تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عماد عبد السلام رؤوف : المؤرخ والمفكر : د/ جمال الدين فالح الكيلاني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    عضوالاتحادالعام للادباءوالكتاب العرب
    المشاركات
    800

    Post عماد عبد السلام رؤوف : المؤرخ والمفكر : د/ جمال الدين فالح الكيلاني

    عماد عبد السلام رؤوف : المؤرخ والمفكر \\ د. جمال الدين فالح الكيلاني
    الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف، مؤرخ ينتمي إلى آل العطار، وهي أسرة عباسية النسب موصلية الاصل . ولد في بغداد سنة 1948. جده محمد رؤوف العطار (1878-1965) من رواد التربية والتعليم في العراق، كان مديرا لأقدم وأبرز ثانوية موصلية هي "ثانوية الموصل". كما عمل في سنة 1927 مديرا لمعارف (تربية) البصرة.
    درس الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف في مدارس بغداد الابتدائية والمتوسطة والإعدادية. ودخل كلية الآداب – قسم التاريخ وتخرج سنة 1970. ولم يقف عند هذا الحد وإنما قرر إكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة القاهرة ونال الماجستير سنة 1972 عن رسالته الموسومة "ولاية الموصل في عهد آل الجليلي 1726-1834". ونشرت في النجف الأشرف سنة 1975 بعنوان "الموصل في العهد العثماني: فترة الحكم المحلي الحكم المحلي". ثم حصل على الدكتوراه سنة 1976 عن أطروحته الموسومة "الحياة الاجتماعية في العراق أبان عهد المماليك 1749 -1831". عمل رئيسا لمركز إحياء التراث العلمي في جامعة بغداد. ودرس في كلية التربية بجامعة بغداد. ثم نقل خدماته إلى كلية الآداب بجامعة صلاح الدين بأربيل – ولا يزال هناك حتى كتابة هذه السطور.
    ألف عددا كبيرا من الكتب أبرزها كتبه: "مدارس بغداد في العصر العباسي" 1966، و"الآثار الخطية في المكتبة القادرية" في خمسة أجزاء 1974- 1980، و"التاريخ والمؤرخون في العصر العثماني" 1983، و"فهرست مكاتب بغداد الموقوفة" 1985، و"كتابة العرب لتاريخهم في العصر العثماني" 1989، و"الأصول التاريخية لأسماء محلات بغداد" 1994، و"صفاء الدين عيسى البندنيجي: حياته وآثاره"، و"مراكز ثقافية مغمورة في كردستان"، و"ضياء جعفر.. سيرة وذكريات"، و"العراق في وثائق محمد علي باشا"، و"معالم بغداد في القرون المتأخرة"، و"من رواد التربية والتعليم في العراق محمد رؤوف العطار" 1988، و"المدرسة العلية في بغداد" 1988، و"لمحات من تاريخ العراق الحديث" 1983، و"معالم بغداد في القرون المتأخرة" 2000.
    كما حقق مجموعة طيبة من كتب المؤرخين الأوائل منها كتاب "زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية" لياسين العمري 1975، و"الدرر المنظومة والصور المختومة" لخليل بن علي البصير 1974، و"تاريخ حوادث بغداد والبصرة من 1186-1192 هجرية" لعبد الرحمن السويدي، و"الجواهر وصفاتها" ليحيى بن ماسويه، "تذكرة الشعراء" لعبد القادر الشرباني، و"التحفة المسكية في الرحلة المكية" لعبدالله السويدي، و"تاريخ الزبير والبصرة" لعبدالله بن الغملاس، و"مطالع السعود: تاريخ العراق من سنة 1188 إلى سنة 1242 هـ /1774-1826" تأليف عثمان بن سند 1991، و"معركة عين جالوت / رمضان 655 هـ – سبتمبر/أيلول 1260" 1986، و"المملكة العربية السعودية بين الحربين في ضوء تقارير المفوضية العراقية في جدة"، و"العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع" لعبدالحميد بن عبادة.
    وقدم لكتب كثيرة آخرها تقديمه لكتاب "الشيخ عبدالقادر الكيلاني: رؤية تاريخية معاصرة" لمؤلفه السيد جمال الدين فالح الكيلاني 2011.
    وللدكتور رؤوف كم كبير من المقالات والدراسات والبحوث المنشورة في المجلات ليس من السهولة حصرها، ويحتاج ذلك إلى وقت وجهد كبيرين. لكن مما لا بد من الإشارة إليه أن معظمها يدور حول تاريخ وتراث العراق في العصر العثماني. فثمة دراسات عن مساجد بغداد، وسجلات المحكمة الشرعية، وتاريخ مشاريع مياه الشرب القديمة في بغداد، ونظم المدارس العثمانية، ومؤرخي الكوفة، وصفحات مجهولة من تاريخ النجف الاشرف في القرن الثالث عشر الهجري، وصمود البصرة أثناء حصار نادرشاه، والعلاقات الزراعية في العراق إبان القرن الثامن عشر، وعبدالرحمن حلمي ومخطوطته في تاريخ بغداد في القرن التاسع عشر، ومن تاريخ الخدمات النسوية العامة في الموصل، وأضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839، وعن العملات المستعملة في الموصل وأقيامها في العصر العثماني، ونشأة التنظيمات السياسية في أواخر العصر العثماني" و"الأصناف والتنظيمات المهنية".
    قد نختلف في نظرتنا للتأريخ، هنالك أمم تنظر الى التاريخ نظرة تقديس تجعله غير فاعل في حاضرها. فيما توجد أمم اخرى تستلهم التاريخ وتحوله الى عبر ودورس لتفعيل الحاضر وضمان مستقبل مشرق وباهر. ربما نختلف في رؤانا للتأريخ وحضوره في حاضرنا. الدكتور عماد عبد السلام رؤوف بوصفه مختصاً بالتاريخ له آراء ثابتة في هذا المجال، ويبرر ما يراه صحيحاً وفق منطق اكاديمي. التاريخ وتداخله مع الحضارة ومكانة الأمم وقضايا اخرى كانت محاور لقاء لنا معه:
    * لماذا تهتم الشعوب بالتاريخ واهميته بالنسبة لهم؟
    - تتأكد أهمية التاريخ في حياة الشعوب من خلال تقديمه صورة الجذور التي ينتمي إليها ذلك الشعب، فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب، إذ حينما تختل المفاهيم لا يبقى غير التأريخ هوية ثابتة لشعب من الشعوب. والأمة التي تجهل تأريخها، أمة بلا هوية، ومن لا هوية له، يمكن ان يقع ضحية الآخرين، ويسقط تحت تأثير التحديات المستمرة، وربما اختلت قناعاته وسلك مسلكاً يضر بمصالحه الوطنية والقومية.
    * هنالك أمم لها تأريخ عظيم ومشرق إلا أنها تعيش حاضراً هامشياً لا اسهام لها في الحضارة المعاصرة، فما فائدة التاريخ المشرق في حاضر مثل هذه الأمم؟
    اجابنا: التأريخ لا يمثل بالضرورة حافزاً لأمة ما لكي تنهض بواقعها، ربما كان العكس صحيحاً ايضاً، فيكون التأريخ عبئاًً على هذه الأمة، يعيق حركتها ويضيق عليها سبلها في التقدم. وفي هذه الحالة يكون التاريخ متكئاً تتكئ عليه وتجتر ما قدمته من انجازات ماضية، وربما خلق هذا في نفسها قناعة بأنها أدت الكثير وان هذا الكثير يكفيها مجداً وأهمية، دون ان توظف التاريخ توظيفاً حسناً بحيث تضيف إليه ما يكمله وما يمتد به الى واقعها الذي تعيشه، فحينما تتوقف الأمة عن ملاحقة التقدم ومسيرة الامم الأخرى تتخلف وتتأخر، وعند ذاك لا يكون في جوفها سوى تراثاً ماضياً.
    والتأريخ إذا وظف توظيفاً جيداً كان قوة دافعة وهوية ثابتة تدفع الأمة الى الأمام، وإن وظف على غير ذلك النحو، سيكون عبئاً عليها، لأنه سيقدم شيئاً زائفاً، وربما خادعاً لها، كما فعلت أمم كثيرة تغنت بماضيها فنسيت حاضرها.
    * ألا ترى أن أمة العرب أصبحت أسيرة التأريخ التليد لها، وسلّمت حلمها المستقبلي لهذا التأريخ؟
    هذا صحيح الى حد ما، وغير صحيح الى حد ما، كيف؟ لقد انبعثت النهضة العربية في القرن التاسع عشر من خلال محاولة النُخب المثقفة الاقتداء بالقمم البارزة من أعلام الأمة في العهود السابقة. وفي نهاية العهد العثماني كان الإعجاب بالماضي الزاهر دافعاً للعرب للنهوض كونهم ورثة حضارة ذلك الماضي، وأن هذا يعطيهم الأحقية في أن يستعيدوا هذه الحضارة ويعيدوا الحياة لها. وقد تحقق هذا من خلال خروجهم على المفاهيم الرجعية للعهد العثماني وكسرهم الجمود الذي ساد ذلك العصر. بل جعلهم يشعرون بذاتهم المتميزة عن المناخ الثقافي التقليدي السائد الذي كان لا يقوم على أساس قومي، وحينما جرى الاعتراف بهذا المناخ، في أخريات القرن التاسع عشر، فانه اقتصر على القومية التركية وحدها، وهو ما تمثل بسياسة التتريك، وهكذا فأن التأريخ كان باعثاً على اكتشاف الهوية وتحقيق النمو الثقافي والسياسي في حينه. إنما الذي حدث بعد ذلك، ان هذه النخب العربية اكتفت بهذا الماضي بدلاً من ان تزيد عليه، بل أنها تغنت به دون ان تتجاوزه. وبذلك فإنها أصبحت- غالباً- أسيرة التأريخ لا صانعة له، ومن ثم اصبح التأريخ قيداً يحول بشكل من الاشكال دون شعور الشعوب بانها بحاجة الى غذاء جديد، متصورة أن هذا الغذاء الذي أعدته الأجيال السابقة يكفيها ويغنيها، مع أن متطلبات العصر كانت تقتضي بأن يكون ثمة تفاعل مع هذا الماضي، وليس تقديسه والاعجاب به فحسب. فمن دون هذا التفاعل يصبح التاريخ قيداً يحول دون أن يستمر الانسان في نهضته وتقدمه. ويمكننا القول إذن أنه في القرن التاسع عشر كان التأريخ حافزاً، فيما تحول تالياً الى محراب يوقد فيه البخور، ففقد الإنسان القدرة على التفاعل مع هذا الماضي ولم يضف إليه شيئاً.
    * عن السبيل الى توظيف التاريخ وكيفية ذلك
    هذا السؤال كان موضع نقاش وحوارات كثيرة جرت بين المفكرين. ما هو موقفنا من التأريخ؟ كيف يمكن ان نتفاعل معه؟ وفي تقديري أن التراث، هو ما تركته الأجيال السابقة من الأمة لنا، إلا أنه إن لم يُفكّك تفكيكاً حياً وعلمياً، ويُعاد تركيبه من جديد، سيبقى خارجاً عنا، ومجرد تحفة جميلة نتغنى بجمالها. والتراث يفترض ان يفكك بمعنى ان ننفذ الى روحه الكامنة، كالذرة حينما تفككها تنبعث منها طاقة هائلة، لكنك إذا لم تفعل، ستبقى ثابتة على حالها الى يوم الدين. على هذا الجيل ان ينظر الى التراث والتاريخ نظرة تنفذ الى اعماقه، تستطيع ان تحرك ما هو ثابت وما هو راكد منه وان تفكيك كتلته لكي تعيد استخدامها في حياتها المعاصرة، هو السبيل الوحيد بتقديري الى ان نأخذ من التراث روحه لا شكله، وإلاّ فإن شكل كل شيء الآن هو افضل مما كان.
    * ألا ترى هنا أن الروح كلمة هُلامية، كيف نعرّف روح التأريخ؟
    هذا ايضاً كان موضع اهتمام فلاسفة التأريخ، وقد استقر لدى فريق منهم ان التجربة التأريخية هي روحية ومادية في آن واحد. الجزء المادي ينتهي بانتهاء ظروفه، لكن يبقى الجانب الروحي، أي جوهر التجربة الكامن وراء شكلها.
    * ما المقصود من الجوهر؟ أليست هي كذلك غير محددة؟
    - ما يمكن ان تنبعث منه طاقة في داخل هذه التجربة، ولا يمكن أن تنبعث الطاقة إلاّ من روح أو من جوهر، أما الشكل فزائل، فالحضارة العباسية زالت، لكن هنالك في داخل تلك الحضارة أشياء إن استطعت ان تفهمها جيداً ستبعث في داخلك طاقة دافعة، هذه الطاقة هي الروح، ليس بالمعنى الديني، لكن بالتعريف الدقيق: كل شيء يمكن ان يبعث فيك من هذا التأريخ طاقة يمكن ان توجهك الى الأمام، وتشكل دافعاً للعمل والعطاء، فالشكل خامد ولا أهمية له، وإنما العبرة تكمن في المنظومة القِيَمية التي تقدر العلم وتبعث على العمل.
    * الفرد الأمريكي ينظر الى الامام ويرى حلمه في أفق المستقبل، بينما نحن الشرقيون نلتفت الى الماضي وننتظر ان يتحفنا بحلمنا الجميل. وشتان بين الموقفين! لهذا ترى هم تسيّدوا العالم ونحن نعيش في وضع لا نحسد عليه؟ ما الفرق من وجهة نظرك بين الحلمين؟
    - هذا التناول اتفق معه تماماً، لكن علينا ان نتذكر ان الحلم الأمريكي المستقبلي هو مبني ايضاً على فهم للتأريخ. كثيرون يقولون بأن العالم الجديد ولد عند اكتشافه على يد كريستوفر كولومبس، مع ان العالم الجديد هو امتداد للعالم القديم، وهو تطور منه، وهو ولادة جديدة له. الإنسان في امريكا، هو نتاج تراكمي لحضارات كثيرة استطاع ان يتفاعل معها تفاعلاً حياً لكي يحول هذا التفاعل الى طاقة تدفعه الى الأمام. هذه قاعدة عامة، لكن نحن اكتفينا بالنظر الى الماضي والاعجاب به، بمعنى التوقف عنده وتحويله الى ما يشبه ان يكون وجبة غذاء لا تنتهي، مع ان وقتها قد انتهى واصبحنا بحاجة الى غذاء جديد، أي ان نتوافق مع زماننا الذي نعيش، وأن نبني لزمان مقبل. هم أيضاً استفادوا من حاضرهم ومن ماضيهم، فالحضارة الأمريكية هو نبت الحضارة الأوربية.
    * لكن الحضارة الأمريكية مختلفة وجديدة؟
    - بل أنها بنت شرعية لحضارات العالم، لكنها تفاعلت معها حتى بدت انها مختلفة، بدءاً من اليونانية والأوربية ومن ثم حضارة عصر النهضة وعصر الاستنارة، إنها بنت عصر الاستنارة الأوربية وليست بنت عصر الاستنارة الأمريكية. الا أننا بالمقابل لم نستطع فعل ذلك، بل اننا أصبحنا أكثر بعداً عن حلمٍ بدأه آباؤنا قبل قرن أو نصف قرن. وهذا يدخلنا في قضية خطيرة، لأننا نرى أن مفاهيم بالية أصبحت تُطرح لتصبح مقنعة لكثير من الناس لكي يتبنونها، وهذا هو التخلف بعينه، فبدلاً ان نطلق طاقات الماضي ونتفاعل معها، اصبحنا نبتعد عن هذا الواقع بسرعة مذهلة، حتى اصبحنا في خانة الشعوب المتخلفة في بعض مفاهيمها، ولا يغرّنا ما يبدو في ظاهر الحياة من مظاهر متقدمة، انما الانسان في داخله اصبح اكثر تخلفاً مما كان قبل جيل أو جيلين.
    * حضارة عالمية ذات نمط عولمي يفرض نتاجاته ونمط حياته وقيمه شيئاً فشيئاً، يا ترى يمكن ان يسعف التأريخ الشعوب ذات الحضارات القديمة في الاحتفاظ بخصوصيات لها دون الاندماج والانصهار في النمط العالمي؟
    - الذين روَّجوا للعولمة على أنها البودقة الاخيرة لصهر الحضارات في حضارة عالمية واحدة وبشروا بظهور نظام سياسي عالمي واحد يلغي تعددية الأمم وتعددية الثقافات والقوميات والأديان والمفاهيم والقيم، هؤلاء بشروا بنهاية التأريخ. والذين قالوا إن هذه هي نهاية التأريخ، كانوا على صواب، إن كان قصدهم من العولمة إلغاء هذه التعدديات، وهذه الهويات، وهذه القيم، نعم هم على صواب، لأنه لن يبقى هناك شيء سوى نظام شمولي واحد واقتصاد واحد ودولة واحدة تفرض هيمنتها على العالم كله. لكن ارى ان هذا شيء لم يختبر بعد، ونحن لا نستطيع ان نقيم هذه التجربة الجديدة، فهناك من التنوع، ما هو ضروري لاستمرار الحياة، والغاء هذا التنوع يعني ان العالم سينتهي كما هم يقولون، ونحن نعتقد إزاء هذا التنوع الشديد في القيم والحضارات والثقافات، أن النهاية التي قالوا بها، هي غير متحققة، وهي في الاقل غير مجربة للآن.
