تحفة الألمعي شرح سنن الترمذي
تأليف : المحدّث فضيلة الشيخ سعيد أحمد البالنبوري
شيخ الحديث و رئيس هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند
جمع وترتيب : الأستاذ حسين أحمد البالنبوري ابن المؤلف
نشر وتوزيع : المكتبة الحجازية، ديوبند، سهارنبور، يوبي، الهند
تعريف بالكتاب : بقلم: نور عالم خليل الأميني
وقع إليَّ كتابٌ قيِّمٌ في شرح "سنن الترمذي" باسم "تُحْفَةُ الأَلْمَعِيّ" وهو مجموعُ محاضرات دراسيَّة ظَلَّ يلقيها منذ سنوات طويلة العالم الهندي المتقن المفتي المحدّث فضيلة الشيخ سعيد أحمد البالنبوري/ شيخ الحديث ورئيس هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند على طلاّبه في الصف النهائيّ المُخَصَّص لتدريس الحديث الشريف بالجامعة، المعروف بـ"دورة الحديث الشريف". وقد نَقَلَه عن الشريط المسجل ابنُه البارّ الأستاذ حسين أحمد البالنبوري الذي جَمَعَه وبَوَّبَه وهَذَّبَه، ثم قرأه فضيلة المحدث المحاضر بنفسه بدقّة وإمعان، ثم أَخْرَجَه كتابًا مُطَوَّلاً يقع في ثمانية مُجَلَّدَات، صَدَرَتْ منها لحدّ الآن (رجب 1430هـ/ يوليو 2009م) سبعةُ مُجَلَّدَات، والمجلدُ الثامن الأخير تحتَ التجهيز، وكلُّ مجلّد في 600 صفحة أو أكثر. والكتابُ صَدَرَ مطبوعًا طباعةً أنيقةً، في وَرَق أبيضَ ثخين فاخر، يُزَيِّنه تجليدٌ رائعٌ يَشِفّ عن الذوق الطيب للقائمين على إصداره، وحرصهم على جمال المظهر إلى جمال المخبر للكتاب، رغبةً في جذب القارئ، وإدخال السرور عليه، وإمتاعه بالمظهر الرائع الجميل.
يتصدّرُ كلَّ مجلَّد فهرسٌ كاملٌ للموضوعات بكلّ من اللغتين: الأرديّة (التي هي لغةُ هذه المحاضرات الدراسيَّةِ) والعربيّة (وهي لغة أصل الكتاب: "سنن الترمذيّ") والفهرس العربيّ هو للأبواب كما وَرَدَ في "سنن الترمذيّ".
والمُجَلَّدُ الأوّل يَتَصَدَّره – خصيصًا – مقدمةٌ من عند الجامع بعنوان "عَرْضِ مُرَتِّب" تَحدَّثَ فيه عن عدد من الأغراض التي بَدَا له الحديثُ عنها: متى بدأ تدريسُ الحديث الشريف في الديار الهندية، وما دورُ المحدث الكبير الشيخ عبد الحق الدهلوي (958-1052هـ = 1551-1642م) ثم الإمام وليّ الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (1114-1176هـ = 1703-1762م) وأبنائه وأحفاده البررة الكرام أمثال: ابنه الأكبر الشيخ عبد العزيز الدهلوي (1159-1239هـ = 1746-1824م) وسبطه الشيخ محمد إسحاق الدهلوي (1196-1262هـ = 1781-1845م) حيث انتقلت سعادةُ خدمة الحديث مرورًا بتلاميذهم وعلى رأسهم الشيخ عبد الغني المجدّدي (1235-1296هـ = 1820-1879م) إلى مشايخ "ديوبند" وعلى رأسهم الإمام الشيخ محمد قاسم النانوتوي (1248-1297هـ = 1832-1880م) مؤسس جامعة ديوبند وزميله الشيخ المحدث الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي (1244-1323هـ = 1829-1905م) وغيرهما.
وقد عدَّد الأستاذُ الجامعُ بهذه المناسبة أسماءَ كبار مُحَدِّثِي "ديوبندَ" وتَطَرَّقَ إلى ذكر صاحب هذه المحاضرات الدراسيّة الحديثية والده الشيخ سعيد أحمد البالنبوري، وذكر ما يمتاز به بين كثير من العلماء المعاصرين من إتقان العلم، ولاسيّما الحديث وعلومه، والفقه وأصوله؛ ومعرفة الحق من الباطل؛ والصواب من الخطأ؛ واعتدال الطبع؛ واستقامة المنهج؛ والتنسيق والسلاسة في عامة الحديث والمحاضرة، والخطاب والكتابة؛ والتمهّل في الإلقاء وتقديمِ المواد إلى المستمع والقارئ؛ ولذلك دروسُه ومحاضرَاتُه، ولاسيّما فيما يتعلق بالحديث الشريف، مُتَلَقَّاةٌ بالقبول؛ كما يسعد باحترام جميع الأئمة والمحدثين، والفقهاء والمجتهدين، على اختلاف المذاهب ووجهات النظر؛ بحيث يبدو كلٌّ منهم مُحِقٌّ – كما هو الواقع – فيما يذهب إليه ويستنبطه من الأحاديث، ويتأكّد المستمعُ والقارئُ أنّ الخلافَ في المسائل لدى الأئمة إنما كان أساسُه اختلافَهم في فهم النصوص، وليس اختلافهم في المُسْتَدَلاَّت . وأهمُّ مزاياه أنه يتّبع في إلقاء الدروس منهجاً واحدًا طَوَالَ العام الدراسيّ: منهج التمهّل والتدرّج، دون التسرّع والتعجّل، ودون إطالة مُمِلَّة في مواضع وإيجاز مُخِلّ في أخرى.
ثم ذكر الجَامِعُ الطريقةَ التي سَلَكَها هو في جمع هذه المحاضرات الدراسيّة؛ فقال: إنّه وَضَعَ أولاً فهارسَ، ثم أورد المحاضرةَ المتصلةَ بالباب كاملةً، ثم وَضَعَ نصَّ الحديث باللّغة العربية مُشَكَّلاً، ثم ساق الترجمةَ الدراسيّةَ الأرديّةَ لنصّ الحديث، وأَعْقَبَها بحلّ ما جاء في نصّ الحديث من كلمات رآها تحتاج إلى شرح وإيضاح، حتى يُسِيغها الطلابُ والدارسون.
ثم ذكر الجامعُ أنَّ الإمامَ الترمذيَّ عَرَّفَ كتابَه "جامع الترمذيَّ" بنفسه في رسالة ألحقها بكتابه، واشتهرت هذه الرسالةُ لسبب لا يُعْرَف بـ"كتاب العِلَل". وكان الشيخ سعيد أحمد البالنبوريّ صاحبُ هذه المحاضرات، دَرَّس الرسالةَ في مُسْتَهلَّ الكتاب، أي قبل أن يُدَرِّسَ "جامع الترمذي" فرأى من اللائق أن يضع الرسالةَ كاملةً في بداية الكتاب بنصّها العربيّ مُشَكَّلاً، وبالترجمة الأرديّة له، وبحلّ الكلمات الصعبة باللغة الأرديّة، وبالشرح والإيضاح الذي جرى على لسان المحاضر الفاضل.
وربّما أحال المُحَاضِرُ خلال إلقاء المحاضرات على كتب في الحديث أو الفقه، فَراجَعَ الجامعُ هذه الكتبَ وذكرها بين القوسين بتحديد الصفحات، حتى تَسْهُلَ على القارئ مراجعتُها إذا شاء.
وذكر الجامعُ أنّ المُحَاضِر الفاضل قَرَأَ هذه المحاضرات كلَّها بعد نقلها من الأشرطة إلى الوَرَق، كلمةً كلمةً بدقة وإمعان، وحَذَفَ منها، وأضاف إليها، وهَذَّبها لتأتي كتابًا مستقلاًّ، يُؤَلَّف مُنَسَّقًا، مُبَوَّبًا مُرَتَّبًا، فجاءت كأنّها من تأليف المُحَاضِر، وليست من حديثه الشفهيّ فقط.
ثم ذكر الجامعُ من مزايا هذه المحاضرات – الشرح – ما رآه يجعل القارئ يهتمّ بها ويُقَدِّرُها؛ فذكر ستّ مزايا، وهي بالإيجاز:
1 – المُحَاضِر الفاضلُ لم يسلك في محاضراته الدراسيّة الطريقةَ النمطيّةَ المُتَّبعة لدى عامّة مُدَرِّسِي كتب الحديث من إجراء عمليّة التفضيل بين مذاهب المجتهدين؛ لأنّه يرى ذلك عملاً لاغيًا؛ لأن المذاهب المُتَّبعَة كلّها حقٌّ، فهو يرى الحاجةَ إلى إبراز أساس اختلاف الأئمة في الاجتهاد واستنباط المسائل؛ لأنّ المستدلاّت كلّها كانت نصبَ أعين الأئمة المجتهدين، ورغمَ ذلك اختلفوا في المسائل التي تَوَصَّلوا إليها. وذلك لمبادئ أساسيَّة كلٌّ منهم اعْتَمَدَها في استخراج المسائل من نصوص الكتاب والسنّة؛ فالمحاضر الفاضل وَضَّح هذه المبادئَ، بحيث يستريح القارئُ والمستمعُ إلى أنّ الاختلافَ في المسائل التي اختلفوا فيها كان لابدَّ منه لأسباب شرحها المحاضر.
2 – القارئُ لهذه المحاضرات مطبوعةً في كتاب سيشعر بدوره أنّ المحاضر لايسرد المسائلَ فقط، وإنما يُدَرِّس الكتاب، ويُفَهِّم الفنَّ؛ فهو لايترك قضيّة من قضايا المادة التي يُدَرِّسها إلاّ ويحلّ كلَّ معضلة من معضلاتها. وسار هذه السيرةَ – ولا يزال – في تدريس "جامع الترمذي" أيضًا، كما سار ويسير في تدريس غيره من الكتب.
3 – من المعلوم أنّ "جامع الترمذي" هو "الجامع المُعَلَّل" أي أن الإمام الترمذي أبان فيه العلل الخفيّة التي توجد في بعض الأحاديث، كما أوضح اختلافَ الأسناد وأجرى التفضيلَ بينها. الأمرُ الذي قد لاتوضحه حتى الشروح العربيّة لجامع الترمذي؛ فالأساتذة الذين يقومون بتدريس "جامع الترمذي" يتجاوزن في الأغلب هذا المبحثَ دون أن يُعْنَوْا بحلّه، كأنّه شيء لاطائل تحته، على حين إنه من مزايا "جامع الترمذي". والمحاضرُ – حفظه الله – عُنِيَ به كثيرًا، وأسهب في الحديث عنه خلالَ محاضراته الدراسيّة.
4 – المحاضر ليس مُحَدِّثاً فحسب؛ ولكنه إلى ذلك فقيه، فتَعَرَّضَ في كل باب لذكر المسائل الفقهيّة، وأشبع الحديثَ حولَها، ولاسيّما المسائل المستجدّة التي طَرَحَها الحَاضِرُ ومُتَطَلَّبَاتُ ه .
5 – بما أنّه – حفظه الله – قام بتدريس كتاب "حجّة الله البالغة" للإمام وليّ الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي رحمه الله (1114-1176هـ = 1703-1762م) عبر سنوات طويلة، ثم قام بتأليف شرح له مُطَوَّل في خمسة مجلدات باللغة الأردية باسم "رحمة الله الواسعة" نال قبولاً واستحسانًا بالغين في الأوساط العلميّة والدراسيّة، فَتَشَبَّعَ بالحِكَم والمصالح العقليّة التي ذكرها الإمام الدهلويّ رحمه الله فيما يتّصل بالأحكام الشرعيّة، فهو عندما يمرّ بالأحكام في محاضراته الدراسيّة، لايوضحها فقط وإنما يُبَيِّن في الأغلب حِكَمها التي تَوَصَّلَ إليها الإمامُ، مما يُفَتِّح عقولَ الطلاب والدارسين.
6 – النُسَخُ المُتَدَاوَلَه في مدارسنا لجامع الترمذي مطبوعةٌ في الديار الهندية، بنمط قديم من أنماط خطّ النسخ، لاتتخلّلها فواصل، ولا رموز الوقف، وعلامات الإملاء، ولم يُبْدَأ السطرُ الجديد بترك مساحة نقاط في بداية كلّ حديث؛ فلا يتبيَّن القارئ: من أين ابتدأ الكلامُ وإلى اين انتهى؛ حيث جاءت الأبوابُ غيرَ مُرَقَّمَة، وكُتِبَت الأحاديثُ أيضًا غير مُرَقَّمَة؛ فراعينا ذلك كلّه لدى إصدار هذه المحاضرات مطبوعةً في كتاب؛ ولكن المحاضر لم يتّبع الترقيم المصريّ للأحاديث؛ وإنما رَقَّمَها بدوره حَسبَ ما شاء.
* * *
يتبع