تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    افتراضي هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    *** تيسّر لي أنْ أسافرَ بالطّائرة في رحلة نهارية ... بعد العصر تقريباً ؛ فتيسّر لي أنْ أرى في السماءِ عجائب السماء ما لم أتمكّن منه من قبل في أي رحلةٍ سابقة ...
    *** كان قائد الطّائرة - فيما يبدو - فنّانا ... رسّاما ... أو نحّاتا ... أو كان يختزن في أعماقه حلم تقليد الطيور ... حلم البشرية بالتحليق المحال ... ؛ لأنه لم يكن يطير بنا بطريقةٍ تقليدية - أو هذا على الأقل ما شعرتُ به لمدة زمنية تزيد على النصف ساعة ... لقد كان يتقدّم في قلب السحاب فيغمرنا البياض إلى درجة أني استشعره في حلقي ... أو كأنّي أتنفس هذا القطن الحنون الجميل البديع الهيئة... ، والذي يتفتت ويتبعثر كأطفال أشقياء تسارع بالفرار الأهوج إذا رآها ذويها تلهو في المطر ...
    *** كان القائد يدخل الغيمَ ، ثم يحلق فوقه بحيثُ ننظر إلى الغيم من أعلى فأستشعر شعورا جديدا هو أنني فوق الأثير... فوق أذرع النعام الحانية ،... فوق تكوّرات بيضاء مبهجة ...وثيرة... مضيئة بفعل انعكاس الشمس ... موحية بجمالٍ غامضٍ عجيب غير أرضي ... موحية باختزانها عوالم سحرية غرائبية ، وكأنّها تكتنز أسرار السماء وعوالمها ...
    ثمّ يهبط الطيّار بنا أسفل السحاب فيبدو السحاب فوق رؤوسنا ... أراه - وحدي - سقفا مضيئا بسّاما وكأنّه مظلة رفعناها بأيدينا
    ...
    وهكذا ظل قائدُ الطائرة يتماوجُ بنا أعلى وأسفل وكأنّه طائر وليس طيّارا ... ولكنه يتماوج بنا دون ضجيج ... ودون دوار ... لقد بدا وكأنه هو الطائرة وهي تتموج مع نسيمٍ مرح غير صاخب ... وبدت دوراتنا تحت السحاب وفوقه توهمني أن السحاب هو الذي يبدّل أقدامه ويشاكسنا ... وكأن السحاب هو الذي يتنقّل إلى أعلى وأسفل ... ومن ثم وضعت رأسي فوق كفّي و... دخلتُ عالما غرائبيا من الافتتان بجماله وتكويناته ...
    *** لكنني وفي إحدى اختراقاتنا لقلب السحب أحسستُ برهبة شديدة ... تأملت هذه الرهبة وفهمتها : لقد أحسستُ وكأنني ألج الموت وأترك عالم الأحياء ... ولم يكن هذا الإحساس نابعا من خوفي من الارتفاع - بل كان الارتفاع في ذاته متعة فائقة - بل لما ارتبط في أذهاننا - منذ الطفولة - من العلاقة بين الموت وصعود الروح إلى خالقها في السماء ، وكأنّ الصعود -في حد ذاته - مقاربة للموت ... اختلطت مشاعري ، وامتزجت تأملاتي الفنية في جماليات السحاب بالدهشة من قدرة الله على خلقه وتكوينه بهذه الروعة ، بشعور الرهبة من عالم الموت وقدرة الله ... وانتبهت في اللحظة ذاتها إلى قابليتي الإنسانية للجمع بين هذه المشاعر الصاخبة الجيّاشة المتناقضة ، وقلتُ في نفسي : إنّ مشاعري هذه في حد ذاتها دليل في تناقضها على أن الإنسان آية من آيات خلق الله ... ؟!
    *** وهنا تنبّهت بشدة إلى تشديد القرآن الكريم على ضرورة تأمل خلق السموات والأرض ، وضرورة تدبّر ما خلق الله ... نعم إنه لأمر غاية في الأهمية والخطورة ... إن الاحتجاز داخل جدران الغرف المكيّفة والاكتفاء بالتنزّه في الأندية الرياضية أو زيارة الآخرين في منازلهم ... أو الانتقال من جدران المنزل إلى جدران المكتب إلى جدران السيارة إلى جدران السوبر ماركت إلى جدران ... إلخ ... إن هذا هو الاحتباس الروحي بعينه - قياسا على مصطلح الاحتباس الحراري- إنه يقتل الروح ويصيبها بالعطن والعفن والتبلّد ... ويحجبها عن كثير من مذاقات الدهشة والافتتان بقدرة الله على الخلق ... ومن ثم فهي محتجزة عن درجة عالية من الإيمان : الإيمان الذي يأتي من التدبر والتأمل ومعاينة قدرة هذا الخالق العظيم الواجبة عبادته وتوحيده وعدم الشرك به ...
    *** كيف يمكن أن أعبد الله وأستشعر عظمته ، وأشهق من قدراته دون أن أمنح الروح فرصة تستعرض فيها عجائبه وقدرته ؟... كيف يمكن للروح أن تتجول في هذه المشاعر وصولا إلى اليقين الإيماني وهي لم تفسح للخالق مجالا يبهرها بعظمته وجماله وفنونه في الخلق ؟
    **** لقد توجه كثير من الأنبياء إلى الله يسألونه أن يريهم قدرته على الخلق : سأله إبراهيم- عليه الصلاةُ والسّلام - ، فأمره الله بذبح الطيور وتوزيعها على قمم الجبال ثم مناداتها حتى يراها تأتيه سعيا بإذن الله ...
    *** سأله موسى- عليه السلام - أن يهبه رؤيته ، فأمره بأن ينظر إلى الجبل - حيث واعده الله - فاندكّ الجبل من تجلي الله له وخر موسى صعقا ...
    *** سأل عزيرٌ مندهشا : كيف يمكن للقرية الخاوية على عروشها أن تعود للحياة ؟! فأماته الله وأمات معه حماره ثم بعثه وبعث حماره أمام عينيه وكأن الله يطلعه على تجربة الخلق والبعث معا ، فآمن عُزير ...
    ** لقد كانت أسئلة هؤلاء الآنبياء نابعة من منطلقٍ إيماني ، ساعية إلى تثبيت اليقين بالرؤيا والتجربة والمعاينة التي تثبّت الروح وتدعم أقدامها ...
    ***ولقد أمرنا الله بالنظر والتأمل في خلق السموات والأرض لأنه لن يتسنّى لنا أن نعاين المعجزات التي عاينها أنبياؤه ورسلُه ، ... لكن بإمكاننا أن نرتحل بالروح عبر ردهات الكون في أسفارنا العقلية والجسدية - عبر الزمان والمكان نستجوب الكون عن مبدعه ، ونستغور الوجود ونرى بدائعه ... وهنا ... هنا ثم وجهُ الله قائم يثبتُ الألوهية بعظمتها وجلالها ... ويوقظ فينا رهبة وإجلالا اندسّا واحتبسا في أعماقنا البعيدة نتيجة انحباسنا في الجدران الإسمنتية التي تحول بيننا وبين بهاء السماء ...
    *** لقد كانت مشاعري تجاه السحاب مشاعر خصبة فيّاضة جيّاشة ، أشعرتني بالرغبة الحقيقية في التسبيح والحمد والاستغفار لأنني أمام عظيم ... بل أمام العظيم : خالق هذا الوجود الباذخ ... والذي أيقظ في جوانحي مشاعر الافتتان والالتئام مع الكون ، ومشاعر الخشوع والرهبة والخوف والرجاء معا في امتزاج عجيب وتشكيلات من التوتر والتطهر لا تقل في جمالها وغموضها الموحي وإلهامها الروحي من جمال وإلهام تشكيلات السحاب ...
    ** فهل كان لابد من ملامسة السحاب لألامس روحي ... هل لابد لي من أن أقوم برحلة جويّة نهاريّة كلمّا أردتُ أنْ أصل إلى هذه المناطق غير المأهولة في نفسي ... ؟! أو كلّما اشتقت إلى تحريك جوامد نفسي ؟ !
    بقلم : جاميليا حفني
    مدوّنة : " أدركتُ جلالَ القرآن ِ "
    http://greatestqoran.blogspot.com/20...blog-post.html

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    387

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!


    العرض يشير إلى أن الارتفاع أثَّر تأثيرا شديدا !!
    أرى أن الإيمان لا يتوقف على ملامسة السحاب ولا الصعود إلى الأجرام الفضائية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    الأخ الفاضل أ . محمد جبر : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أنا لم أقل إنّ الإيمان يتوقفُ على ملامسة السحاب ... كلُّ ما أردتُ أنْ أُبرزه من معنى هو التأكيد على أنّ النظر والتأمّل في خلق السموات والأرض ممّا يبهرُ النفس ويملؤها خشوعا وينأى بها عن العادات الرتيبة وفتور التدبّر ... ثمّ إنّ القرآن الكريم يمتلئ بالآيات الكريمة التي تحرّض المسلم على هذا اللون من النظر والفكر والتأمّل ، لمعرفة الخالق العظيم بطبيعة النفس الإنسانية وحاجتها إلى هذا النشاط الروحي الذي يوقظ فيها تعظيم الله ومهابته ممّا تحتاجه النفس لمواجهة طبيعتها ومواجهة الحياة الدنيا . ومن ذلك قولُه تعالى : " أفلا ينظرونَ إلى الإبلِ كيفَ خُلِقَتْ 17) وإلى السّماءِ كيفَ رُفِعَتْ 18) وإلى الجبالِ كيفَ نُصِبَتْ 19) وإلى الأرضِ كيفَ سُطِحَتْ 20) سورة الغاشية . فهل نستطيع هنا أن نقول إنّ الإيمان لا يحتاج إلى النظر إلى الإبل ومعاينة خلق الأرض والسماء والجبال و... ؟! إنّ الله سبحانه وصف الذين يتفكّرون في خلق السماوات والأرض قياما وقعودا وعلى جنوبهم بأنّهم أولو الألباب ، ولم يصف حاجتهم إلى التفكّر والنظر والتدبّر نقصا في الإيمان بل هو باب من أبواب الولوج إليه وباب من أبواب العبادة ... وأنا لم أصف رحلتي هذه لأقول إن إيماني كان ينقصه أن ألامس السحاب ، بل لأقول إن معاينة مثل هذه المشاهد الكونية عن قرب مما زاد النفس خشوعا ورهبة من الله ... ولقد وصفت هذه الرحلة بأسلوب أدبيٍ لا يخفى على العارفين به والمتذوقين له ... ثم إني أدهش من لهجة السخرية التي استبطنت كلامك والتي كنتُ على يقين أنّها لن تكون موجودة بأي حال من الأحوال في مشاركات أو وتعليقات الأعضاء في مجلس الألوكة الموقّر الذي أعلم أنه يسمح بالخلاف العلمي والفكري ولا يسمح بالتجاوز ...
    جاميليا حفني

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    في أرض الله
    المشاركات
    249

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    لكن التأمل والتدبر في آيات الله مما يزيد الإيمان ويثبته والموضوع يتكلم عن هذا إن شاءالله حسب فهمي للمقال جزاكم الله خيرا جميعا
    سنمضي والنجـوم لنا دليل * متى أصغى السحاب إلى النباح

    قفــد ولَّــى زمانـك يا أُبــيّ * كما ولّى زمانك يا سجاح؟

  5. #5

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    لكأنك تصفين حالي عند ركوبي الطائرة
    سبحان الله
    المؤمن يعتر بكل ما حوله
    جزاكم الله خيرا
    محب للعلم والعلماء
    https://www.facebook.com/abouelwalide

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
    وجزاكُم أخي الكريم الفاضل خيرَ جزاء الصَّالحين ، وباركَ فيكُم ونفعَ بكم هذا الدّين العظيم . نعم يتشابه المؤمنون أخي حيثُ الفطرة السليمة واحدة ، ميثاقُها واحدٌ ، ومثيراتُ يقينها واحدة ، ونوازعهُا وتوجّهاتُها وبصماتُها في الحياة كذلك واحدة ، وهي في انسجام مع الكون كله في تسبيحه لله وعبادته له ... هذا التشابه يثبتُ أنه لايوجدُ في خلق الله من تفاوت ولا يوجد ثم فطور ...
    نسألُ اللهَ أنْ يرزقنا ثبات اليقين وأن يحتسبنا من الموقنين به ويتقبّل منّا ومنكم صالح ما نرجوه به من عمل وقول ٍ أخي .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    106

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    اقف مشدوها لما تم تصويره بدقة هنا
    شكرا لك
    اللهم لا تخز والدي يوم يبعثون

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    69

    افتراضي رد: هل كان لابدّ لي من ... ملامسة السّحاب ... ؟!

    الشكرُ للهِ ، ثمَّ لكَ أخي الكريم الأستاذ صالح العوكلي ... باركَ اللهُ في استجابتِك للخيرِ ، ونفع بكَ المسلمين ... ، و أدعو اللهَ أن يستجيب دعاءك لوالديك الكريمين ... اللهم آمين .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •