بقلم : عبدالله عبدالرحمن الدوسري
الناطق الرسمي باسم الحراك الشعبي السني في العراق

كثير ما يتم تناول مفهوم الديمقراطية على أنه اختيار الشعب مطلقاً بدون رقابة أو ضوابط وعلى هذا الأساس تم تطبيقها في عالمنا العربي والإسلامي لتشكل حالة من الفوضى لا مثيل لها، بينما الواقع التطبيقي لها في الغرب مختلف تماماً ، فهي محكومة عندهم بالدستور وهذا الدستور هو الحاكم الحقيقي والديمقراطية هي آلية للوصول إلى القرار في ضوء استحقاقات الدستور وأحكامه .
فإذا كانت الديمقراطية تعني " حكم الشعب " مطلقاً كما يروج لها، وكان هذا الشعب مسلم واختار تحكيم شرع الله ؟
فهل هذا القرار يعتبر ديمقراطياً بنظر الغرب ؟!
أم تكون ديمقراطية غير رشيدة أو غير ناضجة كما صرح الكثير منهم في التعليق على نتائج الانتخابات في بلدان الربيع العربي!!
ثم هل حقيقة المشكلة الشرعية في " الديمقراطية " من حيث المبدأ، أم الألية ؟
فمسألة حكم الأغلب وتقديم العدد على الأكفاء هذه الألية مرجوحة في الإسلام وليست راجحة لإن الترجيح دائماً عند المسلمين على الأصلح والثقة لا على العدد " وهذه المسألة يذكرها علماء الحديث والأصول لدى الكلام عن الروايات والأخبار ، كما يذكرها علماء القضاء لدى الكلام عن طرق الإثبات ، ولها أهميتها في مسائل السياسة والاقتصاد والإدارة ، والبحث والتحقيق " [1]
وهذا موافق لمقتضى العقل والمنطق ولا توجد نظرية علمية أو حقيقة برهانية تبنى على نتائج ظنون سائدة أو مشهورة بل أكثر ما تُظهِر نتائج الأبحاث العلمية حقائق خلاف ما هو سائد أو معتقد وكل مراكز البحوث والعلماء ودوائر القرار تسلم لهذه الحقائق الجديدة بناء على نتائج البحث العلمي الصادرة من مركز بحث موثوق ومعترف به علمياً، ولا تعترف بما يعتقده الأكثرية ؟ ولو فعلت خلاف ذلك لكان هذا هو الجنون بعينه .
وكذا في السياسية واقعاً هم لا يؤمنون بحكم الأكثرية الغير راشدة بنظرهم !
بدليل لو سألنا من يؤمن بالديمقراطية الغربيه وقلنا له :
لو حصل أحد الأرهابيين ( ممن تصفونهم بذلك ) على منصب رئاسي في أحد الدول الإروبيه أو الولايات المتحدة الإمريكية أو حتى في الدول الإسلامية بأصوات غالبية الشعب، فماذا سيكون وصفكم لهذه التجربة الديمقراطية ؟!
قطعاً سوف تهاجم بشتى الوسائل ولربما العسكرية منها كما حدث في تجربة الجزائر .. ومن هنا تجد هذه الأنظمة الديمقراطية في واقعها العملي تشترط شروط للترشح وتمنع هذا الحزب أو ذاك ؟
لا لأنه عنصري أو فاشي أو أرهابي فقط كما يزعمون، بل لأنهم يخشون حقيقةً أن يفوز أويحقق مكاسب سياسية، فسياسة القبول برأي الأكثرية والأغلب ليست رشيدة عندهم !! فيعملون على ترشيدها بحضر بعض الأحزاب والأشخاص والتوجهات والأفكار وهذا مخالف قطعا لما اشترطوه على أنفسهم وهو " حكم الشعب مطلقاً " " الأكثرية " ؟!
فإذا لم نجد مانع شرعي إذا كان المترشحون متساوون بالكفاءة والدين أن يكون الترجيح بالعدد في مثل هذه الحالة ؟!
وهو عين المبدأ الذي يعمل عليه الغرب الآن عملياً وفق قيمهم وعقائدهم، فهل لهم حجةٌ لهم علينا ؟!

قال العز بن عبد السلام : " إذا تساوت أنواع المصالح أو المفاسد، كان الترجيح بكثرة المقدار "[2] ، ولهذا يقول :" وكذلك التصويت هو إدلاء بالرأي أصله جائز لقوله تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾[3] ونحوها من الآيات ، ولأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شاور الناس ، وإنما دخل المنكر من جهة تسوية القائمين على الانتخابات في النظم المعاصرة رأي أهل الحل والعقد بالعامة، وتسوية الكافر والمسلم" [4]
وحيقيقة منزلة من يقوم مقام رأي أهل "الحل والعقد" بحسب العرف السياسي الآن هم كتبة الدستور واللجنة المشرفة على العملية الانتخابية التي تضع شروط الترشيح فتقرر قبول وإبعاد المرشح لمخالفته الشروط الدستوريه وغيرها، رغم كون الشخص المبعد قد يكون أكثر شعبية ً وأقرب للفوز كما حدث واقعاً مع الشيخ " حازم أبو إسماعيل " في انتخابات الرئاسة المصرية
إذاً مالفرق بين ما تقدم من مفهوم الترجيح العددي عند المسلمين والواقع العملي للديمقراطية بالمفهوم الغربي ؟!
الحق أنه لا فرق سوى أنهم ألزمونا بتعريف لـ " الديمقراطيه " لم يتلزموا به واقعاً فالديمقراطية عندهم مقيدة وليست مطلقة، ففرضوا علينا ديمقراطيتهم بقيميها وعاداتها وحَكَّمُوها فينا فمن هنا نشأ الخلاف الشرعي.






[1] - الفكر الاقتصادي عند إمام الحرمين الجويني ص37 ، تأليف: د. رفيق يونس المصري ، طبعة دار الفكر المعاصر- بيروت / لبنان ، دار الفكر – دمشق / سوريا ، ط1 شوال 1421 هـ / كانون الثاني ( يناير) 2001م
[2] - قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (660)هـ، تحقيق : عبد الغني الدقر، دار الطباع- دمشق/ سوريا، 1413هـ/1992م
[3] - [ الشورى : 28 ]
[4] - إشكالية التلازم بين الرضا بالديمقراطية والتعامل معها " مجلة البيان السنة السابعة والعشرون ص23 - العدد 302-شوال 1433- أغسطس 2012م