    * لكن ألا يعني تعاطينا الانترنيت ومشاهدتنا للمباريات الكروية في الأولمبياد وتعاملنا بالدولار أو اليورو، وأننا نلبس نفس اللباس ونركب ذات النوع من المركبات وهندسة مرور شوارعنا ذاتها، ألا يعني كل ذلك ان هنالك نمط حضاري عالمي واحد؟
    - أنها اشكال وادوات. إذا نفذت هذه الاشكال والادوات الى الجانب القيمي بحيث افقدتني هويتي، حين ذلك يكون كلامك صحيحاً. بمعنى أنهم حينما قالوا أن التأريخ سينتهي، افترضوا اننا جئنا الى عصر لا يبقى فيه مجال للتفاعل، يعني ان الكل في نظام سياسي واقتصادي وثقافي واحد وطريقة الاكل والملبس واحدة، إذن التأريخ سينتهي، ونحن نقول ان التأريخ هو ابن التفاعل، حيث لا تفاعل لا تأريخ، والتفاعل لا يجري بين متشابهات. ان لم تكن هنالك ذوات تحتفظ بكياناتها وهوياتها ومنظوماتها القيمية، لن يكون هناك تفاعل؟ لا يجري التفاعل بين كيانات متشابهة، والتمايز ضروري لاستمرار ذلك كله. هذا التنوع أساس لاستمرار التأريخ والحياة. أنك لا يمكن ان تفترض أن وجبة الهمبركر هي الوجبة المثالية في العالم كله، لأن معنى هذا أنك ستلغي كل مطابخ العالم. العولمة ان فسرت على انها إلغاء التعددية والخصوصيات والذوات، فهذا يعني بالضبط أن العالم مقبل على انتهاء الحضارة وليس على تجديدها، وما نراه اليوم من مآسٍ وكوارث، يدل على أن الترويج للعولمة شيء غير العولمة نفسها. فالقول أن العولمة هو النظام المثالي الذي يسود العالم قياساً على وجود الانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة، لا يكفي لأن يلغي التفاعلات التي تجري في مجتمعات العالم، والا لوجدنا الناس جميعاً سعداء يعيشون في يوتوبيا، وهذا شيء لم يتحقق مطلقاً.
    * ليس القصد هنا العولمة تحديداً، بل هنالك نظاماً عالمياً يتجسد بالأمم المتحدة كمنظمة عالمية، وكل تشكيل ومنظمة تحاول التأثير باوسع مدى ممكن، تحاول الاصطباغ بصفة العالمية ونحن نعيش على كرة ارضية واحدة بدأ حجمها (يصغر) شيئاً فشيئاً وفي زمن واحد نسير جميعاً. نحن بما نملك من تأريخ كيف لنا أن نتقدم نحو الصف الأول من المجتمعات؟
    - الأمم المتحدة ومنظماتها وباقي المنظمات الدولية هي ادوات تنسيق بين كيانات ومجموعات من المصالح. مصالح الدول والشعوب. لو لم تكن هناك كيانات لها خصوصياتها ومصالحها، ما فائدة هذه المنظمات؟ مع من، وبين من، ستنسق؟
    *دور الامم المتحدة في جانبه السياسي أصبح ضعيفاً، قياساً على ما كان عليه قبل جيل سابق، لان هنالك طرف دولي واحد يفرض هيمنته على هذه المنظمة والعالم اجمع، إلا يعني ذلك ان باقي الامم أصبحت ضعيفة لأنها لا تمتلك القدرة وزمام المبادرة؟
    *نعم، على هذه الأمم ان تبحث عن نقاط القوة لديها، فاليابان تفرض نفسها بامبراطوريتها التكنولوجية، والاتحاد الأوروبي يفرض كيانه او أهميته من خلال ماينتج، وهكذا الامم الاخرى، بمعنى أن علينا أن نعمل من اجل أن نرتقي بذواتنا لكي نستطيع ان نقف، لا في القمة مباشرة، لان هذا ليس باستطاعتنا ولن نستطيع ذلك، إلاّ بعد أجيال لا نعرفها، لكن في الأقل أن نقف في نادي الدول، ولنقل العشرين أو الثلاثين المتقدمة في العالم.
    *طيب ما العلة في تأخرنا؟
    -العلة في العمل، هم عملوا فصنعوا حاضرهم ومستقبلهم، أفادوا من ماضيهم وتفاعلوا معه وصنعوا حاضرهم، وهم الان يبنون لمستقبلهم، ونحن لا نعمل، ولا فرق بيننا وبينهم سوى العمل، وحتى لا نندثر علينا ان نعمل، لأننا في حال اندثارنا سيخسر العالم نفسه، لأنه سيفقد عنصراً يمكن أن يؤدي دورا في استمرار التاريخ، والاندثار ليس القصد به الجانب الفيزيائي بل الجانب المعنوي من الوجود، لاننا سنُطرد من دائرة الحياة ونعيش مستعبدين لأولئك الذين عملوا فاستعبدونا، كما يحدث الآن في العالم فهناك شعوب مهددة بالانقراض، كما هو الحال في افريقيا المهددة بالانقراض بالمجاعات والحروب الأهلية.
    *الكورد احد الشعوب الرئيسية بين الأمم ويعيشون في هامش التاريخ، ما هي اسباب ذلك؟
    *أنا لديَّ بعض التحفظ على تعبير (على هامش العالم)، أين هو المتن، واين هو الهامش؟
    *المتن في الكيانات السياسية، أمة تعدادها أربعون مليون نسمة ولا تمتلك كيانا سياسيا يضمها، لا يعترف بهويتها، يمنع لغتها، يسافر الكوردي دون ان يمتلك جواز سفر يحمل عنوان وطنه، أليس هذا هو هامش التاريخ؟
    -هذا صحيح، لكنه ينصرف الى الجوانب السياسية، ليس للكورد دولة موجودة وكيان سياسي يجمعهم، لكن هم موجودون وهم فاعلون ومؤثرون، والقضية الكوردية الآن قضية خطيرة في العالم، وتأخذ أهميتها أكثر فأكثر بالنسبة لصانع القرار في العالم، قارن بين وضع الكورد الآن ووضعهم في العصر العثماني، لم يكن يحس بهم احد إلاّ من كانوا يأتون سائحين أو رحالين، أما الآن فالكورد واقفون على سطح السياسة العالمية، ظاهرون بارزون، نعم إنهم لم يمتلكوا الإرادة السياسية الواحدة، لكنهم قادرون على أن يفرضوا وجود قضيتهم ضمن القضايا الأهم في العالم. لايستطيع الانسان أن ينكر أن هنالك قضية كوردية، وأن هنالك شعب كوردي له خصائصه وهويته المتميزة، لا احد يستطيع أن ينكر وجود امة مؤثرة فيما حولها، متفاعلة مع ما يجري في العالم، لقد استطاع الكورد أن يثبتوا في الجيل الأخير أشياء مهمة، أولها وجودهم كشعب مهم له خصائصه، بعد أن كان الشعب ذائباً أو يُراد له الذوبان في كيانات سياسية أخرى. القضية الآن تجاوزت هذا كله، فمثلاً لا احد ينكر وجود اللغة الكوردية كرابطة قومية خطيرة للكورد، بعد ان كنا حتى أواخر القرن التاسع عشر نسمع ونقرأ عن أناس يُنكرون وجود اللغة الكوردية ويعتبرونها لغة عامية للغات أخرى، لم يعد الآن احد يستطيع أن يُنكر وجود تاريخ كوردي، بينما كان هنالك أناس كثيرون يعتقدون أن لا تاريخ للكورد أصلاً، وانما هو تاريخ الأمم المجاورة لهم، هذا كله في نظري شيء تحقق وهو شيء ثمين، وهكذا يمكنني القول انك إن لم تمتلك الأداة السياسية فهذا لا يعني إن الكورد أصبحوا في الهامش، ربما كانوا في بعض الحقب في هامش الأمم المجاورة لهم، إنما هم الآن في تقديري يحتلون موقعاً مهماً ومؤثراً، وهذا يمهد لخطوات مقبلة اعتقد أنها ستكون خطوات في سبيل التقدم، لأن أشياءً كثيرة قد تحققت.
    *صلاح الدين الأيوبي الشخصية الكوردية العالمية الذي كان له الدور المؤثر في الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، وهنالك رأيان للكورد، أحدهما يدينه والآخر ينحاز إليه ويفتخر به، أنت كيف تقيمه؟
    -أنا اطلعت على ما يقال بحق صلاح الدين في الساحة الثقافية الكوردية، واعتقد أن الانتقاص من دور صلاح الدين، وجعله هدفا لسهام النقد الذي يقوم على أساس أنه لم يكن بطلاً قومياً، وبالتالي لا يستحق هذه الهالة التي أضفاها العالم، وحتى أعداؤه، وأضفيناها نحن عليه، أظن أن هذا الرأي يتجاهل حقائق التاريخ، فصلاح الدين عاش في عصر سبق عصر القوميات كما نفهمها اليوم، وعصر القوميات معروف تماماً إذ بدأ في حقبة محددة ولأسباب اجتماعية وفكرية معقدة، واستمر لما بعدها، لقد كان بطلاً حقيقياً وفعالاً ومؤثراً في عصره وفق مفاهيم ذلك العصر، ونحن لا نستطيع أن نقول له: كن كما نرى نحن الآن، وبعد أن مرت الامة الكوردية بتطورات كثيرة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظهور المشاعر القومية وتبلورها في قضية كوردية، كيف لي أن أطالب صلاح الدين الذي عاش قبل هذا بمئات السنين أن يكون رجلاً قومياً كما نحن الان، هذا لا يعقل ومخالف لمنطق التاريخ، فهناك سياق زمني نحترمه، إذ لا يمكن ان نقفز بإنسان من مرحلة لاحقة إلى مرحلة سابقة ولا العكس، كل إنسان هو ابن عصره، ولكنني اعتقد ان هنالك رغبة في الانتقاص من هذه الشخصية لدوافع أخرى.
    *الشعوب الشرق أوسطية كالترك والفرس والعرب لهم مشاريعهم النهضوية مابين حداثوية تدير ظهرها للتاريخ وتتطلع وفق النمط الغربي، واخرى ترى في اعادة امجاد الماضي سبيلاً للنهضة والتقدم، طيب أي طريق تراه الأفضل كي تحقق الأمة الكوردية نهضتها الحديثة؟
    -التاريخ هوية الكوردي، بدون هذه الهوية لا يختلف عندها الكوردي عن الفنلندي او الافريقي، سيكون مجرد إنسان لا هوية له، كيف يبني مستقبله بدون حاضره، والتاريخ يمثل القاعدة التي يبنى عليها الحاضر ويدفعه الى الامام، والذين أنكروا ان يكون التاريخ من علوم المستقبل وقعوا في جانب مما قالوه في خطأ فادح.
    *لكن الشعوب المجاورة للكورد مازالت تعيش حالات من الصراع بين الاتجاهين ويدفعون ضريبة هذا الصراع، المشاريع النهضوية لهذه الشعوب نراها تتعثر في تعاملها مع هذا التاريخ، وأصبح التاريخ عائقاً أمام تقدم هذه الشعوب.
    -أنا لا أرى التاريخ في الحالة الكوردية معوقاً، ولنأخذ نموذجاً بعد آخر، بالنسبة التجربة التركية الكمالية فإنها ألقت بالهوية الإسلامية العثمانية واستبدلتها بهوية اوروبية وهي الآن في إشكال العلاقة بين الهويتين، هناك تناشز وصراع وصل الى السطح، ولا ادري ما الذي تخفيه الأيام لتركيا المعاصرة بين الهويتين، وهذا ينطبق على إيران بشكل من الاشكال، أين الكورد من هذه التجارب؟ هذه التجارب لم تنجح في اكتشاف هوياتها الحقيقية، وهي ما تزال الآن في صراع ومخاض، قضية الهوية قضية خطيرة، وبالتالي فان فهم التاريخ ضروري للحفاظ على الذات من أن تنزلق في منزلقات الامم التي أضاعت هوياتها واستبدلتها بطريقة سريعة أو فجة، فوقعت في مشاكل لا ندري ماستؤول إليه. على الكورد أن يفهموا تاريخهم فهماً حقيقياً وصحيحاً كي لا يقعوا في أخطاء الآخرين، وهكذا يحتل التاريخ الكوردي أهمية مهمة مضاعفة، فالكورد لا يمتلكون الكيان السياسي الواحد لكنهم يمتلكون التاريخ.
