السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للاستماع: اضغط هنا - رابط آخر: اضغط هنا
كيف تصلي
إن الصلاة هي عماد الدين، أمر الله جل وعلا عباده بإقامة الصلاة، ومفهوم الإقامة في الشرع هو أن يؤدي العبد الصلاة كما أمر الله سبحانه وتعالى في أوقاتها مع الجماعة، وأن يخلص فيها لله عز وجل، وأن يصلي بالهيئات والكيفيات التي كان يصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز للعبد أن يقلد في صلاته أحداً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنى إقامة الصلاة في الشرع
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد. قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه، حدثنا أبي حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -وذكر من شأنهم- وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه؛ ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه ...). نتكلم اليوم مع أعظم الأركان العملية وهي الصلاة، والأمر بالصلاة في كتاب الله عز وجل، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمراً مجرداً، بل هو أمر له وصف، فإن الله عز وجل إذا أمرنا في القرآن بأن نصلي قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [الحج:78] فكلمة (أن تقيم الصلاة) ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة، وهي الصلاة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث لما قيل له: (إن فلاناً يصلي ويسرق! قال: ستنهاه صلاته يوماً) أي: إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية بقول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فالصلاة المحلاة بالألف واللام تفيد العهد أنها صلاة بعينها، أمر الله عز وجل بها، والتي لو أقمتها كما أمر الله بها؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وليس مجرد أي صلاة، فإننا نرى رجالاً يصلون ويرابون ويسرقون ويزنون، فهؤلاء ما أقاموا الصلاة. وإذا أردت أن تقيم الصلاة فامتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـمالك بن الحويرث : (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإذاً نحن ملتزمون بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أردنا أن نقيم الصلاة يجب أن نلتزم بها، فهل جماهير المسلمين اليوم يعرفون كيف كان يصلي النبي عليه الصلاة والسلام؟ الجواب: لا؛ لأننا ورثنا الصلاة، وما تعلمناها. سل الذين يرسلون أيديهم في الصلاة ولا يضعونها على صدورهم كما هي السنة: آلنبي صلى الله عليه وسلم أرسل يديه ولو مرة في حياته وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ومثل: (خذوا عني مناسككم) سواء بسواء؟ ما حجة أولئك في ترك أيديهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل فطرنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) فكأنها سنة الأنبياء أن تضع اليمنى على اليسرى، لكن لما غلب التقليد على المتأخرين صاروا يتعاملون مع المذاهب الفقهية كأنها أديان متباينة، فعلامة المالكي أن يرسل يديه، وعلامة الشافعي أن يضع يديه على صدره، وجهل بعضهم فقال: إن ركعتي الشفع في المذهب الشافعي فقط؛ لأنها تواطئ اسمه. وهذا شخص من جماعة الخروج -الذين يخرجون في سبيل الله- سألته مرة فقلت له: ما دليل الخروج؟ قال: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46] يعني فالذين لم يخرجوا جميعاً كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل: اقعدوا مع القاعدين، أي: لم ينج من هذا الذنب إلا هؤلاء الثلة الذين خرجوا، والباقون غضب الله عليهم وثبطهم؟! وهذا يذكرني عندما جاءت معاهدة السلام قيل لهم: ما الدليل؟ قالوا: (إن الله هو السلام)، (ادخلوها بسلام)، (تحية الإسلام السلام)، كلما وجدوا لفظاً يواطئ المعنى الذي يريدون استشهدوا به، بغض النظر عن السياق الذي ورد فيه اللفظ؛ حتى صاروا أضحوكة للعقلاء: أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب فهؤلاء يقولون: ركعتي الشفع خاصة بـالشافعي ! ونقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إذاً هذه قراءة مالك ، فـمالك يقرأ بها؛ لأن (مالك) وافقت اسم مالك ..! هذا كله بسبب أن الذين قلدوا المذاهب الفقهية اعتبروها كأنها دين مستقل، فالذين يرسلون أيديهم في الصلاة ما صلوا كما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام، فلو قلت لواحد: اركع، وأرني كيف يكون ظهرك إذا ركعت؟ لو قلت له: اسجد، وأرني أنفك هل يمس الأرض أم لا؟ ربما تجده يرفع أنفه من على الأرض.. وهكذا، فإذا سمعت قول الله عز وجل: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [الحج:78] لا بد أن ترجع إلى السنة لتعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي. والأصل في تعليم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يشمل الرجال والنساء معاً، فإن هذا النداء في القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:153] يشمل الرجال والنساء معاً، وهذا الأمر (صلوا كما رأيتموني أصلي) يشمل الرجال والنساء معاً، فمن العجب أن بعض المذاهب الفقهية تقول: إذا سجد الرجل فليجاف يديه عن جنبيه وليبالغ، إلا المرأة فإنها تنجمع لأنها عورة! فنسألهم: هذا القول من أن المرأة يدخل بعضها في بعض إذا أرادت أن تسجد، ما دليله؟ وهل النبي عليه الصلاة والسلام فرق فأمر النساء أن ينجمعن، وأمر الرجال أن يجافوا أيديهم عن جنوبهم؟ الجواب: لا، لا تجد على هذا أثارة من علم، بل الرجال والنساء معاً على السواء في المجافاة.
هيئات الصلاة الصحيحة
إذا أردنا أن نذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على التفصيل كما صلاها عليه الصلاة والسلام، فلم أجد كتاباً أفضل ولا أجود من كتاب شيخنا الإمام المحدث الكبير أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، كتاب (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها) وهذا الكتاب من الكتب المباركة -وهذا الحقيقة- الكتاب له عندي معزة خاصة جداً؛ لأن هذا الكتاب هو الذي فتح عيني على علم الحديث، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة. في عام (1395هـ) تقريباً مررت بعدما انتهيت من صلاة الجمعة في مسجد الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله -مسجد عين الحياة- فمضيت أتجول عند باعة الكتب، وأنظر إلى ما يعرضونه من الكتب، فوقعت عيني على هذا الكتاب، فتناولته وقلبت صفحاته، وأعجبني طريقة تصنيفه، وأحسست بجزالة لم أعهدها في كل ما قرأت، ولفت انتباهي حاشية الكتاب -الحاشية التي خرج فيها الشيخ الألباني القسم الأعلى من الكتاب- فمثلاً يقول: (ويجافي يديه عن جنبيه) ثم يقول: أخرجه السراج ، والبغدادي ، وابن بشران ... أسماء لم تكن معهودة؛ فانبهرت بهذا الكتاب ولكن لم أستطع شراءه آنذاك لأنه كان باهض الثمن، كان بثلاثين قرشاً، فتركته وواصلت البحث، فوجدت جزءاً لطيفاً بعنوان (تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني ) أيضاً، فاشتريته وكان إذ ذاك بخمسة قروش، ومن إعجابي بالكتاب وانبهاري به قرأته وأنا ماشٍ من المسجد إلى مسكني في الطريق، مع خطورة هذا المسلك على من يمشي في شوارع القاهرة. فلما قرأت الكتاب وجدته يدق بقوة ما ورثته من الصلاة عن آبائي، إذ وجدت أن كثيراً من هيئتها لا يمت إلى السنة بصلة؛ فندمت ندامة الكسعي حيث أنني لم أشتر الأصل، والكسعي رجل عربي يضرب به المثل في الندامة، وحكوا من خبره: أنه كان رجلاً رامياً ماهراً، فمرت به ظباء بالليل، وكان له قوس وكان شديد الاعتداد بها، فرمى الظباء بهذا القوس في الليل، فظن أنه أخطأ الظباء؛ فكسر قوسه، فلما أصبح وجد سهمه أصاب الظباء؛ فندم على كسر القوس، ويقال: إنه قطع إصبعه من الندم. حسناً: كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أسهل الكتب، ويجب على المسلمين أن يقرءوا هذا الكتاب حتى يقيموا الصلاة، فالإنسان عندما يقف بين يدي الله تبارك وتعالى يقبح به أن يصلي على غير ما أُمر، وقد قصد القربى والزلفى إلى الله عز وجل، وإن مثل الذي يعبد الله تبارك وتعالى بما لم يشرعه ولا رسوله عليه الصلاة والسلام كمثل الذي عبد الله تبارك وتعالى بلا شيء، مثل المخترع.
صفة القيام إلى الركعة الثالثة
القيام من السجود إلى الركعة الثانية كيف يكون؟ هل على قبضة اليد أو على راحتها؟ فنقول: كافة العلماء يرون أنه على راحة اليد، والشيخ الألباني رحمه الله يرى أن الاعتماد يكون أيضاً على قبضة اليد كما لو كنت تعجن، وذكر في ذلك حديثاً وصححه -وأصاب في تصحيحه- في كتاب: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، فمن فعل اقتداءً بهذا الإمام فنحن لا ننكر عليه، وإن كنت أقول دائماً: في مواطن الخلاف خذ بالأحوط، يعني: أنت إذا قمت على راحة اليد لا تلام لا من قبل الشيخ الألباني ، ولا من قبل المخالفين له؛ لأنك إذا قمت على راحة اليد فعلت المتفق عليه بين الكل. والحمد لله رب العالمين.
الخروج من الصلاة بتسليمة أو تسليمتين
يجوز الخروج من الصلاة بتسليمة واحدة، بعض العلماء يقول: بتسليمة واحدة، يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويخرج، فيكون خرج من الصلاة، والتي هي التسليمة اليمنى وهي فرض، والأعمش رحمه الله عندما كان يحدث بهذا الحديث فسأله رجل: أرأيت لو كان عن يساري رجل ثقيل؟ قال: يكفيك تسليمة واحدة، فبعض الناس ظن أن الأعمش قالها على سبيل المزاح.. لا، الأحكام الشرعية ما فيها مزاح، إنما ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم تسليمة واحدة ويخرج من الصلاة بها. وبعض العلماء قال: يلتفت إلى اليمين وإلى اليسار أيضاً لكن بتسليمة واحدة، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هكذا، لكن يلتفت إلى الجهتين، والظاهر أن الوضع الأول هو الأساس؛ لأن كلمة يسلم تسليمة واحدة لا يفهم منها أنه كان يوجه ناظريه إلى الجهتين، إنما يسلم على اليمين ويسلم على اليسار، ثم قال: وربما اقتصر على واحدة، فلا يتصور حينئذ بعد قوله: (يقتصر على واحدة) أنه التفت اللفتتين.
الإشارة بالسبابة أثناء التشهد
وفي التشهد الأوسط يفترش فيجلس على رجله اليسرى، وينصب قدمه اليمنى، وينظر إلى موضع سجوده، ويحرك السبابة في أثناء قراءته للتشهد حتى ينتهي أو حتى يقوم، وقد ورد في هذا حديث زائدة بن قدامة ، وهذه الزيادة ليست شاذة بل هي زيادة صحيحة -زيادة التحريك- والتحريك: أن تجعل يدك بشكل واحد وخمسين، وتضعها على ركبتك، وتنصب هذا الإصبع إلى القبلة وتحرك. والبعض الآخر -بالرغم أننا نبهنا كثيراً على هذا- يحرك إصبعه بمزاجه.. لا، التحريك هذا غير صحيح؛ لأن هذا فيه صرف الإصبع عن القبلة، والحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرك، لكن في نفس الوقت لم يلفت إصبعه عن القبلة، وبعضهم يقول لك: يعمل حلقة طوال الصلاة في التحريك، وهذا هو الذي فهمه، والتحليق إنما هو خاص بالأصبع الوسطى والإبهام والسبابة التحريك فقط، فالواحد لو حرك إصبعه يحركه هكذا باتجاه القبلة. أما الذين يقولون: إن التحريك يكون في النفي والإثبات فهذا لا أصل له، يعني: يظل واضعاً يده على ركبته، أول ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يرفع إصبعه في الإثبات ثم يضعها ثانية.. هذا لا أصل له، بعض الناس يحرك يديه الاثنتين، وكان سعد بن أبي وقاص يفعلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أحد.. أحد!) لأنك توحد فلا تحرك بالثنتين، إنما حرك بواحدة. وبعض الناس إذا أراد أن يسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويشير بيديه هكذا، يحرك يديه كأنه يقول: تم.. لا، الإنسان إذا أراد أن يسلم لا يحرك يديه، إنما تكون يداه ثابتتين على رجليه ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، تلتفت لفتة حتى تحس أن بياض خدك يراه الذي خلفك، وتقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
جلسة الاستراحة
فإذا أراد أن يقوم جلس جلسة الاستراحة إذا كان في وتر من صلاته، وذلك بعد الركعة الأولى والثالثة؛ لأن بعد الركعة الثانية والرابعة تشهد وهو جالس، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كان في وتر من صلاته لا يقوم حتى يستوي قاعداً، أي: لا يقوم مباشرةً، إنما يقوم فيقعد لحظة صغيرة جداً ثم يقوم، هذه اسمها جلسة الاستراحة عند العلماء، واستحبها مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه. هذا إذا أراد أن يقوم، فإذا كان جالساً جلسة استراحة يفترش ولا يقعي، الإقعاء خاص بين السجدتين فقط، فإذا أراد أن يجلس جلسة الاستراحة يفترش ويقوم للركعة الثانية وهو مفترش، ويفعل في كل صلاة مثلما فعل في الركعة الأولى. وإذا قام من التشهد الأوسط يرفع يديه، وموضع الرفع في ثلاثة مواضع: إما أن ترفع وأنت جالس قبل أن تقوم، وإما أن ترفع بعدما تقوم، وإما أن ترفع حال القيام، وأنا رأيت الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله يرفع يديه بعد التشهد الأوسط إذا أراد أن يقوم وهو جالس.
ضم العقبين حال السجود
إذا أردت أن تسجد مرة أخرى يمكن أن ترفع يدك أحياناً وليس دائماً، وتسجد مثلما سجدت في السجدة الأولى. كذلك على الإنسان أن يضم عقبيه حال السجود؛ لأن بعض الناس يفرج بين رجليه أثناء السجود.. لا، هو إذا أراد أن يسجد يضم عقبيه هكذا، وأصابع رجليه تكون متجهة للقبلة في حال السجود كذلك، لكن يرص عقبيه كما جاء في الحديث بيان ذلك.
كيفية الجلسة ما بين السجدتين
في حالة الجلوس بين السجدتين هناك جلستان: جلسة الإقعاء، وجلسة الافتراش، الإقعاء: أن يقعد على أمشاط رجليه، بشرط أن يضم رجليه، ولا يباعد بينهما ويجعل إليته فوق القدمين.. والاقعاء المنهي عنه: أن يقعد الإنسان على أمشاط قدميه ويباعد بين رجليه، ويجعل إليته بين الرجلين.. هذا اسمه إقعاء الكلب، وهذا هو المنهي عنه، لكن الإقعاء المرخص به بين السجدتين أنك تضم قدميك وتقعد على أمشاط رجليك، وتجعل إليتك على قدميك. ابن القيم رحمه الله كأنه لم يقف على هذا الحديث فأنكر هذا الإقعاء بين السجدتين، والحديث ثابت في صحيح مسلم من حديث طاوس قال: قلت لـابن عباس : (الإقعاء بين السجدتين إنا لنراه جفاء بالرجل -أي: لا يليق بالرجل أن يفعل هكذا- فقال له ابن عباس : سنة نبيك صلى الله عليه وسلم). فإما أن تقعي وإما أن تفترش، الافتراش: أن تفترش رجلك اليسرى، وتجعل إليتك عليها، وتنصب اليمنى.
صفة السجود وهيئته
ثم في أثناء السجود ينصب فخذه، ولا يلصق حتى يجعل موضع السجود قريب جداً من موضع ركبتيه، كذلك ولا يجعل موضع السجود بعيد جداً بحيث يفرد جسمه، إنما ينصب فخذيه. وقلنا: يضم أصابعه ويوجهها إلى القبلة، ويمكن في السجود جبهته وأنفه، ولا بد أن يمس الأنف الأرض، وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يمس أنفه الأرض) فالأنف والجبهة يسجدان ولابد من تمكينهما. ثم يرفع فيطمئن حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، وله أن يرفع يديه إلى حذو منكبيه لكن ليس دائماً.
كيفية النزول إلى السجود
ثم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، ثم يكبر، ولا يرفع يديه بالتكبير إذا أراد أن يسجد، فإذا سجد نصب قدميه. هناك بعض الإخوة يكاد أن ينام على بطنه وهو يسجد، وهذا غير صحيح، والصواب أن تنصب قدمك اليمنى، وأن تنصب فخذك على الأرض، وتجافي في السجود بين يديك، الإنسان وهو يسجد يجتهد في أن يباعد ما بين يديه عن كتفيه وعن رأسه، والكلام هذا إذا كان هناك مجال كأن يصلي ولديه فراغ، أما أن يكونوا كلهم ملتصقين ببعض ويضايق الناس فغير لائق؛ وفي أول ما كنا قرأنا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني كان بعض إخواننا يحاول أن يطبق هذا في صلاة الجمعة، فكانت هذه مشكلة كبيرة جداً، هذا الكلام على حسب المتاح، أحياناً أنت ما تستطيع أن تأخذ راحتك في السجود، وربما ضممت أطرافك على بطنك، وهذا منهي عنه، هناك بعض الناس عندما يسجد يسجد وهو واضع يديه هكذا، وهذا خطأ، إنما الصواب التفريج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في هذا التفريج، حتى لو أرادت عنزة صغيرة أن تمر من تحت يده لمرت، ويقول أنس رضي الله عنه: (كنا نأوي -أي نشفق- على النبي عليه الصلاة والسلام من كثرة ما كان يجافي بين جنبيه) عليه الصلاة والسلام. الأصابع هذه تضم وتوجه إلى القبلة في أثناء السجود. أما نزولك من الوقوف إلى السجود فيكون على اليدين وليس على الركبتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) نص صريح جداً، ولو لم يرد هذا التفصيل لعلمنا من طريقة بروك الجمل أن وضع اليد أولاً يكون هو المخالف لوضع الجمل، لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير)، كما ورد في بعض ألفاظ الحديث: (يعمد أحدكم فيبرك كما يبرك الجمل الشارد) وهذا أظنه موقوف على أبي هريرة ، فلم يذكر كيف يبرك الجمل الشارد. لكن نحن المفترض فينا كعرب أهل بادية وإبل أن نعرف كيف يبرك البعير، فالبعير إذا برك إنما يبرك على ركبتيه، وأنتم تعلمون أن كل ذي أربع: الطرفان الأماميان يسميان يدان، والخلفيان رجلان. فهو يمشي على أربعة، فعندما يأتي إنسان يقول: إن البعير أول ما يضع من جسده يضع يديه على الأرض فهو مخطئ، لماذا؟ لأن وضع يديه -يمشي عليهما- موضوعتان خلقةً، لكن إنما أول شيء يصل منه إلى الأرض ركبتاه؛ لذلك لا يكون أول شيءٍ يصل إلى الأرض من المصلي ركبتيه، فلو نزل الإنسان بركبتيه فهذا هو الذي يشبه به البعير، وليس الذي ينزل بيديه. ولعل ابن القيم رحمه الله هو الذي بسط المسألة بسطاً وافياً للمخالفين الذين يقولون: إنه ينبغي أن تكون الركبة أول ما يصل من المصلي إلى الأرض؛ لأن ابن القيم رحمه الله لما استشعر ذلك نسى أن تكون ركبة البعير في يده؛ لأن التسليم أن ركبة البعير في يده يفصل المسألة، فقال ابن القيم رحمه الله: وقولكم ركبة البعير في يديه قول لا يعرفه أهل اللغة. فحينئذ الفصل إنما يتم بالرجوع إلى أهل اللغة، فلما رجعنا إلى معاجم أهل اللغة وجدناهم يجمعون في مادة (ركب) على أن ركبة كل ذي أربع في يديه، وعرقوباه في رجليه، إذاً الذي في الرجلين الخلفيتين اسمه (عرقوب) والذي في الأماميتان اسمه (ركبة) ومما يدل على ذلك حديثان: الحديث الأول: في صحيح مسلم رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما نزل قوله تبارك وتعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] فجاء الصحابة (فبركوا على الركب)، وقالوا: هذه التي لا نستطيع) هذا نص صريح واضح أن البروك لا يكون إلا على الركبة. الحديث الآخر -وهو أصرح من هذا- وهو في صحيح البخاري ومسند أحمد حديث سراقة بن مالك الذي تبع النبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج إلى المدينة مهاجراً، فلما أبصره أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله! هذا سراقة بن مالك يتبعنا. قال سراقة : فدعا علي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين). كلام صريح جداً (فساخت) -أي: غطست في الأرض (يدا فرسي) هما الرجلين الأماميتين لمقدمة فرسه- (حتى بلغتا الركبتين) فإذاً الركبة إنما تكون في اليد، فإذا أراد البعير أن يبرك برك على يديه. فالصواب: هو النزول على اليدين؛ لأن لدينا نص صريح يقول: (وليضع يديه قبل ركبتيه) وعلى التسليم أن هذا النص لم يرد فمعرفة كيف يبرك البعير يرشح أن الصواب النزول على اليدين؛ لأن النزول على الركبتين هو هذا المشابهة للبعير.