بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم ومن اقتفى
لا شك أن السنة النبوية ثاني أصول الادلة الشرعية بعد كتاب الله العزيز
ولذلك لا يسع المسلم أن يسمع بحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم إلا وبادر إلى العمل به واتباعه حيث كان الحديث محكما مقبولا عند الامة لا ضعيفا ولا منسوخا ...
والسنة النبوية أو الخبر إما أن يصلنا بطريقة متواترة ومستفيضة صحيحة وصريحة فيعمل بها , وإما أن يصلنا بغير استفاضة , فهو خبر الاحاد وهو المراد هنا .
فإذا خلا الخبر عن القطع بصدقه أو كذبه لدليل خارجي بقي على أصل وضعه فإن أخبر به شخص غير عدل لم يعتبر شرعا , لقوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } .
وتشخصيه كما يلي : أقسامه , أقوال العلماء فيه , أدلته , تفريعاته .
ـ أقسامه : والخبر على ثلاثة أقسام :
الاول : المشهور ـ وهو ما لم يصل ناقلوه إلى حد التواتر ولم يقلوا في طبقة من طبقات إسناده عن ثلاثة , ويسمى أيضا المستفيض .
الثاني : العزيز ـ وهو ما انفرد به اثنان في طبقة فأكثر من طبقات إسناده ولم يقل ناقلوه في طبقة عن اثنين .
الثالث : الغريب : ـ وهو ما انفرد به واحد في طبقة فأكثر من طبقات إسناده .
وكل واحد من الثلاثة يكون صحيحا وحسنا وضعيفا من جهة متنه أو صفات ناقليه , فالضعيف منها ليس حجة فلا يستدل به ولا يعمل به .
ـ أقوال العلماء فيه : وأما الصحيح منها والحسن فقد اتفق جمهور العلماء على وجوب العمل به مطلقا , وخالف الروافض والقدرية في العمل بخبر الواحد محتجين بأنه لا يفيد إلا الظن لقوله تعالى في ذم المشركين { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } .
أدلته : وقد استدل الجمهور بما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من : إنفاذ ولاته , ورسله , ودعاته آحادا,
وبما تواتر عن أصحابه صلى الله عليه وسلم من العمل به والرجوع إليه إذ هو أصل أكثر الاحكام , ولأن الشارع جعله سببا لاستباحة الدماء والابضاع والاموال وذلك بالشهادة .
وأجاب الجمهور عن الاية على التسليم بها فإنها مخصوصة بالايات والاحاديث الدالة على العمل بالشهادة .
وقد اختلف في درجة العلم الحاصلة بخبر الآحاد فذهب جمهور العلماء إلى أنها إن احتفت بالقرائن أو تلقتها الامة بالقبول أفادت العلم القطعي وإلا أفادت الظن .قال : ابن تيمية رحمه الله ( وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة , ومالك والشافعي وأحمد , وهو قول أكثر أصحاب الاشعري .
وقال الشوكاني : ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا تلقته الامة بالقبول فكانوا بين عامل به ومتأول له يفيد العلم ,
ومن هذا القسم أحاديث الصحيحين فإن الامة تلقت ما فيهما بالقبول ومن لم يعمل بالبعض من ذلك اوله , والتأويل فرع القبول .
وذهب بعض العلماء قائلا : تفيد العلم بنفسها ـ دون القرائن ـ وروي عن مالك وأحمد وهو مذهب الظاهرية .
وقيل منها ما يفيد العلم كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما, ومنها ما لا يفيده .
وذهب أكثر المتكلمين إلى أنها لا تفيد إلا الظن وبنوا على ذلك أنها حجة في العمل لا في الاعتقاد , لأن الاعتقاد لا بد فيه من القطع .
ومناقشته واضحة في أن التفرقة تحتاج إلى دليل , والاعتقاد إذا كان لا بد فيه من العلم فكذلك العمل لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس به علم }.
ـ الترجيح :
والظاهر أن الراجح من هذه الاقوال ما ذهب إليه جمهور العلماء ,
وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم اعتمد أخبار الاحاد المحتفة بالقرائن في تبليغ رسالته وفي سلمه وحربه وتحديثه بماحدث به آحاد .
ولقوله تعالى : في قبول موسى عليه السلام لخبر الواحد فيما حكى الله عنه { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ ياتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب }.
وقد اجمعت الصحابة على العمل بها والاستدلال بها إن احتفت بالقرائن , والذي ردوا منه إنما هو لعدم ما يعضده من القرائن أو لوجود ما يخالفها .
وقد عقد البخاري : في صحيحه كتابا لأخبار الاحاد أتى فيه بكثير من النصوص على حجيته والعمل به .
تفريعاته :
1ـ المالكية : يقدمون عمل أهل المدينة إذا خالفه خبر الواحد , وتفرع عليه ترك كثير من فضائل الصلاة , وكترك خيار المجلس.
2 ـ محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي من أئمة المعتزلة ت 303 هـ لا يعمل بخبر الواحد إذا لم يروه اثنان , محتجا بحديث أبي موسى الاشعري في الاستئذان الذي رده عمر بن الخطاب وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال : الاستئذان ثلاثة فإن أذن لك وإلا فارجع . فقال له لتأتيني بمن سمعه وإلا أوجعتك ضربا .
ومنه رد أبي بكر لشهادة المغيرة بن شعبة في أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالسدس للجدة فلم يحكم به .
3 ـ معروف بن فيروز الكرخي ت 200 هـ لا يقبل خبر الاحاد في الحدود كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده عمدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلده رسول صلى الله عليه وسلم مائة وغربه سنة ولم يقده به وأمره أن يعتق رقبة . وقد عمل المالكية بهذا الحديث
4 ـ الحنفية : لا يعملون بخبر الاحاد في مسائل منها :
أ ـ ما عمت به البلوى كحديث ( من مس ذكره فليتوضأ ) .
ب ـ أو خالفته رواية كحديث الصحيحن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات , وفي الطبراني عن أبي هريرة أنه أمر بغسل الاناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات .
ج ـ أو خالفه القياس كحديث المصرات .
د ـ ابتداء النصاب فلا تجب عندهم الزكاة في منفرد عن الامهات وتجب إن كان مع الامهات
وهناك من الاحكام ما هو أكثر وقد عرضنا عنه خوفا من الاطالة والاطناب
وفي هذا كفاية لمن تأمل , وقد قال ابن مالك : وقد يحوي التفاصيل من يستحضر الجملا
هذا والله سبحانه وتعالى أجل وأكرم وأعلم وصلى على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين .