إسناده ضعيف، فيه علتان،الأولى: الاختلاف في حال شبيب أبي روح، أخطأ البعض فذكره في الصحابة معتمدًا في ذلك علي ما جاء في رواية شريك النخعي ، وزائدة بن قدامة وكلاهما عند أحمد في ( المسند 15872، 15874 ) وكذلك ما جاء عند ابن قانع في ( معجمه 3/132) من طريق أبي الأشهب عن عبد الملك بن عمير ولكن سماه أبا روح مر ذي الكلاع أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية شريك صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنبين أن عبد الملك بن عمير كان يضطرب فيه وذلك عند ذكر العلة الثانية، ولذا قال ابن منده: " ذكر فِي الصَّحَابَة، وَلَا يَصح، وَهُوَ تَابِعِيّ" ( فتح الباب في الكنى 1/315 ). وقال الحافظ في ( التقريب 2744 ): " ثقة من الثالثة أخطأ من عده في الصحابة" .قلنا: لعل ابن حجر اعتمد في توثيقه على قول أبي داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات" وشبيب هذا من شيوخ حريز، ولكن هذا القول من الحافظ غير مقبول، لأن توثيق أبي داود لشيوخ حريز توثيق عام، والحافظ ابن حجر نفسه لم يأخذ بقول أبي داود مطلقاً، فإنه قال في سلمان بن سمير وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي ويزيد بن صالح و يقال ابن صليح الرحبي ، قال في كلٍّ منهم: "مقبول" مع رواية حريز بن عثمان عنهم. فكذلك ينبغي له أن يقول في أبي روح هذا "مقبول". والله أعلم.وإن كان أخذه من ابن حبان حيث ذكره في ( الثقات 4/359) فغير مقبول لما هو معروف من عادة ابن حبان في توثيق المجاهيل، كما أن أبا روح هذا مقل في الرواية، وذكره البخاري في ( التاريخ الكبير 4/231)، وابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل 4/358 ) فلم يذكرآ فيه جرحًا ولا تعديلا، وأعدل الأقوال فيه قول الذهبي : " قَدْ وُثِّقَ " ( تاريخ الإسلام 2/941)، وذلك إشارة منه إلى القول بتضعيف التوثيق.وقول ابن القطان الفاسي : " رجل لَا تعرف لَهُ حَال، وَغَايَة مَا رفع بِهِ من قدره أَنه روى عَنهُ شُعْبَة، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، قَالَ ابْن الْجَارُود، عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي: هَذَا شُعْبَة، وَعبد الْملك بن عُمَيْر فِي جلالتهما يرويان عَن شبيب أبي روح، وروى عَنهُ أَيْضا حريز بن عُثْمَان، هَذَا كُله غير كَاف فِي المبتغى من عَدَالَته فاعلمه." ( بيان الوهم والإيهام 5/31)، وتعقب ابن حجر القول بأن شعبة روى عنه فقال : " وإنما أراد الذهلي برواية شعبة عنه أنه روى حديثه لا أنه روى عنه مشافهة إذ رواية شعبة إنما هي عن عبد الملك عنه" ( تهذيب التهذيب 4/309 ).ومع هذا التقرير بتليين حال شبيب يتعقب على ابن كثير حيث قال : " هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَمَتْنٌ حَسَنٌ وَفِيهِ سِرٌّ عَجِيبٌ، وَنَبَأٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ تَأَثَّرَ بِنُقْصَانِ وُضُوءِ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ " ( تفسير ابن كثير 6/329 ).وكذلك تحسين ابن حجر له في ( نتائج الأفكار1/432)، وتحسين السيوطي له في ( الدر المنثور 11/572).كما أن الحديث فيه علة أخرى وهي،العلة الثانية : الاضطراب، فقد اضطرب فيه عبد الملك بن عمير اضطرابًا شديدًا على النحو التالي، فرواه عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم به . أخرجه النسائي في ( الصغرى 947، الكبرى 1019) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ شَبِيبٍ أَبِي رَوْحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.ورواه أحمد في ( المسند23072 ) - ومن طريقه الضياء في ( المختارة 1497 )- عن وكيع، وعبد الرزاق في ( المصنف 2725 ) كلاهما عن سفيان به.ورواه أحمد في ( المسند 15873، 23125) – ومن طريقه الضياء في ( المختارة 1498 )- قال: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير بنحوه مختصرًا فلم يذكر فيه التباس القراءة ولا الطهور..وقد جاء ذكر الصحابي مسمى كما عند الطبراني في ( معجمه 881) – ومن طريقه الضياء في ( المختارة 1496)، وابن أبي عاصم في ( الآحاد والمثاني2579، 2796)، والبزار في ( مسنده كما في كشف الأستار 477)، وأبو نعيم في ( معرفة الصحابة 1049 )، والبغوي في ( معجم الصحابة 96) وابن حجر في ( نتائج الأفكار 1/432 ) فرووه من طرق عن مؤمل بن إسماعيل عن شعبة به .فسمَّ مؤمل الصحابي المبهم الأغر، ولكنه اضطرب في تعيينه هل هو الأغر المزني أم الأغر الغفاري، وكلا القولين فيهما ضعف، وذلك لسوء حفظ المؤمل، فقد قال الحافظ فيه : "صدوق سيئ الحفظ" ( التقريب 7029 )، ولمخالفته لمحمد بن جعفر الملقب غندرًا، وكان من أثبت الناس في شعبه رحمه الله وقد تقدمت روايته ولم يأتي فيها تعيين الصحابي، وكذلك لم يأتي تعيين الصحابي في رواية سفيان المتقدم ذكرها، ولا ذكره أحد ممن ستأتي روايتهم، مما يدل على توهيم القول بأنه الأغر الصحابي عمومًا.وقد خولف شعبة وسفيان، فرواه عبد الْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ عن أبي روح الكلاعي، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، فقرأ فيها ..... الحديث.فأسقط الصحابي، وأوهم فيه أن أبا روح صحابي وأنه قد شهد الواقعة، رواه من هذا الوجه أحمد في ( المسند 15872 ) قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن عبد الملك بن عمير به.وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وإن كان في حفظه سوء، فقد قال وكيع: "لم يكن أحد أروى عن الكوفيين من شريك ، و قال سعيد بن سليمان : سمعت ابن المبارك عند خديج بن معاوية يقول : شريك أعلم بحديث الكوفيين من سفيان الثورى ( تهذيب الكمال 12 / 462-471)، وعبد الملك بن عمير كوفي، ومن مشائخ شريك الذين أخرج لهم مسلم عنه متابعة، ولم ينفرد شريك بذلك بل قد توبع، فتابعه زائدة بن قدامة كما عند أحمد في ( المسند 15874) قال: حدثنا أبو سعيد ، مولى بني هاشم، حدثنا زائدة، حدثنا عبد الملك بن عمير، قال: سمعت شبيبا أبا روح، من ذي الكلاع،، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ... فذكره .ورواه ابن قانع في ( معجم الصحابة 3/132) قال: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكَ كَذَلِكَ . ولكنه – أي بن قانع – ذكره في ( معجمه 1/ 346) بالسند المذكور، ولكن جاء فيه أن أَبَا رَوْحٍ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا فعلى هذا تكون مرسلة، ويكون ثم خلاف على زائدة في متنه .وتابعهما - أي شريك وزائدة - أبو الأشهب جعفر بن حيان السعدي، ولكن سماه مر ذي الكلاع، فرواه ابن قانع أيضًا في ( معجمة 3/132 ) من طريق أبي الأشهب عَنْ عَبْدِ الْمَلِكَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ مُرِّ ذِي الْكَلَاعِ , كَذَا قَالَ قَالَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ... فذكره ولكن الحافظ بن حجر جزم بأن قوله مر بضم الميم تصحيف من حرف الجر من بكسر الميم ( الإصابة 10/534)فاتفق شريك وزائدة وأبو الأشهب على إسقاط الصحابي، ولكن جاء فيه التصريح بصحبة شبيب أبي روح، وقد سبق تخطئة القول في ذلك.بينما رواه زائدة بن قدامة، وعبيدة بن حميد وجرير بن عبد الحميد وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري محدث مرو فأرسلوه ،رواه ابن قانع في ( معجمه 1/346) من طريق زائدة بن قدامة، ورواه ابن أبي شيبة في ( المصنف 34) عن عبيدة بن حميد، والمحاملي في ( أماليه رواية ابن مهدي الفارسي 179 ) من طريق جرير بن عبد الحميد، والمستغفري في ( فضائل القرآن 845 ) من طريق أبي حمزة السكري،أربعتهم ( زائدة، عبيدة، جرير، أبو حمزة ) قالوا: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ بِأَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الرُّومِ.... الحديث مرسلًا.وخالف الجميع معمر بن راشد فأعضله، فرواه عبد الرزاق في ( مصنفه 2730 ) – ومن طريقه المستغفري في ( فضائل القرآن 847 ) - عن معمر عن عبد الملك بن عمير : «أَنَّ النَّبِيَّ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الرُّومِ» هكذا مختصرًا .فمن خلال عرض الطرق السابقه يتضح جليًا اضطراب عبد الملك بن عمير فيه، ولكن عبد الملك بن عمير مع أنه ثقة ومن رجال الصحيحين، إلا أنه يضطرب في الحديث كثيراً ، فقد قال أحمد: عبد الملك بن عمير مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته ، ما أرى له خمس مئة حديث ، و قد غلط فى كثير منها، وعنه أنه ضعفه جداً، وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين قال:" مخلط " (تهذيب الكمال 18/370). وقد اضطرب في أحاديث أخرى ذكرها الدارقطني في العلل: قال الدَّارَقُطْنِي ّ: بعد أن ساق الخلاف في إسناد حديث رجل لم يسم، عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلت المرأة خمسها ... الحديث، قال: "والاضطراب فيه من عبد الملك" (العلل 4/ 303). وقال أيضًا بعد أن ساق الخلاف في إسناد حديث آخر "ويشبه أن يكون الاضطراب من عبد الملك" (العلل 8/ 19).قلت: وهذه قرائن تدل على أن عبد الملك بن عمير يضطرب في الحديث كثيراً.ولذا قال الحافظ ابن عبد البر في ترجمة شبيب بن ذي الكلاع، أبو روح من الاستيعاب: " وحديثه هذا مضطرب الإسناد، روى عنه عبد الملك بن عمير." ( الاستيعاب 2/707). وقال الرحماني المباركفوري :" رجال النسائي وكذا أحمد رجال الصحيح، لكن الحديث مضطرب الإسناد، اختلف أصحاب عبد الملك بن عمير عليه " (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/15 ).وضعف الحديث الألباني في المشكاة (295)، و تمام المنة (1/180)، وضعيف الجامع (2070).وقد أعل الألباني هذا الحديث بعلة أخرى وهي نكارة المتن، فقال "ومن ذلك نعلم أن من حسن سنده قديما وحديثا فما أحسن مع مخالفة متنه لظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}"(تم �م المنة 1/180). قلت: ومراد الألباني في ذلك ما جاء في قوله فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الطُّهُورَ، فَإِنَّمَا يَلْبِسُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ أُولَئِكَ» اى أن الإمام يلتبس ويشكل عليه في القراءة بسبب أحد المأمومين لا يحسن الوضوء وهذا يعارض صريح القرآن في قوله تعالى " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" فصلت (46)، وقوله تعالى " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" الجاثية (15)، وقوله تعالى " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" الإسراء (15)والله أعلم.