تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل حُمل أحد الأنبياء مع نوح في السفينة؟

  1. #1

    افتراضي هل حُمل أحد الأنبياء مع نوح في السفينة؟

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد، فإن الله تعالى قد ذكر بعض الأنبياء في سورة مريم. وبدأ ذكر أربعةٍ منهم بقوله "
    وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ"، وهم إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس- صلوات الله عليهم أجمعين. ثم بعد ذكر هؤلاء الأنبياء وشيئاً من قصصهم، قال الله تعالى:

    "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(58)".


    فالله سبحانه وتعالى أخبر عن هؤلاء الأنبياء أنه أنعم عليهم، وأخبر عنهم أيضاً من ناحية علاقتهم ببعض الأنبياء. فعند بعض أهل العلم أن المراد بالنبيين في هذه الآية هو جنس الأنبياء وليس فقط من ذكر في هذه السورة. وعند البعض أن المراد هم الأنبياء المذكورون في هذه السورة. والمراد قد يكون- والله أعلم- الأنبياء الأربعة الذين بدأ الله ذكرهم بقوله "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ". والله تعالى ذكر علاقتهم بأربعة من الأنبياء كما في الآية المذكورة. وقد يقول البعض أن إسحاق ويعقوب وهارون يكونون من المراد بالنبيين في هذه الآية. ويتبين من قراءة الآيات في سورة مريم أن إسحاق ويعقوب وهارون لم يكونوا المتكلم عنهم بشكل رئيسي.


    قال الله تعالى عن إبراهيم: "فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)".


    وقال الله تعالى عن موسى: "وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)".


    فإسحاق ويعقوب وهارون ذكرهم الله عند ذكر إبراهيم وعند ذكر موسى. والمتكلم عنهم بشكل رئيسي كانوا الأربعة المذكورين- إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس. ولهذا قد يكونون المقصودين في قوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ". والله أعلم.


    وقد يكون لكل من الأنبياء الأربعة المكان المقصود له من هذه الأوصاف الأربعة في قوله تعالى "مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ". وأما قوله تعالى "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا" فهو يعم جميع الأنبياء عليهم السلام. ومن الواضح أن الجميع من ذرية آدم. ولكن هناك من هذه الأوصاف ما لا يسع إلا أحدهم، وهو وصف من ذرية إسرائيل- لا يسع إلا موسى من الأنبياء الأربعة. ومن الثلاثة الباقين، فوصف من ذرية إبراهيم لا يسع إلا إسماعيل. فيكون بذلك قد بقي إبراهيم وإدريس من الأنبياء، والوصفيْن: من ذرية آدم وممن حًمل مع نوح.


    وقد قيل أن المراد بقوله تعالى "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ" أنه من ذرية من حُمل مع نوح. ولكن يبدو لي من اللفظ أن المقصود هو ممن حُمل مع نوح، أي أن أحد الأنبياء أو بعضهم- سواءً كانوا الأربعة المذكورين أو أكثر- قد حُمل مع نوح في السفينة. وهناك عدة أمور تشير إلى ذلك، وسأذكرها بإذن الله.


    ولكن أريد أن أقول أولاً ما أظنه في الوصفيْن الآخِرَيْن، وفي أيهما يكون إبراهيم وفي أيهما يكون إدريس. فإن كان أحدهما قد حُمل مع نوح في السفينة، فأرى أن الأرجح أنه إدريس عليه السلام. ويُستبعَد أن يكون إبراهيم قد عاصر نوح. وبالتالي يكون إبراهيم هو المقصود في وصف من ذرية آدم.


    وأيضاً أريد أن أقول أن احتمالية كوْن أحد الأنبياء قد حُمل مع نوح قائمة سواءً كان المقصود في الآية المذكورة الأربعة المذكورين أو الأنبياء المذكورين في السورة أو كل الأنبياء عموماً. فعلى التقديريْن الأخيريْن يدخل المزيد من الأنبياء في وصف من هو من ذرية آدم وإبراهيم وإسرائيل. كما يدخل المزيد منهم تحت وصف ممن حُمل مع نوح إن كان المقصود بذلك هو من ذرية من حُمل معه. ولكن يبدو لي أن المقصود هو أن أحد الأنبياء أو بعضهم قد حُمل مع نوح في السفينة. والأدلة على ذلك هي كالآتي.


    أولا: أن الله تعالى قال "مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ"، ولم يقل "من ذرية آدم ومن حملنا مع نوح" بميمٍ واحدةٍ فقط. فقوله تعالى "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ" بميميْن اثنيْن كما في الآية يشير إلى أن الجنس المراد هو جنس من حُمل مع نوح فعلاً، بخلاف جنس من هو من ذرية من حُمل معه. هذا ما يقتضيه ظاهر القول على الأقل. والله تعالى قد قال بعد ذلك "وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ" ولم يفصل بين لفظ "إبراهيم" و "إسرائيل" إلا بالواو. ويشير ذلك أن لفظ "ذرية" يشمل لفظ "إبراهيم" ولفظ "إسرائيل" معاً، ويكون المعنى "ومن ذرية إبراهيم ومن ذرية إسرائيل".


    أما في الوصفيْن الأولَيْن، فإن الله تعالى لم يفرق بين الجنسيْن بالواو فقط. فقد ذكر جنس من هو من ذرية آدم وجنس من حُمل مع نوح. ووضَعَ ميماً أخرى، والتي هي بمعنى كلمة "مِن". فقال: "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ". فإن كان المقصود هو "من ذرية آدم ومن ذرية من حُمل مع نوح"، فلماذا لم يفصل الله تعالى بين الجنسين بالواو فقط كما فعل في الوصفين الآخِرَيْن؟ فقوله تعالى "وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ" بميمَيْن اثنَيْن- يشير إلى أن هذا الجنس لا يشمله لفظ "ذرية" من قوله تعالى "مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ"، وأنه وصف مستقل من ناحية اللفظ، وأن المقصود هو من حًمل مع نوح في السفينة.


    وهذا القول يؤيده ما قاله الله تعالى بعد ذكر الأجناس الأربعة في نفس الآية بقوله "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا".


    فبعد الانتهاء من ذكر الأجناس الأربعة، قال الله تعالى "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا" بميمَيْن اثنَيْن، كما قال "مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ". وواضحٌ أن قوله تعالى "وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا" يعني نفس هذا الجنس، وليس ذرية من هدى الله واجتبى. إذاً، فاستعمال لفظ "وَمِمَّنْ" في موضعَيْن من نفس الآية يقوي الاحتمال أن هذا اللفظ له نفس المعنى في كلا الموضعَيْن. وبهذا يرجِح أن المراد كان من حًمل مع نوح في السفينة.


    ثانيا: كل من أتى بعد نوح من الأنبياء فهو من ذريته. فلو قال الله تعالى "من ذرية آدم ونوح" كما قال "وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ" لكان لذلك الجنس معنى ذرية من حُمل مع نوح. فلو كان المقصود هو ذرية من حُمل مع نوح، فهذا يعني أن ذرية نوح تم استثناؤها من بين الذريات المذكورة من أن تُوصَفَ بلفظ الذرية، فلماذا؟ فكل من كان من ذرية من حًمل مع نوح من البشر فهو من ذرية نوح، كما قال ابن جرير وغيره.


    قال الله تعالى عن نوح في سورة الصافات: "وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)". وسأذكر هنا حديثَيْن رواهما ابن جرير في تفسيره لهذه الآية:


    (1) حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن عَشْمَة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، في قوله( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) قال:"سام وحام ويافث".


    (2) حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) قال: فالناس كلهم من ذرية نوح.


    فعلى ذلك، يكون قول ذرية نوح وقول ذرية من حُمل مع نوح له نفس المعنى، إلا أن القول الثاني يستثني الذين حُملوا مع نوح. ومع ذلك، فإن الله تعالى لم يقل "من ذرية آدم ونوح"، فلماذا؟ ليس هذا فقط، ولكنه سبحانه وتعالى- وكما ذُكِرَ في الفصل الأول من الأدلة- لم يقل "من ذرية آدم ومن حملنا مع نوح" بميم واحدة، فما سبب كل ذلك؟ ولهذا فالأرجح أنه كان من الأنبياء من حُمل مع نوح في السفينة، ولا يلزم من هذا أنه كان نبياً في ذلك الوقت.


    وأما ما رواه ابن جرير في الحديث المذكور الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن ذرية نوح الباقين: "سام وحام ويافث"، فهذا لا يعني بالضرورة أنه لم يكن مع نوح في السفينة من ذريته إلا هؤلاء الثلاثة. فلفظ الذرية يشمل الأبناء وأبنائهم وأبنائهم بلا حصر. فقد يكون وُلد لأولاد نوح أولادٌ وربما أحفاد قبل الطوفان، ولا سيما أن نوحاً لبث في قومه 950 عاماً بعد أن أرسله الله تعالى. فهذه المدة تبدو كافية ليكون لنوح أولادٌ وحفدة، وقد يكون إدريس أحدهم.


    -فبناءً على ما تقدم من الأدلة، أقول أن الأرجح هو أن أحد الأنبياء قد حُمل مع نوح في السفينة. فإن صح ذلك، أرى أنه كان إدريس على الأرجح.


    هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

  2. #2

    افتراضي رد: هل حُمل أحد الأنبياء مع نوح في السفينة؟

    وأريد أن أضيف شيئاً هنا.

    هناك احتمال أن كل من كان مع نوح في السفينة هم من ذريته، لقول الله تعالى عن نوح: "
    وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)". (الصافات: 77-82)

    فقوله تعالى "ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ" قد يكون إشارةً إلى أن كل من لم يكن من ذرية نوح قد أُغرق.


    وقال الله تعالى في سورة هود: "
    حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)".

    فيبدو من هذه الآية أن من حُمل مع نوح من البشر كانوا فريقين:


    1. أهله إلا من سبق عليه القول

    2. من آمن من قومه غير أهله

    فأظن أن كلمة الأهل من ناحية الاصطلاح يدخل فيها الأبناء ولا يدخل فيها الأحفاد. يقول ابن جرير عند تفسيره لهذه الآية: "
    وقوله:(وأهلك إلا من سبق عليه القول) ، يقول: واحمل أهلك أيضًا في الفلك، يعني ب"الأهل"، ولده ونساءه وأزواجه (إلا من سبق عليه القول)".

    فإن صح أن كلمة الأهل يدخل فيها الأبناء دون الأحفاد من ناحية الاصطلاح، وصح مع ذلك أن كل من كان مع نوح في السفينة هم من ذريته، فهذا يعني أن الفريق الثاني المذكور أعلاه لا بد أن يكونوا من أحفاده. ولو حُمل أحد الأنبياء مع نوح، فهو ممن حُمل مع نوح، وهو أيضاً من ذرية من حُمل مع نوح- لأنه يكون من ذرية سام أو حام أو يافث الذين كانوا مع نوح في السفينة. فهذا يجمع بين القوليْن معاً.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •