تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لعبة اليتيم،،

  1. Lightbulb لعبة اليتيم،،

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

    حدث صباح أمس،،
    حسن؛ طفل في الخامسة من عمره، سكن مع أسرته بحيّنا منذ عام واحد، بعد أن توفي أبوه رحمه الله.
    كنت أراه؛ فأرى في وجهه براءة كل أطفال الدنيا، وأنظر إلى عينيه - رغم جمالها - فأرى فيها بحرًا لا قعر له من الأحزان، يمازجه انكسار لا ينجبر، وأقرأ في نظرته همًا لا منتهى له، وكأن هذا الصغير قد شَابَ في بطن أمه قبل أن يولد.
    أحببته للطفه، وصادقته لظرفه، وما كان يخفى عليه حبي له، بل كان يبادلني نفس المشاعر، إذا رأني من بعيد، أقبل نحوي مسرعًا، وفتح ذراعيه، يريد عناقي فأحتمله، وأعانقه وأقبله، وأداعبه...
    وبالأمس خلى بي، فقال لي هامسًا: أين ذهب أبي؟
    تنهدت وأنا أقاوم دمعات تتسابق لجفوني، وسكت قليلًا لأرتب الجواب، ثم تساعلت قبل أن أجيبه مغمغمًا لـ..لقد...لقد لكن..
    نفد الكلام، ولم أجد ما أقول..
    فبادرني قائلًا: هل ذهب إلى الجنة؟
    فأجبته مسرعًا: إن شاء الله، وكأنما وجدت المخرج من عُمق بحر لجي بهذا الجواب الذي نطقت به شفتا اليتيم، لكن..
    لم يلبث أن أعقب سؤاله هذا بسؤال آخر: ومتى سيعود؟
    وأسقط في يدي أكثر من ذي قبل، ولم أحر جوابًا، ووجمت للحظة، بيد أني خرجت من هذا المأزق بهتاف أمه به: حسن حسن.. يكفي ما أضعت من وقت الأستاذ، وتعالى لتلعب مع الأولاد، فخرج وهو يقول:
    سأعود لك مرة أخرى.
    بقيت أفكر طويلًا بما أجيب عليه؟.. لن ينسى السؤال الذي طرحه، فأنا أعرفه على مدار عدة شهور.. بذكائه، وفطنته، ومخايل النجابة البادية عليه..
    ماذا أفعل؟ وبماذا أجيب؟
    وأخذتُ أُقلّب الأمر على كل وجوهه..
    ثم قفز لذهني كلمة لبعض أساتذتي: أحسن جواب للسؤال الذي لا تعرف جوابه أن تقابله بسؤال..
    نعم نعم هذا هو الحل.
    لماذا يسأل عن عودة والده؟... وهذا هو السؤال المناسب.
    وفي المساء عاد الصغير، فتشاغلت عنه، وأنا أُسارقه النظر لأرى ماذا سيفعل، وجعل يظهر اللامبالاة لبعض الوقت، ثم همّ بالانصراف - أو هكذا تصنع - ونهض وهو يقول مودعًا: أراك غدًا..
    وهذا وإن كان يبعد أن يصدر من طفل، إلا أنه لا يبعد أن يصدر من هذا الطفل؛ فهو دائمًا يحرص على أن يكون على مُجالسه أخف من نسمة القيظ. فالتفت إليه قائلًا: دقائق وسأفرغ؛ لنلعب سويًا،
    وكانت الكلمة وفق مراده فجلس...
    ولما التفت إليه بدأني بقوله:
    سألتك: متى سيعود أبي؟
    وقبل أن أجيب..
    تابع قائلًا: لأن الأولاد يقولون لي: لن يعود!!
    خنقتني العبرة للمرة الثانية، وخرج صوتي متحشرجًا رغمًا عني وأنا أسأله: ولماذا تسأل عن عودته؟
    فقال: لأني أحتاج إلى أشياء كثيرة، ولا أجد من يحضرها لي
    قلت: مثل ماذا؟
    قال: أريد لعبة لألعب بها؛ أريد دبابة لأحطم بها الأشرار..
    تبسمت ضاحكًا من قوله، وقلت له:
    اعتبر الدبابة عندك من الصباح الباكر، وماذا تريد أيضًا؟
    قال: وأريد من يلعب معي بها...
    قلت: وسألعب معك بها،
    وفي صباح هذا اليوم كنت أول من دخل محل الخردوات،
    واشتريت الدبابة لحسن،
    ونحن نلعب بها الآن...
    أترككم لأني مشغول وأخشى أن يقتلني حسن بلعبته..
    لعبة اليتيم،،

    دمتم بحفظ الله،،

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: لعبة اليتيم،،

    جزاك الله خيرًا يا شيخ محمود ، عشت القصة معك ، ووصلني شعورك تجاه حسن وخوفك عليه ، لكن أحيانًا يكون اليتم نعمة، إذا وَجَّهتَ حسن للتعلق بالله ففيه عوض عن كل شيء.
    وكنتُ أفضِّلُ أن يكون جوابك أوضح فتخبر حسنًا بأنَّ الذي يذهب عند الله يكون أحسن حالنا منا إن كان صالحًا ، لذلك لا يعود إلينا ، لكن يمكن أن نذهب نحن إليه عندما يشاء الله ذلك ، وأنه سوف يذهب إلى أبيه فيجده في أحسن حال بشرط أن يكون الأفضل من غيره في كل شيء في حفظ القرآن وفي الدراسة ، وهكذا يمكن أن يتحول اليتم من حالة سلبية على الطفل إلى حافز إيجابي ، بارك الله فيك.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    6

    افتراضي رد: لعبة اليتيم،،

    جميل ... جميل ... جميل ... أسلوب رائع وإحساس جميل جزاك الله خيرا

  4. افتراضي رد: لعبة اليتيم،،

    شيخي الكريمين!!
    أحسن الله لكما، استفدت من تعليقكما، وحفزتماني بثنائكما العطر.

    من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
    "التنكيل" (1/ 184)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •