بسم الله الرحمن الرحيم

تحية لكم إخواني الفضلاء في هذا المنتدى المبارك،
هنا بحث مختصر أو ورقة عمل في مسألة معاصرة متداولة
وهي التعهد بالشراء
وكثيرا مايستخدم هذا المصطلح في صناديق الاستثمار في البنوك والشركات الاستثمارية

ودونكم بعض الأحكام المتعلقة بذلك، أحببت إفادتكم بها.


(أحكام التعهد بالشراء)


صورة المسألة:

التعهد أو الالتزام بشراء الوحداتالاستثما رية أو الصكوك، هو عادة ما يكون موجهاً من مدير الاستثمار للمستثمرين؛لغرض التحفيز وجذب الأموال، لكون ذلك بمثابة ضمان رؤوس أموالهم. وغالباً ما يكون ذلكبالقيمة الاسمية (وهي المبلغ المدفوع في بداية الاستثمار). وهذا التعهد قديكون متاحاً في أي وقت (كما في الصناديق المفتوحة) أو يكون عند التصفية أي: عند انتهاءمدة الاستثمار (كما في الصناديق المغلقة).
وعلى هذا: إذا رغب المستثمر في استرداد قيمة الوحدة (أي: بيعها) عند التصفية أو عند إطفاء الصكوك أو غير ذلك،فينظر: إن كانت قيمتها السوقية أعلى تم البيع بها، وإلا فتباع بالقيمة الاسمية لزوما. وحينئذ يضمن ويطمئن المستثمر أن رأس ماله سيعود له سالماً [1].

حكم المسألة:
هذا التعهد لا يخلو:
1- إما أن يكون بالقيمة الاسمية أوبالقيمة السوقية.
2- وإما أن يكون صادراً من مديرالاستثمار، أو منطرف ثالث.
3- ومدير الاستثمار لا يخلو: أن يكونمضارباً أوشريكاً أو وكيلاً في الاستثمار.
4- والطرف الثالث لا يخلو: أن يكونتعهده بعوض أوبدون عوض.

وهذا يستدعي بحث المسألة فيالتقسيم الآتي:


المطلب الأول: التعهدبالشراء بالقيمة الاسمية:
الفرع الأول: أن يكون المتعهد هو مديرالاستثمار:
المسألةالأولى: أن يكون المتعهد مديرالاستثمار بصفته مضارباً.
إن تعهد المضارب بشراء الوحدة الاستثمارية بقيمتها الاسمية بغض النظر عن الربح والخسارة، هو في حقيقته ضمان من المضارب لربالمال بضمان جميع رأس مال. وهذا باطل بلا خلاف، قال ابن قدامة: (متىشرط علىالمضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا)[2].وهذاالضمان يقلب العقد من قِراض (مضاربة) إلى قرض. وحينئذٍ فيكون الربح المتحصل هوالفائدة على القرض. وهذا بعينه تماما طريقة السندات الربوية؛ إذ إن أبرز خصائص ومميزاتالصكوك الإسلامية الاستثمارية هو انتفاء ضمان المدير[3].
وصدر بالمنع منه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، في القرار 30 بشأن: سندات المقارضة وسندات الاستثمار، وجاء في الفقرةالرابعة من العنصر الرابع: "لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضةعلى نص بضمان عامل المضاربة رأس المال..."اهـ[4].
كما قال به المجلس الشرعي لهيئة المحاسبةوالمراج عة للمؤسسات المالية الإسلامية (الأيوفي)، فجاء في البيان الإيضاحي الشهيرللمجلس الشرعي بشأن الصكوك في البند (رابعاً) ما نصه: "لا يجوز للمضارب أوالشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممنيمثلهمبقيمته ا الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها. ويجوز أن يكون التعهد بالشراءعلى أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يُتفق عليهعند الشراء"اهـ.
وسبق أن صدر من المجلس الشرعي عدةمعايير شرعية تؤكد هذا المعنى، كما في معيار الضمانات، ومعيار الشركة،ومعيارال مضاربة، ومعيار صكوك الاستثمار، ومعيار الوكالة.
المسألةالثانية: أن يكون المتعهد مديرالاستثمار بصفته شريكاً.
إن تعهد الشريك بشراءالوحدةالاس تثمارية بقيمتها الاسمية بغض النظر عن الربح والخسارة، هو في حقيقته ضمان من الشريك لشريكه بضمان جميع رأس مال. وهذا باطل؛ لأنه يقطع الشركة في الخسارة،وهذا يخالف مقتضى الشركة، وليس في ذلك خلاف؛ قال ابن قدامة: (الخسران في الشركةعلى كل واحد منهما بقدر ماله، فإن كان مالهما متساوياً في القدر، فالخسران بينهمانصفين،وإن كان أثلاثاً فالوضيعة أثلاثاً، لا نعلم في هذا خلافا بين أهلالعلم)[5].وروي عن علي رضي الله عنه هذا المعنى فقال: (الربح على ما شرطا،والوضيعة على قدر المالين)[6].
وقد منع من ذلك المجلس الشرعي في البيانالإيضاحي عن الصكوك كما سبق نقله، كما أكد ذلك في المعايير الشرعية المذكورةآنفاً.
المسألةالثالثة: أن يكون المتعهد مديرالاستثمار بصفته وكيلاً في الاستثمار.
إن تعهد مدير الاستثمار (إذا كان وكيلا فقط) بشراء الوحدة الاستثمارية بقيمتها الاسمية، هو في حقيقته تضمين للأمين،فالوكيل أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط. وهذا التعهد بالشراء يجعله ضامناًفي كل حال.
وقد منعه المجلس الشرعي كما تقدمفيالبيان المذكور، وسبق تأكيده في معيار الضمانات البند 2/2/2 وفيه: "اشتراطالضمانعل الوكيل بالاستثمار يحول العملية إلى قرض بفائدة ربوية بسبب ضمان الأصل مع الحصول على عائد الاستثمار"اهـ.
كما جاء في معيار الوكالة البند5/2:"يد الوكيل يد أمانة لا تضمن إلا بالتعدي أو التقصير..."اهـ[7].
الفرع الثاني: أن يكون المتعهد هو طرف ثالث:
المسألةالأولى: أن يكون بلا عوض:
وصدر بجوازه قرار من مجمع الفقه الإسلاميالدولي في القرار 30 بشأن: سندات المقارضة وسندات الاستثمار، وجاء في الفقرةالتاسعة من العنصر الرابع: "ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدارأوصكوك المقارضة على وعد طرف ثالث -منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد-بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين"اهـ[8].

المسألةالثانية: أن يكون بعوض:
وهذا نوع من أنواع التأمين التجاري، لأن الطرف الثالث ملتزم بالتعويض في مقابل العوض المدفوع. وعامة الفقهاءالمعاصري ن والمجامع الفقهية على منع التأمين التجاري[9].

المطلب الثاني:التعهد بالشراء بالقيمة السوقية:
وهذا قد أجازه المجلس الشرعي فيالبيان الإيضاحي بشأن الصكوك، كما تقدم نقله.
كما صدر بجوازه قرار من مجمعالفقهالإسلا مي الدولي في القرار 30 بشأن: سندات المقارضة وسندات الاستثمار، وجاءفي الفقرة الثالثة من العنصر الرابع: "... يجوز أن يتم التداول بقيام الجهةالمصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور، تلتزم بمقتضاهخلالمدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أنتستعين فيتحديد السعر بأهل الخبرة، وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوزالإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص على النحوالمشار إليه"اهـ [10].
وهذا يعني جواز التعهد بالشراءبالقيمةا لسوقية سواء من مدير الاستثمار (بغض النظر عن صفته سواء أكان شريكاً أومضارباً أووكيلاً بالاستثمار)، أو كان التعهد من طرف ثالث.
هذا ما تيسر كتابته وجمعه،وإلافالمو ضوع يحتاج لبسط أوسع؛ [11].


والله تعالى أعلم، وصلى الله علىنبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] ينظر: بحث حماية رأس المال،د.يوسف الشبيلي، مجلة البحوث الفقهية80/137-138.
[2] المغني 7/176 ط.التركي.
[3] ينظر: مخاطر الصكوكالإسلامية ، د.عبدالستار أبو غدة، بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية6/17.
[4] ينظر: قرارات وتوصيات مجمعالفقه الإسلامي الدولي ص69.
[5] المغني 7/145 ط.التركي.
[6] قال الزيلعي في نصب الراية3/475 بعد أن ذكره مرفوعا: (قلت: غريب جدا، ويوجد في بعض كتب الأصحاب من قول علي).وجاء عندعبدالرزاق 8/248، وابن أبي شيبة 4/267 عن بعض التابعين بمعناه.
[7] وهذا الحكم (عدم تضمين الأمين-ولو بالشرط- مالميتعد أو يفرط) والوكيل من سائر الأمناء، حكم يكاد يكون محلاتفاق، وخالف في ذلك بعض المعاصرين، فيرى جواز تضمين يد الأمانة بالشرط، كالدكتورنزيه حماد، في بحثه (مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط) في كتابه: قضايا فقهيةمعاصرة في المال والاقتصاد. وذهب إلى أبعد من ذلك فأجاز تضمين يد المضارب بالشرط،كما في بحثه:(ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط) في كتابه: فيفقه المعاملات المالية المصرفية.
[8] ينظر: قرارات وتوصيات مجمعالفقه الإسلامي الدولي ص71.
[9] ينظر:بحث حماية رأس المال،د.يوسف الشبيلي، مجلة البحوث الفقهية80/148-149.
[10] ينظر: قرارات وتوصيات مجمعالفقه الإسلامي الدولي ص69.
[11] من ذلك مثلاً: تعهد مديرالاستثمار بشراء الأصول المؤجرة المنتهية بالتمليك بباقي أقساط الأجرة باعتبارها تمثل صافي قيمتها. وكذا تعهد المستأجر بشراء الأصول المؤجرة بقيمتها الاسمية؛ إذا لم يكون شريكاً أو مضارباً أو وكيلاًبالاستثما ر، باعتبار أنه من ضمان الطرف الثالث. ينظر: البيان الإيضاحي للمجلسالشرعي بشأن الصكوك، وكذا بحث: أساليب حماية رأس المال، د.عبدالستار أبوغدة، بحوثفي المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية 9/81.