قال العلامة السعدي رحمه _ الله تعالى _ :
وَلا يَتِمُّ الْحُكْمُ حَتَّى تَجْتَمِعْ ... كُلُّ الشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعْ تَرْتَفِعْ
هذا أصلٌ كبير وقاعدة عظيمة يحصلُ بها لمن حققها نفعٌ عظيم وينفتح له باب من أبواب فهم النصوص المطلقة ,. التي طالما كثر فيها الاضطراب والاشتباه .
ومعنى هذا الأصل : أن الأحكام لا تتم ولا يترتب عليها مقتضاها والحكم المعلق بها حتى تتم شروطها وتنتفي موانعها .
وأما إذا عُدمت الشروط أو وجدت الشروط ولكن قام مانعٌ لم يتم الحكم ولم يترتب عليه مقتضاه لعدم وجود الشرط , أو لوجود المانع .
فافهم هذا الموضع ولنمثل لهذا الأصل بمثال يستدل به اللبيب على ما وراءه فنقول : أن التوحيد مثمرٌ لكل خير في الدنيا والآخرة ودافعٌ لكل شر فيهما ولكن لا تحصل هذه الأمور إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه .
فأما شروطه فهي على القلب واللسان والجوارح :
أما الذي على اللسان : فهو النطق بالتوحيد وجميع أقوال الخير متممات له .
وأما الذي على القلب : فهو إقراره وتصديقه ومحبته للتوحيد وأهله وبغضه للشرك وأهله ومعرفة القلب لمعناه ويقينه به .
وأما الذي على الجوارح : فهو انقيادها للعمل بالتوحيد وأعماله الظاهرة والباطنة . هذه شروطه .
وأما موانعه ومفسداته : فهي ضد هذه الشروط أو ضد بعضها .
وجماع الموانع أنها : إما شرك وإما بدعة إما معصية .
فالشرك نوعان : أكبر وأصغر .
فالشرك الأكبر : يمنعه ويبطله بالكلية .
والشرك الأصغر والبدعة وسائر المعاصي : تنقصه بحسبها ولا تزيله بالكلية .
فإذا فهمت هذا فهمت النصوص التي فيها : أن من أتى بالتوحيد حصل له كذا واندفع عنه كذا : أنه ليس مجرد القول .
وكذالك النصوص التي فيها : من قال كذا أو عمل كذا : إنما المراد به : القول التام والعمل التام وهو الذي اجتمعت شروطه وانتفت موانعه ومن أعظم شروط الأعمال كلها : الإخلاص وكونها على السنة (1 ).
______________
( 1) القواعد الفقهية لفهم النصوص الشرعية : ( ص49 _ 50 ) .