يحسن التنبيه على مسألة تتعلق بـــ: (القصر في السفر)، والتي يحصل فيها لبس لدى جمع من الناس – خصوصا في وقت الإجازة الصيفية، حيث تكثر الأسفار فيها- وهو : أن من يأخذ بقول الجمهور كما – أفتت به اللجنة الدائمة ، وابن باز رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه 12/270-271، والشيخ صالح بن فوزان حفظه الله في المنتقى من فتاوى صالح الفوزان 3/59 ، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : " أن من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان ، ومن نوى دونها قصر، وجاز له الفطر ونحوه من الرخص ".
فيفهم الكثير أن للمسافر إلى بلد لن يستوطن فيها ، وإنما ليتنزه فيها ، أو ليقضي حاجة ثم يرجع إلى بلده أن له أن يقصر في هذه المدة حال وصوله ، وهو قد نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام ، وهذا من الخطأ البين ، فإن الفقهاء – في الجملة – متفقون على أن من حُكم له بانقطاع السفر لا يترخص أول أيامه ثم يترك الترخص بعدها ، بل عليه أن يترك الترخص من أول يوم حل فيه موضعا نوى الإقامة فيه مدة تقطع حكم السفر.
الفقهاء القائلون بتحديد مدة لانقطاع السفر جعلوا الحكم فيه مقيدا بوجود النية والعزم ، لا بالفعل ، ولم يخالف إلا ابن حزم والشوكاني رحمهما الله تعالى ، فالحنفية قالوا كما في بدائع الصنائع للكاساني 1/97: " فصل : وأما بيان ما يصير المسافر به مقيما فالمسافر يصير مقيما بوجود الإقامة "، ثم ذكرما تثبت به الإقامة فقال : صريح نية الإقامة ....".
وعند المالكية كما في " التاج والإكليل في شرح قول خليل (2/149) : " ( ونية إقامة أربعة أيام صحاح ) : من المدونة إذا أجمع المسافر في بر وبحر على مقام أربعة أيام بلياليهن أتم الصلاة وصام حتى يظعن من مكانه "وهكذا أشار الشافعية كما أورد النووي رحمه الله تعالى في المجموع (4/291) ، والشيرازي في المهذب ( 4/359) حيث قال: " إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيما وانقطعت عنه رخص السفر ... "
وعند الحنابلة كما في الإنصاف لمنقح الذهب " المرداوي " رحمه الله : نقل عن ابن عقيل (2/333) قوله : " فإن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام صار مقيما وخرج عن رخصة السفر ..." .
وبهذا يتعين على من أخذ بقول الجمهور أن يتم الصلاة من أول نزوله في البلد الذي سافر إليه ، فإن صلى مع جماعة أتم ، وإن صلى منفردا أتم ، ولا يترخص برخص السفر ؛ من الإفطار والمسح على الخفاف ثلاثة أيام ، ما دام أنه نوى الإقامة أكثرمن أربعة أيام .
مع العلم أن من العلماء من ذهب إلى أنه ليس للمسافرالذي نوى الإقامة المقيدة بغرض معين وهو يدري متى ينتهي ، ليس له مدة محددة تنقطع معها أحكام السفر ، بل له الترخص ما دام أنه مسافر ، وإن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 137) وابن القيم رحمهما الله (زاد المعاد 29) واختاره عبدالله ابن الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله ( الدرر السنية 372) واختاره الشيخ محمد رشيد رضا (3/1180) من فتاوى المنار ، والشيخ السعدي رحمه الله في المختارات الجلية (47) والشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ( جمع فهدالسليمان - 15/284) .
والله الهادي والموفق للحق .