    * أنني أرى ان نجمع اللُّقى الاثارية ونبني المتاحف الكبيرة لحفظها وان نرتبها ونهتم بالمواقع الآثارية كي تجتذب السيّاح، ولا أجد في التاريخ فرصة يمكن استغلالها في الحاضر عدا ما أشرت إليه؟
    -هنالك اتجاه في العالم يقول إن التاريخ مكانه المتاحف، حتى إنهم جعلوا المؤسسات الاثارية جزءً من مؤسسات السياحة لا القافة، وكأن على التاريخ أن يكون فُرجة للسائحين يتفرجون عليه ويمضون، وهذا فهمٌ خاطئٌ، فالتاريخ ليس فرجة، هو مهم بما يبعث في الأجيال الحاضرة والمستقبلة من روح، وهذه الروح هي التي سيُقدَّر لها ان تتفاعل مع حضارات العالم وان تجد لها موقعاً بينها. إن جعل التاريخ فرجة يعني حرمان أجيالنا من فرص التفاعل معه تفاعلاً حياً يبعث فيها طاقة تدفعها إلى الأمام، إن إلغاء التاريخ يعني إلغاء الهوية الوطنية والقومية، وإلغائها ليس بالتأكيد في صالح الشعوب، وإنما يصب في صالح تلك القوى العالمية التي تحاول أن تفرض هويتها وحدها على العالم كله، حتى بطريقة مأكلها وملبسها، فضلاً عن قيمها، لذا اسمحوا لي بالقول: إنني لا اتفق مع الداعين إلى أن يكون مكان التاريخ المتاحف، بل يجب أن يكون في عقولنا وضمائرنا كي نستوعبه ونحلل جزئياته لنكشف مكامن تلك الطاقة التي تحدثنا عنها، والذين يقولون اليوم بأن التأريخ مجرد فرجة سياحية لم يفعلوا هم ذلك حينما كانوا في مراحل التكون والنمو والنهوض، هم ما نهضوا ولا بلغوا الذي بلغوه إلا من خلال استيعاب وفهم الماضي، والبناء والتقدم من خلاله، وليس من خلال إلغائه. والحضارة الأمريكية بنت حضارات أوربية -كما ذكرنا- نمت خلال آلاف السنين، ولم تكن بنت يومها فحسب، وتلك الحضارات المتعاقبة هي بدورها نتاج حضارات الشرق القديمة، ومعنى هذا أن الحضارة التي تُنكر على الآخرين أن تكون لهم حضارتهم المتميزة، استفادت من تلك الحضارات نفسها في وصولها للقمة، فكيف لنا أن نقول بأن نحتفظ بالتاريخ كي يتسلى بالنظر إليه الآخرون؟ إطلاق مثل هذا المفهوم خطير وخاطىء بالمقدار نفسه، لأنه يأتي بديلاً لما يتوجب علينا من نشر الوعي بأهمية هذا الماضي، ليس على أساس انه محراب نتعبد فيه، ولكن على أساس أنه يمثل جذورنا التي نقف عليها الآن ونعمل من أجل أن ننهض من خلالها.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    المشاركات
    39

    افتراضي رد: عماد عبد السلام رؤوف : المؤرخ والمفكر : د/ جمال الدين فالح الكيلاني

    دكتوراه في التاريخ الحديث
    أستاذ جامعي
    رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد سابقاً
    عضو اتحاد المؤرخين العرب
    عضو جمعية المؤرخين العراقيين
    عضو جمعية المؤرخين في كردستان
    عضو جمعية العراق الفلسفية سابقاً
    عضو جمعية الفنانين التشكيليين سابقاً
    رئيس اتحاد الكتاب والمؤلفين في العراق سابقاً



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •