بسم الله الرحمن الرحيم
[right]مسلسل عمر بن الخطاب ولغة الأرقام:
بعد أن نشرت على صفحتي الرسمية مقالا بعنوان: (مسلسل عمر بن الخطاب - دلالات وتداعيات) كان لمقالي هذا بعض التداعيات أيضا، ففي الوسط الاجتماعي، وجدت له تقبلا عند المعلقين، وإعجابا بعقلانية الطرح فيه، أما في الوسط العلمي الديني، فكانت الصورة مختلفة تماما، حيث تعرضت إلى هجمة من الانتقادات وصلت إلى حد وصف المقال بالهذيان المسبب للغثيان، ووصف صاحبه بالنائحسة المستأجرة، واقتطاع نصوص منه من سياقها وسباقها لتقرير ضلال الكاتب، رغم أني وضحت من البداية أن المقال عبارة عن رصد لدلالات هذا المسلسل، وتداعياته في المجتمع العربي والإسلامي، ولا يعبر عن موقف شخصي، بالتأييد أو الرفض لهذا العمل.
ومع ذلك استمرت الهجمة، لدرجة أن أحد الإخوة من الطلاب الشرعيين نصحني بالتراجع عن هذا الكلام (والتوبة إلى الله) عنه، مع أني وضحت من البداية أنني أرصد واقعا لا أتخذ موقفا.
لكن الذي لفت نظري أن الأخ قام بوضع رابط ل (بكاء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على موقف عظيم من سيرة عمر رضي الله عنه) وقال: هكذا يعلم الأجيال من هو الفاروق، وليس بالتمثيل!
وقبل أن أبدأ في كلامي، أحب أن أوضح أمرا مهما، كي لا يحرف البعض كلامي على هواه كما هي عادة بعض الإخوة سامحهم الله.
فإن ما سأذكره ليس مقارنة بين الشيخ رحمه الله وبين العمل الفني، وليس مقارنة بين كلامه ونص المسلسل، فالشيخ له عندي من الاحترام والتبجيل، ولكلامه عندي من الأهمية والقبول، ما لا يحظى به عندي أي عمل فني مهما ارتقت درجته الفكرية، وارتفعت جودته الفنية.
ولكن ما سأورده الآن هو عبارة عن مقارنة بسيطة لمدى التأثير لكل من كلام الشيخ رحمه الله، مع حلقة من حلقات المسلسل، في أوساط المجتمع العربي والإسلامي.
وذلك من خلال رصد عدد المشاهدات لكل منهما على موقع اليوتيوب.
ورغم أن المقارنة الدقيقة لتأثير كل منهما تحتاج إلى أكثر من ذلك، لكن هذه المقارنة على بساطتها، قد تعطينا تصورا مهما لمدى تأثير بعض وسائل الإعلام على مجتمعنا الإسلامي في عصرنا الحاضر، مما يعطينا دلالات مهمة جدا فيما يتعلق بوسائل الدعوة المستخدمة حاليا في ساحة العمل الإسلامي، وأهمية تطويرها.
قمت بعمل بحث بسيط، للمقارنة بين تأثير كلام الشيخ وتأثير حلقة من حلقات مسلسل عمر بن الخطاب، على الجمهور، وذلك بإحصاء عدد المشاهدات لكل، فوجدت ما يلي:
بالنسبة لكلام الشيخ رحمه الله وجدت له رابطين، الأول تم نشره بتاريخ 30/03/2012 أي منذ ما يقارب 145 يوما، وعدد مشاهداته للآن وصل إلى 903 مشاهدات، أي بمعدل 5.5 (خمس مشاهدات ونصف) مشاهدات يوميا.
والرابط الثاني تم نشره بتاريخ 24/07/2012 أي قبل يوم واحد، وعدد مشاهداته 15 مشاهدة للآن، أي بمعدل 15 مشاهدة يوميا، ولأن هذا هو الرقم الأعلى فسأعتمده.
أما بالنسبة لمسلسل عمر بن الخطاب، فأنبه إلى أمر أولا: أن معظم المشاهدة للمسلسل إنما تكون على التلفاز عند عرضه للمرة الأولى، ولا يشاهده على اليوتيوب إلا من لم يشاهده في وقت بثه، وهم نسبة قليلة من المشاهدين.
فنحن في الواقع نتكلم عن عدد مشاهدات لا يمكن إحصاؤه، ويصل إلى الملايين.
ورغم ذلك سأعتمد الرقم الموجود على اليوتيوب في المقارنة.
والروابط الخاصة بهذا المسلسل كثيرة، ولكني سآخذ منها مثالا عشوائيا، رابط للحلقة الثانية تم تنزيله بتاريخ 24/07/2012 أي قبل يوم واحد، وعدد مشاهداته هو 12,772 أي أكثر بـ 851 مرة من مشاهدة كلام الشيخ رحمه الله.
وبعد التأكيد على أن المقارنة إنما هي لعدد المشاهدات، لنصل إلى تصور ولو بسيط لمدى تأثير وسائل الإعلام في المجتمع المسلم، فإني أقول إن لغة الأرقام تنطق لنا وبكل وضوح أن وسائل الإعلام، وخاصة الدراما، لها تأثير كبير جدا في مجتمعاتنا المسلمة، بل إن تأثيرها قد يكون أكبر بكثير مما نتخيل.
فالمنبغي لأهل العلم، والدعاة، أن يتجهوا نحو توظيف هذه الوسائل في خدمة الإسلام ونشر دعوته، ويتخلوا عن الموقف النمطي القائم على التجاهل والرفض والاستنكار لهذه الوسيلة المهمة.
وعلى كل حال فأنا أعلم جيدا أن لغة الأرقام التي مكنت الغرب من الرصد والتخطيط الجيد حتى تمكنوا من رقاب المسلمين ليست واردة عند البعض من العلماء وطلاب العلم،
ولكني أقول لهم: إن إغماض أعينكم عن الواقع، ودفن رؤوسكم في التراب، لن يغير من حقيقة الواقع المر شيئا، فهنالك وسائل جديدة للتغيير، هي الفعالة اليوم، شئتم أم أبيتم، فإما أن توظفوها لمصلحة الدين، أو أن قطار التقدم العلمي سيتجاوزكم مرة أخرى، بمراحل أكثر وأكثر كما تجاوزكم من قبل بمراحل كثيرة، وعندما تستيقظون وتحاولون التعلق به مجددا ستجدونه قد فاتكم إلى غير رجعة، وستجدون أن غيركم قد ركبه، فحقق من خلالة منجزات لا يمكنكم التعامل معها، وحينئذ إما أن تعترفوا بفشلكم الذريع، أو أن تستمروا في صراخكم واستنكاركم غير المجدي لواقع يتغير ويتطور رغما عنكم شئتم أم أبيتم. ولأجل ذلك أعلن مرة أخرى أني مصر على موقفي، وعلى كل كلمة قلتها في المقال، ولست متراجعا عن أي شيء فيه، وأدعو المعتدلين والمتعقلين من أبناء التيار الديني أن يتعلموا لغة الأرقام، ويصغوا إلى من يتكلم بها، ويوظفوا الوسائل الجديدة والمؤثرة في الدعوة إلى الخير والصلاح، بدل أن يوظفها غيرهم في هدم أركان الدين والأخلاق في الأمة، فيما هم منشغلون بالزعاق والصراخ بعضهم على بعض.