ثم نجد المحقق – سامحه الله – يعرض في صفحتين لوثيقة وقف الكتاب ، دون أن يترجم للواقف ، ولا لولده ، كما لم يقدم لنا أي تعريف بتربته البزورية.
الصدر المحترم الرئيس عز الدين أبو بكر محفوظ بن معتوق بن أبي بكر بن عمر بن محمد بن عمارة بن محمد البغدادي ثم الدمشقي الشافعي ، المعروف بابن البُزُوري ، المحدث المؤرخ التاجر السفار الأديب.
ولد في بغداد بعد سنة ( 630 هـ ) بيسير ، ثم سكن دمشق ، وحدث بها ، وسمع منه شمس الدين الذهبي وغيره ، وتوفي بها في ثامن صفر سنة ( 694 هـ ) ، ودفن بتربته البُزُورية بسفح جبل قاسيون.
كان شيخاً ثقة ، نبيلاً ، محتشما ، جليلا ، وسيما ، مَهيبًا ، مليح الشكل ، حَسَن الصورة ، رفيع البِزّة.
وكان من كبار التّجار ، وأُولي الثروة ، وأرباب العدالة والمروءة.
وكان يحضر مجالس وعظ ابنه الشَّيْخ الواعظ العَلامَة نجم الدِّين معتوق بجامع دمشق ، وكان قد غاب سِنين متطاولة فِي التّجارة ، ودخل إلى الهند وإلى الصّين ، فاتفق أنّه حجّ سنة بضع وثمانين وستمائة ، وحجّ ابنه ، فالتقيا بالموقف ، فلم يكد يعرف أحدهما الآخر من طول الغيبة.
له مشاركة حَسَنة فِي العِلم ، وصنف " تاريخا " كبيراً ، ذيل به على " المنتظم " لابن الْجَوْزِيّ ، فِي عدّة مجلّدات ، ذهبت فِي أيّام التّتار الغازانية سنة تسع وتسعين وستّمائة من خزانة كُتُبه الموقوفة بتُربته بسفْح جبل قاسيون في الصالحية ، فوق سوق القطن ، بزقاق مجاور لمسجد بن براقة ، ثمّ ظفر شمس الدين الذهبي بثلاث مجلدات منه ، وكان فيها جملة مفيدة.
ترجمته في : تاريخ الإسلام 40/ 31 ، 46/ 227 ، 52/ 231 – 232 ، والعبر 3/ 383 ، ومعجم الشيوخ الكبير للذهبي 2/ 127 ، وذيل التقييد 2/ 277 - 278 ، والدليل الشافي 2/573 , والدارس في تاريخ المدارس 2/ 178 ، وشذرات الذهب 7/ 745 ، والأعلام 5/ 291 ، ومعجم المؤلفين 8/ 189.
أما ولده المذكور في وثيقة وقف الكتاب فهو :
رئيس الوعاظ نجم الدين معتوق – ويقال : يعقوب - بن محفوظ ( 651 – 702 هـ ). الدرر الكامنة 6/ 114 ، 205.
وهذه الوثيقة لها أهميتها التاريخية ، كما يمكن الاستفادة من ترجمة الواقف من عدة أمور :
1- أن المحقق لو كان اهتم بالبحث عن ترجمة الواقف وولده لما كتب : (( ... وكتب ولد الواقف : معيوق بن محفوظ بن معيوق )).
2- لم يكن الواقف مجرد تاجر ثري يجمع المخطوطات من هنا وهناك ؛ ليزين بها مكتبته في تربته البزورية ، وإنما كان محدثاً مؤرخاً ، فهو على علم بقدر ما يشتريه من كتب ، ومعرفة بقدر أصحابها.
3- تاريخ هذه الوقفية : يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الآخر سنة ( 692 هـ ) ؛ أي : بعد عودته من رحلته الطويلة في الهند والصين ، وأدائه فريضة الحج سنة بضع وثمانين وستمائة ، فربما حصل هذه النسخة بالشراء من الهند وما جاورها ،
وتاريخ ما كتبه ولده : شهر المحرم سنة ( 695 هـ ).
ويمكن القول أيضاً : إن هذه النسخة ربما تكون قد ذهبت مع ما ذهب من خزانة كبته الموقوفة على تربته البزورية أيام احتلال التتار لمدينة دمشق سنة ( 699 هـ ).
ولعلها انتقلت من مكان إلى مكان حتى وصلت إلى بيت المستشرق بريل في لايدن بهولندا ، ثم إلى مكتبة جامعة برنستون.
وهذه النسخة لا تمثل كل الكتاب ، وإنما تمثل قسم الفرش فقط ، أما قسم الأصول فهو مفقود منذ زمان الواقف ، فلم أعرف كتاباً في عد الآي خلا من ذكر الأصول ، وهذا ما لم ينبه عليه الواقف.
وقد وقفت على بعض النسخ الخطية في عد الآي التي سقط منها قسم الأصول ؛ منها : كتاب في عد آي القرآن لمؤلف مجهول ، يوجد منه نسخة خطية محفوظة في مكتبة المجمع العلمي العراقي ببغداد ، وقبله تنزيل القرآن وعدد آياته واختلاف الناس فيه لابن زنجلة الرازي ، وقد منَّ الله علي بالكشف عن اسم الكتاب واسم مؤلفه.
وأقول : لا خلاف في أن الفضل بن شاذان هو من تلاميذ محمد بن عيسى الأصفهاني ، وأحمد بن يزيد الحلواني ، ونوح بن أنس الرازي.
ولا نقاش فيما صرح به الإمام الشاطبي من أن لابن شاذان كتاباً في عد الآي.
ولا جدال في أن المراد بقول مصنف الكتاب : (( قال أبو العباس : حدثنا الحلواني ... حدثنا نوح بن أنس ... )) هو أبو العباس الفضل بن شاذان.
لكن ذلك كله لا ينهض دليلاً واحداً على القطع بنسبة الكتاب للفضل بن شاذان ، حتى قال المحقق : (( فلم يبق شك في نسبة هذا الكتاب إليه. والحمد لله )).
وإلا لصحت نسبة كتاب عد الآي للفراء ، أو لابن سعدان الكوفي الضرير.
والله أعلم.