سلفي العلماء وصوفي الأولياء
الحمد لله رب الأرض والسماء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، وعلى آله وصحبه سادة الأولياء، صلاة تتجدد كلما تعاقب الصبح والمساء، وتساقطت من السماء الأنواء ...
خرجت من دارنا يوم الثلاثاء ، فقد كان لي مع أحد الشباب لقاء ، فمررت بالمدينة القديمة يا أصدقاء ، ولا يخفى عليكم ما يعانيه سالكها من شقاء ، فالزحام شديد وللدروب التواء ، والباعة يصرخون تعلوا أصواتهم بالنداء ، والروائح تتمازج متشابكة في الفضاء ، رائحة التوابل تنتشر في الهواء ، ثم تعقبها في الأنف رائحة الشواء ، أحاول التسلل بجُهد جَهِيدٍ وعـناء ، حتى وصلت إلى الملتقى فَبَاغَتني الاستياء ، فصاحبي لم يصل بعدُ وقد حان المساء ، فجلست على الرصيف أتنفس الصعداء ، أَجُولُ بعينيََّ في هذا الفضاء ، فالسوق مكتظ بالرجال والنساء ، فهذا شيخ مسن شديد الانحناء ، على ظهره أثقال وعلى وجهه إعياء ، وهذا صبي قد أجْهَشَ بالبكاء، يريد الحلوى والأم تَجُرُّه ويقابلها بالإباء، وهذا الشاب قص شعره بطريقة شوهاء ، يسير مع شابة زعما أنهما أصدقاء !! وتلك عجوز تبيع خبزا جنبها قنينة ماء ، لا تسمع هذا الضجيج وكأنها صمَّاء ، وفجأة لمحت لوحة زرقاء ، معلقة على باب مفتوح ليس يستره غطاء ، مكتوب عليها : زاوية ...... من الشرفاء !! لم أرها قط إلا في هاته الأثناء ، فقمت ودخلت إليها لأتفحص الأرجاء ، فوجدت حصيرا باليا ومصحفا وسُبْحَة صفراء ، وقـبـرا !!! عليه كسوة خضراء ، ورجلا مستقبل القبر ببردة بيضاء ، مغمض العينين يجلس القرفصاء ، يتمتم !! رافعا يديه بالدعاء ، فاستبشعت المنظر وغادرت تلكم الظلماء ، انتظرت صاحبي نريد لحاجتنا القضاء ...
وعند عودتنا بعـد صلاة العشاء ، مررنا على الزاوية وقـد تسللت منها الأضواء ، ينبعث منها صوت ملحن له أصداء ، فبعد أن أصغيت وزدت في الإصغاء ، علمت أنها أبيات في المدح والثناء ، أبيات أحفظها لشوقي أمير الشعراء ، وُلِدَ الهدى فالكائنات ضياء ، وَفمُ الزمان تبَسُّمٌ وثناء ، ينشدونها والبخور تملأ الأجواء ، فقلت هداكم الله أيها الشرفاء ، فقال لي صاحبي : وهل رأيتَ إثما أو فحشاء !!؟ ذكر ومدح وتعظيم للأولياء ، أم أنك مِن .... أعني ... مِن هؤلاء ، قلت : من يا رفيق الدرب هؤلاء !!؟؟ قال : الوهابيون عليهم من الله أطنان البلاء ، قلت : وأنت مِمَّن يا أخ المحبة والصفاء ؟ قال : صوفي عَريقُ النسب سَلِيلُ الشرفاء.. قلت : لا أحبذ أن أسمى وهابيا وما شابهها من الأسماء ، هو عالم ـ نعم ـ شهاب في السماء أضاء ، وقهر أهل الشرك وأخرس الغوغاء ، فأنا سلفي النهج مقتد بالأنبياء ، لكن لا أرضى أوصافا لعالم فيها يُساء ، فلنتحاور أخي ولنجعل للخلاف انتهاء ، أنا السلفي وأنت الصوفي وفقنا الله لما شاء ، قال : وافقت وإني موقن بالفوز دون عناء ...
ـ الصوفي : لماذا يكره السلفي الأولياء الصالحين ؟ ويصفنا بالجهلاء المشركين ؟ ولا يدري أنه من أهل الغباء المساكين !؟؟
ـ السلفي : من زعم هذا فهو أكذب الأكذبين ، وممن لا حياء له ولا دين ، ألم يَرَ حُبَّنا للأولين من الصحابة والتابعين !؟؟ بل لو كان حقا مِن المُنْصِفين ، لتأمل سبب تسميتهم بالسلفيين ، أليس هذا البرهان كاف مبين ؟ أم أزيدك من صُنُوف آخرين ؟؟
ـ الصوفي : ظننتك من أولي الألباب ، أنا أقصد رفضكم للقباب ، وتقديسنا للأضرحة والأعتاب ، فما المشكل فيه وقد ورد به الكتاب !؟
ـ السلفي : علمت أنك ستطرق هذا الباب ، ولست من ذاك في إعجاب ، وكيف سيخفى عليَّ الجواب !؟ والنبي في آخر عمره أجاب ، فلقد لعن لذلك أهل الكتاب ، فقد خاب من لعن النبيُّ وحاق به الخراب !!
ـ الصوفي : عندي الدليل أسوقه من القرآن ، صريح اللفظ بليغ التبيان ، من الجهل دخل عليكم الحرمان !! فما ردك على الحجة يا فهمان ؟؟
ـ السلفي : عجبي منكم لا ينقضي وعزة الرحمن ، أخلصوا لله ربكم والعنوا الشيطان ، من الباني على أهل الكهف يا فهمان ؟ أهل الله أم أهل البغي والسلطان ؟ ألم تتدبر قول الناصح يحذر الفتيان ؟ إن يظهروا عليكم يُعيدوكم في مِلة الشيطان ، فأظهر الله عليهم وكان ما كان ، فاجتمع الذين غلبوا على أمرهم أن للمسجد البنيان ، ثم فلنفترض أنه مشروع في ذاك الزمان ، فشريعتنا تَنسَخُه كما سَلف البرهان ، فما رأيك في جوابي يا أخ الإيمان ؟؟
ـ الصوفي : نحن لسنا نعبُدهم بل بهم نستعين ، فهم الوسيلة نبتغيها مؤمنين ، نتبرك بهم لرضا الإله قاصدين ، فلما تصفوننا بالضُّلال المشركين !؟؟
ـ السلفي : لقد سَلكتُم والله طريق الهالكين ، من قوم نوح وكل المارقين ، إن لم يكن الشرك ما كنتم فاعلين ، فأهل الجاهلية في صف المؤمنين ،ـ ما نعبدهم إلا ليقربونا ـ زعموا كاذبين ، فالمستعان واحد ـ أفق من رقدة الغافلين ـ ! كم تُكرر قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ؟؟ وهو الذي إذا سأله العباد من الأقربين ، يجيب المضطر ويعطي السائلين ، أتقصد الموتى تسألهم وهم بدعائكم كافرين !!؟؟؟
ـ الصوفي : وما تنقم علينا أيضا ؟؟ وقد نثرت اللوم طولا وعرضا ، وما أبقيت لنا نفلا ولا فرضا ، زدنا لعلنا نقتنع أو نرضى .
ـ السلفي : إني أريد صدك عن الشر صدا ، لأن لك في القلب وُدا ، لقد أتيتم ببدع لا تُعَدُّ عَدا ، تهد الجبال أُخيَّ هدا ، كيف لا وقد جعلتم لله ندا ؟ وأخلفتم مع الله عهدا ، وإن شئت سردتها لك سردا ، وأشبعتها بالأدلة نقدا ، وهي عديدة في الناس جدا .
ـ الصوفي : اعلم أني لست إلا من عامة الناس ، وليس لي علم بالأصول والقياس ، وأنت هجمت فنقضت الأساس ، ومن حقك يا سلفي أن ترفع الراس ، لكن زدني حتى تزيل الالتباس ، فأكون ممن طرح البدع وداس .
ـ السلفي : مِن بدع الصوفية ذكر الله بالحَضْرة ، إذا رآهم المرء حول النظرة ، ذكر الله !!!! يا غُصَّتي المُرَّة، والقرآن يتلى مُقطع النَّبرة ، وتمسح بالقبر ابتغاء العون والنُصْرَة ، بخشوع وذل وعلى العين سالت العَبْرَة !!
ـ الصوفي : كفاني فهكذا وجدنا الآباء ، ففعلنا كما فعلوا دون إباء ، تُبْتُ من ذنبي فللباطل انجلاء ، ما أحلى العلم ومجالس العلماء ، نور على الوجوه وللقلوب صفاء ، قول بدليل وتمحيص للنجباء ، فمنهم الفقهاء الأذكياء ، وهم لأدواء للجهل أطباء ، عاهدني أيها السلفي أن نعزز الانتماء ، لسلفنا الصالح مع حب لهم دون رجاء ، آه ما أقبح العيش وسط الجهل والجهلاء !!!
ـ السلفي : لك مني بالغ الود والإخاء ، واحمد المولى على حسن القضاء ، ولنكن دعاة للحق لا فقط أدعياء ، لنخرج إخوانك الصادقين من الشرفاء ، لرؤية الحق ومجالس العلماء ، فهم أحبابي وإن اختلفنا في الأسماء ....
كتبه : أبو الوليد الصفريوي
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عبد الله اللأثري
