المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوالعبدين البصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي شرع لنا من أنواع العبادات ما نتقرب به إليه كي يزداد الأيمان وتثقل الموازين والصلاة والسلام على إمام الموحدين الذي أمره ربه بأن يقتدي بأبيه إبراهيم فسن له الهدي والأضاحي أجمعين . وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
وبعد: فإن من أعظم العبادات المالية التي يتقرب بها العبد إلى خالقه وبارئه عبادة : النحر وإراقة الدم تقرباً لوجه الله تعالى لذا وجب على المسلم معرفة أحكام _ الأضحية _ حتى تكون عبادته قائمة على الأصلين : _ الإخلاص للمعبود _ ومتابعة من أرسله _ صلى الله عليه وسلم . فهناك أحكامٌ متعلّقة بالأضاحي، يَجْدُرُ بالمسلم أن يعرفها ليكون على علم في عبادته، وعلى بيّنةٍ من أمره، ألَخصها بما يأتي ذِكْرُهُ إن شاء الله :
أولاً : ممّ تكون الأضحية ؟
لا تصح الأضحية إلا من بهيمة الأنعام وهي : ( الإبل _ البقر _ الغنم ) والغنم يشمل الضأن وهي ذوات الصوف والمعز وهي ذوات الشعر . ولا تصح من غيرها كبقر الوحش والظباء والخيل والطيور ونحو ذلك مما هو حلال قال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) (الحج : 34 ) .
والأنعام هي: الإبل والبقر والغنم . ولا تجزي الأضحية المتولدة من الظباء والغنم لانه لا يصدق عليها بهيمة الأنعام .
ثانياً: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين ( 1) ، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن: "من ذبح قبل الصلاة فليس مِن النسك في شيء، وإنما هو لحم قَدَّمه لأهله" ( 2).
ثالثاً: وكان - صلى الله عليه وسلم - يأمر أصحابه أن يذبحوا الجَذَع من الضَأن، والثَنِيّ مما سواه ( 3) .عن مُجاشِع بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الجذع من الضأن يوفي مما يوفي منه الثنيّ من المعز" ( 4) .
رابعاً : ويجوز تأخير الذبح لليوم الثاني والثالث بعد العيد، لِمَا ثبت عن النبي فًيِ أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح " ( 5) .
قال ابن القيم:هذا مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم الله، قال أحمد: هو قول غير واحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكره الأثرم عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم ( 6) .
خامساً : ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - أن من أراد التضحية، ودخل أولُ يومٍ من أيامِ العَشْرِ من ذي الحجةِ، فلا يأخُذْ من شعره وبَشَرهِ شيئاً، ثبت النهي عن ذلك ( 7) .
قال النووي في "شرح مسلم" (13/13- 139) : والمرادُ بالنهيِ عن أخْذِ الظُّفُرِ والشعرِ النهيُ عن إزالةِ الظُفُرِ بقَلْم، أو كسرٍ، أو غيرهِ، والمنعُ من إزالةِ الشعر، بحَلْقٍ، أو تقصيرٍ، أو نَتْفٍ، أو إحراقٍ، أو أخذه بِنُوْرةٍ (8 )، أو غير ذلك، وسواءٌ شعرُ الإبطِ، والشاربِ، والعانةِ، والرأسِ، وغيرِ ذلك من شعور بَدَنهِ. وقال ابن قُدامة في "المُغني" (11/96) : فإنْ فَعَل استغفر الله- تعالى- ولا فديةَ فيه إجماعاً، سواءٌ فعله عَمْداً أو نسياناً. قلتُ: وهذا منه- رحمه الله- إشارة إلى تحريم ذلك، ومَنْعهِ بتاتاً، وهو الظاهرُ في أصلِ النهْيِ النبويّ. ( أي: الشيخ علي ) .
سادساً: وكان - صلى الله عليه وسلم - يختار الأضحيةَ سليمةً من العيوب، وكان يستحسنها، ونهى أن يُضحى بمقطوعة الأذن ومكسورة القَرن (9 ) . وأمر بالنظر إلى سلامة الأضحية، وأن لا يُضحى بعوراء، ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء، ثبت النهي عن هذا كُلِّه (10 ) . وأمّا الكبشُ الموجوءُ (11 ) فيجوزُ التضحية بهِ، لِمَا وَرَدَ مثلُه عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو يعلى (1792) والبيهقي (2689/268) بسند حسّنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/22) -.
سابعاً: وكان - صلى الله عليه وسلم - يُضحي بالمُصلى ( 12) .
ثامناً : وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن الشاة تجزىء عن الرجل، وعن أهل بيته، ولو كَثُر عددهم، كما قال عطاء بن يسار ( 13) : سالت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إنْ كان الرجل يضحي بالشاةِ عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون ( 14). و تُجزىءُ البَدَنةُ عن سبعةٍ، ومثلُها البَقَرةُ، فقد روى مسلمٌ في "صحيحهِ " (355) عن جابر رضي الله عنه قال: " نَحَرْنا بالحُديبية مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - البَدَنَةَ عن سبعةٍ، والبقرةَ عن سبعةٍ ".
تاسعاً: ويُستحب التكبير والتسمية عند الذبح، لما ثبت عن أنس أنه قال: "ضَحَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسَمًى وكَبَّر، ووضع رجله على صِفَاحِهما" ( 15).
ويستحب أيضاً استقبال القبلة لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :" ضحى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بكبشين في يوم العيد فقال حين وجهها....." الحديث . فقوله : حين وجهها معناه إلى القبلة . " وكان بن عمر رضي الله عنهما يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة " ( 16). وكراهة بن عمر رضي الله عنهما هنا إنما هو تنزه منه ولا يعني أن الذبيحة حرام .
عاشراً: وأفضل الأضحية ما كانت كبشاً أقرن فحلاً أبيض يخالطه سواد حول عينيه وفي قوائمه، إذ هذا هو الوصف الذي استحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضَحَّى به ويُستحب أن يباشر المسلم أضحيته بنفسه، وإن أناب غيره في ذبحها جاز ذلك بلا حرج ( 17).
ويجوز للمرأة المسلمة أن تباشر ذبح أضحيتها بيدها سواء كانت طاهرة أم حائض ولا دليل يمنعها من ذلك بل قال _الله تعالى _:( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) (المائدة : 3) . وهذا عام في الرجل والمرأة وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه " كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيدهن "( 18) .
حادي عشر: ويُستحب لأهل البيت الذين ضَحَّوا أن يأكلوا منها، وأن يهدوا منها، وأن يتصدقوا منها، ويجوز لهم أن يَدّخروا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا وادّخروا وتصدّقوا"( 19) .
ثاني عشر: ولا يُعطى الجازرُ أجرة عمله من الأضحية، لما ثبت عن على رضي الله عنه أنه قال: "أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بُدنِهِ، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وحلالها ( 20)، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً، قال: ونحن نعطيه من عندنا"(21 ) .
ثالث عشر: مَن عجز عن الأضحية من المسلمين، ناله أجر المُضَحِّين من أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند ذبحه لأحد الكبشين: " اللهم هذا عني، وعمّن لم يُضحِّ من أمتي " . عن عائشة وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم "(22 ) .
رابع عشر: لا يجوز ترك الأضحية والتصدق بثمنها لأنها من الشعائر المهمة والتصدق بثمنها فيه إضاعة لهذه العبادة العظيمة .
قال ابن قدامة في "المغني " (11/95): وقد ضحّى النبي - صلى الله عليه وسلم - والخُلَفاء الرّاشِدون بعَده، ولو عَلِمُوا أنَّ الصدقةَ أفضلُ لَعَدلُوا إليها.. ولأنّ إيثارَ الصَدَقةِ على الأضحيةِ يُفْضي إلى تَرْكِ سنّةٍ سنَّها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم .
خامس عشر: جواز الذكور والإناث منها والذكور أفضل لان لحم الذكر أطيب ولانه فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضحى بكبشين ما تقدم.
سادس عشر : حكم الأضحية عن الميت ؟
تشرع الأضحية عن الميت في حالتين :
1_ إذا أوصى بها في ثلث ماله _ أو _ جعلها في وقف له فيجب على القائم على الوقف أو الوصية تنفيذها .
2_ أن يكون تبع للأحياء بأن يضحي المسلم عنه وعن أهل بيته ويشمل الأموات وفضل الله واسع .
أما التضحية عنهم استقلالاً فلم يرد ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم وخير الهدي هدي محمد( 23) .
هذا ما تيسر جمعه حول أحكام الأُضحية وليس لي فيه إلا الجمع من كلام أهل العلم رحمهم الله جميعاً .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
جمع وترتيب أبي عبد الله البصري عفى الله عنه
4 / ذي الحجة / 1433هـ
________________
( 1) سيأتي ذكره .
(2 ) رواه البخاري (5560) ومسلم (1961) عن البراء ابن عازب.
(3 ) قال الحافظ في "الفتح " (10/5) : الجَذَعة- بفتح الجيم والذال المعجمة-: هو وصف لسنٍّ معين من بهيمة الانعام، فَمِنَ الضأن: ما أكمل سنة، وهو قول الجمهور، وقيل: دونها، ئم اختلف في تقديره فقيل: ثمانية، وقيل: عشرة. والثني من الإبل: ما استكمل خمس سنين، ومن البقر والمعز: ما استكمل سنتين، وطعن في الثالثة. وانظر "زاد المعاد" (2/317) والتعليق عليه.
( 4) "صحيح الجامع" (1592) وانظر لزاماً "سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1/87- 95) .
( 5) أخرجه أحمد (4/8) والبيهقي (5/295) وابن حبان (3854) وابن عدي في "الكامل" (3/1118) وفيه انقطاع. ورواه الطبراني في "مجمعه" بسند فيه لين. وله شاهد عند ابن عدي في "الكامل" عن أبي سعيد الخدري بسند فيه ضعيف. فالحديث حسن إن شاء الله، وانظر "نصب الراية" (3/61) .
( 6) " زاد المعاد" (2/ 319) .
( 7) تقدم تخريجه صفحة (66) ، وانظر لزاماً "نيل الأوطار" (5/200- 203) .
( 8) أخلاطٌ تستعمل لإزالة الشعر.
( 9) كما رواه أحمد (1/83 و127 و129 و150) وأبو داود (2805) والترمذي (1504) والنسائي (7/217) وا بن ماجه (3145) والحاكم (4/224) عن علي رضي اله عنه بإسناد حسن.
( 10) المقابلة: هي التي قُطع مقدم أذنها، والمدابرة: هي التي قُطع مؤخر أذنها، والشرقاء: هي التي شُقت أذنها، والخرقاء: هي التي خُرقت أذنها، والحديث في ذلك إسناده حسن رواه أحمد (1/80 و108) وأبو داود (2804) والترمذي (4198) والنسائي (7/216) وابن ماجه (3143) والدارمي (2/77) والحاكم (4/222) من حديث علي رضي الله عنه أيضأ.
(11 ) أي: الخصي.
( 12) رواه البخاري (5552) والنسائي (7/213) وابن ماجه (3161) عن ابن عمر.
( 13) توفي سنة (103 هـ) ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/21)
( 14) رواه الترمذي (1505) ومالك (2/37) وابن ماجه (3147) والبيهقي (9/268) وإسناده حسن.
( 15) كما في حديث عائشة عند مسلم (1967) وأبي داود (2792) .
( 16) رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح انظر مناسك الحج والعمرة ( ص 34) للألباني بواسطة أحكام الأضحية في الكتاب والسنة (ص38) . وانظر مناسك الحج والعمرة سؤال وجواب لشيخنا عصام موسى ( ص 52) .
( 17) ولا أعلم خلافاً في ذلك بين أهل العلم، وانظر المقطع الثاني عشر الآتي ذِكْرُهُ.
( 18) رواه البخاري معلقاً ووصله الحاكم في المستدر وسنده صحيح انظر الفتح (10/15) .
( 19) رواه البخاري (5569) ومسلم (1971) وأبو داود (2812) وغيرهم عن عائشة، وما ورد في النهي عن الادخار فهو منسوخ، وانظر "فتح الباري " (10/ 25- 26) و"الاعتبار" (120- 122) .
وانظر "المُغني " (11/108) لابن قدامة.
( 20) في "القاموس": هو ما تلبسه الدابة لتصان به.
( 21) رواه بهذا اللفظ مسلم (317) وأبو داود (1769) والدارمي (2/74) وابن ماجه (3099) والبيهقي (9/294) وأحمد (79/1 و123 و132 و154) ، ورواه البخاري (1716) دون قوله: "نحن نعطيه من عندنا".
(22 ) رواه ابن ماحه (3113 ) وصححه الألباني وانظر الإرواء (1138 ) .
( 23) انظر الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين ( ج7_ ص456) وأحكام الأضحية في الكتاب والسنة ( 34) .