العدل قيمة عظمى؛ فرب العالمين جاء في كتابه: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] وقد حرصت الشرائع الوضعية ومواثيق حقوق الإنسان على صياغة منظومتهم على العدل؛ فالعدل أحد ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي وأحد علامات تقدم وتحضر الشعوب.


وفي النظم السياسية الحديثة في بلادنا وفي المنطقة العربية وضعت القواعد الدستورية والتشريعات القانونية التى ترسي العدل، وشيدت نظم لإقامة العدل من محاكم متنوعة ومتدرجة وذات اختصاصات مختلفة، وتم صناعة سلطة للقضاء وحصانة للقضاة، وأجهزة ووزارات وإدارات ورقابة وتفتيش لتلك الكيانات.


وعلى الرغم من ذلك لم تنجح الأنظمة الحاكمة في إقامة العدل بشكل كامل، لا فيما بين الناس وبعضهم البعض ولا فيما بين الناس وحاكمهم وحكوماتهم، ومن ثم ظهرت الأنظمة العربية أمام العالم ودوله المهيمنة عليه المالكة لحق النقض "الفيتو" عاجزة عن تحقيق العدل وإقامته.


وقد أدت مجموعة من العوامل في بلادنا إلى ضعف القضاء وعجزه عن تحقيق رسالته، ويأتي غياب استقلال القضاء على رأس هذه الأسباب، والاستقلال الحقيقي (لا المزيف) للقضاء يقوم على منظومة غائبة من استقلال في الموارد المالية إلى استقلال في الإدارة والرقابة والتفتيش إلى غير ذلك، كما يأتى توغل الفساد والرشوة وتقاطع مصالح الثروة مع السلطة كعامل آخر من عوامل ضعف القضاء، كما لا يغيب امتناع السلطة عن تنفيذ أحكام القضاء كعامل من عوامل وهن العدل والقضاء؛ ومن ثم امتناع المواطنين أيضًا عن احترام أحكام القضاء اقتداءً بالحكومات، كما لا تغيب العدالة البطيئة عن مجمل الأسباب، وأصبحت قيمة العدالة في بلادنا تتصف بالنعومة؛ وذلك للعجز عن تحقيقها بشكل كامل وسليم بين المواطنين وبينهم وبين السلطة.
وعلى إثر ذلك ظهرت العدالة القوية على يد الدول المهيمنة على عالمنا الضعيف الذى رضي بالتبعية لا رهبة وإنما رغبة، ولم يحاول إنشاء مؤسسات محلية ذات طابع دولي أو إقليمي تقوم بمهمة إقرار العدل وتحاكم الغزاة والظالمين.



وظهرت المحاكم الدولية القوية التي تحكم على العالم وشعوبه ودوله بل وحكامه، ولا تقف عند هذا الحد بل تستخدم مجلس الدول القوية "الأمن" في تنفيذ تلك الأحكام ولو بالغزو والاستعمار والاحتلال بالأساطيل العسكرية جوًّا وبحرًا وبرًّا، واستخدم العدل كأداة من أدوات السياسة والهيمنة، وظهرت محكمة لمحاكمة قتلة الحريرى،
وهكذا أورد الحكام أنفسهم ودولهم وشعوبهم موارد التهلكة، ووضعونا في مأزق بين رفض ظلمهم، وبين رفض العدل كأداة للسياسة على يد الغزاة.