تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مصر بلد المحظوظين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    جمهورية مصر العربية
    المشاركات
    377

    افتراضي مصر بلد المحظوظين

    مصر بلد العجائب والغرائب، ففي مصر كل شيء في أزمة، التعليم والصحة والمرافق، وحتى رغيف الخبز اليومي، والزبالة والمرور والبلطجة .. كلها مشاكل تؤرقك صباح مساء، لكن من الغريب الفريد في مصر أن العيش فيها لطبقة المحظوظين، فأنت في مصر لكي تعيش عيشة الكرام لا تحتاج –في الغالب- لبذل جهد ولا عرق جبين ولا شهادة مرموقة .. أي لا تحتاج إطلاقا لأي نوع من التميز الفكري أو الثقافي أو البدني، كل ما تحتاجه حفنة من الحظ لا أكثر ولا أقل، هذا الحظ كفيل بأن يلقي بك في وظيفة مرموقة كوزارة البترول أو الخارجية أو سلك القضاء أو الإعلام .. وحينها تتدفق عليك الرواتب المجزية والحوافز والبدلات والمتغيرات وإعانات الغلاء والزواج والإنجاب .. والكثير الكثير من الامتيازات المادية والأدبية التي لا تحصى ولا تعد.
    حينها تستطيع أن تسكن في شقة فاخرة وتركب سيارة فارهة وتدخل أولادك في مدارس أجنبية، وتعالج أهل بيتك في المستشفيات الخاصة .. كل هذا لأن الحظ حالفك وأخذك من بين أقرانك وأدخلك روضة المنعمين.
    ففي مصر يتخرج -مثلا- من كلية الحقوق وحدها آلاف الألوف من الطلبة، يختار الحظ عشرات منهم فقط ليدخلوا سلك القضاء، سواء من الأبواب الخلفية بالرشوة أو من الأبواب الأمامية لأن الأب مستشار «وجحا أولى بلحم ثوره» كما يقولون، أما باقي الألوف فهم من الخريجين التعساء الذين لا يجدون أمامهم فرص عمل سوى تسليك المجاري أو خباز أو حمال أو امتهان مهنة المحاماة السيئة السمعة.
    وخريجي التجارة لو فاتهم العمل في البنوك فمهنة الباعة الجائلين على الأرصفة تنتظرهم، أما كليات العلوم والألسن والسياسة والاقتصاد والإعلام فالمشهور بين طلبة الثانوية العامة أنها كليات مرموقة لكنها فعليا كليات ديكورية يدخلونها من أجل الوجاهة الاجتماعية لا أكثر ولا أقل .. والعتب على الحظ!!
    وفي مصر لا تسمع ولا ترى مواطن قد تم تعينه -مثلا- في وزارة الخارجية أو السياحة حتى ولو كان أول دفعته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو كلية السياحة والفنادق، لأنها -وببساطة- وزارات الصفوة التي أغلقوها على أنفسهم واحتكروا وظائفها لذويهم وأبنائهم.
    ومن العجيب في مصر أنه لو فاتك قطار المحظوظين فليس هناك بديل أو قطار آخر ولو حتى قطار درجة ثالثة، لأن معدلات البطالة رهيبة، وسوق العمل في كساد، حتى بات القطاع الوظيفي ولو في نهاية السلم الوظيفي أمل يراود كل المصريين، ويبذلون فيه الغالي والنفيس.
    وفي المفارقات العجيبة بمصر أن عامل بسيط في قطاع البترول يتجاوز راتبه راتب وكيل وزارة في قطاع التربية والتعليم أو الصحة، وأن راتب موظف في مصلحة الضرائب العامة يوازي عشرة أضعاف راتب زميلة في مصلحة الضرائب العقارية، لأن هذا يخضع إداريا لجهة محظوظة ومغايرة للتي تتبعها الضرائب العقارية.
    إنه الحظ الذي يفعل في المواطنين الأفاعيل، وعلى أعتابه تنهار الكفاءات والمواهب والكوادر، ويدخل لرحابه فقط من تتصالح الأيام معه.
    حتى الحظ صار مادة إعلامية مرموقة وجذابة يسيل لها لعاب المشاهدين، فكم هي البرامج الإعلامية والمسابقات المارثونية التي تعتمد على الحظ -والحظ وحده- لكي تصبح مليونيرا في ضربة حظ، وحدث ولا حرج عن البرامج الشهيرة من قبيل «من سيربح المليون» وغيرها من البرامج التي يعتمد بعضها على مجرد اختيار صناديق الأموال التي يتراوح محتواها من جنيه واحد إلى مليون جنيه.
    أما إن كنت ممن فاتهم الاستضافة في أحد هذه البرامج الشهيرة، فحسبك من الحظ تلك البرامج التجارية التي تعرض سؤالا ساذجا وثلاث إجابات سهلة جدا، وما عليك إلا أن تتصل وتذكر الإجابة الصحيحة لتكون من المرشحين بالفوز بجنيهات ذهبية أو سيارة فخمة أو حتى رحلة عمرة أو حج.
    أما محصلة الحظ فهي مأساوية بل وكارثية أحيانا، فكثيرا ما تصادف طبيبا لا يصل مستواه المهني لمستوى ممرض، إلا أن الحظ لعب لعبته معه، وكان والده عميد كلية الطب أو رئيس لأحد أقسامها، فسرب له الامتحانات، وصار طبيا على غير رغبة منه ولا قدرات تؤهله لذلك.
    أذكر أنني كنت يوما في مصلحة الشهر العقاري ودار حديث بيني وبين عامل النظافة الذي كان شابا جامعيا حاصل على ليسانس لغة عربية بتقدير ممتاز، وقبل التعيين كعامل نظافة بعقد مؤقت من أجل لقمة العيش، ولما علم أني صحفي طلب مني أن أتوسط له بأحد المجلات الخليجية لكي يعمل بها مدقق لغوي، فقلت له أن حدود معرفتي بخريجي الجامعة أن مستواهم الفني ضحل للغاية، فما كان منه إلا أن جذب كتابا كان بجواره وفتح أحد صفحاته وأخذا يعرب سطرا كاملا إعرابا نحويا ببراعة منقطعة النظير، رغم أن رئيسه في العمل يحمل مؤهل متوسط، ويكاد يكتب اسمه بشق الأنفس وبخط رديء ..ولكنه الحظ!!.
    وركبت يوما مع رئيس نيابة في سيارته الأنيقة، وكان شابا يعاني من أمية ثقافية وسياسية مزمنة، لكن والده المستشار زج به في سلك القضاء، وضمن له السلطة والحظوة والثراء .. وكله بالحظ.
    وأخيرا جرحنا الحظ في كوادرنا الشرفاء ومواهبنا وأفذاذنا، فهربوا إلى الخارج مع أول فرصة، ليعطوا ثمرة قدراتهم لغير بلدهم التي ربتهم واحتضنتهم، وحدث ولا حرج عن المعدلات الفلكية لهجرة العقول العربية.
    إن الحظ الذي لم يترك لنا في مصر غير الكلام، فالكل يتحدث فيما يعرف وما لا يعرف، فمن السهل أن تجد على أي قهوة بمصر أساطين يحدثونك في السياسة والطب والاجتماع والاقتصاد .. إنهم الموسوعيون الجهلاء، الذين يتقنون الكلام ولا يحسنون الفعال.
    غاب العمل الذي هو روح الأمم ودعامة وجودها، وكثر اللدد، وصدق فينا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل».
    د/ خالد سعد النجار

    alnaggar66@hotmail.com

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,336

    افتراضي رد: مصر بلد المحظوظين

    بارك الله فيك
    لقد نكأت جرحًا عميقًا.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •