بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

أما بعد :

رجل لم يعرف الهزيمة في كفر ولا إسلام ,رجلٍ طالما خاض المنايا والصعاب حروب ونزالات ، صولات وجولات كان فيها مسطراً أروع البطولات ، له أيام فخر التاريخ بذكرها ، له مواقف في إسلامه عز نظيرها ,رجل ترسه جسمه فليس فيه موضع إلا وفيه للبطولة عنوان فهذا خالد فارس الميدان والصولجان أسلم رضي الله عنه فكان نصيبه ومكافئته سوح الوغى ومنازلة الكفار فطأطأة له يوم الردة العرب رأسها ,فلم تبقى قبيلة في الردة إلا ردها أو هدها وجفلت منه جنود و قادة بني الرومان فمؤته واليرموك خير شاهد وبيان, أما بني ساسان فقد فقدوا في قتاله الملك والبنيان ,يكفيك أن تعلم عنه أن تسعة أسياف كسرت بيده يوم مؤته لله دره من مقاتل ومن عزيمة وشكيمة وهمة ,الجهاد عنده أشهى وأحلى من عروس, العيش بعد قتاله ميؤوس وإذا دخل خالد الميدان فتندر عن كواهلها الرؤوس وترى كبارهم أمامه سرعان, فهل من خالد جديد ؟!,
قال خالد -رضي الله عنه-:( ما ليلة يهدي إليّ فيها عروسٌ أنا لها محب ، أو أبشّرُ فيها بغلامٍ أحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ من المهاجرين أصبِّحُ بها العدو )
قال عنه الصحابة :( الرجل الذي لا ينام ، ولا يترك أحدا ينام)كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد ، وقد قتل قادتها الثلاثة : زيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبدالله بن رواحة رضي الله عنهم- ، فسارع الى الراية ( ثابت بن أقرم ) فحملها عاليا وتوجه مسرعا الى خالد قائلا له :( خذ اللواء يا أبا سليمان ) فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا :( لا ، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن وقد شهدت بدرا )...فأجابه ثابت :( خذه فأنت أدرى بالقتال مني ، ووالله ما أخذته إلا لك ).
ثم نادى بالمسلمين :( أترضون إمرة خالد ؟)... قالوا :( نعم )...فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين ، يقول خالد : قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية.....وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة :( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب ، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب، وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان ، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم ),,,,فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله .
وبعث رسالة إلى الفرس ( بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد الى مرازبة فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فالحمد لله الذي فض خدمكم ، وسلب ملككم ، ووهّن كيدكم من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم ، له ما لنا وعليه ما علينا ، إذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرّهُن واعتقدوا مني الذمة ، وإلا فو الذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة !!)


وفي معركة اليرموك أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيش الروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفا ، فوقف خالد بجيش المسلمين خاطباً :( إن هذا يوم من أيام الله ، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ،أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم ، وتعالوا نتعاور الإمارة ، فيكون أحدنا اليوم أميراً والآخر غداً ، والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم ). وعن الشعبي قال بارز خالد يوم الولجة رجلا من الأعاجم يعدل بألف رجل فقتله ثم اتكأ عليه وأتى بغدائه فأكله وهو متكئ عليه بين الصفين...وفي وقعة أليس إذ استنجد نصارى العرب بالفرس فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله إذ غافلهم خالد بجيشه فلما رأوه أشار من أشار منهم بأكل الطعام وعدم الاعتناء بخالد وقال أمير كسرى بل ننهض إليه فلم يسمعوا منه فلما نزل خالد تقدم بين يدي جيشه ونادى بأعلى صوته لشجعان من هنالك من الأعراب أين فلان أين فلان فكلهم تلكأوا عنه إلا رجلا يقال له مالك بن قيس من بني جذرة فأنه برز إليه فقال له خالد يا ابن الخبيثة ما جرأك عليِّ من بينهم وليس فيك وفاء فضربه فقتله ونفرت الأعاجم عن الطعام وقاموا إلى السلاح فاقتتلوا قتالا شديدا جدا والمشركون يرقبون قدوم القائد (بهمن) مددا من جهة الملك إليهم فهم في قوة وشدة وكلب في القتال، وصبر المسلمون صبرا بليغا وقال خالد اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم ثم إن الله عز وجل منح المسلمين أكتافهم فنادى منادي خالد الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ففعل ذلك بهم يوما وليلة ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر فقال له بعض الأمراء إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتبر بيمينك فأرسله فسال النهر دما عبيطا فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ولما هزم خالد الجيش ورجع من رجع من الناس عدل خالد إلى الطعام الذي كانوا قد وضعوه ليأكلوه فقال للمسلمين هذا نفل فانزلوا فكلوا فنزل الناس فأكلوا .
فلما جاءه الموت ، وشعر بدنو أجله ، قال :( لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها ، وما في جسدي شبرالا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح ، وهآ أنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، ألا فلا نامت أعين الجبناء )


كانت وفاته سنة 21هـ وأوصى بتركته لعمر بن الخطاب والتي كانت مكونة من فرسه وسلاحه وودعته أمه قائلة: أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما كبت وجوه الرجال

أشجاع؟ فأنت أشجع من ليث غضنفر يذود عن أشبال

وقال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه" عجزت النساء أن يلدن مثل خالد "

وأخيراً :يا ابن الوليد ألا سيفاً تؤجره

فإن سيوف القوم قد أصبحت خشبا

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.