لقد حوت طرق الصوفية دعاوى عريضة في الحقائق، وخوارق في باب السلوك والرقائق تنتهي إلى حيث لا يقوى على تصديقها فضلاً عن حملها من أشرب قلبه معالم الدين، فرسموا تربية تمكنهم من التمادي في السير إلى نهاية المطاف، ولافتة يرفعونها كلما بادر عليهم الأتباع بالإنكار، واخترعوا أصولاً فاسدة لتربية مريديهم تلتقي عند القول: "بحفظ الشيخ عن الخطأ" و"الخضوع التام له" حيث يستحيل المريد إلى جماد يتصرف فيه الشيخ، وبهيمة يأخذ برأسها فينقاد له بلا اعتراض، ويسلم له في جميع أحواله ولو كان يرتكب المعاصي علانية، وجعلوا هذا التسليم ركناً ركيناً وعقداً مكيناً بينهم وبين المريدين، يترتب عليه آثاره، ويسري بين الطرفين، وأخذوا عليهم فيه الأيمان المؤكدة والمواثيق الغليظة، والنكتة في هذا العقد أن الغاية لا تتحصل بالعلم وإنما بالرياضة على يد شيخ قد جرب الطريق وكشف له الحجاب وتجلت له الأنوار فيدرج المريد خلف شيخه في عقبات الطريق ليحصل له الكشف.


قال السهروردي: "الشيخ يسلك بالمريد طريق التزكية، وإذا تزكت نفسه انجلت مرآة القلب، وانعكست فيه أنوار العظمة الإلهية، ولاح فيه جمال التوحيد"(1) وبعد التسليم بالعقد يدخل المريد في حكم شيخه، وتكون الخرقة الصوفية شعاراً لهذا النوع من التربية، وعلامة للقبول في الطريقة، ويدخل الزوايا أو الخوانق التي بنيت لتجمع شمل هؤلاء القادمين ويتخرجوا من عتباتها.

أهمية الشيخ المربي في الفكر الصوفي:
تظهر أهمية الشيخ في الوصية به كونه حجر الزاوية في التربية، ومن لم يكن له شيخ فليس بشيء، ونقلوا عن البسطامي قوله: "من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان".
وقريباً منه قول الرفاعي: "من لم يكن له أستاذ فشيخه الشيطان" ويرى علي محمد وفا أن المريد كالعورة التي لا حرج أن تبدو للطبيب في علاجه المرض، لكي يطلع الشيخ على كل ما يتعلق بالمريد فيقول: من ليس له أستاذ ليس له مولى، ومن ليس له مولى فالشيطان به أولى.
وكان يقول: "ينبغي للمشايخ تفقد حال المريدين، ويجوز إخبار الأستاذ بما في بواطنهم إذ الأستاذ كالطبيب، وحال المريد كالعورة، والعورة قد تبدو للطبيب لضرورة التداوي، وفي الحقيقة كل مريد رأى أن له عورة مع شيخه فهو أجنبي عنه لم يتحد به(2).
ويبعد أبو المواهب الشاذلي في الوصية إلى الغلو في الشيوخ فيقول: "ما ثقل على الأشياخ خدمة أحد من الفقراء إلا لعلة في قلب الخادم كتمها عنهم، وهذه علة لا يسلم منها إلا من أتى الله بقلب سليم، ولو أن الخادم كان أظهر لهم تلك العلة لربما وصفوا له دواءها أو شفعوا له فمحاها الله تعالى عنه من اللوح! أو سألوا النبي في الشفاعة فيه فيشفع إلا إذا كان قضاء مبرماً لا مرد له!
وقد رأى السيد عبد القادر الجيلاني لمريده أنه لا بد له أن يزني بامرأة سبعين مرة!! فقال: يا رب! اجعلها في النوم فكان كذلك(3).
وهذه ظلمات بعضها فوق بعض، وملامح التخريف بادية على الوصف، ولذا لم يكتف الواصف بأمر الجيلاني الذي نربأ به عن ذلك بالزنا مرة واحدة، بل جعلها سبعين إذ لا يضره كمية العدد ما دام الكيل جزافاً؟

المريد كالميت عند مغسله:
هكذا اختار الصوفية هذا التشبيه لتصوير المريد بين يدي شيخه، واستملحوا إيراده كثيراً دون نكير، وهو يوحي بالموت الكامن وراء هذه التربية، فيصير المريد كالميت بين يدي مغسله، وهذا شرطٌ لازمٌ وجوده، فإذا فقد هذا الشرط ذهب العقد برمته، فليستصحب المريد إذا هذا الشرط القوي، ويحرم عليه السؤال بكيف؟ ولمَ؟ وقد صاغه بعضهم بالشعر قائلاً:

وكن عـنده كالميْت عند مغسل *** يقلبه ما شاء وهو مطاوع
ولا تعترض فيما جهلت من أمره *** عليه فإن الاعتراض تنازع
وسلم له فيما تراه ولو يكن *** على غير مشروع فثم مخادع
وفي قصة الخضر الكريم كفاية *** لقتل الغلام والكليم يدافع
ويزيده إبراهيم الدسوقي تفصيلاً فيقول: المريد مع شيخه على صورة الميت لا حركة ولا كلام ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة في الزاوية أو غير ذلك، وهكذا كانت طريق السلف والخلف مع أشياخهم فإن الشيخ هو والد السر، ويجب على الولد عدم العقوق لوالده، ولا نعرف للعقوق ضابطاً نضبطه به إنما الأمر عام في سائر الأحوال، وما جعلوه -أي المريد- إلا كالميت بين يدي الغاسل، وكان يقول: يجب على المريد أن لا يتكلم قط إلا بدستور شيخه إن كان جسمه حاضراً وإن كان غائباً يستأذنه بالقلب.

ويعد أبو المواهب الشاذلي السؤال بـ "لم؟" ذنباً عند الصوفية فيقول: ربما منع المريد من أجل قوله لشيخه: لم فإنه ذنب عند أهل الطريق لا يشعر به كل أحد.
ويزيد الطين بلة نور الدين المرصفي فيزعم أنه ليس للمريد أن يسأل شيخه عن سبب غيظه وهجره له، بل ذلك من سوء الأدب، ولا يجوز للمريد عند أهل الطريق أن يجيب عن نفسه أبدا إذا لطخه شيخه بذنب؛ لأنه يرى ما لا يرى المريد!(4).
المريد ملك الشيخ:
الفناء في إرادة الشيخ والعبودية له بحيث يصير ملكاً يفعل فيه ما يشاء هذه عبارات وردت في قاموس الصوفية، الطلبة يرون أنفسهم ملكاً للشيخ يفعل فيهم ما يشاء، فهذا نموذج منهم يسمى محمد الغمري خدم عند أحمد الزاهد فقال: وكان قد قسم الفقراء ثلاثة أقسام: كهول وشباب وأطفال، وقد أخذ العهد عليهم أن لا يجيب أحد عن نفسه قط بل يعفو عن الظالم أو يشكوه للشيخ يفعل فيه ما شاء من حيث أنهم كانوا يرون نفوسهم ملكاً للشيخ يفعل فيهم ما يشاء، وهم أوصياء على أجسامهم فينتصرون لها من حيث أنها مضافة إلى الحق، وما كان أحد منهم يتكدر مما يفعله الشيخ معه من هجر أو إخراج أو ضرب أو جوع أو نحو ذلك بل كانوا يرون الفضل للشيخ!(5).
وقد عبر بعضهم بأن المريد من تحقق بمراده في عين أستاذه وهو فناء إرادة المريد في إرادة الشيخ فلا حركة ولا سكون إلا موافقاً له، وفي هذا يتغنى القائل:
وأنزل الشيخ في أعلى منازله *** واجعله قبلةَ تعظيم وتنزيه
واترك مرادك واستسلم له أبداً *** وكن ميتاً مخلى في أياديه
واعدم وجودك لا تشهد له أثراً *** ودعه يهدمه طـوراً ويبنـيه
آداب المريد في تقديس الشيخ:

أدب المريد على سبيل الإجمال هو الخضوع التام كما سبق، وعلى سبيل التفصيل وردت جملة آداب لا تمت للشرع بصلة، بل هي تؤدي إلى الغلو في الشيوخ.
منها: خدمة الشيخ وأنها أفضل من الحج كما عند يوسف العجمي في قوله: "إنما يصلح السفر للرجال إذا كملوا، وأما المريد فإقامته في خدمة شيخه ساعة ساعةً أفضل من خمسين حجة".
ومنها عدم استدباره؛ لأنه أعظم من الكعبة كما قال الشعراني: "لا ينبغي للمريد أن يستدبر شيخه أبداً إلا بإذن، ويكون ذلك مع استشعار المريد الخجل حتى كأنه يمشي على الجمر فإن شيخه أعظم حرمة من الكعبة"(6).
ومنها عدم الاعتراض عليه بالقلب فضلاً عن اللسان قال القشيري: "ومن شرطه أن لا يكون له بقلبه اعتراض على شيخه"(7) وأن يجلس عنده بخشوع ولا يطأ سجادته:
وسلم الأمر له لا تعترض *** ولو بعصيان أتى إذا فرض
وكن لديه مثل ميت فاني *** لدى مغسل لتمس داني
ولا تطأ له على سجادة *** ولا تنم له على وسادة
منهج الصحابة:

لا شك أن منهجاً كهذا لا يخرج إلا أرتالاً من الأتباع الذين لا إرادة لهم، يسكتون على المنكرات، ويستسيغون الخرافات، ويمشون في ركاب التصوف مغمضي العينين إلى حيث مهالك الوحدة وغيرها من القضايا الفلسفية، وهو منهج منحرف عن منهج الصحابة الذين تربوا على العلم والأخذ بالنصوص، وقد استوقفني من أمرهم موقفان حدث كلاهما في الكوفة التي وليها كل من ابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وكأني بأبي موسى وقد وردت عليه مسألة في الفرائض فيها بنت وبنت ابن وأخت، فقضى للبنت النصف وللأخت النصف وأسقط بنت الابن، ثم استدرك قائلاً: وائت ابن مسعود فسيتابعني، فسئل ابن مسعود وأخبر باستدراك أبي موسى فقال: ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وللأخت ما بقي، فأتى أبا موسى وأخبره بالجواب فقال: لا تسألوني ما دام فيكم هذا الحبر.
ولئن صال ابن مسعود هنا بحجته على أبي موسى فإن الموقف الآخر يقضي بالحجة لأبي موسى، فبينما هما في أحد المجالس الطيبة قال أبو موسى لابن مسعود: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد الماء كيف يصنع؟ فقال أبو عبد الرحمن: لا يصلي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يكفيك» قال: ألم تر أن عمر لم يقنع بذلك، فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمر، كيف تصنع بهذه الآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] فما درى عبد الله ما يقول، فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم. ا. هـ (8).
ولم يقنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال، فقال: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت، وقد فسر النووي جملة عمر رضي الله عنه الأخيرة بأنه لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به. أ. هـ.
والملمح المهم في هذا السياق هو إعلام عمار لعمر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم حمل عمار على رأيه مع أنه -أعني عمر رضي الله عنه- رأس الملهمين، وليس في الملهمين أفضل منه لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح: «إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر منهم» وتأمل مراجعة عمار له رضي الله عنهما في المسألة السابقة تجد أنه لم يدع العصمة، مع أنه قد وافق ربه في بعض أشياء، وناقشه الصحابة في أمور، ورجع إلى قولهم كمناظرة أبي بكر له في مانعي الزكاة وغيرها، فماذا يقول هؤلاء الصوفية الذين يحتجون بالإلهام ويأخذون الأثر بخلاف مأخذه الصحيح(9).
نقض الشبهات:
يورد الصوفية شبهات في باب التربية الذليلة التي ابتدعوها نقف عند اثنتين:
الأولى: القول بحفظ الشيخ.
الثانية: الاستدلال بقصة موسى والخضر عليهما السلام، فأما ما كان من حفظ الشيخ فإنهم يضاهئون به عصمة الأئمة عند الرافضة، وقد أثبت القول بالحفظ القشيري بقوله: "ومن شرط الولي أن يكون محفوظاً كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً" والسبب يعود عندهم كون الحق يتولى تصرفه "فيصرفه في وظائفه وموافقاته، فيكون محفوظاً فيما لله عليه مأخوذاً عما له وعن جميع المخالفات، فلا يكون له إليها سبيل وهو العصمة"(10).
وقد وضح شيخ الإسلام هذا الغلو الذي يقضي بالعصمة فقال في منهاج السنة: "وكثيراً من الغلاة في المشايخ يعتقد أحدهم في الشيخ نحو ذلك ويقولون: الشيخ محفوظ ويأمرون باتباع الشيخ في كل ما يفعل لا يخالف شيئاً أصلاً، وهذا من جنس غلو الرافضة والنصارى والإسماعيلية التي تدعي في أئمتها أنهم كانوا معصومين".
وأضاف في موضع آخر: "بل كثيراً من الناس من عبادهم وصوفيتهم وجندهم وعامتهم يعتقدون من شيوخهم العصمة من جنس ما يعتقده الرافضة في الاثني عشر، وربما عبروا عن ذلك بقولهم: الشيخ محفوظ".
وقال في الفتاوى: "أما الشرك فغالب عليهم أن يحبوا مشايخهم أو غيره مثل ما يحبون الله ويتواجدون على حبه"(11).
وأما الاستدلال بقصة موسى والخضر عليهما السلام الذي يبتغون من ورائه القول بامتلاك العلوم اللدنية فإنه مردود، وتنحل أول عقدة منه بالقول بنبوة الخضر لقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82]وتنحل الثانية بالقول بوفاته، وقد زاد شيخ الإسلام ابن تيمية نقض هذا الاستدلال أيضاً من جهتين: إحداهما أن موسى لم يكن مبعوثاً إلى الخضر لقوله: "إني على علم من الله علمنيه الله لا تعلمه".
والثانية أن ما فعله الخضر لم يكن مخالفاً لشريعة موسى بل كان موافقاً، لكن موسى لم يكن علم الأسباب التي تبيح ذلك، فلما بينها له وافقه على ذلك(12).
تمارين على الاستكانة والذل:
لم تزل تفعل الحكايات الصوفية فعلها في تربية المريدين حتى استكانوا لشيوخهم فلا ينكرون عليهم، ولو فعلوا المنكر الذي لا مرية فيه، والقصص في هذا المجال كثيرة تمرّن المريد على الخضوع ويرتضع من لبانها منذ وضع قدمه في الطريق.

ونجيز لأنفسنا بالتقاط ثلاثة مشاهد يرويها لنا أحمد بن مبارك السجلماسي وهي:
الأول: مشهد رجل يحب الصالحين خرج من ماله فباعه وجمع ثمنه، وخرج به لبعض من شهر عنه الصلاح، وكانت تقصده الوفود من النواحي، وسأل عن داره، فسأله الخادم عن اسمه فقال: عبد العلي، وكان الشيخ المشهور بالولاية من العصاة!!
وله نديم يتعاطى معه الشراب اسمه عبد العلي! فأذن له ظناً أنه نديمه، فلما دخل على الشيخ وجد الشراب بين يديه وامرأة فاجرة معه، فتغافل عن ذلك كله وقال: يا سيدي! سمعت بك من بلادي، وجئتك قاصداً لتدلني على الطريق، وهذا مالي أتيتك به.
فقال الشيخ: يتقبل الله منك، فأعطاه رغيفاً وفأساً، وأمره بالخدمة في البستان، فذهب مسروراً فرحاً للخدمة، وصادف وفاة أكبر العارفين من الديوان، فحضر وفاته الغوث والأقطاب السبعة!! وعرضوا عليه أن يعين له وارثاً، فقال: عبد العلي الذي وفد فلان المبطل، فانظروا إلى حسن سريرته مع الله عز وجل، وإلى تمام صدقه وخاطره ونفوذ عزمه، وصلابة جزمه، فإنه رأى ما رأى ولم يتزلزل له خاطر ولا تحرك له وسواس، فهل سمعتم بمثل هذا الصفاء الذي في ذاته!
الثاني: إن بعض الأكابر له عدة أصحاب فأراد أن يختبرهم، فاجتمعوا عند باب خلوته، فأظهر لهم صورة امرأة فدخلت الخلوة، فقام الشيخ ودخل معها، فأيقنوا أن الشيخ اشتغل معها بالفاحشة، فتفرقوا كلهم وخسرت نيتهم إلا واحد! فإنه ذهب وأتى بالماء وجعل يسخنه يقصد أن يغتسل به الشيخ! فخرج عليه الشيخ وسأله فقال: رأيت المرأة دخلت. فقلت: لعلك بحاجة إلى غسل، فسخنت لك الماء! فقال له الشيخ: تتبعني بعد أن رأيتني على المعصية فقال له: ولم لا أتبعك والمعصية لا تستحيل عليك وإنما تستحيل في حق الأنبياء! ولم أخالطك على أنك نبي، وإنما خالطتك على أنك بشر، وأنك أعرف مني بالطريق وهي باقية فيك، فقال له: يا ولدي تلك الدنيا تصورت بصورة امرأة وأنا فعلت ذلك لينقطع عني أولئك القوم، فادخل معي الخلوة فهل ترى امرأة فدخل فلم يجد امرأة.
الثالث: بعض المشايخ أراد أن يمتحن صدق مريد له فقال: أتحبني؟ قال: نعم، قال: أرأيت إن أمرتك أن تأتيني برأس أبيك أتطيعني؟ قال: يا سيدي! كيف لا أطيعك، ولكن الساعة ترى، فذهب من حينه، وكان ذلك بعد أن رقد الناس فتسور جدار دارهم وعلا فوق السطح ثم دخل على أبيه وأمه، فوجد أباه يقضي حاجته من أمه، فلم يمهله من قضاء حاجته بل قطع رأسه وأتى به للشيخ وطرحه بين يديه، فقال: ويحك إنما كنت مازحاً! فقال له المريد: أما أنا فكل كلامك عندي لا هزل فيه! فقال الشيخ: انظر هل هو رأس أبيك. فنظر المريد فإذا هو رأس فلان العلج، وكان أبوه قد غاب فخانته زوجته في فراشه ومكنته من نفسها، وكوشف الشيخ بذلك، فأرسل المريد ليقتله! وليمتحن صدقه فكان وارث سره والمستولي بعده على فتحه(13).
فتأمل هذه الأربعة المشاهد التي تكشف مخاطر هذه التربية نلخصها في التالي:
- تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإسقاط الاستدلال بالنصوص.
- الدعوة للبطالة وارتكاب المعاصي المعلومة بكونها فسقا كالخلوة بالأجنبية في الأمثلة الأول والثاني والقتل في المثال الأخير.

- التسليم للأقوال المتضمنة الكفر والضلال المسمى عندهم شطحاً.
- الغلو في المشايخ بتعظيمهم والتسليم لهم ثم تقديس أضرحتهم بعد موتهم.
ـــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) عوراف المعارف: (ص83).
(2) قلادة الجواهر: (ص 209) حلية الأولياء: (10/ 33) الطبقات الكبرى للشعراني: (ص383).
(3) الطبقات الكبرى (ص281).
(4) (ص305-488).
(5) (ص494-504).
(6) الأنوار القدسية (2/ 45-2/ 62).
(7) الرسالة (622) ومن جملة الآداب ما نقله محمد بن أبي جمرة عنهم بأنه لا ينبغي للشيخ أن يأكل مع المريد ولا يجالسه إلا عند ضرورة خوفاً على المريد من سقوط حرمته من قلبه، ومنها ما نظمه صاحب الرائية التي شرحها السجلماسي في قوله:

ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوته *** ولا تجهروا جهر الذي هو في قفر
ولا تنطقن يوماً لديه فإن دعا *** إليه فلا تعدل إلى الكلم النزر
ولا يقعدن قدامه متربعاً *** ولا بادياً رجلاً فبادر إلى الستر
سوى الشيخ لا تكتمه سراً فإنه *** بساحة كشف السر يجري على بحر
(8) انظر فتح الباري كتاب التيمم: (1/ 599)، وكتاب الفرائض: (12/ 18).

(9) الحديث رواه البخاري في صحيحه.
(10) الرسالة للقشيري: (ص 2/ 521)، والتعرف للكلاباذي: (ص147).

(11) منهاج السنة: (6/ 175-430)، مجموع الفتاوى: (10/ 417).

(12) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
(13) الإبريز: (ص 186-188).


منبر علماء اليمن:
http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=13114