السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد :

جاء في المدونة : " قلت : أرأيت الطير كله أليس لا يرى مالك بأكله بأسا، الرخم والعقبان والنسور والحدأ والغربان وما أشبهها؟ قال : نعم، قال مالك : لابأس بأكلها كلها ما أكل الجيف منها وما لم يأكل، ولابأس بأكل الطير كله ." ص : 542
وكذلك نقل صاحب تاج الإكليل عن قاسم أن مالك لم يكره مالك أكل شيء من الطير كله الرخام والعقبان والنسور والأحدية والغربان وجميع سباع الطير وغير سباعها ما أكل الجيف منها وما لم يأكلها . ج3/ ص 229، وكذلك عزاه ابن عبد البر الى مالك في استذكاره، ومن خلال بحثي لآراء بقية فقهاء المالكية وفحولهم فغالبيتهم لم يذكروا في مصنفاتهم فيما يخص الأطعمة .
والإشكال الذي أنا بصدد طرحه لا يخص سبب عدم اهتمام السادة المالكية بهذا الباب العظيم في الفقه، وإنما مصدر الإشكال يعود حين طالعت المصنف نثر الورود على مراقي السعود لمحمد الأمين الشنقيطي رحمه الله حيث علل كراهية مالك رحمه الله لأكل سباع الطير (لم أجد المصنف المالكي يقول بالكراهة، بل وجدت حسب ما وقع بين يدي من مصنفاتهم يقول بالجواز، اللهم إلا ما كان على سبيل قصر النظر والبحث) بأن مالكا يقول : هذه الزيادات منافية للآيات، والزائد المنافي لابد أن يكون ناسخا، والقرآن لا ينسخ بأخبار الآحاد .
فقصد رحمه الله بتلك الزيادات ما نص على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير، إما على سبيل الإقتضاء وإما على سبيل التصريح بالنهي كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي ثعلبة الخشني ، وما رواه مالك في الموطأ .
وذكر الشنقيطي رحمه الله أن وجه منافاة هذه الزيادة للآيات أن الله تعالى صرح بحصر الطعام الحرام في أشياء لم يكن منها ذو الناب من السباع ولا ذو المخلب من الطير، فتحريمها اذن ينقض ذلك الحصر، ونقضه لا يكون إلا بنسخ، وحصر التحريم في شيء وبيان تحريم شيء بينهما فرق ظاهر، فحصر الطعام الحرام في أشياء فيه النص على أن غيرها ليس بحرام فتحريمه رفع للتحليل المفهوم من النص الأول، ومنه قوله عزوجل: قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍۢ يَطْعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًۭا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍۢ فَإِنَّهُۥ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ.
قال الشنقيطي رحمه الله : " وهذا الحصر يدل على عدم تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير، فالزيادة المحرمة لهما تناقض هذا الحصر القرآني .
وقال تعالى في سورة النحل وهي مكية:إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ. وإنما أداة حصر ايضا عند جمهور الأصوليين والبيانيين وهو الحق، فمالك رحمه الله لم يقبل هذا الحصر المتكرر بأخبار الآحاد وإن كانت صحيحة، ولذا لم يقل بحرمة ذي الناب من السباع بل قال بكراهيته، جمعا بين الأدلة قائلا إن الروايات المصرحة بالتحريم فَهِم اصحابها الت حريم من النهي فصرحوا بالتحريم ظنا منهم أنه معنى النهي، مع أن مالكا يقبل الزيادة على النص ولا يقول بأنها نسخ إلا إذا نافت كما ذكره الشيخ الشنقيطي رحمه الله .
فهل من مذهب مالك عدم جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد؟ واين ذكره ؟
وكيف نجمع بين النصوص القرآنية الحاصرة مع الأحاديث المحرمة ؟
وهل دلالة الحصر لدى النصوص القرآنية تعتبر قرينة لنقل الحكم من النهي الصريح الواضح إلى حكم الكراهة عند تعارضه للأحاديث ظاهرا أم لمراعاة الخلاف دخل في هذا المقام ؟
ولماذا لا يحكم على النص القرآني بأنه منسوخ كي يزول الإشكال ؟
وبارك الله فيكم .