نظرة عن كثب:بسم الله الرحمن الرحيم نظرت في قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ما أعرف شيئاً مما كنا عليه اليوم إلا القبلة، فقلت واعجباً كيف لو رآنا اليوم وما معنا من الشريعة إلا الرسم.الشريعة هي الطريق، وإنما تعرف شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بأفعاله أو أقواله، وسبب الانحراف عن طريقه صلى الله عليه وسلم إما الجهل بها أو الخروج عليها؛ فيجري الإنسان مع الطبع والعادات، ويسبح في الشهوات والشبهات، وربما اتخذ ما يضاد الشريعة طريقاً، وقد كانت الصحابة شاهدته وسمعت منه فقل أن ينحرف أحد منهم عن جادته، إلا أن أبا الدرداء رضي الله عنه رأى بعض الانحراف لميل الطباع فضج فإنه قد يعرف الإنسان الصواب، غير أن طبعه يميل عنه.ومازالت الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يقل الإسعاد بها، والنظر فيها، إلى أن أعرض عنها بالكلية في زماننا هذا، وجهلت إلا النادر، واتخذت طرائق تضاد الشريعة، وصارت عادات فألفتها النفوس وأشربتها القلوب، وكانت أسهل عند الخلق من اتباع الشريعة.وإذا كان عامة من ينسب إلى العلم قد أعرض عن علوم الشريعة فكيف العوام ؟.ولما أعرض كثير من العلماء عن المنقولات ابتدعوا في الأصول والفروع، فالأصوليون تشاغلوا بالكلام وأخذوه من الفلاسفة وعلماء المنطق، ودخلت أيدي الفروعيين في ذلك فتشاغلوا بالجدل، وتركوا الحديث الذي يدور عليه الحكم.ثم رأى القصاص أن النفاق بالنفاق، فأقبل قوم منهم على التلبيس بالزهد، ومقصودهم الدنيا، ورأى جمهورهم أن القلوب تميل إلى الأغاني، فتشاغلوا بالنشيد، وتركوا الاشتغال بالقرآن والحديث، ولم يلتفتوا إلى نهي العوام عن الربا والزنا والفجور، وأمرهم بتعظيم الحرمات وأداء الواجبات.وانفرد أقوام بالتزهد والانقطاع، فامتنعوا عن عيادة المرضى، والمشي بين الناس، ولم يهتموا بأمور المسلمين، وربما تركوا الجمعة والجماعة، وأظهروا التخاشع، وصارت الشريعة عندهم كلام أبي يزيد والشبلي والمتصوفة.ومعلو أن من سبر الشريعة لم ير فيها من ذاك شيئاً، بل وجد كثيرا منهم يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي كان يعلم الناس وتأخذ الأمة بيده ليقضي حاجتها، ويصوم ويفطر ويأكل اللحم ويتزوج النساء.وأما الحكام والمسئولون فجروا مع العادات، وسموا ما يفعلونه من التنطع والكذب والمكر وتعظيم سفاسف الأمور سياسات، واستغلوا مناصبهم لأغراضهم الشخصية، وهجروا العدل وتزوجوا بالظلم، فلم يعملوا فيما ولاهم الله تعالى بمقتضى الشريعة، بل عادوها وحاربوا أهلها، وتبع الأخير في ذلك المتقدم.فأين الشريعة المحمدية ؟، ومن أين تعرف مع الإعراض عن المنقولات ؟.نسأل الله عز وجل التوفيق للقيام بالشريعة، والإعانة على رد البدع إنه قادر.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.