إعتادالناس سماع شيء عن الشهادات الجامعية المزوَّرة من جامعات عابثة تقوم على النصب والاحتيال, بدعوى وجود دراسة جامعية يُمنح الدارس بعدها شهادة عليا في الماجستير والدكتوراهفي تخصصات عدة , وفي الغرب من هذه الجامعات نسبة كبيرة توضح بطلان مايروّج له المنافحونعن مدنية الغرب من المصداقية والانضباط .
وحديثناليس عن هذه الشهادات , ولكن عن شهادات أكثر انتشاراً وأشد خطراً . ألا وهي شهادات الإعلامالمزوَّر ة لعدد من محدودي الخبرة ممن يُستضافون في الإعلام لهوى في نفس القائم علىالوسيلة الإعلامية من قناة أو صحيفة أو إذاعة أو غيرها , ثم يضفي هذا الإعلامي لقب:( الخبير الاستراتيجي ) و ( والمحلل السياسي) و ( الخبير في شئون الجماعات الإسلامية) و ( الباحث الشرعي) ونحوها من الألقاب التي يرددها الإعلاميون بلا ضوابط , ليكسبوامن أرادوا تقديمه للجماهير صبغة دعائية تشعرهم بأن أمامهم رجلاً صاحب تخصص ودراية بالموضوعالذي يتحدث عنه . وتلك عجيبة من عجائب الإعلاميين التي لا حصر لها .
ومَكْمَنالخطر حين يتناول أصحاب الشهادات الإعلامية المزورة مسألة شرعيةً . أراد الإعلام اختراقسياج الشرع فيها من خلال من سماهم بالباحثين الشرعيين , الذين ربما صدَّر ألقابهم بـ(صاحب الفضيلة) ليقوم هذا المزوِّر بالحديث عن هذه المسألة الشرعية في ضمن الخط الذيرسمه هؤلاء الإعلاميون , فتكون شهادة الزور واقعة من الجانبين: من الإعلام الذي افترى في تقديم هذه الشهادة لهذاالمسمَّى بالباحث الشرعي , وكذا من الباحث الكذوب الذي سار في الخط المرسوم له , بغرضتغيير حقيقة شرعية يجهر علماء الأمة المؤصَّلون بأعلى أصواتهم بما هو مضاد لما يريدالإعلام ترسيخه فيها , لكن الإعلام المضلل يتجاهل كلام هؤلاء المختصين الحقيقيين ,لأنه لا يريد الوصول إلى الحقيقة بقدر ما يريد تعزيز الهوى الذي تبناه القائمون علىتلك الوسائل .
ولميعد خافياً أنهم يطلقون عبارة: (صاحب الفضيلة) على من حمل شهادة الدكتوراه في تخصصاتغير شرعية , لكن استغلوا حملة لقب (الدكتور) في مجال ما , ليشعروا المتابع لإعلامهمبأن صاحبهم من حملة الدكتوراه في العلوم الشرعية !
وعلىهذا الخط طرحوا قضايا تعزز تغيير وضع المرأة المسلمة في حجابها ومنع اختلاطها بالأجانبمن خلال شهود الزور الذين يطلقون عليهم هذه الألقاب .
وليس ببعيد عن هذا المنهج شهادتهم بالخبرة الاستراتيجيةلمن لم يكتب بحثا علميا واحدا في الخبرة الاستراتيجية , بل هو متابع كالببغاء لما يقالهنا وهناك في وسائل الإعلام , ثم يقوم بعملية استنساخ ساذجة لما يسمع ويقرأ , لا أقلولا أكثر , فما أعجب هذه الخبرة الاستراتيجية ! ويظهر ذلك جليًّا في الطرح المهزوزالمتناسب مع الشهادة المزورة التي منحها الإعلاميون .
وأعجبمنه الشهادة لبعضهم بالخبرة في شئون الجماعات الإسلامية , فيقوم بخلط عجيب غريب للسلفبالخوارج , ولعلماء الأمة المنضبطين بالجماعات التي لم تقم على منهج شرعي مؤصل .
ويتبدى هذا جليًّا عند الحديث عن جرائم تقع في أنحاءالأرض فتلصق بأهل السنة والجماعة , بدءاً من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم, ومروراًبعلماء السلف عبر القرون , وصولاً إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلامذته , حتى صارذكر ما يسمى بـ (الوهابية) أمراً يتكرر في وسائل إعلامهم عند ذكر الإجرام , بفضل تصريحأو تلميح من يسمون بالخبراء في شئون الجماعات الإسلامية .
ولاتعجب من ذلك إذا علمت أن بعض هؤلاء الخبراء المزوَّرين كانوا من أشد الناس غلوًّا, ومن أكثر من كانوا ينتقدون علماء الأمة العاملين , كشيخنا العلامة ابن باز وإخوانهمن رموز أهل السنة الكبار , ثم لما انتكس هؤلاء الغلاة بنسبة (180) درجة ومالوا إلىالمد التغريبي كافأهم الإعلام بالشهادة الجاهزة : (الخبير)
ألاما أسهل هذه الشهادات التي لا يحتاج حاملها إلى سهر الليالي, ومتابعة البحث العلميالرصين , والمناقشة الدقيقة من قبل لجنة الحكم على الرسالة التي تنضج للباحث بحثه وتحاسبهعليه .
ولكنما أشد آثار هذه الشهادات المزورة : قلباً للحقائق , وتلبيساً على الناس , ولهذا ينبغيالتأكيد على الأمة أن تتلقى أمور العلم ونوازل الأحكام من أهل العلم الذين عرفوا به, لا الذين يريد الإعلاميون أن يكونوا مجرد مَعْبَر لهم , لتحقيق أهوائهم , مع الاستعدادالتام لإضفاء الألقاب الكاذبة عليهم ومنح شهادات الزور لهم .
والحقأن الإعلام الذي بات ينتقد ما أراد , ومن أراد , ويشن من الحملات المنسَّقة المسقطةلمن أراد , هو بأمس الحاجة إلى النقد , نظراً للتسيُّب الشديد الذي يعانيه .
فكمنشر من الأكاذيب , وكم غيَّر من الحقائق وكم أوجد من اضطراب في بلاد المسلمين في أموردينهم ودنياهم , دون أدنى حساب !
فهليعي الإعلاميون المتسيِّبون خطورة ما يصنعون في ضوء الانتشار السريع لما يبثون ؟
وعلىكل حال فإن الإعلام نفسه بحاجة إلى مراجعة دقيقة , وأهم ما يحتاج إليه تحديد موقعهبالضبط ماهو ؟ أهو قناة توصيل تنشر الحقائق بتجرد وإنصاف , أو هو سلطة في نفسه , فإنالإعلاميين يطلقون على صنعتهم: (السلطة الرابعة) ـ أي إضافة إلى السلطات الثلاث ـ وتلكالسلطة الرابعة في نفسها شهادة زور باطلة شهد بها الإعلام هذه المرة لنفسه لا لضيوفه!
عسىالله أن يصلح أحوال المسلمين , ويمن على هذه الأمة في سائر مجالات حياتها بمن يضع تقوىالله بين عينيه , ممتثلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم :" اتق الله حيثما كنت" .