السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
حدث صباح أمس،،
حسن؛ طفل في الخامسة من عمره، سكن مع أسرته بحيّنا منذ عام واحد، بعد أن توفي أبوه رحمه الله.
كنت أراه؛ فأرى في وجهه براءة كل أطفال الدنيا، وأنظر إلى عينيه - رغم جمالها - فأرى فيها بحرًا لا قعر له من الأحزان، يمازجه انكسار لا ينجبر، وأقرأ في نظرته همًا لا منتهى له، وكأن هذا الصغير قد شَابَ في بطن أمه قبل أن يولد.
أحببته للطفه، وصادقته لظرفه، وما كان يخفى عليه حبي له، بل كان يبادلني نفس المشاعر، إذا رأني من بعيد، أقبل نحوي مسرعًا، وفتح ذراعيه، يريد عناقي فأحتمله، وأعانقه وأقبله، وأداعبه...
وبالأمس خلى بي، فقال لي هامسًا: أين ذهب أبي؟
تنهدت وأنا أقاوم دمعات تتسابق لجفوني، وسكت قليلًا لأرتب الجواب، ثم تساعلت قبل أن أجيبه مغمغمًا لـ..لقد...لقد لكن..
نفد الكلام، ولم أجد ما أقول..
فبادرني قائلًا: هل ذهب إلى الجنة؟
فأجبته مسرعًا: إن شاء الله، وكأنما وجدت المخرج من عُمق بحر لجي بهذا الجواب الذي نطقت به شفتا اليتيم، لكن..
لم يلبث أن أعقب سؤاله هذا بسؤال آخر: ومتى سيعود؟
وأسقط في يدي أكثر من ذي قبل، ولم أحر جوابًا، ووجمت للحظة، بيد أني خرجت من هذا المأزق بهتاف أمه به: حسن حسن.. يكفي ما أضعت من وقت الأستاذ، وتعالى لتلعب مع الأولاد، فخرج وهو يقول:
سأعود لك مرة أخرى.
بقيت أفكر طويلًا بما أجيب عليه؟.. لن ينسى السؤال الذي طرحه، فأنا أعرفه على مدار عدة شهور.. بذكائه، وفطنته، ومخايل النجابة البادية عليه..
ماذا أفعل؟ وبماذا أجيب؟
وأخذتُ أُقلّب الأمر على كل وجوهه..
ثم قفز لذهني كلمة لبعض أساتذتي: أحسن جواب للسؤال الذي لا تعرف جوابه أن تقابله بسؤال..
نعم نعم هذا هو الحل.
لماذا يسأل عن عودة والده؟... وهذا هو السؤال المناسب.
وفي المساء عاد الصغير، فتشاغلت عنه، وأنا أُسارقه النظر لأرى ماذا سيفعل، وجعل يظهر اللامبالاة لبعض الوقت، ثم همّ بالانصراف - أو هكذا تصنع - ونهض وهو يقول مودعًا: أراك غدًا..
وهذا وإن كان يبعد أن يصدر من طفل، إلا أنه لا يبعد أن يصدر من هذا الطفل؛ فهو دائمًا يحرص على أن يكون على مُجالسه أخف من نسمة القيظ. فالتفت إليه قائلًا: دقائق وسأفرغ؛ لنلعب سويًا،
وكانت الكلمة وفق مراده فجلس...
ولما التفت إليه بدأني بقوله:
سألتك: متى سيعود أبي؟
وقبل أن أجيب..
تابع قائلًا: لأن الأولاد يقولون لي: لن يعود!!
خنقتني العبرة للمرة الثانية، وخرج صوتي متحشرجًا رغمًا عني وأنا أسأله: ولماذا تسأل عن عودته؟
فقال: لأني أحتاج إلى أشياء كثيرة، ولا أجد من يحضرها لي
قلت: مثل ماذا؟
قال: أريد لعبة لألعب بها؛ أريد دبابة لأحطم بها الأشرار..
تبسمت ضاحكًا من قوله، وقلت له:
اعتبر الدبابة عندك من الصباح الباكر، وماذا تريد أيضًا؟
قال: وأريد من يلعب معي بها...
قلت: وسألعب معك بها،
وفي صباح هذا اليوم كنت أول من دخل محل الخردوات،
واشتريت الدبابة لحسن،
ونحن نلعب بها الآن...
أترككم لأني مشغول وأخشى أن يقتلني حسن بلعبته..
لعبة اليتيم،،
دمتم بحفظ الله،،