قال الإمام مسلم في صحيحه رقم (2540) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: " أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ .
فَقَالُوا : وَاللهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا .
قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: « يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ» فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ ؟ قَالُوا: لَا ؛ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أُخِي " .
قال النووي رحمه الله تعالى قوله : " أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ... " .
ضبطوه بوجهين : أحدهما بالقصر وفتح الخاء ، والثاني بالمد وكسرها ، وكلاهما صحيح ، وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية .
وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وإكرامهم وملاطفتهم .
قوله : " يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي " أما قولهم : ( يا أخي ) فضبطوه بضم الهمزة على التصغير ، وهو تصغير تحبيب . وترقيق وملاطفة .
وفي بعض النسخ بفتحها . قال القاضي : قد روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة ، وقال : قل : عافاك الله ، رحمك الله ، لا تزد . أي لا تقل قبل الدعاء لا ، فتصير صورته صورة نفي الدعاء . قال بعضهم : قل : لا ، ويغفر لك الله .
قال الشيخ حسين العوايشة حفظه الله تعالى : " لقد عظم الله من شأن عباده المؤمنين المتقين إنه ليرضى سبحانه لرضاهم ويغضب لغضبهم ذلك لأنهم يمشون على نور من الله _ تعالى _ وهؤلاء ربما ارتدوا الملابس الزهيدة إن غابوا لم يسأل عنهم وإن حضروا لم يؤبه لحضورهم .
تأمل _ رحمك الله _ كيف كان يوجِّه رسول الله الأمة من خلال خليفة المسلمين الراشد الأول فيقول له : " يا أبا بكر ! لعلك أغضبتهم " لقد كان _ عليه الصلاة والسلام _ حريصاً ألا يغضب أصحابه _ رضي الله عنهم _ وإنَّ غضبهم ليغضبه ويحزنه ويؤلمه .
وهكذا ينبغي لكل مسلم أن يخشى غضب إخوانه ويسعى لكسب رضاهم وودهم في ظلِّ مرضاة الله _ عز وجل _ .
إنه لا سبيل لمرضاة الله _تعالى _ بتجاهل المؤمنين الطائعين .
إن ادّعاء حب الله _ تعالى _ والحرص على رضاه دعاوى لا تصدق إلا بتِّباع الكتاب والسنة وحبِّ الطائعين المؤمنين .
فاحذر إذن أن تغضب إخوانك المتقين فيمسك غضب الله _ تعالى _ .
زِن قولك وفعلك وسلوكك معهم وحذارِ حذارِ من الزيغ والضلال ( 1).
اسأل الله أن يرزقنا حباً والفةً فيما بيننا كما كانت بين الصحابة رضي الله عنهم أي مشاعر يحملون بل أي قلوب يملكون ؟!
__________________
(1 ) " المظهرية الجوفاء " ( ص 48 _ 49 ) .