قال "الحاكم": أخبرني أبو محمد بن زياد, حدثنا الحسن بن على بن نصر الطوسى, قال:
سمعت "أبا عبد الله البوشنجي" بسمرقند, وسأله أعرابي, فقال له: أى شئ القرطبان ؟ , قال: كانت امرأة فى الجاهلية يقال لها "أم أبان", وكان لها قرطب, و"القرطب" هو السدر, وكان لها تيس فى ذلك القرطب, وكانت تنزى تيسها بدرهمين, وكان الناس يقولون نذهب إلى قرطب أم أبان, نُنْزِى تيسَهَا على مَعزَانا, فكثر ذلك, فقالت العامة "قرطبان"
قلت: وهذه التثنية مما جاء على خلاف الغالب, فإن التثنية عند العرب جعل الاسم القابل دليل اثنين متفقين فى اللفظ غالبا, وفى المعنى على رأي, بزيادة ألف فى آخره رفعا, وياء مفتوح ما قبلها جرا ونصبا, يليهما نون مكسورة, فتحها لغة, وقد تضم, والحارثيون يلزمون الألف, قال النحاة: فمتى اختلفا فى اللفظ لم يجز تثنيتهما, وما ورد من ذلك يحفظ, ولا يقاس عليه
قال شيخنا "أبو حيان": والذى ورد من ذلك إنما روعى فيه التغليب, فمن ذلك:
"القمران": للشمس والقمر
و"العمران": لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما
و"الأَبَوان": للأب والأم, وفى الأب والخالة, ومنه قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش}
و"الأُمَّانِ": للأم والجدة
و"الزهدمان": فى زهدم وكردم ابنى قيس
و"العمران": لعمرو بن حارثة وزيد بن عمرو
و"الأحوصان": الأحوص بن جعفر وعمرو بن الأحوص
و"المصعبان": مصعب بن الزبير وابنه
و"البحيران": بحير وفراس ابنا عبد الله بن سلمة
و"الحران": الحر وأخوه أبى
و"العجاجان": فى العجاج وابنه
هذا جميع ما أورده "شيخنا" فى "شرح التسهيل"
ورأيت الأخ سيدى الشيخ الإمام "أبا حامد" سلمه الله ذكر فى "شرح التلخيص" فى المعانى والبيان ما ذكره "أبو حيان", وزاد فقال:
و"الخافقان": للمغرب والمشرق, وإنما الخافق حقيقة اسم للمغرب, بمعنى مخفوق فيه
و"البصرتان": للبصرة والكوفة
و"المشرقان": للمشرق والمغرب
و"المغربان" لهما أيضا
و"الحنيفان": الحنيف, وسيف ابنا أوس بن حميرى
و"الأقرعان": الأقرع بن حابس, وأخوه مزيد
و"الطليحتان" طليحة بن خويلد الأسدى, وأخوه حبال
و"الخزيميان", و"الربيبان": خزيمة, وربيبة من باهلة بن عمرو
فهذا مجموع ما ذكره الشيخ والأخ, وفاتهما "القرطبان" كما عرفت
و"الدحرضان": اسم لماءين, يقال لأحدهما: "الدحرض", وللآخر "وسيع" قال الشاعر:
شربت بماء الدحرضين فأصبحت *** زوراء تنفر عن حياض الديلم
و"الأسودان": للتمر والماء, قال صلى الله عليه وسلم: "الأسودان التمر والماء"
و"الفمان": للفم والأنف, ذكره الشيخ "جمال الدين ابن مالك"
و"الأخوان": لأخ وأخت
و"الأذانان": الأذان, والإقامة وقال صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة", أجمعوا أن المراد به الأذان والإقامة
و"الجونان": معاوية وحسان ابنا الجون الكنديان, ذكره "أبو العباس المبرد" فى أوائل "الكامل", بعد نحو خمس كراريس منه, وأنشد عليه
كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا *** وعمرو بن عمرو إذ دعوا يال دارم
ولم تشهد الجونين والشعب والصفا *** وشدات قيس يوم دير الجماجم
و"العاشقان" اسم للعاشق والمعشوق, وعليه قول "العباس بن الأحنف":
العاشقان كلاهما متغضب .***. وكلاهما متوجد متحبب
صدت مغاضبة وصد مغاضبا *** وكلاهما مما يعالج متعب
راجع أحبتك الذين هجرتهم *** إن المتيم قلما يتجنب
إن التباعد إن تطاول منكما *** دب السلو له فعز المطلب
أراد بالعاشقين الخليفة وواحدة من حظاياه, كان وقع بينه وبينها شنآن, فتهاجرا فحدث "العباس" فى ذلك فأنشده هذه الأبيات فقام إليها وصالحها
و"الأنفان": اسم للأنف والفم, ذكره وأنشد عليه:
إذا ما الغلام الأحمق الأم سافنى *** بأطراف أنفيه اشمأز فأنزعا
واعلم أن شيخنا "أبا حيان" استشهد على أن "العمرين" اسم لأبى بكر وعمر بقول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم *** والعمران أبو بكر ولا عمر
وأنا ما أحفظ هذا البيت إلا "والطيبان أبو بكر ولا عمر", والوزن به أتم
واستشهد على أن "القمرين" اسم للشمس والقمر يقول "الفرزدق":
أخذنا بآفاق السماء عليكم *** لنا قمراها والنجوم الطوالع
وكان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول: إنما أراد بـ: "القمرين" النبى صلى الله عليه وسلم و"إبراهيم" عليه السلام, وبالنجوم الصحابة, وهذا ما ذكره "ابن الشجرى" فى "أماليه"
ورأيت فى ترجمة "هارون الرشيد" أنه سأل من حضر مجلسه عن المراد بـ: "القمرين" فى هذا البيت فأجاب بهذا الجواب, نعم أنشد "ابن الشجري" على "القمرين" للشمس والقمر قول "المتنبى":
واستقبلت قمر السماء بوجهها *** فأرتنى القمرين فى وقت معا