المفاصلة بين المؤمنين وغيرهم من المغضوب عليهم ومن الضالين:
د. جمعه شعبان وافي.

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} * {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} .. {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون:1،2، 6).
الذين كفروا ورفضوا إتباع نظام العدل السماوي والمساواة بين الناس، وآثروا معطيات عقول آبائهم أو أن يباشروا مصالحَهم في ضوء معطيات العقل والقوة كمرجع وحيد، كونهم قد ملكوا رقاب الناس أو حازوا الموارد من دونهم على مر السنين و
الأجيال، ولا يريدون أن يتخلوا عن الامتيازات الجائرة التي يتمتعون بها، فلما جاءتهم الأنبياء والرسل بعلوم الوحي الربانية التي فيها العدل والمساواة، وفيها تكافؤ الفرص أمام العاملين للإبداع والقناعة بالكسب الحلال وتطوير وسائل وأساليب العمل ومجالات العمل، علمت تلك القيادات أن هذا النظام يطالبهم بالعمل فيما تتطلبه حياتهم كما يعمل الناس لا فارق بين الطبقات، فرفضوا وتولّوا وعملوا في طمس هذا النظام الجديد ما استطاعوا، وظلوا يعملون في نظام الطبقات، بسيادة طبقة على ما سواها، أو نظام الفئات، بقيادة فئة أو عدد من الفئات - بينهم نسب أو شراكة- لمن سواها، وأسسوا على ذلك نظاما ماديا نفعيا فرديا أو فئويا، يفتح الباب لأهل المال أن يسودوا أو لأهل السلطة أن يقودوا، ونظموا لذلك نظامهم الإعلامي واضعين في اعتبارهم أن يكون على أحدث الوسائل وأحدث الأجهزة وأنشأوا لذلك أحدث المختبرات ووظفوا لها أكفأ الباحثين الأُجراء، وأغدقوا عليهم أعلى الأجور والمكافآت، وكانت المواد فيها والبرامج الإعلامية تدور حول معطيات عقول الفلاسفة منهم في كيفية استتباع العوامّ وكيفية إشغال الناس بالاهتمامات التي تطرحها الوسائل الإعلامية مع تهميش اهتمامات الجمهور، لكل إنسان بطريقته الخاصة مما يخطئ أو يصيب، واعتمدوا ذلك منهجا لهم، وقد قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (البقرة: 6).
وأما إعلامنا الإسلامي، فقد كانت نشأته على أسس الدعوة الإسلامية في نطاق الاتصال الشخصي، المواجهي أو بالمراسلة، ثم تطور إلى إعلام جماهيري على يد قوات الاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين، فكان يعمل على ذات الأسس والمبادئ التي تخدم أهداف الاحتلال وليس للأهداف الوطنية الإسلامية منه نصيب إلا ما تقاطع مع مصالح الاحتلال (السياسية أو الربحية)، فكان إسلاميا اسماً وأجنبيا فعلا وواقعا ومقصداً، حتى بدأت الدراسات والأبحاث تعمل في قطاع أسلمة المعلومات، فنال الإعلام منها جزءا من اهتمام الباحثين، بعضهم غربي الهوى مائل لأن يكون إعلامنا ربيبا لإعلام المحتل يسير على نسقه ويخدم أهدافه متابعة للحال أيام الاحتلال، وقد استمر ذلك عدة عقود من الزمن، وقد قال الله لهم ولأمثالهم: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22)، (أقول: حزب الله يعني أهل السّنّة والجماعة)! قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة عامر بن عبد الله الجراح، وهو أبو عبيدة في (الإصابة): "نزلت فيه {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] الآية، وهو فيما أخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر، قصده فقتله فنزلت"، وألفاظ القصة تغني عن التعليق عليها، كان كل حامل فكرة يخدمها بقتل عدوه فيها سواء كان ابنا أو أباً

ولم تقتصر المفاصلة واتخاذ المواقف من الكفار على مسألة القتال فقط، ففي حديث إسلام ثمامة سيد اليمامة في (صحيح البخاري): «ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله،.. ثم ذهب ليعتمر في مكة فقال لكفار قريش): «لا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم» [صحيح البخاري، أ.هـ من الإصابة لتمييز الصحابة! عرف الرجل أن أول مقتضيات الإيمان أن يعلن موالاة المؤمنين ومجافاة الكافرين!.
حتى تمكنت القوى الإسلامية من الولوج في مجال أبحاث الإعلام، فكان أعلامنا في مجال الأبحاث لا بد أن ينطلق من معطيات ديننا الذي يخالف ويضاد مِلل الكافرين ونِحَلِهم، وأن يقوم بدوره الطبيعي الطليعي في ردِّ ما ألقَى عليه إعلام "الكافرين" من شبهات أو أكاذيب أو مفتريات، ويصدّ الهجمة التي لم تتوقف منذ نشأة الإعلام الأجنبي ولا زالت مستمرة ما دامت للماديين قيادة فاعلة! وقد وجدناهم على الصفة التي قالها الله عنهم: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الأعراف:146)، ومع ذلك كله على إعلامنا الإسلامي أن يصحح عقائد المسلمين المقيمين في بلاد الكفر، وأن ينشر الإسلام بين أهله، وبين الراغبين فيه فكاكا من تسلط الأفكار المادية على شعوبهم وعلى نشاطاتهم الاقتصادية وحيواتهم وأجيالهم وأمنهم، فمع أن إعلامنا يوافق إعلامهم في أنه إعلام، وأنه يستعمل ذات الأجهزة والأدوات، ويقوم في ذات عناصر العملية الإعلامية، فإنه في الاتجاه الصحيح ومادته الثقافة الإٍسلامية من معطيات علوم الوحي وما يخدمها من معطيات عقول البشر، وكل نجاح في تقديم فكرة عنا أو مسلك إسلامي للإعلام الغربي أو الشرقي يعتبر نجاحا لمبادئنا التي أخذوا بها عنا، كما أن كل ما أخذنا في شأن معتقداتنا وأخلاقياتنا عن إعلامهم يعتبر هزيمة أخلاقية وعيباً في قياداتنا الإعلامية أو الاجتماعية أو السياسية، وهل الاحتلال إلا إعلام قوي حرّك قوما لمحاربة قوم آخرين لم يستطع إعلامهم أن يقيمهم بقوة ترد العدوان، فالإعلام هو المدخل البشري الأول والأوسع للنصر سلْما أو حرباً بين المناهج، وبقوته يتم تبادل المواقف، فيؤمن بعض الكافرين أو يكفر بعض المؤمنين، وهو وسيلة الهيمنة على أفكار العالم وحيواتهم، قام فيه من قام ونام عنه وفيه من نام.