قال: "وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ)) فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا، كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَىٰ لَا يَكُونُ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ شَاذًّا، وَيُرْوَىٰ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَاكَ؛ فَهُوَ عِنْدَنَا ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))".
    فقوله: "ويروىٰ من غير وجه نحو ذلك" يُعلم منه أنه يتكلم علىٰ متون باعتبار مجموع طرقها وشواهدها، لا علىٰ أسانيد باعتبار كلِّ إسناد علىٰ حدة. والله أعلم.
    وذلك لأن كتاب الترمذي كتاب أحكام، يهتم بالمتون التي يُحتج ويُستشهد بها علىٰ الأحكام الشرعية، دون مجرد الأسانيد؛ فهو يختار المتن الذي يصلح للاحتجاج أو للاستشهاد بصرف النظر عن حكم كل إسناد من أسانيده؛ فقد يكون الحديث مرويًّا بأسانيد كلها ضعيفة، ولكنه يصلح للاحتجاج أو للاستشهاد؛ حيث يتقوىٰ بمجموع طرقه أو بشواهده، وقد يكون العكس؛ فقد يُروىٰ الحديثُ بإسنادٍ صحيح أو حسن، ويكون المتن شاذًّا أو معلولًا أو منسوخًا؛ فلا يصح الاحتجاج به؛ فإنه لا تلازم بين صحة الإسناد أو حسنه وبين صحة المتن أو قبوله –كما هو معلوم.
    ومما يؤكد أن الترمذي –رحمه الله- إنما يهتم بالمتون –كغيره من المصنفين في الأحكام- ومدىٰ حجيتها والعمل بها، دون مجرد الأسانيد أنه –رحمه الله تعالىٰ - صرح بأن جميع ما في كتابه من أحاديث فهي مقبولة معمول بها عند بعض أهل العلم غير حديثين أشار أنهما معلولان، فلما نظرنا وجدنا أنه قد أعلهما بالنسخ.
    حيث قال في أول كتاب ((العلل)) الذي في آخر ((الجامع)): "جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ: حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صلى اللهعليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا فِي الْكِتَابِ".
    فلما نظرنا في موضع الحديثين في الكتاب وجدناه قد أعلهما بالنسخ، وبأن العملَ ليس عليهما.
    فرغم أن الحديثين عنده ثابتان –ولذلك أعلهما بالنسخ- إلا أنه لم يعتمد عليهما في كتابه؛ لأن العمل ليس عليهما.
    فإذا تبين ذلك؛ عُلم أنه لا يحكم علىٰ مجرد أسانيد؛ لأن الحكم علىٰ الإسناد وإن كان ينفع المتن في أغلب الأحيان، إلا أنه لا ينفعه في جميعها. والله أعلم.
    وإذا سلمنا بأن الإمام الترمذي يحكم علىٰ أسانيد لا علىٰ متون، فإن من الأحاديث ما يُروىٰ بأكثر من إسنادين، فلماذا اكتفىٰ الإمام بالحكم علىٰ إسنادين فقط من أسانيد تلك الأحاديث؟! فمن الأحاديث ما يُروىٰ بأكثر من إسناد صحيح؛ فلماذا لم يقل الترمذي: ((صحيح صحيح))؟ ومن الأحاديث ما يُروىٰ بأسانيد ضعيفة؛ فلماذا لم يقل الترمذي: ((ضعيف ضعيف))؟ ومن الأحاديث ما يُروىٰ بأسانيد ضعيفة مع أسانيدها الصحيحة أو الحسنة؛ فلماذا لم يقل: ((صحيح ضعيف))، أو ((حسن ضعيف))؟! وهو أولىٰ بالحكاية بلا شك.

    الجواب الثاني لابن الصلاح رحمه الله تعالىٰ:
    قال رحمه الله: "علىٰ أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بـ((الحسن)) معناه اللغوي؛ وهو: ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنىٰ الاصطلاحي الذي نحن بصدده. فاعلم ذلك والله أعلم".
    قال ابن كثير رحمه الله- في "اختصار علوم الحديث": "وفي هذا نظر أيضًا؛ فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص، ونحو ذلك".
    قلت:
    وأمثلة ذلك كثيرة في ((جامع الترمذي)) أسوق منها بعض الأمثلة:
    فمنها ما رواه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ» ، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ.
    ومنها ما رواه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟» قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    ومنها ما رواه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا»، قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    ومنها ما رواه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}(المؤمنون : ١٠٤ ) قَالَ: «تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّىٰ تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَىٰ حَتَّىٰ تَضْرِبَ سُرَّتَهُ»قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
    ومن أمثلة ما رواه في الحدود ووصفه بـ((الحُسْن)):
    ما رواه عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. قَالَ الترمذي: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    ومنها ما رواه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا ثَلَاثًا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ»، قَالَ الترمذي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    ومنها ما رواه عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقَهُمْ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ.

    نكتفي بهذا القدر وفي الحلقة القادمة_ان شاء الله_ نذكر قول ابن دقيق العيد رحمه الله، وهو القول الثالث بعد قولي ابن الصلاح رحمه الله.

  2. #2

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    متابع

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد،، نستكمل كلامنا الذي بدأناه في مسألة قول الامام الترمذي رحمه الله في حكمه على بعض أحاديث "جامعه" بقوله:(حسن صحيح) وأحيانا يقول: (حسن صحيح غريب)، ونحو ذلك مما يذكره رحمه الله تعالى في "جامعه"، وقد ذكرنا في المرة السابقة قولي ابن الصلاح رحمه الله تعالى، وما أجيب عليه، وفي هذه المرة_ان شاء الله تعالى_ نذكر قول ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى، وما أجيب عليه. ذهب_رحمه الله_ الى أن المعنىٰ المقصود من قول الترمذي ((حسن صحيح))؛ أي: ((حسن)) باعتبار مرتبته الدنيا، ((صحيح)) باعبتار مرتبته العليا؛ فكلُّ حديث وصل إلى مرتبة الصحة، فهو حسن وزيادة، فوافق أن يقول: ((حسن صحيح))؛ أي: ((حسن)) باعتبار أدنىٰ مراتبه، ((صحيح)) باعتبار أعلاها. حيث قال رحمه الله في "الاقتراح": "والذي أقول في جواب هذا السؤال: إنه لا يشترط في الحسن قيد القصور عن ((الصحيح))، وإنما يجيئه القصور ويفهم ذلك فيه إذا اقتصر علىٰ قوله: ((حسن))، فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار لا من حيث حقيقته وذاته.
    وشرح هذا وبيانه: أن ههنا صفات للرواة تقتضي قبول الرواية، ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض؛ كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلاً؛ فوجود الدرجة الدُّنيا كالصدق مثلًا، وعدم التهمة بالكذب لا ينافيه وجود ما هو أعلىٰ منه كالحفظ والإتقان؛ فإذا وُجِدَتْ الدرجة العُليا لم يُنافِ ذلك وجود الدُّنيا كالحفظ مع الصدق، فيصحُّ أن يقال في هذا: إنَّه ((حسن)) باعتبار وجود الصفة الدُّنيا، وهي الصدق مثلًا، ((صحيح)) باعتبار الصفة العُليا، وهي الحفظ والإتقان.
    ويلزم علىٰ هذا: أن يكون كلُّ صحيح حسنًا. ويلتزم ذلك ويؤيده: ورودُ قولهم: ((هذا حديث حَسَنٌ)) في الأحاديث ((الصحيحة)) وهذا موجود في كلام المتقدمين
    ".
    وقد سبق ابن دقيق العيد إلىٰ نحو هذا القول الحافظ أبو عبد الله ابن المواق.
    قال العراقي –رحمه الله تعالىٰ - في ((النكت)) معلقا علىٰ كلام ابن دقيق العيد السابق: "وقد سبقه إلىٰ نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله ابن الموَّاق؛ فقال في كتابه ((بغية النقاد)): لم يخص الترمذي ((الحسن)) بصفة تميزه عن الصحيح، فلا يكون صحيحًا إلا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحًا حتىٰ تكون رواته غير متهمين، بل ثقات. قال: فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسىٰ صفة لا تخص هذا القسم، بل قد يشاركه فيها الصحيح؛ قال: فكل صحيح عنده حسن، وليس كل حسن صحيحًا".
    وقد مال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- إلىٰ هذا الجواب وقوَّاه في ((نكته علىٰ ابن الصلاح))؛ حيث قال بعد عرضه لعدة أجوبة: "وفي الجملة، أقوىٰ الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد. والله أعلم".
    قلت:
    ويرد علىٰ هذا الجواب أمران:
    الأمر الأول:
    ما أورده عليه ابن سيد الناس –رحمه الله- قال العراقي: "وقد اعترض علىٰ ابن الموَّاق في هذا الحافظ أبو الفتح اليعمري، فقال في ((شرح الترمذي)): بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُروىٰ من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح".
    قلت:
    فهذا يدل علىٰ أن قول ابن دقيق العيد: "كل صحيح فهو يشمل الحسن؛ لأنه حسن وزيادة" غير مُسَلَّم له فيه؛ فإن الترمذي اشترط في الحسن شرطًا قد لا يتوافر في كل صحيح؛ فإنه شرط في الحسن أن يُروىٰ من غير وجه، وقد لا يتوافر هذا لكل صحيح.
    ولذلك فإننا نجد الترمذي يحكم علىٰ أحاديث بالصحة فقط، ولا يصفها بأنها حسنة؛ ولو كان هذا المعنىٰ صوابًا لَمَا وجدنا في ((جامع الترمذي)) حديثًا يحكم عليه بالصحة فقط دون الحسن. والله أعلم.
    الأمر الثاني:
    أننا لو سلَّمنا –وهذا بعيدٌ جدًّا- أنَّ الترمذي أراد بالحسن معناه عند المتأخرين؛ وهو: ما كان أدنىٰ من الصحيح؛ في أقلِّ مراتب القبول؛ لما احتاج هذا إلىٰ توضيح وتبيين؛ حتىٰ يقول في كل حديث صحيح: ((حسن صحيح)) علىٰ هذا المعنىٰ وإلا فالإكثار من تعريف ما هو معروف، وتوضيح ما هو واضح؛ يُعَدُّ من الحشو الذي لا يفيد، والأئمة –عليهم رحمة الله- هم أبعد الناس عن ذلك. والله أعلم.
    نكتفي بهذا القدر، ونستكمل في المرة القادمة_ان شاء الله تعالى_ حيث نذكر قول ابن كثير _رحمه الله_ وما أجيب عليه

    وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم

  4. افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    إلى الأخ الفاضل : محمد طه شعبان ، جزاك الله خيراً ، على هذا الجهد المبارك، وهذه المحاولة الطيبة ، ولكن هناك مبحثٌ رائعٌ جداً ، في هذه المسألة خصيصاً ( أي : مصطلح "حسن صحيح" عند الترمذي ) ، وهو ضمن كتاب " أراء المحدثين في الحديث الحسن" ، لخالد بن منصور بن أدريس ، فيا حبذا لو طالعته !! ، ستستفيد منه كثيراً في هذه المسألة ، لا سيما وأنت تنسج على منواله في طريقة المناقشة _فلا أدري !! آطالعت كتابه أم لا ؟ _ ، ولكن يفوتك أجوبه كثيرة لأهل العلم على هذه الإشكالات التي توردها للآئمة . فأتمنى أخي الفاضل ، أن تراجع كل ما كتب في هذه المسألة من أبحاث ، ثم لو كان عندك جديد في هذه المسألة، أو استدراك أو تعقب على أحدهم ؛ فأتحفنا به ، وإنما كان ذلك كذلك ؛ لأنه يوفر عليك الوقت ، ويحصى لك نقولات الآئمة قديماً وحديثاً في هذه المسألة ، أو ما شابها من المسائل . وجزاك الله خيراً .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    بارك الله فيك أخي أبا عاصم وسوف أبحث عن الكتاب_ ان شاء الله_ وأطالعه

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، فهذا هو اللقاء الثالث من لقاءات:( الترجيح في قول الترمذي: حسن صحيح)، وكنا قد ذكرنا أجوبة ابن الصلاح وابن دقيق العيد رحمهما الله، وما أورده العلماء على هذه الأجوبة. وفي هذا اللقاء_ إن شاء الله_ نذكر جوابي ابن كثير، وابن حجر رحمهما الله. جواب ابن كثير رحمه الله، وهو رابع الأجوبة
    وذهب رحمه الله إلىٰ أنَّ الترمذي يقول ذلك في الحديث الذي هو أدنىٰ من الصحيح وأعلىٰ من الحسن، فهو فاق الحسن، ولم يَصِلْ إلىٰ الصحيح بعدُ، فأصبح في مرتبة بين المرتبتين؛ مُشَرَّبٌ منهما؛ فقال فيه الترمذي: ((حسن صحيح))؛ أي: باعتبار درجته المتوسطة بين المرتبتين.
    حيث قال رحمه الله_ في" اختصار علوم الحديث"_:
    "والذي يظهر لي: أنه يُشَرَّبُ الحكم بالصحة علىٰ الحديث كما يُشَرَّبُ الحسن بالصحة؛ فعلىٰ هذا يكون ما يقول فيه: ((حسن صحيح)) أعلىٰ رتبة عنده من الحسن، ودون الصحيح، ويكون حكمه علىٰ الحديث بالصحة المحضة أقوىٰ من حكمه عليه بالصحة مع الحسن. والله أعلم".
    قال العراقي رحمه الله:

    "وهذا الذي ظهر له؛ تحكُّمٌ لا دليل عليه، وهو بعيدٌ من فَهْم معنىٰ كلام الترمذي. والله أعلم".
    وقال ابن حجر رحمه الله:
    "وأما جواب الشيخ عماد الدين ابن كثير، وقول شيخنا: إنه تحكُّم لا دليل عليه. فقد استدل هو عليه فيما وجدته عنه بما حاصله: أن بين الحسن والصحة رتبة متوسطة.
    فللقبول ثلاث مراتب: ((الصحيح)) أعلاها، و((الحسن)) أدناها. والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإنَّ كلَّ ما كان فيه شَبَهٌ من شيئين ولم يتمحَّض لأحدهما اختص برتبة مفردة؛ كقولهم للمُزِّ وهو: ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حُلْوٌ حَامِضٌ".
    ثم قال ابن حجر رحمه الله:
    "قلت لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. ثم إنه يلزم عليه ألَّا يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قل ما يعبر إلا بقوله ((حسن صحيح)).
    وإذا أردت تحقيق ذلك، فانظر إلىٰ ما حكم به علىٰ الأحاديث المخرجة من ((الصحيحين)) كيف يقول فيها ((حسن صحيح)) غالبا". اهـ.
    وقال ابن رجب أيضا معترضا علىٰ جواب ابن كثير:
    "وهذا بعيد جدًّا؛ فإن الترمذي يجمع بين ((الحسن)) و((الصحة)) في غالب الأحاديث الصحيحة المتفق علىٰ صحتها، والتي أسانيدها في أعلىٰ درجة الصحة؛ كمالك عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن أبيه، ولا يكاد الترمذي يفرد ((الصحة)) إلا نادرًا، وليس ما أفرد فيه الصحة بأقوىٰ مما جمع فيه بين الصحة والحسن".
    قلت:
    قد أوردا علىٰ جواب ابن كثير ما يلي:
    1- أنَّ جوابه هذا يقتضي إثبات قسم ثالث، ومرتبة ثالثة من مراتب القَبول، ولا قائل بذلك.
    2- أنَّ جوابه هذا يلزم منه ألَّا يكون في كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قَلَّما يعبر إلا بقوله: ((حسن صحيح)).
    3- أنه ثبت أن الترمذي –رحمه الله- يقول هذا في أحاديث صحيحة، متفق علىٰ صحتها، تُروىٰ بأسانيد في أعلىٰ درجات الصحة؛ كمالك عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن أبيه.
    جواب ابن حجر رحمه الله، وهو خامس الأجوبة
    رغم أنَّ ابن حجر -رحمه الله- مال إلىٰ جواب ابن دقيق العيد وقوَّاه في ((نكته علىٰ ابن الصلاح)) حيث قال: "وفي الجملة أقوىٰ الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد. والله أعلم".
    غير أنه خالفه في ((نزهة النظر)) واختار جوابًا آخر، مركبًّا من جزئين.
    حيث قال رحمه الله:
    "فإنْ جُمِعا؛ أي ((الصحيحُ)) و((الحسنُ))، في وصفٍ واحدٍ؛ كقول الترمذي وغيره: ((حديثٌ حسنٌ صحيحٌ))، فللتردد الحاصل من المجتهد في الناقل: هل اجتمعتْ فيه شروط الصحة أو قَصُرَ عنها، وهذا حيث يَحْصل منه التفرد بتلك الرواية".
    ثم قال رحمه الله:
    "ومُحَصَّل الجواب: أنّ تردُّدَ أئمة الحديث في حال ناقلِهِ اقتضىٰ للمجتهد أن لا يصفه بأحدِ الوصفين، فيُقال فيه: ((
    حَسَنٌ)) باعتبار وصْفِهِ عند قومٍ، ((صحيحٌ)) باعتبارِ وصْفِهِ عند قومٍ، وغايةُ ما فيه أنه حُذِف منه حرفُ التردد؛ لأنّ حقه أن يقول: ((حسنٌ أوصحيحٌ))، وهذا كما حُذِفَ حرف العطف مِن الذي بعده.
    وعلىٰ هذا فما قيل فيه: ((
    حسنٌ صحيحٌ)) دون ما قيل فيه ((صحيحٌ))؛ لأن الجزمَ أقوىٰ مِن التردد، وهذا حيث التفرد.
    وإلا إذا لم يحصل التفرد فإطلاق الوصفين معًا علىٰ الحديث يكون باعتبارِ إسنادين: أحدُهما ((
    صحيحٌ))، والآخر ((حسنٌ)).
    وعلىٰ هذا فما قيل فيه: ((
    حسن صحيح)) فوقَ ما قيل فيه: ((صحيح)) فقط -إذا كان فرداً- لأن كثرة الطرق تقوِّي". اهـ.
    قلت:

    فمحصلة جوابه: أن الحديث إما أن يكون له إسناد واحد أو أكثر.
    فإن كان له إسناد واحد فيكون المعنىٰ : أنه ((حسن)) باعتبار وصف راويه المتفرد به عند قوم، ((صحيح)) باعتبار وصفه عند قوم آخرين؛ وعليه فما قيل فيه: ((حسن صحيح)) دون ما قيل فيه ((صحيح))؛ لأن الجزم أقوىٰ من التردد.
    وإن كان له أكثر من إسناد؛ فيكون المعنىٰ : أنه ((حسن)) باعتبار إسناد، ((صحيح)) باعتبار إسناد آخر؛ وعليه فما قيل فيه: ((حسن صحيح)) فوق ما قيل فيه ((صحيح)) فقط إذا كان فردًا؛ لأن كثرة الطرق تقوي.
    قلت:
    فأما الجزء الأول من الجواب فيرد عليه أمور بعضها مما أورده ابن حجر نفسه علىٰ أجوبه غيره من أهل العلم:
    أولا: "أن الترمذي نفسه يجمع هذين الوصفين ((حسن صحيح)) في غالب الأحاديث الصحيحة المتفق علىٰ صحتها، والتي أسانيدها في أعلىٰ درجات الصحة؛ كمالك عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن أبيه. وأمثال هذه الأسانيد مما لا يُختلف في رواتها، وغالب هذه الأحاديث مما اتفق علىٰ إخراجها البخاري ومسلم في ((صحيحيهما))، وقد تلقاها الناس بالقبول؛ فأين هذا الخلاف الذي يحكيه الترمذي رحمه الله؟!
    ثانيا: أنَّ الترمذي إمام مجتهد، ليس مُقَلِّدًا؛ والمتبادر أنه يحكم علىٰ الحديث بالنسبة إلىٰ ما عنده، لا بالنسبة إلىٰ ما عند غيره من النقاد، وقد اعتبر الحافظ ابن حجر هذا مما يقدح في جواب من أجاب عن أصل الإشكال بنحو ما أجاب هو به فيما يتعلق بما له إسناد واحد، وهو وارد عليه أيضا!
    ثم ما بال الترمذي لا يحكي الخلاف إلا فيما له إسناد واحد من الحديث؟! فإذا كان من شأنه أنه يحكي الخلاف فيما له إسناد واحد، فلماذا لا يحكي الخلاف أيضا فيما له إسنادان فأكثر؟! بل ما له لا يحكي إلا اختلافهم في صحة الحديث وحُسْنِه؟! ألم يكن من باب أولىٰ –إذا كان ذلك من شأنه- أن يحكي اختلافهم في صحة الحديث وضعفه، أو حسن الحديث وضعفه؟!
    فما رأيناه –مرة- يقول: ((صحيح ضعيف))، ولا: ((حسن ضعيف)).
    بل من عادة الترمذي –رحمه الله- أنه يسوق أقوال السابقين عليه صريحة من دون اختصار، فضلا عن مثل هذا الاختصار الموهم، بل كثيرا ما يسوق أقوال أهل العلم مسندة إليهم.
    ثالثا: لازم هذا أن يكون الترمذي –علىٰ إمامته- لم يترجح عنده الصواب في كثير من أحاديث كتابه؛ لأنه يُكثر من الجمع بين هذين الوصفين في كتابه! وهذا من أبعد ما يكون.
    رابعًا: أنه لو أراد ذلك؛ لأتىٰ بـ(الواو) التي للجمع؛ فيقول: ((حسن وصحيح))، أو أتىٰ بـ(أو) التي للتخيير أو التردد؛ فيقول: ((حسن أو صحيح)).
    خامسًا: أنَّ لازم هذا أنْ يكون ما قال فيه الترمذي ((حسن صحيح)) دون ما قال فيه: ((صحيح)) فقط؛ لأن الجزم أقوىٰ –بلا شك- من التردد، وهذا –كما ترىٰ - فيه ما فيه؛ لأن الترمذي يُكثر في كتابه من الجمع بين هذين الوصفين، ولا يُفرد الوصف بـ((الصحيح)) إلا نادرًا؛ فعلىٰ هذا تكون الأحاديث الصحيحة المتفق علىٰ صحتها في كتابه قليلة، مع أنَّ غالبها مما اتفق علىٰ صحتها الشيخان، وتلقاها الناس بالقبول".
    وأما الجزء الثاني من الجواب، فيرد عليه ما أوردناه علىٰ ابن الصلاح في جوابه الأول؛ فليُنظر.
    نكتفي بهذا القدر، ونذكر في اللقاء القادم_ إن شاء الله تعالى_ آخر الأجوبة، وهو جواب ابن رجب رحمه الله. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    أحسنت بارك الله تعالى فيك ، وأظني أني قرأتُ للشيخ أبي محمد الالفي في ملتقى أهل الحديث كلاماً حولها .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    وفيك بارك أخي أبا زرعة

  9. #9

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    هل هناك من يتفضل علينا برابط موضوع الشيخ أبي محمد الالفي في ملتقى أهل الحديث..؛ لنقارن!!!
    فوالله العظيم، ما عهدنا اثنان من أهل العلم، قد اتفقا تماماً على المقصود المضمر من كلام الإمام الترمذي رحمه الله هذا..، وإن ربما اتفقوا في الجملة ..

    زادكم الله علما وفهما

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    أخي أبا هاجر، آسف لعدم علمي بالرابط، وأسأل الله أن يزيدكم علما وفهما وتقوى.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    جزاك الله خيرًا يا أخ محمد .
    للشيخ أبي محمد موضوعان حول الترمذي في ملتقى أهل الحديث :
    الأول: حمل الآن :: سلسلة شرح ... ق ول الترمذي: " حسنٌ غريب " لشيخنا /أبي محمد الألفي .
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=138094
    والثاني: أَوضَحُ الْمَسالِكِ ببَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ التِّرْمِذيِّ « يُرْوَي مِنْ غَيرِ وَجْهٍ نَحوُ ذَلكَ »
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=167581

    ولا أدري هل له موضوع آخر أفرده حول قول الترمذي ( حسن صحيح ) أم لا ؟
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    موضوع هام وبحث جيد أعتقد أن ماترمي إليه يقترب مما طرحه المباركفوري والله أعلم

  13. #13

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    منتظرون ما تسطره يراعة أخينا الفاضل محمد طه شعبان سدده الله ..

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    جواب ابن رجب رحمه الله وهو سادس الأجوبة
    وقبل أن نذكر جوابه –رحمه الله- نودُّ أن نذكر أصلا مهما تبنىٰ عليه الإجابة علىٰ مسألتنا هذه. فإنه من المعلوم أنَّ لكلِّ علم اصطلاحه الخاص به، بل قد تختلف المصطلحات في العلم الواحد من زمان إلىٰ زمان، ومن عالم إلىٰ عالم، بل قد يستعمل العالم الواحد المصطلح الواحد تارة علىٰ معنًىٰ ، وتارة علىٰ معنًىٰ آخر.
    ونحن إذا أردنا فَهْمَ مصطلح ما لعالم ما، فليس من الصواب أن نفهمه بفهم أهل زمان آخر، أو بفهم عالم آخر، وإلَّا –فمن فعل ذلك- وقع في الخلط والخطأ والتهوك.
    بل ينبغي أن نفهم كلام كل عالم علىٰ حسب ما أراده من كلامه، لا علىٰ حسب ما أراده غيره؛ ومراد العالم إنما يعرف بالتالي:
    أولا: أنْ ينصَّ هو علىٰ مراده من هذا المصطلح.
    ثانيا: إنْ لم ينص هو، أنْ ينصَّ عالم آخر مختص علىٰ مراد هذا الإمام من هذا المصطلح
    ثالثًا: إنْ لم نجد الإمام قد نصَّ علىٰ ما أراده من ذلك المصطلح، وكذلك لم نجد عالمًا متخصصًا بيَّن لنا ذلك؛ فالبسبر والتتبع لكلام هذا الإمام، ويكون هذا من أهل التخصص، وليس لكلِّ أحدٍ.
    وعلىٰ هذا، فإذا عرَّف الترمذي مصطلح ((حسن)) عنده، وبيَّن مراده منه، وكذلك مصطلح ((غريب))، من الخطأ أن يُهمل هذا التعريف وهذا التبيين، ويُرجع إلىٰ ما عرفه غيره، أو ما أراده غيره من هذا المصطلح.
    ولذلك فإنَّ الناظرَ في جميع الأجوبة السابقة –والتي لاقت اعتراضات كثيرة وإيرادات من العلماء- يرىٰ أنه يرد علىٰ جميعها أنها تخالف تعريف الترمذي لمصطلح ((الحسن)) عنده، ومما أوقعهم في الإشكال أيضًا أنَّ بعضهم تغاضىٰ عن تعريف الترمذي لمصطلح ((الغريب))، وقَصَره في صورة معينة، وهو عند الترمذي أوسع من ذلك.
    وبذلك يتبيَّن أنَّ قول ابن حجر رحمه الله: فإن قيل: قد صرَّح الترمذي بأنَّ شرط الحسن أن يُرْوَىٰ مِن غيرِ وجهٍ؛ فكيف يقول في بعض الأحاديث: ((حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه))؟.
    فالجواب: أن الترمذي لم يُعرِّف ((الحسن)) مطلقًا، وإنما عَرَّفَ نوعًا خاصًّا منه وَقَعَ في كتابه، وهو ما يقول فيه: ((حسنٌ))، مِن غير صفةٍ أخرىٰ"([1]). اهـ. أنه قول ضعيفٌ؛ لأنه يَبْعُدُ جدًّا أنْ يُحمَلَ تعريف الترمذي لـ((الحسن)) علىٰ ما أفرده فقط، علىٰ قلة استعماله، دون ما قرنه بالصحيح، علىٰ كثرة استعماله.
    ومما أوقع الحافظ ابن حجر –رحمه الله- فيما وقع فيه أنه قصر ((الغريب)) علىٰ صور ة معينة، وأهمل تعريف الترمذي رحمه الله لـ((الغريب)).
    حيث صرَّح في ((نزهة النظر))([2]) بأنَّ الترمذي لم يُعَرِّف ((الغريب))، ذلك مع أن الترمذي –رحمه الله- قد عرَّف ((الغريب)) في آخر كتابه ((الجامع)) بعد تعريفه لـ((الحسن))، بل جاء تعريفه لـ((الغريب)) أطول وأوسع من تعريفه لـ((الحسن)).
    قال رحمه الله:
    وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ ((حَدِيثٌ غَرِيبٌ)) فَإِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَسْتَغْرِبُونَ الْحَدِيثَ لِمَعَانٍ، رُبَّ حَدِيثٍ يَكُونُ غَرِيبًا لَا يُرْوَىٰ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ... وَرُبَّ رَجُلٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَيَشْتَهِرُ الْحَدِيثُ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَىٰ عَنْهُ... وَرُبَّ حَدِيثٍ إِنَّمَا يُسْتَغْرَبُ لِزِيَادَةٍ تَكُونُ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَىٰ حِفْظِهِ... وَرُبَّ حَدِيثٍ يُرْوَىٰ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ وَإِنَّمَا يُسْتَغْرَبُ لِحَالِ الْإِسْنَادِ"([3]).
    وقال في تعريفه لـ((الحسن)):
    "وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ ((حَدِيثٌ حَسَنٌ)) فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا، كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَىٰ لَا يَكُونُ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ شَاذًّا، وَيُرْوَىٰ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَاكَ فَهُوَ عِنْدَنَا ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))"([4]).
    "فالحسن عند الترمذي، صفة لكل حديث اجتمعت فيه هذه الصفات الثلاثة التي ذكرها الترمذي؛ وهي:
    1- أن لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب، فكل من لم يُتهم بالكذب يصلح؛ لأن يحسن حديثه عند الترمذي إذا اجتمع معه الشرطان الآخران، فيدخل في ذلك الصدوق والثقة، وأيضا الضعيف الذي لم يشتد ضعفه.
    2- أن لا يكون الحديث شاذًّا؛ أي: مخالفا للأحاديث الصحيحة التي فرغ من ثبوت صحتها.
    3- أن يُروىٰ نحو هذا الحديث من وجه آخر أو أكثر.
    فالحديث الذي يرويه الراوي الثقة أو الصدوق أو الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، إذا كان سالمًا من الشذوذ، غير مخالف للأحاديث الصحيحة، ورُوي لفظه أو معناه من أوجهٍ أخرىٰ ؛ كان هذا الحديث عند الترمذي حديثًا حسنًا.
    أما إذا اختل شرطٌ من هذه الشروط، ولو كان الحديث من رواية الثقة أو الصدوق فليس هو عنده حسنًا، كأن يكون –مع ذلك- شاذًّا، أو فردًا ليس له ما يشهد له، سواء في المرفوع أو الموقوف، كما سيأتي في كلام ابن رجب.
    وعليه؛ فالحسن عند الإمام الترمذي أعمُّ من أن يكون هو الحسن لغيره بصورته المعروفة، وإنما الحسن لغيره صورة من صور الحسن عند الترمذي، وليس الحسن عنده منحصرًا في الحسن لغيره بحيث لا يتنزل الحسن عند الترمذي إلا عليه.
    ومن هذه الحيثية، فإطلاق الترمذي الحسن علىٰ الحديث الذي له إسناد صحيح أو أكثر، أو له إسناد حسن لذاته أو أكثر، أو له إسنادان أحدهما صحيح والآخر حسن لذاته؛ لا ينكر، بل هو موجود في كلام الترمذي؛ ليس مراد الترمذي في التحسين هاهنا أن الحديث له إسناد حسن لذاته، أو أنه إذا كان الحديث له إسنادان وجمع في وصفه بين الصحة والحسن أن الحديث عنده صحيح باعتبار أحد الإسنادين حسن باعتبار الإسناد الآخر؛ هذا ليس مرادًا للترمذي –رحمه الله- بل الحسن عنده وصف للصحيح نفسه، بمعنىٰ أن هذا الحديث الصحيح رواته ثقات، وقد وجدت فيه صفات الحسن عنده من السلامة من الشذوذ والرواية من غير وجهٍ نحوه؛ فلهذا صحَّ وصف الترمذي له بالحسن والصحة؛ فهو صحيح عنده لتحقيق شرائط الصحة فيه عنده، حسن لتحقق أوصاف الحسن التي ذكرها وبينها فيه. والله أعلم"([5]).


    ([1]) ((نزهة النظر)) ص36-37.

    ([2]) ((نزهة النظر)) ص37.

    ([3]) ((الجامع)) 5/758-759.

    ([4]) ((الجامع)) 5/758.

    ([5]) من تعليقات فضيلة الشيخ/ طارق عوض الله على ((علوم الحديث)) 1/476-477.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    والآن نذكر جواب ابن رجب –رحمه الله- وهو أقوىٰ الأجوبة، وأقربها إلىٰ الصواب، وأسلمها من الاعتراضات والإيرادات؛ وذلك أنه وافق تعريف الترمذي لـ((الحسن)) و((الغريب)).
    قال الإمام ابن رجب –رحمه الله- في ((شرح علل الترمذي)):

    "فقد بين الترمذي مراده بالحسن؛ وهو: ما كان حسن الإسناد، وفسّر حسن الإسناد بأن لا يكون في إسناده متهم بالكذب، ولا يكون شاذًّا، ويروىٰ من غير وجه نحوه؛ فكل حديث كان كذلك فهو عنده حديث حسن.
    وقد تقدم أن الرواة منهم من يتهم بالكذب، ومنهم من يغلب علىٰ حديثه الوهم والغلط، ومنهم الثقة الذي يقل غلطه، ومنهم الثقة الذي يكثر غلطه.
    فعلىٰ ما ذكره الترمذي: كل ما كان في إسناده متهم فليس بحسن، وما عداه فهو حسن.
    بشرط: أن لا يكون شاذًّا.
    والظاهر أنه أراد بـ((الشاذ)) ما قاله الشافعي، وهو: أن يروي الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
    وبشرط: أن يُروَىٰ نحوه من غيره وجه؛ يعني أن يُرْوَىٰ معنىٰ ذلك الحديث من وجوه أُخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد.
    فعلىٰ هذا: الحديث الذي يريه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب علىٰ حديثه الوهم، إذا لم يكن أحد منهم متهمًا؛ كله حسن.
    بشرط: أن لا يكون شاذًّا مخالفًا للأحاديث الصحيحة.
    وبشرط: أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة.
    فإن كان -مع ذلك- من رواية الثقات العدول الحفاظ؛ فالحديث حينئذ ((حسن صحيح)).
    وإن كان -مع ذلك- من رواية غيرهم من أهل الصدق الذين في حديثهم وهم وغلط -إما كثير أو غالب عليهم-؛ فهو ((حسن)).
    ولو لم يرو لفظه إلا من ذلك الوجه؛ لأن المعتبر أن يُرْوَىٰ معناه من غير وجه، لا نفس لفظه.
    وعلىٰ هذا: فلا يشكل قوله: ((حديث حسن غريب))، ولا قوله: ((صحيح حسن غريبلا نعرفه إلا من هذا الوجه))؛ لأن مراده أن هذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه، وإن كانت شواهده بغير لفظه.
    وهذا كما في حديث «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»([1]فإن شواهده كثيرة جداً في السنة؛ مما يدل علىٰ أن المقاصد والنيات هي المؤثرة في الأعمال، وأن الجزاء يقع علىٰ العمل بحسب ما نُوِيَ به، وإن لم يكن لفظ حديث عمر مرويًّا من غير حديثه من وجه يصح.
    وبمعنىٰ هذا الذي ذكرناه؛ فسر ابن الصلاح كلام الترمذي في معنىٰ الحسن، غير أنه زاد : "لا يكون من رواية مغفل كثير الخطأ".

    وهذا لا يدل عليه كلام الترمذي؛ لأنه إنما اعتبر أن لا يكون راويه متهمًا فقط. لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا : أن من كان مغفلًا كثير الخطأ لا يحتج بحديثه، ولا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين.
    وقول الترمذي -رحمه الله-: "يروىٰ من غير وجه نحو ذلك" ولم يقل: عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيحتمل أن يكون مراده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يحمل كلامه علىٰ ظاهره، وهو أن يكون معناه: يُرْوَىٰ من غير وجه، ولو موقوفًا؛ ليستدل بذلك علىٰ أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به.
    وهذا؛ كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عضده قول صحابي، أو عمل عامة أهل الفتوىٰ به، كان صحيحًا.
    وعلىٰ هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام الترمذي إنما يكون الحديث ((صحيحًا حسنًا)) إذا صحَّ إسناده برواية الثقات العدول، ولم يكن شاذًّا، وروي نحوه من غير وجه.
    وأما ((الصحيح)) المجرد فلا يشترط فيه أن يُرْوَىٰ نحوه من غير وجه، لكن لا بد أن لا يكون أيضًا شاذًّا -وهو ما روت الثقات خلافه، علىٰ ما يقوله الشافعي والترمذي- فيكون حينئذ((الصحيح الحسن)) أقوىٰ من الصحيح المجرد.
    وقد يقال: إن الترمذي إنما أراد بـ((الحسن)) ما فسره به ههنا إذا ذكر((الحسن)) مجردًا عن الصحة، فأما((الحسن)) المقترن بـ((الصحيح)) فلا يحتاج أن يُرْوَىٰ نحوه من غيره وجه؛ لأن صحته تغني عن اعتضاده بشواهد آخر. والله أعلم"([2]). اهـ.
    "ومحصلة هذا الجواب:

    أن قول الترمذي "لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب" هل معناه أنه لابدَّ أن يكون هذا الراوي ضعيفًا، إلا أنه مع ضعفه لم يبلغ إلىٰ حد أن يكون متهمًا بالكذب، أم من الممكن أن يكون ثقة أو صدوقًا؟
    الظاهر: عدم اشتراط ضعف الراوي؛ لأن اشتراط كون الرواية سالمة من متهم بالكذب لا يلزم منه أن تكون الرواية ضعيفة؛ أي: لا يلزم من هذا الشرط أن تكون الرواية قد اشتملت علىٰ راوٍ ضعيف ضعفه هين؛ لأن الرواية التي يرويها الثقات هي سالمة من متهم بالكذب، والرواية التي يرويها أهل الصدق هي أيضًا سالمة من متهم بالكذب.
    فإن كان هذا هو مراد الترمذي من قوله: "لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب"، أنه يدخل فيه الثقات ويدخل فيه أهل الصدق ويدخل فيه أيضا الضعفاء الذين لم يبلغوا في الضعف إلىٰ حد أن يكونوا متهمين بالكذب؛ فحينئذٍ يسهل علينا الجواب عن هذا الاستشكال.
    ذلك أن هذا الحديث الذي وصفه الإمام الترمذي –رحمه الله- بأنه ((حسن)) قد وصفه بذلك بناء علىٰ اجتماع ثلاثة أمور هي:
    الأمر الأول: أن راويه سالم من التهمة بالكذب.
    الأمر الثاني: أن الحديث سالم من الشذوذ.
    الأمر الثالث: أن هذا الحديث قد رُوي نحوه من وجه آخر أو أكثر.
    فإذا وجدنا الحديث هذه صفته، صدق عليه اسم ((الحسن))، فإذا انضم إلىٰ هذا أن الراوي الذي هو ليس متهما بالكذب كان من أهل الثقة –أي: كان ثقة- فالثقات –بطبيعة الحال- سالمون من التهمة بالكذب، فيصدق علىٰ الحديث أيضا وصف ((الصحة))؛ لأنه من رواية الثقات، ويصدق عليه أيضا وصف ((الحسن))؛ لأنه قد اشتمل علىٰ أوصاف الحسن عند الإمام الترمذي.
    الترمذي اشترط في الحديث ((الحسن)) أن يكون راويه سالمًا من التهمة بالكذب، وهذا ثقة سالم من التهمة بالكذب؛ الترمذي اشترط في الحديث ((الحسن)) أن يكون الحديث سالما من الشذوذ، وهذا أيضا سالم من الشذوذ؛ واشترط أيضا أن يُروىٰ من غير وجه نحوه، وهذا أيضا قد رُوي من غير وجه نحوه؛ فهذا الحديث الذي بين أيدينا له طرق متعددة، وله شواهد من غير رواية ذلك الراوي الذي تفرد بالوجه الأول، وليس بالضرورة أن تكون هذه الشواهد باللفظ، بل ربما تكون بالمعنىٰ ؛ إذ الاعتبار هاهنا هو المعنىٰ لا اللفظ.
    فلو جاءنا حديث يرويه ثقة، وهذا الحديث سالم من الشذوذ، ورُويَ نحوه من غير وجهٍ، صدق عليه اسم ((الحسن))؛ لأنه قد تحققت فيه شرائط الحسن عند الترمذي، وصدق عليه أيضًا اسم ((الصحيح))؛ لأنه تحققت فيه شرائط الصحة من ثقة الرواة، واتصال الإسناد، والسلامة من الشذوذ والعلة.
    فيصلح حينئذٍ أن نقول في هذا الحديث: إنه ((حسن صحيح))، ((حسن)) باعتبار تحقق شرائط الحسن التي ذكرها الترمذي فيه، ((صحيح)) باعتبار أن شرط الحديث الصحيح أيضا قد تحقق فيه.
    وإن لم يكن الراوي ثقة، بل هو راوٍ ضعيف، إلا أن ضعفه من الضعف الهين وليس من الضعف الشديد، فهو أيضا حديث ((حسن))؛ لأن هذا الراوي ليس متهمًا بالكذب، وحديثه أيضًا سالم من الشذوذ، وهو أيضا قد روي من غير وجه نحوه، إذًا تحقق فيه شرط الحسن عند الإمام الترمذي.
    فإن صادف هذا الراوي روايته بلفظ ما، وتلك الشواهد التي انضمت إليه وإن وافقته في المعنىٰ إلا أنها لا توافقه في اللفظ، فحينئذٍ يصدق علىٰ الحديث وصف ((حسن غريب))؛ أي: ((حسن)) لتحقق شرائط الحديث ((الحسن)) التي ذكرها الترمذي في هذا الحديث، وهو ((غريب)) بهذا اللفظ الذي جاء به ذلك الراوي متفردًا به.
    أو قد تكون الغرابة راجعة إلىٰ الإسناد، كأن يكون ذلك الراوي الذي فيه نوع ضعفٍ، إنما تفرد برواية ذلك الحديث بإسناد معين لم يأتِ به غيره، والمعنىٰ الذي يتضمنه المتن له شواهد تأخذ بيده وتعضده وتؤكد أن الراوي حفظ المتن أو معناه وإن لم يحفظ الإسناد، فحينئذٍ يصدق عليه وصف ((حسن غريب)) أيضا؛ بمعنىٰ : أنه يكون ((حسنًا)) لتحقق شرائط الترمذي في ((الحسن))، و((غريبًا))؛ أي: من هذا الوجه أو من هذا الإسناد الذي تفرد به ذلك المتفرد.
    وعلىٰ هذا؛ فلا إشكال في قول الترمذي في الحديث: ((هذا حديث حسن غريب))، ولا قوله: ((حسن صحيح))، ولا قوله: ((حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه))؛ فهذا حكم متعلق بالرواية من حيث الإسناد، و((الحسن)) راجع إلىٰ المتن وإلىٰ المعنىٰ الذي تضمنه ذلك المتن.
    وهذا أمر معروفٌ؛ فهناك من الأحاديث ما يكون ((غريبًا)) من حيث اللفظ؛ بمعنىٰ : أنه لم يُروَ بهذا اللفظ إلا من وجه واحدٍ، وإن كان المعنىٰ الذي تضمنه ذلك اللفظ مرويًّا من وجوه كثيرة، فحينئذٍ الغرابة تكون راجعة إلىٰ رواية بعينها أو لفظ بعينه، وإن كان المعنىٰ الذي تضمنه ذلك اللفظ معنًىٰ مشهورًا مستفيضًا لا غبار عليه ولا شك في صحته.
    كمثل حديث: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، فإن شواهده كثيرة جدًّا في السنة، مما يدل علىٰ أن المقاصد والنيات هي المؤثرة في الأعمال، وأن الجزاء يقع علىٰ العمل بحسب ما نُوِيَ به، وإن لم يكن لفظ حديث عمر مرويًّا من غير حديثه من وجه يصح.
    فالمعنىٰ الذي تضمنه هذا الحديث؛ هو معنىٰ مشهور لا نستطيع أن نقول: ((إنه غريب))، وإن كان اللفظ نفسه غريبًا لم يصح إلا من هذا الوجه؛ لتفرد عمر بن الخطاب به عن رسول الله
    صلى الله عليه وسلم، ولتفرد علقمة به عن عمر، ولتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عن علقمة، ولتفرد يحيىٰ بن سعيد الأنصاري به عن التيمي؛ فهو بهذا الإسناد غريب، ولكن المعنىٰ الذي تضمنه معنًىٰ مشهور، وقد تلقاه العلماء بالقبول، وروي بموافقته أحاديث كثيرة.
    فهذا محصلة جواب الإمام ابن رجب الحنبلي –رحمه الله- عن هذا الإشكال، وهو –كما ذكرنا- من أقرب الأجوبة إلىٰ الصواب، ومن أدقها، ومن أسلمها عن الاعتراض والإيراد، والله أعلم"([3])
    وبعد،، فهذا آخر كلامنا في هذه المسألة، والله تعالى أعلى وأعلم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم

    ([1]) رواه البخاري في ((صحيحه)) كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، برقم (1)، ومسلم في ((صحيحه)) كتاب الإمارة، باب قوله r: «إنما الأعمال بالنيات»، برقم (1907)، والترمذي في ((سننه)) كتاب فضائل الجهاد، باب فيمن جاء يقاتل رياء وللدنيا، برقم (1647)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

    ([2]) ((شرح علل الترمذي)) 2/606-608.

    ([3]) من تعليقات فضيلة الشيخ/ طارق بن عوض الله –حفظه الله تعالى- على ((علوم الحديث)) لابن الصلاح، 1/479-182.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    الأرض لله
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    ماشاء الله جزاك الله خيرا ... وبالفعل هو أقرب الأقوال للصحة وبه يزول الاشكال إن شاء الله

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    وجزاك مثله أخي الحبيب محمد الروسي

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,057

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    ممن تكلم فى هذه المسالة الشيخ الطريفى تقريبا فى كتابه صفة الحج
    اسباب ضعف طلب العلم فى مصر .pdf (400.2 كيلوبايت, المشاهدات 66)
    صفحتى على الفيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php...26&ref=tn_tnmn

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    هو تصحيح نوع وابن حبان إذا روى حديثا في صحيحه فقد صححه إلا إذا تكلم فيه بعينه
    أبو مالك المديني

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الترجيح في قول الترمذي: (حسن صحيح)

    تعليقكم هذا يا أبا مالك على موضوع آخر، بارك الله فيكم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •