تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: فيما روي عن ابن عباس أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل

  1. #1

    افتراضي فيما روي عن ابن عباس أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل

    الحمد لله. والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد، فقد اختلفت الأقوال في عدد السحرة في قصة موسى عليه السلام. وقد ذكر ابن كثير جانبا من هذه الأقوال في كتابه "البداية والنهاية" عند ذكر قصة موسى. فقال:

    "يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة. وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء في فنهم غاية. فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان، فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير. فقيل: كانوا ثمانين ألفا. قاله محمد بن كعب. وقيل: سبعين ألفا. قاله القاسم بن أبي بردة. وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفا. وعن أبن أمامة: تسعة عشر ألفا. وقال محمد بن إسحاق: خمسة عشر ألفا. وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفا. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: كانوا سبعين رجلا. وروى عنه أيضا: أنهم كانوا أربعين غلاما من بني إسرائيل أمرهم فرعون أن يذهبوا إلا العرفاء فيتعلموا السحر ولهذا قالوا: وما أكرهتنا عليه من السحر. وفي هذا نظر."

    وهذا القول الأخير عن ابن عباس قد يكون الأقرب إلى الصواب. وسأذكر أدلة تؤيد كلى الأمرين: أن عدد السحرة كان أقرب إلى الأربعين منه إلى الألوف، وأن السحرة كانوا من بني إسرائيل.

    *الأدلة في عدد السحرة

    أولا: نعلم أن السحرة قد واجهوا موسى بسحرهم أمام خلق كثير من أهل مصر. فلو كان عدد السحرة في الألوف، كان هذا سيجعل أمرا صعبا من متابعة ما يحصل في الميدان من أحداث. ولك أن تتصور أيها القارئ الكريم مشهدا يجتمع عليه الناس ويرون فيه ألوفا من السحرة يواجهون رجلا واحدا. أليس هذا ممتنعا في العادة؟ ألا يكون هذا غير مناسب لتنفيذ الغاية المطلوبة منه؟

    ثانيا: يقول الله تعالى عن السحرة في سورة طه: "فَتَنَازَعُو أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)".
    فالسحرة تناجوا سرا في ما بينهم قبل بدء المواجهة بقليل. وكان هذا أمام جمع كبير من الناس كما نعلم. فالتناجي سرا في هذا الموقف لا يتوقع أن يصدر من أناس عددهم في الألوف. وأظن أن هذا واضح. فكلما زاد عدد السحرة، كلما قلت إمكانية التناجي فيما بينم بالسر.

    ثالثا: يقول الله تعالى بعد الآية المذكورة أعلاه: "قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)".

    فقول السحرة " فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا" يشير إلى أن عددهم كان قليلا بحيث يمكنهم أن يأتوا صفا واحدا أو صفوفا جميعا.

    رابعا: نعلم أن موسى عندما ألقى عصاه، أكلت حبال وعصي السحرة اللتي كانت تبدو أنها حيات. فإن كان عدد السحرة في الألوف، فأكل كل الحبال والعصي كان سيستغرق وقتا كثيرا. فلو قلنا أن عصى موسى تأكل أحد الحبال أو العصي في ثانية واحدة، فأكل اثني عشر ألف منها سيستغرق مئتي دقيقة، أي ثلاث ساعات وعشرين دقيقة. وهذا وقت طويل ولا يناسب المقام. أما إن كان الأمر حصل في أربعين ثانية أو نحو ذلك، فهذا مناسب. فإنه كاف لإذهال الناس وإثارة تعجبهم لفترة من الزمن، وفي نفس الوقت يتوقف هذا المشهد بدون أن يطيل على الناس. وهو أيضا يحافظ على سخونة الموقف. وهذا أنسب وأبلغ للغاية من هذا المشهد اللذي اجتمع له الناس، وهي أن يروا الآيات والبراهين على صدق موسى وأنه نبي مرسل من الله تعالى.

    خامسا: يقول الله تعالى عن فرعون في سورة القصص وبعد إخبارنا عن إيمان السحرة: " قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَ ّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)".

    فتصليب الألوف من الناس كعقاب لهم يبدو أمرا بعيدا. يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" عند ذكر قصة موسى عن قول فرعون "ولأصلبنكم أجمعين": "أي ليجعلهم مثلة ونكالا لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته وأهل ملته. ولهذا قال: "ولأصلبنكم في جذوع النخل" أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر".

    فالتشهير بعدد كبير من الرجال بتصليبهم- وعددهم في الألوف- ليس ضروريا وفيه مبالغة. وكان يكفي لذلك أن يصلب بعضهم ويكتفي بقتل البقية. ولكنه قال "ولأصلبنكم أجمعين". ففعل هذا لأربعين رجل أكثر إمكانية من أن يفعل للألوف.

    ويقول ابن كثير في نفس المرجع السابق: "قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة فصاروا من آخره شهداء بررة".

    -وفي نهاية هذا القسم الأول من الأدلة- والذي يعتني بعدد السحرة- أريد أن أقول أن الاستدلالات التي ذكرتها هي في حق السحرة الذين واجهوا موسى في الميدان. أما السحرة الذين تم جمعهم في أول الأمر، فيمكن أن يكون عددهم في الألوف، ثم بعد ذلك تم اختيار عدد يسير منهم ليقوموا بالغرض. والله تعالى قد قال في سورة يونس: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)".

    فالسحرة الذين تم جمعهم في أول الأمر قد يكون المقصود عند من قال الأعداد الكبيرة عن السحرة. والله أعلم.

  2. #2

    افتراضي رد: فيما روي عن ابن عباس أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل

    *الأدلة على أن السحرة كانوا من بني إسرائيل

    أولا: ما روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين غلام من بني إسرائيل.

    ثانيا: أنهم قالوا: "إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى". (طه: 73)

    فهذا يشير إلى أنهم أكرهوا على السحر في بداية تعلمهم له. وكأنهم كانوا مؤمنين ويعلمون أن السحر مذموم عند الله. وفي الرواية المذكورة عن ابن عباس في بداية الموضوع، وبعد أن قال أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل، قال رضي الله عنه: "ولهذا قالوا: وما أكرهتنا عليه من السحر".

    ثالثا: يقول ابن كثير في نفس المرجع: "قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا والذي جاء من أقصى المدينة وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم".

    والمشار إليه ب"هذا" هو مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن وكان يكتم إيمانه. فإن صحت هذه الرواية عن ابن عباس، فإن هذا يعني أن السحرة لم يكونوا من القبط عنده.

    رابعا: الوعظ الذي وعظه موسى للسحرة في ذلك اليوم. يقول الله تعالى: "قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى".(طه: 61)

    فلماذا يعظ موسى السحرة في هذا الموقف؟ فإنه كان يريد أن يغلبهم ويظهر حجته أمام الحاضرين. فإن هم استجابوا وامتنعوا عن السحر، لم تحصل هذه الغاية. وكأن موسى رأى ما لم يكن يتوقعه. وقد يكون أراد أن يظهر على سحرة من القبط لأن هذا أبلغ لحجته، ولهذا وعظ السحرة عندما رأى أنهم من بني إسرائيل.

    وأيضا، فموسى قد بدأ قوله للسحرة بقول "ويلكم". ومما يدعو المرء لاستعمال لفظ الويل ونحوه هو أن يرى ما يذهله أو يفاجؤه، مع أن هذا ليس شرطا. فقوله لهذه الكلمة أنسب لأن يقال لسحرة من بني إسرائيل بخلاف القبط.

    فإن امتنع السحرة، ماذا كان سيحصل؟ فإن فرعون سيضطر أن ياتي بسحرة غيرهم، وإلا فيستعرض لإحراج أمام هذا الجمع الهائل من الناس وبعد كل هذا الترقب لهذا اليوم. وهذا قي يكون الذي كان يرمي موسى إليه- أي يضعط على فرعون ليأتي بسحرة من القبط غير هؤلاء من بني إسرائيل. فيكون بذلك حقق غايته من الظهور على سحرة من القبط.

    وأما إن كان السحرة من القبط في أول الأمر- ووعظهم موسى فامتنعوا- فإن فرعون سيأتي بمثلهم من القبط، ولا يكون هناك تغيير في الأمر. إذاً هنا ظهر لدينا سبب محتمل لوعظ موسى للسحرة، وأن الأنسب أنه كان يعظ سحرة من بني إسرائيل.

    خامسا: يقول الله تعالى: "فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى".(طه: 60)

    وكان هذا بعد الاتفاق مع موسى على الوقت والمكان لهذا الأمر. وكأن فرعون كان له كيد ومكر في الأمر، وأنه ليس فقط أتى بالسحرة، ولكن كان هناك ما يخفيه ويضمره.

    وليس مستبعدا أن يلجأ فرعون إلى الحيلة. فلنتذكر أن موسى قد جاءه ببينات واضحات على صدقه. وأراه العصا واليد. وجاءه بنفسه بعد أن كان هاربا منه بعد قتل ذلك القبطي. وليس فقط ذلك، ولكن اعترف له أن فعل هذا. وهذا يشير إلى أن موسى على يقين أنه لا يمكن الوصول إليه. وعندما قدم له فرعون التحدي وقال له أن يجعل موعدا للقاء، موسى ليس فقط قبل التحدي، بل سئل أن يحشر الناس ضحى. فهذا من شأنه أن يسبب القلق للفريق الآخر، إذ إن سؤال موسى أن يحشر الناس ضحى يقتضي أنه على يقين أنه سيكون هو الغالب.

    وليس من طبع فرعون العنيد- وبعد أن رأى كل هذه الآيات- أن يأتي لهذا الموعد بدون حيلة ليحتال بها على الناس ويمنعهم من الإيمان بموسى. وأي حيلة تكون أكثر فعالية من أن يأتي بسحرة من بني إسرائيل، ثم بعد ظهور موسى عليهم يتهمهم بالاتفاق فيما بينهم على هذا الأمر؟ وهو يكون بذلك قام بإتلاف الثمرة بعد حصادها مباشرة.

    ولعل هذا كان سببا آخراً لاستياء موسى عندما رأى أن السحرة هم من بني إسرائيل- إن كانوا بالفعل كذلك. ولعله تفطن لهذه المكيدة من فرعون، ولذلك وعظ السحرة لكي يمتنعوا ويأتي فرعون بغيرهم.

    سادسا: إتهام فرعون لهؤلاء السحرة بالمكر، وزعمه أن موسى كبيرهم الذي علمهم السحر. يقول الله تعالى في سورة الأعراف: "قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)".

    وقال تعالى في سورة القصص: "قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ".(من الآية 49)

    يقول ابن كثير في نفس المرجع السابق: "وهذا الذي قاله من البهتان يعلم كل فرد عاقل ما فيه من الكفر الكذب والهذيان، بل لا يروج مثله على الصبيان. فإن الناس كلهم من أهل دولته وغيرهم يعلمون أن موسى لم ير هؤلاء يوماً من الدهر. فكيف يكون كبيرهم الذي علمهم السحر؟ ثم هو لم يجمعهم ولا علم باجتماعهم، حتى كان فرعون هو الذي استدعاهم واجتباهم من كل فج عميق وواد سحيق ومن حواضر بلاد مصر والأطراف ومن المدن والأرياف".

    فابن كثير هنا يقول أن هذه التهم التي وجهها فرعون للسحرة هي تهم لا تروج على الناس. ولكن لو كان السحرة من بني إسرائيل، أليس من الممكن أن يصدقها الناس؟ بلى. فإن مناصرة المرء لبني قومه لكي يظهروا على قوم آخرين، موجود في أكثر الناس وإلى درجة غير محمودة. إذاً فمن المحتمل جداً أن يكون فرعون خدع الناس بهذا الأسلوب الخبيث.

    -فبناء على ما تقدم من الأدلة، أقول أن الأرجح هو أن هؤلاء السحرة كانوا من بني إسرائيل.

    هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

  3. #3

    افتراضي رد: فيما روي عن ابن عباس أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل

    وهذا دليل آخر كنت لم أنتبه له.

    فما حدث في ذلك اليوم بين موسى والسحرة، هو مذكور في أربع سور من القرآن حسب ما أعلمه. وهذه السور هي: الأعراف، يونس، طه، والشعراء. والله تعالى قد أخبرنا أنه بعد ما ظهر موسى على السحرة، سجد السحرة وقالوا أنهم آمنوا بالله. فهذا موجود في كل السور المذكورة أعلاه إلا سورة يونس، فقد قال الله فيها:


    "فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)".


    إذاً، فهنا لم يقل الله أن السحرة سجدوا وآمنوا بالله كما في السور الثلاث الأخرى. وإنما أخبرنا أنه لم يؤمن لموسى إلا ذرية من قومه. وهذا أيضا يشير إلى أن السحرة كانوا من بني إسرائيل. ففي القرآن، لم يخبرنا الله أنه آمن لموسى بعد ظهوره على السحرة وفي ذلك الموطن إلا السحرة أنفسهم.


  4. #4

    افتراضي رد: فيما روي عن ابن عباس أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل

    لدي دليل جديد. ولكن أولاً، أريد أن أقول شيئاً عن الدليل الذي تقدم ذكره. يقول الطبري في تفسيره:
    "حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه) ، قال، كان ابن عباس يقول: "الذرية": القليل."


    وقال أيضاً:
    "حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى:(فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه) ، "الذرية"، القليل، كما قال الله تعالى:( كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ) [سورة الأنعام: 133]".

    فإن صح هذا المعنى للذرية، ففي هذه الآية إشارة إلى الأمرين معاً: كون عدد السحرة قليلا، وكونهم من قوم موسى.


    الدليل الجديد هو في قوله تعالى في سورة طه:

    "فَتَنَازَعُو أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)".


    فالسحرة قالوا "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا". وموسى وهارون كانا يريدان أن يأخذا بني إسرائيل معهما. فهذا دليل على كون السحرة من بني إسرائيل. وقد قال تعالى في سورة الشعراء:

    "فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)".


    وقال تعالى في سورة الأعراف:

    "قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)".


    فقوله تعالى "قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ" يشير إلى أن ملأ فرعون كان فيهم رجال من قوم فرعون ورجال من غير قوم فرعون. وبما أن الملأ قالوا "يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ"، فهذا يشير ألى أن النوع الآخر من الملأ هم من بني إسرائيل.


    وقال تعالى في سورة الشعراء:

    "فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)".


    ففي هذه السورة، فرعون هو الذي يقول هذا القول. بينما في سورة الأعراف يقول الملأ من قوم فرعون قولاً مشابها. قد يكون الذي قال الكلام في الواقع هم الملأ من قوم فرعون، وكان فرعون موافقاً ومؤيداً لهذا الكلام. وبهذا يكون فرعون كأنما قاله. فأمر الإخراج من الأرض له علاقة بإرادة موسى وهارون أن يأخذا بني إسرائيل معهما. ولكن بقي هناك إشكال، وهو أن فرعون يقول "أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى". (طه: 57)


    فقد يكون الأمر كما تقدم عن الملأ من قوم فرعون: أن الملأ من بني إسرائيل قالوا هذا الكلام، ولكن كان فرعون موافقاً عليه ومؤيداً له. وبهذا يكون كأنما قال هذا الكلام.


    هذا والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •