المدخل إلى علم أصول الفقه - الدرس الثاني: هل (أصول الفقه) علم أم فن؟
هل (أصول الفقه) علم أم فن؟
وقبل أن نخوض في مبادئ (أصول الفقه)، نقدم سؤالا: هل (الأصول) علم أم فن؟
لنتمكن على الإجابة عن هذا السؤال ينبغي لنا أن نعرف ما المراد بـ (العلم) وما المراد بـ (الفن)، وما الفرق بينهما، ثم نحدد إلى أي النوعين ينتمي علم أو فن (الأصول).
أما تعريف العلم لغة واصطلاحا، فسيأتي في موضعه، وليس هو المراد هنا، بل المراد أننا عندما نقول مثلا علم التفسير، أو علم الحديث، أو علم الفقه، أو علم الطب، ونحوها، فما المراد بالعلم هنا؟
العلم (Science) يطلق على ما يرادف (المعرفة)، ويراد به هنا مجموعة من المعارف والمعلومات التي ترتبط ببعضها ويجمعها نسق واحد( ).
فمثلا، لو أخذنا كتابا في علم الفقه على سبيل المثال، فإنا سنجد فيه مجموعة من المسائل والمعلومات المرتبطة ببعضها، حيث ترتبط مسائل الطهارة ببعضها، ومسائل الصلاة ببعضها، وترتبط مسائل الطهارة بمسائل الصلاة، وبالعكس، وهكذا في سائر الأبواب.
ويجمعها نسق واحد، أي أنها كلها جارية على نسق واحد، وهو ذكر الأحكام الشرعية الفرعية.
فلو وجدت في هذا الكتاب مثلا مسائل عقدية، أو أصولية، أو حديثية، فإنها دخيلة عليه، لكونها خارجة عن هذا النسق.
وهكذا في سائر العلوم.
أما الفن (Art) فإنه يطلق على ما يرادف (الصنعة)، ويمكن تعريفه بأنه: العمل الذي يتميز بالصنعة والمهارة.
أما الفرق بينهما، فإنه من وجوه، والذي يعنينا من هذه الوجوه هنا، أن (العلم) تكون له قواعد، إذا أتقنها الشخص، أتقن هذا العلم، أما (الفن) فإن إتقانه لا يعتمد على معرفة قواعده، بل على الملكة والمهارة الفطرية أو المكتسبة.
ولنضرب مثالا يوضح المقام.
(العروض) الذي يعنى فيه بمعرفة أوزان الشعر علم، ولذلك فإن من أتقن قواعده يستطيع بعدها أن يقطع الأبيات ويستخرج التفعيلات والبحور.
أما (الشعر) فهو فن، فإن الشخص لو عرف قواعد الشعر، ومبانية، لا يصبح بالضرورة شاعرا، لأن تأليف الشعر يحتاج إلى ملكة، ولذلك قد يؤلف الشعر من لا يعرف قواعده.
على أن هذين المصطلحين قد يعبر بأحدهما عن الآخر.
وهنا يأتي السؤال: هل (الأصول) علم أو فن؟
والجواب: أن الأصول علم من وجه، وفن من وجه آخر.
فهو علم لكونه عبارة عن معلومات ومسائل وقواعد إذا أتقنها الشخص عرف علم الأصول.
لكن من يتقنها قد لا يتمكن بالضرورة من إتقان استخدام هذا العلم بالشكل السليم في الاستنباط.
فقد يحفظ شخص جميع مسائل الأصول وقواعده، ولا يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية على الوجه السليم.
بينما قد يتمكن شخص من الاستنباط دون أن يكون حافظا لمسائل وقواعد العلم، كما كان الحال قبل تدوين هذا العلم، كما سيأتي بيانه في المقدمة التاريخية.
ومثال ذلك أيضا علم النحو، قد يتقن الشخص قواعده، ويحفظ مسائله، ولكنه لا يسلم من اللحن، كما هو واقع لدى كثير من الطلبة.
بينما يوجد من لا يحفظ مسائله وقواعده، ولكنه يتكلم بالعربية بالشكل السليم دون لحن، كما كان الحال قبل تدوين علم النحو.
فخلاصة الأمر: أن الأصول علم من حيث النظرية، فن من حيث التطبيق.
وعليه فلا حرج علينا أن نطلق عليه اسم العلم، أو اسم الفن، خاصة أن كلا منهما قد يعبر به عن الآخر على سبيل التسامح في الاصطلاح.
إذا تقرر هذا، نقول: إن لكل علم أو فن عشرة مبادئ، ينبغي معرفتها قبل الخوض في مسائله.
وهذا ما سنتطرق إليه في الدرس القادم بإذن الله تعالى
رد مع اقتباس
