يعد كتاب "الرد على النحاة "لابن مضاء القرطبي أحد اشهر الكتب التي نقدت العلل النحوية وقد بنى فيه نقده للعلل النحوية على أساس من المذهب الظاهري ،وهو مذهب يقوم على التقيد بظاهر النص دون الخوض في التفسير والتعليل ،وقد استوحاة ابن مضاء من الفقه محاكيا بذلك ظاهرية ابن حزم،وقد قصد بمؤلفه هذا أعادة بناء هيكل النحو العربي فأول ما اتجه إليه هو إلغاء العلل الثواني والثوالث أي العلل القياسية والجدلية لأنها في نظره لاتضبط نطقا ولا تقوم استعمالا مكتفيا بالعلل الاول وهو ما أطلق عليه الزجاجي العلة التعليمية ،اي مايفيد في انتحاء سمت كلام العرب،إلا أن محاولة ابن مضاء وإن كانت محاولة طيبة وقصده كان شريفا لرغبته في تيسير النحو لأنه لاحظ الصعوبة التي دمغت النحو بسبب ميل النحاة إلى الفلسفة والمنطق وعلم الكلام إلا أن محاولته لم يكتب لها النجاح لسببين:
1-بناؤه لكتابه على أساس الفقه الظاهري فطويت محاولته في النحو كما طويت محاولة أبي داود وابن حزم في الفقه
2-عدم تفريقه بين النحو العلمي والنحو التعليمي،فالنحو العلمي يراد به النحو المتخصص الذي لايفهمه الا المتخصصون في الميدان لانه يقوم على التعليل والجدل وذكر المسائل الخلافية كما هو حال كتاب الانصاف في مسائل الخلاف وأسرار العربية لابن الأنباري. والنحو التعليمي وهو نحو مبسط يقدم للناشئة كما هو حال كتاب الجمل للزجاجي والتفاحة في النحو لأبي جعفر النحاس.
وعلية فأقول إن وجود التعليل في النحو العربي لم يكن نقمة وثقلا أرهق كاهل النحو العربي، بل كان نعمة أثرت هذا النحو وجعلته خالدا بين مختلف الأنحاء،لأن العقل الانساني مفطور على التعليل ،وفي القران الكريم دعوة إلى التأمل والتدبر،قال تعالى:"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " وقال أيضا:" قل سيرو في الأرض فانظرو كيف بدأ الخلق"